الذين يختانون الله والوطن

 

عبد الرحمن مراد

يمرُّ اليوم الذين آثروا بيع الوطن على الانتصار له في ظروف حربه مع عدوه التاريخي في أسوأ حالاتهم النفسية والوجودية، فقد وصل بهم الحال إلى ذات النقطة التي وصل إليها أسلافهم من الذين يختانون الله والرسول والأوطان في كُـلّ مراحل الـتاريخ المختلفة، العربية وغير العربية، فالثابت في التاريخ العربي أن أبا رغال -الذي نبذته الذائقة القيمية اليمنية لتعاونه مع أبرهة الذي أراد هدم الكعبة– ظل محط سخرية أهل اليمن وكان قبره مرجوماً إلى زمن قريب ومثله وزير آخر خلفاء بني العباس على بن العلقم الذي أراد أن يحفظ لنفسه يداً عند هولاكو فكان مصيره الموت، وفق الكثير من الروايات الـتاريخية على يد هولاكو نفسه الذي أنكر في ابن العلقمي خيانته لخليفته ولوطنه، ولم يستبعد منه أن يقوم بذات الدور إذَا استخدمه في شأن من شؤون الدولة، وفي التاريخ العالمي ثمة رواية منسوبة إلى هتلر تقول إن خائناً ساعد هتلر على غزو بلده وحين مثل بين يدي هتلر أراد ذلك الخائن تقبيل يد هتلر فرفض هتلر ذلك قائلاً مقولته المشهورة: “يد هتلر لا يقبلها خائن ساعدني على احتلال بلده” ووهبه حفنة منه، وخرج مدحوراً مكسوراً، وهذا هو الحال الذي أصبح فيه مرتزِقة اليمن في الرياض، فقد تحدثت المصادر الإعلامية عن ضيق سلطة الرياض بهم، ومنحتهم تعويضاً مادياً مقابل خدمتهم، وطلبت منهم مغادرة الرياض والبحث عن أماكن بديلة لهم، وقيل أن الرياض فرضت الإقامة الجبرية على الفارّ هادي وطغمته، ولعل المتأمل لمنشورات المرتزِقة وتغريداتهم يدرك حالة الانكسار وكميات القهر التي تختزنها حروف ومفردات المنشورات والتغريدات، أما الإخوان فقد قالوا: إن حزبهم لن يجلس على قارعة الطريق، ولكنه سيكون معنياً بصناعة التاريخ.

ولا أدري عن أي تاريخ يتحدثون بعد أن أصبحوا هم وحزبهم خارج دائرة التاريخ ودائرة الصناعة.

* * *

وفق ما هو مقروء في سياق التاريخ وفي تفاصيل أحداثه ندرك أن اليمن لا يمكن أن تقبل خائناً ساعد محتلّاً على احتلالها وتدميرها، ومهما كانت التسوية السياسية التي ستكون في قابل الزمن إلَّا أن حقائق التاريخ القريب والبعيد تقول: باستحالة بقاء الخائن على ترابها، فضلاً عن قدرته على التفاعل السياسي مع الاستحقاقات السياسية، فالذين يقتاتون سحت البيع والخيانة يدركون هذه الحقائق ولذلك شاعت في نفوسهم وصفاتهم الطمع والنهب والفساد وقد بدأت المؤسّسات المالية الدولية تتحدث عن فسادهم، وعدم قدرتهم على إدارة المؤسّسة المالية، وتتحدث عن خطأ إجراء نقل البنك إلى عدن.

مشكلة اليمن منذ بدء نشأة الدولة الحديثة في مطلع القرن الماضي أنها تنفق جل الموازنة العامة على مفردات القوة وإدارة الصراع ولم تفكر يوماً في أهميّة البحث العلمي في التخفيف من حدة الصراع وقدرته على إحداث عمليات الانتقال، فالتعبيرات السياسية المتعددة التي وصلت إلى سدة الحكم تستغرق ذاتها في صراعها مع الآخر وفق حالات انفعالية، وهي بذلك تستسلم بكل إرادتها لقانون التاريخ وتفسح له المجال كي يكرّر نفسه وأحداثه ووقائعه إلى درجة تعطيل حركة المجتمع في التحديث والانتقال، فالحرب والصراعات والنزاعات تعمل على يقظة الهُــوِيَّات التاريخية بكل تشوهاتها ونتوءاتها التي لا تتناغم مع روح العصر الذي نعيش لذلك فكل الحروب التي حدثت بعد عام 1990م لم تترك إلا مجتمعاً مختلفاً، وثقافة تقليدية، واقتصاداً راكداً، حتى تلك التحولات التي ظننا أنها تحولات، لم تكن تحولات بنيوية عميقة فقد تركت وراءها مجتمعاً مغترباً وثقافة مستلبة وشخصية منقسمة على نفسها ونحن اليوم نقف على أطلال النتائج التي أفرزتها تلك المقدمات الخاطئة، إذ أن ثمة خصوصية يمنية يجب أن تجد تعبيراً عنها في شكل وبنية الدولة القادمة حتى تمتد بصيغة تفاعلية مع الماضي لتبدع الحاضر والمستقبل، فالشعور بالقيمة الثقافية والحضارية هو الامتلاء الذي يبحث عن الأجد والأروع ويحض على الابتكار والإبداع ويعمق من قيمة الانتماء للفرد والجماعة ويوثق من عرى الآصرة الوطنية ويعزز من قيمة يمنية اليمن.

ومن الحكمة الوقوف أمام الظواهر التي نشأت خلال السنين الخوالي ودراستها وبيان أسبابها حتى لا تصبح تقليداً وحتى نحدث انحرافاً في مسارها أملاً في استقرار اليمن وعدم تكرار تيار الذين يختانون الله والوطن، فوراءنا الكثير من التجارب التي يمكننا دراستها حتى نتجاوزها لنبني يمناً يتوازى وحجم التضحيات التي حدثت خلال زمن العدوان الغاشم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com