خبراء عسكريون وسياسيون يؤكّـدون أن توازن الردع السابعة تعد رسالة واضحة بأن العملية الثامنة ستكون أوسعَ وأكبر إذا لم يتوقف العدوان ويُرفع الحصار

 

المسيرة- أحمد داوود- محمد حتروش

عاودت القواتُ المسلحة اليمنية توجيهَ الضربات القاسية للنظام السعوديّ، لتصل إلى أبعد نقطة في أقصى شرق المملكة، بالتوازي مع توزيع ضرباتها على شركات أرامكو في جدة ونجران وجيزان، مؤكّـدة أن جميعَ الأراضي السعوديّة باتت في مرمى أهدافنا، وأنه لا يمنعنا من الوصول إلى آبار النفط والمنشآت الحيوية والاقتصادية إلا التعقل، وإعطاء الفرصة للنظام السعوديّ لكف أذاه عن اليمن.

وتصدرت الطائرات المُسَـيَّرَة من نوع صمَّـاد 3 هذه المهمة، كما حضر الصاروخ الباليستي ذو الفقار، كعادته في كُـلّ عملية توازن ردع، ليحدث رعباً لدى النظام السعوديّ، ومن خلفه النظام الأمريكي والكيان الصهيوني الغاصب بأن القادم أشد وأنكى، لا سِـيَّـما إذَا ما استوعبوا هذه الرسالة بجدية وسارعوا في إيقاف عدوانهم وحصارهم الغاشم على اليمن للعام السابع على التوالي.

ومن مزايا هذه العملية أنها استهدفت “رأس التنورة” الواقعة في الجهة الشرقية للمملكة العربية السعوديّة، وتبعُدُ 70 كيلو متراً مربّعاً عن عاصمة المنطقة الشرقيّة الإدارية مدينة الدمّام، وتقدّر مساحة هذه المدينة بـ 290 كيلو متراً مربّعاً، وهي منطقة ساحلية تكثير فيها الكثبان الرملية المرتفعة.

وتكمن الأهميّة العسكرية لاستهداف هذه المدينة في كونها تعتبر من أهم وأكبر المدن الاقتصادية، ليس فقط في السعوديّة، ولكن في العالم كله، حَيثُ يوجد فها أكبر مصفاة للنفط على مستوى العالم، كما يوجد فيها ميناءان لشحن النفط، ومعمل لإنتاج الكبريت وآخر لإنتاج الغاز، لذا فهي تمثل مصدرَ دخل كبيراً جِـدًّا للمملكة، كما أنها تتمتع بموقع استراتيجي وتجاري هام.

وبناءً على ذلك، فَـإنَّ استهدافَ هذه المنطقةِ يأتي رداً على الحصار والحرب الاقتصادية التي تتبناها السعوديّة على بلادنا، وآخرها رفع سعر الدولار الجمركي، بالتوازي مع الاستمرار في خنق الشعب اليمني من خلال الاستمرار في طباعة العُملة المزوَّرة، ومنع وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، ومن هنا نفهم الرسالة الاقتصادية المصاحبة لهذه العملية العسكرية بأنها رد مشروع على الحصار والحرب الاقتصادية، وَإذَا ما فهم السعوديّ الدرس جيِّدًا، فَـإنَّ الضربات ستتوالى تباعاً لتشكل تهديداً حقيقيًّا على رأسها الاقتصادي.

كما يوجد ضمنَ أراضي “رأس التنورة” المحطةُ البُخارية الأولى في منقطة الشرق الأوسط، وهي الأكبر بين المحطّات، إضافة لوجود عدّة معامل، منها معمل القطيف وَأَيْـضاً معمل أبو سعفة.

وفي الدلالات السياسية فَـإنَّ عملية توازن الردع السابعة تأتي ضمن سلسلة العمليات الاستراتيجية التي تهدف من ورائها القيادة الثورية في صنعاءَ إلى تعديل ميزان القوى لصالح اليمن المعتدَى عليه من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، وبصورة رشيدة تبتعد عن الاندفاع العاطفي بالرد على الجريمة بجريمة، بل تعمد إلى استهداف مصادر القوة العدوانية وتمويلها، وذلك متمثلاً في الأهداف العسكرية في جيزان ونجران وكذا الأهداف الاقتصادية في المنطقة الشرقية (شركة أرامكو).

ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبد العزيز أبو طالب: إن القوة اليمنية تنطلق لتنفيذ عملية ردع جديدة ضمن بنك الأهداف (360 هدفاً) المعلَنة سابقًا لدفع العدوّ إلى وقف عدوانه ورفع الحصار عن الشعب اليمني الذي صمم على مواجهة العدوان بعمليات دفاعية مشروعة، موضحًا أن هذه العملية تدل على قدرة اليمن على المواجهة بالنفس الطويل وقدرته على تطوير وسائل الدفاع وتعزيز مديات القوة الصاروخية والمُسَـيَّرَات لتعزيز الدفاع عن سيادة البلد وصون أراضيه.

