ثورة 21 سبتمبر.. خنجر في خاصرة أمريكا

التحَرّك الثوري لم يكن في حسبان الأمريكيين ولم يخطر في بال أدواتهم من العملاء اليمنيين

 

المسيرة – أحمد داوود

يتعمد الأعداءُ باستمرار تسمية 21 سبتمبر بأنها “انقلاب” ضد الدولة، وخروجٌ على “الشرعية”، ويحاولون كذلك تصويرَها بأنها تتبعُ طائفةً معينةً، وأن الشعب اليمني لا يساندها، والحقيقة بالطبع عكس ذلك تماماً.

وبالوقوف وراء الأسباب الحقيقية التي دفعت الشعب اليمني للخروج في هذه الثورة، فَـإنَّها لا تنحصر في سبب واحد، أَو أنها كانت نتيجة انفعالية لموقف معين، وإنما جاءت في وقت “الضرورة”، وفي زمن كان اليمن على حافة الهاوية، وقد أصابته الأوجاع من كُـلّ ناحية، أوجاع سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وإعلامية، وثقافية، وغيرها، نتيجة التدخل والسيطرة المباشرة للأمريكيين في اليمن.

ويمكن القول إن من أهم أهداف ثورة 21 سبتمبر المجيدة أنها أعادت لليمن اعتباره، وذلك باستعادة قراره السيادي، ووجهت صفعة قوية للتدخل الخارجي، وقزمت أدوات الخارج، فالمرحلة آنذاك قبل الثورة كانت وَصايةً واضحة، واستعماراً وسيطرة خارجية على بلادنا، حَيثُ وضع الأمريكيون أعيُنَهم على بلادنا، لعدة اعتبارات، من بينها الموقع الجغرافي المميز، والثروات الوطنية الهائلة التي تزخر بها بلادنا، وذلك ضمن مسار تدخلي كبير يعيق هذه الأُمَّــة من تقدمها ونهضتها وعزتها وكرامتها.

وازداد التدخل الأمريكي في المنطقة العربية برمتها وفي بلادنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة والتي كانت مخطّطة من قبل الأمريكيين أنفسهم، ونتج عنها الاحتلال الأمريكي المباشر لبعض الدول كأفغانستان والعراق، والاحتلال غير المباشر لدول أُخرى تحت عنوان مكافحة الإرهاب كما حصل في بلادنا.

والشواهد على أن بلادنا كانت ترزح تحت الاحتلال الأمريكي غير المباشر كثيرة ومتعددة، فالطائرات بدون طيار الأمريكية كانت تحلق متى تشاء في سماء اليمن، وتقتل من تشاء، وتقدم واشنطن في ذلك أعذاراً واهية من بينها أنها تلاحق العناصر الإجرامية “القاعدة وداعش” ولطالما استشهد العشرات من المدنيين، وهدمت منازل الأبرياء دون ذنب، في ظل صمت وخضوع وخنوع من قبل السلطات الحاكمة في البلاد.

لقد كان التدخل الأمريكي واسعاً وغير محدود، وشمل كُـلّ المجالات، وفي هذا يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله-: “الأمريكيون تدخلوا في كُـلّ شؤون هذا البلد بشكل كبير، فتدخلوا في كُـلّ المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، وكان تدخلاتهم في الملف الاقتصادي أَيْـضاً تدخلات خطيرة، وأصبح السفير الأمريكي آنذاك يتدخل على المستوى الرسمي في كُـلّ المؤسّسات والوزرات، فهو يتدخل في القضاء، ويلتقي بالجانب القضائي، ويتدخل بفرض سياسات وإملاءات وتوجّـهات، يتدخل في المؤسّسة العسكرية، ويلتقي بالضباط والقادة العسكريين، ويعمل على صياغة برنامج معين -بالتأكيد- ينسجم مع السياسات الأمريكية، ويحقّق الأهداف الأمريكية، ثم على مستوى الأجهزة الأمنية، ثم على مستوى المجال السياسي مع السلطة والأحزاب… وهكذا فتح السفير الأمريكي آنذاك برنامجاً في كُـلّ مجالات وشؤون هذا الشعب، من النوافذ الرسمية في كُـلّ مؤسّسات الدولة ووزاراتها، ثم أكثر من ذلك: اتجه إلى الاختراق للحالة الشعبيّة، وبدأ بتنسيق علاقات مباشرة مع بعض الشخصيات الاجتماعية، وبعض المشايخ، وبعض الوجاهات، وحاول أن يعزز له ارتباطات مع بعض المناطق، وأصبح يتجه أَيْـضاً إلى وجهة أُخرى: هي المجتمع المدني؛ ليتغلغل من هذه النافذة، وعلى العموم لم يبق السفير الأمريكي آنذاك في صنعاء نافذة من النوافذ التي يتسلل من خلالها للتدخل في كُـلّ شؤون هذا الشعب إلا وتسلل منها ودخل منها”.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان التدخل الأمريكي في اليمن يصُبُّ لصالح اليمنيين، ويعود عليهم بالنفع والفائدة أم أنه كان على العكس من ذلك تماماً؟

ويؤكّـد قائد الثورة السيدُ عبد الملك الحوثي في هذا الجانب أن هذا التدخلَ “لم يكن إيجابياً ولا لمصلحة الشعب اليمني، ولم يكن له أية ثمرة طيبة أَو إيجابية في واقع هذا الشعب”، مبرّراً ذلك بحدوث تدهور في كافة المجالات على المستوى الأخلاقي والقيمي والمبدئي والثقافي والفكري، وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وعلى مستوى بنية الدولة التي كان ينخر فيها كالسوس، ولهذا فَـإنَّ المسار الذي كان يدفع به الأمريكي يتجه باليمن نحو الانهيار التام، ووصلت به إلى حافة الهاوية، ولولا هذه الثورة الشعبيّة لكان البلد في وضعية مختلفة جِـدًّا.

