العدوان والحصار الأمريكي على أطفال اليمن.. الحياة بلون الدم!

 

المسيرة – أحمد داوود

قصصٌ كثيرةٌ نسمعُها يوميًّا عن أطفالٍ مَزقت أجسادَهم البريئةَ غاراتُ الحقد للعدوان الأمريكي السعوديّ، ولعل ما حدث خلال السنوات الست الماضية كفيلٌ بإعداد مجلداتٍ عن آلام وآهات ومعاناتِ هؤلاء الأطفال الذين يشيبون قبل الفجر.

ومن بين الرُّكام، انتُشلت أجسادُ المئات من الأطفال، ومن بين الرُّكام كذلك نجا أطفالٌ من ويلات الجحيم، لكنهم يعانون الأمرَّين في خوضِ معاركَ نفسيةٍ مع الخوف والفقدان لأهاليهم الذين حصدت أرواحَهم الغاراتُ الأمريكية.

ويتذكر الحاج محمد (55) سنة ما حدث لابنه علي الذي ارتقى إلى السماء شهيداً، إثر غارات لطيران العدوان ألقت على الحي الذي يقطنه بمحافظة صعدة شمالي اليمن قنابلَ عنقودية، في ليلة عصيبة، أضاعت النومَ من أعين سكان الحي.

ويقول والد محمد، الذي يعيش حَـاليًّا نازحاً في صنعاء مع بقية أسرته، إن ابنه وبعد تلك الليلة توجّـه إلى مدرسة “النجاح” التي تبعد عن منزلهم 5 كم سنة 2019، فرأى جسماً غريباً مُلقىً على الأرض، فسارع لالتقاطه، ولكن وبمُجَـرّد ملامسته لأول قنبلة حتى انفجرت وفارق على إثرها الحياة، مرتقياً شهيداً إلى الله، في حين أُصيب أخوه عمّار وأختُه البتول بشظايا شوّهت وجهَيهما، وانتزعت منهما الأملَ في الحياة، وحرمتهما من التعليم، ليعانيا من آلامِ هذه الشظايا إلى يومنا هذا.

هذا المشهد ليس سوى صورة مصغرة لما يعانيه الأطفال اليمنيون في مختلف المحافظات جراء استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ للعام السابع على التوالي، والذين تخطفت أرواحهم وشوهت جمال وجوههم الحرب، وقطعت أطرافهم القنابل، وشوهت أجسادهم، في الطرقات والمزارع والمدارس والمنازل دون أية رحمة أَو إنسانية.

 

موتُ طفل في كُـلّ 75 ثانية

ويؤكّـد المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، في تقرير حديث أنه يموت طفل يمني في كُـلّ 75 ثانية، في بلد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث.

ويضيف بيسلي، وهو يتحدث أمام مجلس الأمن الدولي مؤخّراً كما نقلت صحيفة “تلغراف” البريطانية: “كنت في اليمن، حَيثُ يواجه أكثر من 16 مليون شخص أزمة تصل إلى مستوى الجوع أَو أسوأ”، محذراً من أن 400 ألف طفل يمني قد يموتون هذا العام، أي ما يقارب طفلاً واحداً كُـلّ 75 ثانية في حال لم يحصل تدخل عاجل. مخاطباً العالم بالقول: “بينما نجلس هنا، يموت طفل في كُـلّ دقيقة وربع، ترى هل سندير ظهورنا لهم وننظر في الاتّجاه المعاكس؟”.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي فَـإنَّ ما يقارب من ثلث العائلات في اليمن تعاني من سوء التغذية، ونادراً ما تستهلك أطعمة مثل البقول والخضروات والفواكه ومنتجات الألبان أَو اللحوم، فهناك عوائل تعتاش على أوراق الشجر.

وتكشف صحيفة “ذا سترينجر”، قبل أَيَّـام الدورَ الأمريكي في العدوان والحصار على اليمن، مؤكّـدة أنه تسبب في مقتل مئات آلاف أطفال اليمن، لافتة إلى أن الحصار كذلك جعل أطفال اليمن مقيدين وعاجزين عن السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، كما هو حال الطفل ماهر الأبارة المصاب بسرطان العيون.

 

خداع أممي

ويشير القائم بأعمال وزارة حقوق الإنسان، علي الديلمي، إلى أن التقارير السابقة للأمم المتحدة أثبتت أن حوالي (7642) طفلاً يمنياً سقطوا ما بين شهيد وجريح جراء العدوان على اليمن، لافتاً إلى أن مشاهد أشلاء الطفولة في اليمن لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، مثل ما حدث للطفلة إشراق التي استهدفها طيران العدوان وعلى ظهرها حقيبة مدرسية، فيها شعار الأمم المتحدة، وكذلك جريمة الطفلة بثينة، وجريمة أطفال ضحيان، وجريمة الأعراس والمناسبات، وجرائم العدوان بحق أطفال حجّـة والحديدة وتعز وإب وغيرها.

