التصعيد الأمريكي الجديد ومآلاته: نتائجُ عكسية مؤكّـدة

واشنطن تزيل قناع “السلام” وتؤكّـد إدارتها المباشرة للعمليات العدوانية

 

المسيرة| ضرار الطيب

مع اقترابِ قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة من آخر معاقل المرتزِقة في محافظة مأربَ، اتضحت حتميةُ هزيمة تحالف العدوان في اليمن بشكلٍ أكبرَ، وبات أكيداً أن الولاياتِ المتحدةَ غيرُ قادرة على حماية النظام السعوديّ من هذا المصير وتداعياته، ما دفع بواشنطن إلى تصعيد تحَرّكاتها العدوانية والتخلي حتى عن “دعايات السلام” المزيَّفة التي كانت تحاولُ أن تضلِّلَ بها الرأيَ العام، لتؤكّـدَ بذلك حقيقةَ إدارتها المباشرة للعدوان، وتمسُّكَها المعلَنَ بخيارِ تصعيد الحرب والحصار.

من المقرّر أن تخرُجُ اليومَ الاثنين، مسيراتٌ جماهيرية كبيرة تحت شعار “أمريكا وراء التصعيد العسكري والاقتصادي واستمرار العدوان والحصار”، في رد شعبي على التحَرّكات الأمريكية الأخيرة والتي كشفت من خلالها الولاياتُ المتحدة عن توجُّـهٍ كبير نحو مضاعفة استهداف البلد على أكثر من مستوى.

عسكريًّا، برزت واشنطن خلال الأيّام الأخيرة، كقيادة مباشرة لقوات تحالف العدوان ومرتزِقته على الأرض، فبالتزامن مع الإعلان عن فرض “عقوبات” جديدة على مسؤول في السلطة الوطنية، وإقرار صفقة سلاح كبيرة للسعوديّة، وتصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن “عدم تواني” واشنطن في استهداف صنعاء، وتأكيدات وزير الحرب الأمريكي وقائد “القيادة الوسطى” على استمرار دعم المملكة، كثّـفت مقاتلات تحالف العدوان غاراتها الجوية على المحافظات اليمنية بشكل ملحوظ، موقعة شهداء وجرحى من المدنيين.

وفي الوقت ذاته، دعا المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، فصائل مرتزِقة العدوان إلى “توحيد جهودها” لمواجهة قوات الجيش واللجان الشعبيّة، وهو الأمر الذي انعكس على الأرض بشكل مباشر من خلال تصعيد المرتزِقة في عدة مناطق، منها محافظة الحديدة، التي ليس من قبيل المصادفة أن تكون على رأس المحافظات المستهدفة بالتصعيد الجوي أَيْـضاً.

هكذا ظهر بوضوح الدور القيادي المباشر للبيت الأبيض في إدارة التصعيد العسكري وتنسيق كُـلّ تفاصيله، ليثبت مجدّدًا أن دعايات “السلام” التي رفعتها إدارة بايدن، لم تكن سوى أكاذيب لتضليل الرأي العام والعالم، ولفرض رواية مغلوطة تُحمِّلُ صنعاء مسؤولية استمرار العدوان والحصار.

وليست هذه المرة الأولى التي تنقلب الولايات المتحدة على نفسها، وتتبنى التصعيد العسكري على الأرض بشكل معلن، فقد حدث ذلك عدة مرات من قبل، إحداها عندما أعلن مرتزِقة العدوان عن تنفيذ عملية عسكرية بعنوان “النجم الثاقب” في محافظة البيضاء تزامناً مع إعلان الإدارة الأمريكية عن “عودة” الدعم العسكري لقوات حكومة المرتزِقة، وفي ذلك الوقت علّق رئيسُ الوفد الوطني، محمد عبد السلام، مؤكّـداً أن واشنطن تعتمد على تغيير موقفها كُـلّ مرة بما يلائم مصالحها وتحَرّكاتها على الميدان، وقد أثبتت الأحداث دقة هذه القراءة وصوابية موقف صنعاء، إذ يتخلى الأمريكيون تماماً عن أحاديث “السلام” وقت التصعيد، وعندما تتلقى قوى العدوان هزائمَ وصفعاتٍ مدوية، يعودُ “ليندركينغ” ليتكلم عن “إنهاء الحرب”.