ويشير أبو طالب إلى أن مدى العملية في الدمام يعطي رسالةً للدول المتورطة في العدوان على اليمن أنهم لن يكونوا بمأمن من العمليات الدفاعية اليمنية المشروعة، وأن الشعب اليمني مصمم على تحرير أرضه وتطهيرها من دنس الغزاة الذي يتوجّـهون لبناء قواعد في المهرة وحضرموت وسقطرى وميون وغيرها من المناطق المحتلّة، لا سِـيَّـما بعد خطاب السيد القائد -حفظه الله- بالتزام تحرير كُـلّ شبر من الأراضي اليمنية.

أما بالنسبة لطبيعة الهدف فهذا يدُلُّ –كما يرى أبو طالب- على مستوى الأخلاق لدى الجيش واللجان الشعبيّة التي استهدفت عيناً اقتصادية مشروعة، وتجنبت المدنيين والسكان، وما إعلان العدوّ عن إصابة طفلين سوى ادِّعاء لتشويه العملية المتزنة بمثل هذه الدعاوى الباطلة، مبينًا أن التوقيت يأتي في ظل الأحداث الراهنة والمتشابكة في المنطقة، وخَاصَّة بعد الإعلان عن تواجد بعض القوات الأجنبية المرتبطة بالتحالف كبريطانيا في المهرة وغيرها من المناطق المحتلّة، كما تأتي رداً على عمليات القتل المُستمرّة بطريق مباشرة عبر الطيران والمدفعية على الحدود والعمق اليمني أَو بطريقة غير مباشرة؛ بسَببِ الحصار.

 

حَـــقٌّ مشروع

وتلجَأُ القواتُ المسلحة بصنعاء، من حين إلى آخر، لتنفيذ عمليات تسمى “بتوازن الردع” وصلت إلى عملية اليوم السابعة، لتؤكّـد للعالم أن هذه الضربات تأتي في إطار الرد المشروع، والدفاع عن النفس، نتيجةَ استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ في شن غاراته الهستيرية على اليمن للعام السابع على التوالي، إضافة إلى حصاره الخانق على الشعب اليمني بأكمله.

ويؤكّـد محافظ ذمار، محمد ناصر البخيتي، أن اليمن يستمد شرعيته في قصف “ميناء رأس تنورة” وشركة أرامكو من حق الدفاع عن النفس، وَأنه سيستمر حتى وقف العدوان ورفع الحصار وانسحاب كُـلّ القوات الأجنبية من اليمن.

ويدعو البخيتي في منشور له على صفحتِه بتويتر دول العدوان للقبول بمبدأ السلام المشرف، الذي يضمن كرامة وسلامة جميع دول المنطقة ويحترم سيادة واستقلال اليمن.

وتأتي هذه العملية النوعية في توقيت حسّاسٍ ومهم جِـدًّا بالنسبة للأحرار في اليمن، فهي تتزامن مع استعدادات شعبنا للاحتفاء بثورة 21 سبتمبر المجيدة، تلك الثورة التي حرّرت البلد من الوصاية الخارجية، وأخمدت المطامعَ الأمريكية في السيطرة المباشرة على اليمن.

ويرى العقيد إبراهيم الوجيه أن عمليةَ توازن الردع السابعةَ أتت بعد مرور 7 أعوام من العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم، وهو ما يعطي أحقيةً للشعب اليمني في الرد والتصدي لكل الاعتداءات الأجنبية الغاشمة، لافتاً إلى أن هذه العملية من الناحية العسكرية تثبت التطور المتصاعد للقدرات العسكرية اليمنية على مختلف الأصعدة وتطور القدرات الصاروخية، وأن ذلك تجسد جليًّا في العملية العسكرية التي تنوع فيها السلاحُ المستخدَمُ وتنوعت الأهداف وقدراتها على الإصابة الدقيقة واختيار الزمان والمكان المناسب الذي تتطلبه العملية العسكرية.

ويوضح الوجيه أن استمرارَ العمليات الهجومية يؤكّـدُ انتقالَ الجيش واللجان الشعبيّة من وضعية الدفاع إلى الهجوم، وأن هذه العملية تأتي في ظل تقدمات وانتصارات يحقّقها أبطال الجيش واللجان الشعبة في مناطق البيضاء وشبوة وتضييق الخناق على مرتزِقة العدوان في محافظة مأرب.

أما الناحية الاقتصادية، فَـإنَّ هذه الضربات التي تستهدف أرامكو وهي عصب الحياة للنظام السعوديّ، تؤثر بشكل مباشر على الأمريكيين أنفسهم؛ باعتبَارهم المستفيدين من هذه الآبار، وهي تؤثر على مصالحهم الاقتصادية -بحسب العميد الوجيه- الذي يعتبر شركة أرامكو عصبَ الحياة للنظام السعوديّة، وأن تجميد هذا العصب يؤدي إلى رفع أسعار المشتقات النفطية، وزيادة الضرائب على الشعب السعوديّ الذي أصبح يعاني الأمرَّين؛ نتيجةَ استنزاف حكامه لأموال الشعب في حروب عبثية في اليمن والعراق وليبيا والسودان، وإشعال الحرائق في مناطقَ عديدة من العالم؛ خدمةً للنظام الأمريكي والصهيوني.