ويؤكّـد الديلمي أن وزارة حقوق الإنسان بصدد إصدار تقرير متكامل يسردون فيه إحصائيات دقيقة ومدعمة بأدلة والشهود والقصص وسيشمل التقرير سوء التغذية وَالأطفال الذين يعانون من تشوهات خَلْقية وحالات نفسية.

ويتألم الديلمي لازدواجية الأمم المتحدة وانحيازها إلى تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، وقيام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، بشطب التحالف من القائمة السوداء لمنتهكي الطفولة في اليمن والإبقاء على “أنصار الله”، مؤكّـداً أن وزارة حقوق الإنسان بصنعاء التقت برئيس لجنة الصليب الأحمر، وتم مخاطبته القيام بدوره في حماية الطفولة، مبينًا أن مخاطر الانحياز الأممي على أطفال اليمن في المستقبل هي المزيد من القتل والتشريد للطفولة، وَأَيْـضاً يعطي أحلاماً وهمية لدول تحالف العدوان أنهم سيفلتون من العقاب وأنهم سيمنحون صكوك الغفران، وفي نهاية المطاف لن يفلت تحالف العدوان من العقوبة، والأيّام ستدور، وإما أن تقوم الأمم المتحدة بواجبها في محاسبة المجرمين، أَو بالتأكيد لدينا قيادة ثورية وسياسية حكيمة، وَأَيْـضاً قوة الجيش واللجان وعظمة الشعب اليمني، وكلها كفيلة بمعاقبة المجرمين المعتدين علينا، ويمكن القول إن شعوب العالم باتت على يقين من أن الأمم المتحدة وقراراتها ليست محط ثقة وإنما قرارات ورقية وسيوف مسلطة على الأطفال والنساء تعقد من خلال دماء الأطفال صفقات تجارية، والكلام للديلمي.

ويؤكّـد القائم بأعمال وزارة حقوق الإنسان، علي الديلمي، أن الحصار المفروض على اليمن له نتائجُ سلبيةٌ على المجتمع بكله، بما فيهم الأطفال، فالحصار أثّر على الأطفال في حياتهم الغذائية والصحية والتعليمة وغيرها.

ويبين الديلمي أن الأطفال هم أكثر تضررا ًمن القنابل العنقودية، وأن هناك إحصائيات وأرقاماً ذكرتها منظمة العفو الدولية وطالبت الأمم المتحدة بالضغط على تحالف العدوان بعدم استخدام القنابل العنقودية وذلك كون غالبية الضحايا من المدنيين والأطفال.

وفي هذا الجانب أَيْـضاً، تقول وزارة الصحة العامة والسكان إنها وثّقت في سجلاتها أكثر من 3 آلاف طفل قتلتهم قوى العدوان، وجرحت أكثر من 4 آلاف آخرين، بعضهم أُصيبوا بإعاقات دائمة أمام مرأى ومسمع العالم، مشيرة إلى أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وأمام كُـلّ ما يحدث لأطفال اليمن من معاناة أوقفت كُـلّ أوجه الدعم للطفولة في اليمن بالتزامن مع وجود أكثر من 400 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد منهم 80 ألفاً مهدّدون بالموت.

 

كارثة مضاعفة

ويتضح حجم معاناة الأطفال اليمنين، حين تؤكّـد بيانات وزارة الصحة بأن هناك أكثر من 3 آلاف طفل بحاجة إلى عملية قلب مفتوح لاستبدال صمامات، لكنهم لا يستطيعون السفر إلى الخارج لتلقي العلاج؛ لأَنَّ مطار صنعاء مغلق أمام الرحلات الجوية والتجارية منذ عدة سنوات.

وإذا كانت الحرب قد خطفت أرواح الكثير من الأطفال، فَـإنَّ نتائجها وآثارها غير المباشرة لا تزال جرحاً نازفاً لمئات الأسر، لا سِـيَّـما مع ظهور تشوهات خلقية لأكثر من 3 آلاف طفل، بحسب وزارة الصحة بصنعاء، والتي تؤكّـد أن الأطفال تأثروا حتى عند استهداف آبائهم وأُمهاتهم وكل ما يرتبط بحياتهم، كما تأثروا نفسياً بشكل كبير، حَيثُ يموت كُـلّ 5 دقائق طفل في اليمن، وأن التشوهات الخَلْقية تزايدت كَثيراً خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة.