مع ذلك، لا يبدو أن هذه “المراوغةَ” تؤتي أيةَ نتائج، فحقيقة عدم وجود أي تغيير “إيجابي” فعلي في موقف الولايات المتحدة إزاء اليمن، أصبحت ثابتة وراسخة، وهذا ما تؤكّـده الانتقادات الحقوقية والتشريعية لسلوك إدارة بايدن داخل الولايات المتحدة نفسها، فبالرغم من المحاولات المكثّـفة، لم ينجح بايدن في تحديث مبرّرات استمرار انخراط أمريكا في الحرب، من خلال توصيف صفقات السلاح المقدَّمة للسعوديّة والحصار المفروض على اليمن بـ”إجراءات دفاعية”، وعلى الرغم من جهود “العلاقات العامة” المبذولة لإظهار إدارة بايدن كوسيط سلام، ما زال أعضاءٌ في مجلسَي النواب والشيوخ يتحَرّكون لعرقلة تسليح السعوديّة وإنهاء الدعم الأمريكي للعدوان والحصار، ما يعني ببساطة أن أكاذيبَ بايدن باتت مكشوفة.

التصعيدُ الأمريكي العسكري الراهن، ترافق مع تصعيد سياسي ودبلوماسي من خلال محاولة إثارة مزاعم “اقتحام” السفارة في صنعاء واختطاف موظفيها، وهو الأمر الذي بدا أن إدارة بايدن تحاول من خلاله صناعةَ مبرّر لإعلان فرض المزيد من العقوبات على صنعاء، وحشد مواقفَ وضغوطٍ دولية جديدة.

هذا التوجُّـهُ أَيْـضاً، وبرغم أنه يفضح حقيقةَ الإصرار الأمريكي على استمرار التصعيد، وزيف كُـلّ دعايات “السلام”، لا يبدو فعالاً هو الآخر، بل يعكس “إفلاساً” كَبيراً وانسدادًا واضحًا في الأفق، بصورة تشبه كَثيراً المأزق الذي تواجهه واشنطن في الميدان، فعلى امتداد الفترة السابقة حاولت الإدارة الأمريكية حشد ضغوط دولية كبيرة لوقف تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة مأرب ووقف الهجمات الصاروخية والجوية على العمق السعوديّ، وعملت على استصدار بيانات إدانة وعقوبات دولية لدعم هذه الضغوط، لكن النتائج كانت معدومة تماماً على الأرض، وغير فعالة على الطاولة، حتى أن الإعلام السعوديّ كان قد بدأ يعبر عن “خيبة أمل” من عدم جدوى التحَرّكات الأمريكية والغربية الداعمة له.

أما “العقوبات” فلن تكونَ حلًّا سحريًّا، وهي في مستواها الحالي، لا تحمل أية قيمة فعالة، بل تعبر عن تخبط كبير، وَإذَا تصاعدت أكثرَ لتضاعف إجراءاتِ الحصار والحرب الاقتصادية، فإن أثرَها لن يصلَ إلى الميدان، بل سيستهدفُ الشعب، وهو أمرٌ سيكونُ على الولايات المتحدة أن تتعاملَ معه بحذر؛ لأن صنعاء ما زالت تمتلك خيارات رد وردع قد تكون مكلفة للغاية.

إجمالًا، يمكن القولُ إن نتائجَ التصعيد الأمريكي الراهن ستكونُ عكسيةً كلها، بداية بانكشاف زيف دعايات ومزاعم الحرص على “السلام”، وتحميل النظام السعوديّ المزيدَ من الخسائر التي سيتكبدها نتيجةَ تنفيذه لهذا التصعيد، وُصُـولاً إلى تكبيد قوات مرتزِقة العدوان هزائمَ جديدةً نتيجةَ الزج بهم في معاركَ خاسرة، قد تفضي إلى توسيعِ خارطة انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة، وبالتالي تعاظُم قوة موقف صنعاءَ العسكري والسياسي، ولن تكون هذه المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.

وتأتي عمليةُ “توازن الردع الثامنة” التي نفذتها القوات المسلحة هذا الأسبوعَ في إطار النتائج العكسية للتصعيد الأمريكي الراهن، فإلى جانب ما أضافته من خسائرَ كبيرة إلى رصيد النظام السعوديّ، تعيدُ هذه العمليةُ وضعَ الرياض أمام معادلات تدركُ جيِّدًا أنها مزلزلة، وأنها لا تستطيعُ تجنبها أَو تفاديَها بأية ضغوط دولية أَو “حماية” أمريكية، واستمرار التصعيد يعني أن السعوديّةَ ستتعرض حتماً للمزيد من هذه العمليات، وكل النتائج التي تأمل الولايات المتحدة والسعوديّة تحقيقها من التصعيد، لن تستطيع أن تتفوقَ أَو تعادل التداعيات التي ستنتج عن تكثيف مسار عمليات الردع العابرة للحدود، خُصُوصاً وأن القوات المسلحة قد أثبتت سابقًا قدرتَها على الدفع بهذا المسار نحو مستوى متقدم سوى فيما يتعلق بنوعية الأهداف والأسلحة المستخدمة، أَو في الفترة الزمنية الفاصلة بين كُـلِّ عملية واسعةٍ وأُخرى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com