سلامٌ على من حققوا نعمة الخلود والرضوان..

 

عبدالقوي السباعي

يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾, ويقول سبحانه: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ صدق الله العظيم, بهذا النداء الرباني ينهانا المولى جل وعلا على القول أو حتى الاعتقاد بأن الشهداء أموات وأنتهى بهم الأمر, أي لا يخطر ببالكم وحسبانكم أنهم ماتوا وفقدوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا، والتمتع بزهرتها الذي يحذر من فواتها، من جَبن عن الجهاد، وزهد في الشهادة، بل قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون، فهم أحياء عند ربهم في دار كرامته، ويرزقون بأنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من أنعم به عليهم.

ولو تأملنا إلى مصير من يقتل في سبيل الله في التراث الإسلامي والموروث القرآني, سنجد الاختلاف الكبير بين الشهيد وبين القتيل أو الميت كاختلاف الليل والنهار, إذ تتجلى فيه نعمة الله على الشهيد في الإسلام بحجم وعظم هذا الدين وعظمة مشروعيته للعالمين, فكل قتيلٍ فاضت روحه وأهرق دمه في ميدان الجهاد, في معركة الحق ضد الباطل, معركة الخير ضد الشر, لا يمكن أن ننظر إليه بأنهُ قتل وانتهى الأمر, إذ أن الله قد وعد ذلك الشهيد بالخلود السرمدي والحياة الأبدية وسيظل يُرزق إلى أن يشاء الله, فهل يستوي ثواب الشهيد في سبيل الله والقتيل في سبيل دنيا يصيبها أو ثروةٍ يجمعها أو متعة فانية وجاهٍ زائل؟ لا يستويان, فسبيل الله, سبيل الدين القويم والنهج العظيم, هو معيار تحقيق الشهادة وعنوان تحقيق وعد الله, والقتيل لأجل ذلك إنما هو الشهيد الحق, فقد حقق نعمة الخلود والرضوان والفوز العظيم, وهذا هو الاختلاف بين الأمة الإ سلامية وغيرها من سائر الأمم, وبين المسلم الحق والدعي بالإسلام, فالمسلم المؤمن المجاهد يذهب ليقاتل ويجاهد على بينةٍ وبصيرةٍ من الأمر وقلبهُ مُطمئنٌ وروحهُ عامرة بالثقة بالله وبنيل إحدى الطائفتين, نصرٌ أو استشهاد, وهو ما نلمسه في مجاهدي الجيش واللجان الشعبية, ومن سواهم يذهب يقاتل وقلبه مليء بالخوف والرعب, مليء بالرغبات متخم بالشهوات تعصفه الشبهات من كل اتجاه, فيخسر دينه ودنياه وآخرته, لذلك فالشهادة شرف عظيم بعظمة من سخرها لجنوده المؤمنين المخلصين.

فهنيئاً لكل مؤمنٍ بذل نفسه في سبيل الله, دفاعاً عن الأرض والعرض, ونصرةً للمستضعفين وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وتنكيس رؤوس الظالمين والمستكبرين, فبتلك الدماء الزاكية تطهر الأرض وتحيى بها الأمة بالحياة الطيبة والكريمة, في ظل المشروع القرآني المحمـدي العظيم والمنهج القويم, والتي لا يمكن أن تنشأ وتستقر وتدوم هذه الحياة إلاّ بفضل هؤلاء الشهداء وتضحياتهم وعطاءهم, فالشهادة عطاء قابلهُ الله بعطاءٍ أجزل وأكبر, بأن يعيش الشهيد الحياة الأبدية, والتي كان جديراً بها, ولهذا سيظل شهداؤنا الأبرار مصابيح من النور التي لا يخفت بريقها ولا ينطفئ وهجها أبد الدهر, فسلامٌ على شهدائنا الذين حققوا نعمة الخلود السرمدي والرضوان الإلهي والفوز العظيم..

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com