لقد جعلت هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة للعدوان على أطفال اليمن المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة (الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي)، تخرج قليلًا من دائرة من الصمت، لتوجّـه نداءات عاجلة –أكثر من مرة- لتخفيف معاناة اليمنيين مما وصفوه بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وهناك الكثير من المنظمات الأممية والدولية والإقليمية والمحلية التي بُح صوتها وهي تناشد الأمم المتحدة والعالم بالالتفات إلى مظلومية اليمنيين، لكن العالم الذي اتخذ سياسة النفاق لا يتجاوب إلا على قدر ما يجني من المصالح، أما الأمين العام للأمم المتحدة فلم نسمع منه إلا القلق المتواصل، الذي اتضح –أخيراً- أن قلقه ليس على أطفال اليمن، بل خوفاً من السوط الأمريكي، وطمعاً بالريالات السعوديّة؛ ولهذا لم يكن مستغرباً أن يلجأ غوتيريش إلى شطب تحالف العدوان من قائمة “العار” لمنتهكي حقوق الأطفال، والإبقاء على “أنصار الله” في القائمة منذ عام 2016.

وللتذكير بفضيحة الأمم المتحدة سنة 2016، فقد تجرأ الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، ووضع تحالف العدوان الذي تقوده السعوديّة في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، مُضيفاً إلى جانبهم “أنصار الله” ليوحيَ للعالم بأن هذه المنظمة تنتهجُ سياسةَ الحياد في تعاملها مع الأطراف وفي ظل النزاعات، لكن الغضبَ السعوديّ والأمريكي كان عاصفاً، فأرعب بان كي مون، وجعله يعلن شطبَ السعوديّة وتحالفها من القائمة والإبقاء على “أنصار الله”، في فضيحة مدوية هزت كُـلّ أركان الأمم المتحدة.

ولتسوية ذلك، خرج بان كي مون في مؤتمر صحفي ليُعلِنَ أمام العالم بأن تراجُعَه عن هذا القرار جاء بعد أن ضغطت السعوديّة برفع دعمها للأمم المتحدة، في تأكيد واضح على أن هذه المنظمة الدولية تديرها “مافيا” المال، ولا علاقة لها بالقيم التي تتشدق بها من يوم إلى آخر، وفي مقدمة ذلك الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وغيرها من الشعارات التي اتضح للجميع أنها ليست سوى خدعة كبرى لدول العالم.

ولعل أسوأ ما في هذا الانحياز الأممي ضد الأطفال في اليمن أنه يشجّعُ تحالف العدوان في ارتكاب المزيد من الجرائم وانتهاك المواثيق الدولية، فعلى سبيل المثال فبعد أن شطبت الأمم المتحدة تحالف العدوان من قائمة “العار” لمنتهكي حقوق الأطفال سنة 2016، اسْتَمْرَأَ العدوانُ ارتكابَ الكثيرِ من الجرائم التي لا تزال عالقةً بحق الطفولة اليمنية، كما حدث من استهداف متوحش لأطفال ضحيان سنة 2018، والذين كانوا هدفاً دسماً لقوى العدوان، مبرّرين ذلك أن هؤلاء الأطفال الذين كانوا على متن حافلة هم مقاتلون، غير أن هذا الادِّعاءَ سرعانَ ما تلاشى إثرَ بياناتِ الإدانة الواسعة، ومنها بيانٌ للمبعوث الأممي إلى اليمن السابق، مارتن غريفيث، وجميعها استنكرت هذا التوحش والصلف السعوديّ بحق الأطفال اليمنيين.

وبالنظر إلى المواثيق والمعاهدات الدولية فَـإنَّ استهداف الطفولة “مجرَّم” ويخالف كُـلّ الشرائع والديانات السماوية والمواثيق والأعراف الدولية، ومع ذلك فَـإنَّ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن قد تجاوز كُـلّ ذلك، واستباح كُـلّ المحرمات، في وقت تغض فيه الأمم المتحدة الطرف، بل والأسوأ أن تنحاز إلى الجلاد ضد الضحية.

والغريبُ أن الأمم المتحدة التي أصرت على إبقاء “أنصار الله” في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال لم تستند إلى أية معايير أَو وقائع معينة وتحقيقات مهنية، بل قدمت ذلك خدمة مجانية لتحالف العدوان، ما يعني أن الأمين العام للأمم المتحدة قد تحول إلى ساعي بريد كُـلُّ هَمِّه إرضاءُ أسياده السعوديّين والأمريكيين بعيدًا عن كُـلِّ القيم والأخلاق التي كان من المفترَضِ أن ينتصرَ فيها لأطفال اليمن المسحوقين.

واللافتُ أن هذا التجاوُزَ والانحيازَ الأممي قد وحّد الشعب اليمني أكثرَ، وعرّفه أكثرَ بأعدائه الحقيقيين، حَيثُ تجسّد ذلك من خلال المسيرات والوقفات الاحتجاجية المتواصلة والتي تنتصر للأطفال اليمنيين، وتوصل رسالةً إلى كُـلّ أحرار العالم بأن قَتَلةَ الأطفال معروفون، وفي مقدمتهم تحالُفُ العدوان السعوديّ الأمريكي والأمم المتحدة ذاتها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com