 

خنوعٌ لأمريكا

ومن المساوئ التي كانت ترافقُ التدخُّلَ الأمريكي آنذاك قبل ثورة 21 سبتمبر المجيدة أن السلطةَ والأحزاب السياسية في البلد، كانت قد فضّلت “الخضوعَ والخنوع والاستسلام”، والتسابق فيما بينهم على من يكسب ود الأمريكي، ويحظى بالإشادة منه، حتى وصل الحال إلى أن السفير الأمريكي بصنعاء بات الرئيس الفعلي في البلد، فهو يتحكم بكل شيء، ويسيطر على كُـلّ شيء ليحقّق المصلحة الأمريكية أولاً على حساب بلد بأكمله، وشعب بأكمله، ولهذا فقد جلب المارينز إلى صنعاء، وأقامت أمريكا عدداً من القواعد العسكرية في بلادنا، بالعند وغيرها، وكانت أمريكا تمهد للسيطرة الكاملة والمباشرة على أن تنزع من هذا البلد كُـلّ عناصر القوة والتماسك.

ولعل الجانبَ الاقتصادي كان الأكثر إيلاماً ووجعاً للشعب اليمني، فالسلطة الخانعة لأمريكا وللوصاية الخارجية فقدت زِمامَ الأمور، وأعلنت أكثرَ من مرة عجزَهَا عن صرف رواتب الموظفين، وتجريع الشعب اليمني الأزمات المتعاقبة.

وفي هذا الجانب، يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله-: “في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جِـدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كُـلّ هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كُـلّ الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جِـدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حَـلّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك، مع ذلك كانت القروض من الخارج مُستمرّة، وما يأتي تحت عنوان هبات يأتي أَيْـضاً، ولكن من دون أن يكون مجدياً، أَو على الأقل يخفف من مستوى المعاناة الاقتصادية، فالأزمة خانقة جِـدًّا، الحصول على البترول آنذاك أصبح صعباً، مع أنَّ البلد ليس في حرب، مع أنَّ الثروة النفطية تحت سيطرة الدولة، مع أنه لا حصار على دخول المشتقات النفطية إلى البلد، لم يكن البلد لا تحت حرب، ولا في حصار خارجي، بل إنَّ البلد آنذاك في مرحلة يزعم الخارج أنه يساند السلطة التي كانت قائمةً بأمر هذا الشعب آنذاك، وأنه إلى جانبها”.

إذاً، لقد جاءت ثورة 21 سبتمبر في الوقت المناسب، والتي أوشك الشعب فيها أن يخسر حريته، وكرامته، ومستقبله، وكان كُـلّ شيءٍ فيها يتجه نحو تحقيق وتنفيذ السياسات الأمريكية التي تساعد أمريكا على السيطرة التامة على هذا البلد، لكن تحَرّك الشعب اليمني أعاق هذا المخطّط، وأفشله، وهو تحَرّك لم يكن في حسبان الأمريكيين، ولم يخطر في بال أدواتهم اليمنيين الذين كانوا يقزمون هذا التحَرّك، ويصوّرونه للأمريكيين والسعوديّين بأنه غيرُ مؤثر وفعال، فكانت المفاجأة الكبرى لهم أن أحكم الثوار السيطرة على صنعاء، وخرج الجنرالات المرتزِقة خدام أمريكا، بملابسهم النسائية، هاربين أذلاء، وأوقف السفير الأمريكي للتفتيش مثله مثل أي مواطن عادي، وعلت أصوات الحرية مدوية ومجلجلة في كُـلّ مكان، والأحرار يهتفون (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، فماتت كُـلّ مشاريع وطموحات أمريكا، وماتت أحلام المرتزِقة، ومات الضعف والهوان في نفوس الشعب وأحرار الشعب.

ولأن ما حدث كان خارقاً للعادة، ولم يكن في حسبان الأعداء، فقد جلبوا لنا عدواناً غاشماً شاركت فيها دولٌ كثيرة، وكان المخطّط هو إجهاض الثورة في مهدها، والقضاء على أحلام الشعب، ومع ذلك خسر الأعداء الرهان، وانتصرت الثورة في معركتها المقدسة، ولا يزال اليمنيون يخوضون هذا التحدي للعام السابع على التوالي، وهم يؤمنون، بأن الأعداء سينكسرون، وبأن النصر اليماني يلوح في الأفق، وبأنه ثورتهم المُستمرّة ستبني وطناً يملك قرارَه، وستقطعُ يدَ كُـلِّ مَن يحاول التدخل في شؤونه الداخلية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com