ويعتقد الوجيه أن عملية توازن الردع السابعة تؤكّـد وحدة محور المقاومة، ففي وقت تقوم السعوديّة وأمريكا بحصار الشعب اللبناني الشقيق، وتمنعه من الحصول على المشتقات النفطية، تقوم الجمهورية الإسلامية في إيران بإرسال المشتقات النفطية إلى الشعب اللبناني، ويقوم الجيش واللجان الشعبيّة بضرب عصب النفط السعوديّ والأمريكي، وهذا الأمر له دلالاتٌ على المدَى القريب والمتوسط والبعيد.

 

القادمُ أوسعُ وأكبر

واللافتُ أن هذه العملية التي جاءت بدون سابق إنذار وبدفعات من الصواريخ الباليستية والطائرات المُسَـيَّرَة قد أصابت النظامَ السعوديّ بالرُّعب، وضربته في نبض الاقتصاد، لا سِـيَّـما وهو الذي ظل يعلن منذ أَيَّـام تعرُّضَه لضربات بالطيران المُسَـيَّرَة على قواعده العسكرية في جنوب المملكة.

ويقول المحلل والخبير العسكري زين العابدين عثمان: إن القصفَ لهذه العملية تركز ولأول مرة على أهدافٍ مفصلية، وهذا يعد تحولاً جديدًا في مسار عمليات الردع الاستراتيجي المتصاعدة التي مضمونُها تحقيقُ أكبر مستوى من التأثير على اقتصاد المملكة، وإرغام النظام السعوديّ ومن خلفه الأمريكي على مراجَعة الحسابات في ما يخص إيقاف العدوان والحصار على الشعب اليمني.

ويؤكّـد عثمان أن العملية تعتبر ضربةً قاصمةً لكل التوازنات والحسابات العسكرية والأمنية والاقتصادية للنظام السعوديّ، فمعنى أن تضربَ أهدافاً كمحطات وحقول النفط بأكثرَ من 10 طائرات و6 صواريخ بالستية ومن على مسافة تزيد عن 1300 كم، فذلك يعد مصيبةً عظمى للسعوديّة، وضربةً لها أبعادُها وتداعياتها التي يمكن أن نلخصها في التالي:

  • العملية استهدفت أهمَّ هدف ترتكز عليه القوة الاقتصادية للسعوديّة وهي شركة أرامكو التي تمثل 90 %، وأهم مورد رئيسي لها، خُصُوصاً في دعم مشروع عدوانها الكوني على اليمن، وبالتالي فتضرر هذه الشركة له حساسيتُه المفرطة للنظام السعوديّ، وَأَيْـضاً المستفيدين الكبار منها كأمريكا والكيان الصهيوني.
  • ثبوت انهيار المنظومة الدفاعية الأمريكية الباتريوت وأنظمة الرادارات والإنذار المبكر التي صُمِّمت لحماية المملكة، فمسرح العمليات أظهر أن الصواريخ والمُسَـيَّرَات اخترقت العمقَ السعوديّ لمئات الأميال دون أن تُعترَضَ بصاروخ واحد، فلم تستطِع منظومة الرادارت الأرضية والعمودية أن تكتشفها، أَو تلاحظها إلَّا بعد وصولها أجواء الرياض وفوق مستوى الأهداف، وَهذا يعتبر فشلاً مدوياً.
  • دخول العمليات الردعية مسرحاً جديداً من التصعيد، والذي يتضمن تركيز القوة الرادعة على عمود خيمة اقتصاد السعوديّة، كمحور رئيسٍ للاستهداف وهي شركة أرامكو ومحطات النفط.

ويختتمُ عثمان تصريحَه لصحيفة “المسيرة” بالقول: في الأخير من المفترض أن يُعِيدَ النظامُ السعوديُّ حساباتِه، ويرفع حصارَه عن اليمن، وعن سفن النفط التي يحتجزُها في مياه البحر الأحمر؛ لأَنَّه الوقتُ المناسبُ ليتلافى نفسَه من أية ضربة قادمة، فاليمن بقيادته ومؤسّسته الدفاعية ماضيةٌ في توسيع دائرة العمليات الاستراتيجية حتى كسر الحصار وإيقاف الحرب بمعادلة الاقتصاد بالاقتصاد، كما أن عمليةَ توازن الردع السابعة تعد رسالة كافية وواضحة، ليتم التعاطي معها بإيجابية من قبل النظام السعوديّ والأمريكي، ما لم فالعملية الثامنة في طريقها للعُمق السعوديّ وستكون مفاعيلُها أكبرَ وأوسعَ وفوق مستوى الكارثة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com