البداياتُ الأولى لـ “الصرخة”.. انتصارُ الشعار على “الطاغوت”

جنون أمريكي وانزعـاج هستيري لسلطة الخائن عفاش

المسيرة- محمد حتروش

تتجلَّى أهميّةُ “المشروع القرآني” الذي أطلقه الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي من سنةٍ إلى أُخرى، وباتت “الصرخة” اليوم هُتَافَ الأحرار في اليمن والعالم.

ويؤكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن هذا المشروع في مقدماته لم يأتِ من فراغ، ولم يكن عبثياً، ولا إشكالياً، بل أتى من واقع الأُمَّــة المثخن بالجراح والآلام والمآسي، وأتى للتصدي لاستهداف كبيرٍ ضد هذه الأُمَّــة في كُـلّ شعوبها وبلدانها، فالأمريكي ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحَرّك على نحوٍ غير مسبوق لاستهداف هذه الأُمَّــة، ولم يكتفِ بما كان له من هيمنة على الأنظمة والحكومات والجهات الرسمية، التي من خلالها كان يضمن مصالحه -وأكثر من مصالحه- في بلداننا، وفي شعوب أمتنا، وكان يتحكم في واقع هذه الشعوب وهذه البلدان في أشياءَ كثيرة، لم يكتفِ بالسيطرة غير المباشرة، فاتجه إلى السيطرة المباشرة.

وإلى يومنا هذا، لا يزال الأمريكي يرى أحقيتَه في الهيمنة على حكام وشعوب منطقتنا، فهو يتدخل في من أصغر الأمور إلى أكبرها، ويعيّن من يشاء ويسقط من يشاء، وليس له رادعٌ إلا في الدول والأماكن التي تحَرّكت لمجابهة هذا الاستكبار بكل الوسائل المتاحة.

لقد كان الشهيدُ القائد حسين بدر الدين الحوثي “فَطِناً” وهو يطلقُ شعارَ “الصرخة” في يوم الخميس السابع عشر من شهر يناير 2002، وفي محاضراته في مدرسة الإمام الهادي –عليه السلام- في منطقة مران بمحافظة صعدة، (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، وكان يستشرف المستقبل، ويعرف كُـلَّ مآلاته، فانطلق مركِّزاً على الوعي المجتمعي في مواجهة أمريكا ومخطّطاتها القذرة في المنطقة؛ بهَدفِ خلق حالة من السخط الشعبي العارم تجاه أمريكا؛ كي تتمكّنَ الشعوب من المقاومة وعدم الاستسلام.

لكن المؤلم أن الحكومة والنظام الرسمي آنذاك ممثلاً بالخائن علي عبد الله صالح، بدلاً عن التحَرّك وفق هذا المشروع وتشجيعه ودعمه، ودعوة الناس للالتفات إليه؛ باعتبَاره أهم المشاريع المجابهة للهيمنة الأمريكية، لجأ إلى محاربته ومحاولة القضاء عليه، وسخر كُـلّ إمْكَانات الدولة لذلك، معتقداً أنه سيُسكِتُ هذه “الهتافات” بالقمع والاعتقالات، وسيُرضِي أمريكا، لكن مسعاه خاب وفشل.

 

انطلاقةُ المشروع

وأمام واقعٍ كهذا وفي بيئة غلبت عليها حالةُ الصمت لدى الكثيرين، وانبطاح الحكام العرب للأمريكي في ما يسمى بمواجهة الإرهاب، برز موقفٌ مغاير وصوت حُرٌّ انطلق من اليمن، آنذاك، فقد تحَرّك الشهيد القائد -رضوان الله عليه- بمشروعه القرآني، رافضاً حالةَ التدجينِ والاستسلام، ومعلناً موقفاً مسؤولاً وحراً ومنطلقاً على أسسٍ صحيحةٍ ومشروعة، وذلك بعد قرابة أربعة أشهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

لقد تضمن “المشروع القرآني” تفعيلَ المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وذلك من خلال نشاط توعوي كبير في أوساط الشعب والأمة، لتوعيتها بالمخاطر الكبيرة التي تعيشها، تجاه المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك لإفشال الكثير من الأنشطة المعادية التي تستهدفُ بها قوى الاستكبار العالمي أمريكا وإسرائيل الأُمَّــةَ الإسلامية.

وفي ملزمة “الصرخة في وجه المستكبرين” يؤكّـد الشهيد القائد –رضوان الله عليه- أن من أهم فوائد الشعار أنه يخلق حالةً من السخط ضد أمريكا التي تدفع المليارات لتفاديه؛ لأَنَّه يخلق حصانةً حقيقيةً في وجه المشاريع الأمريكية.

ويحرص الشهيد القائد -رضوان الله عليه- على ترسيخ مفهوم الانطلاقة في سبيل الله وليس مِن أجلِ أي هدف؛ ولهذا فَـإنَّ شعار “الصرخة” يأتي كموقف ديني ضد أعداء الأُمَّــة الذين يتحَرّكون دينياً وعلى كُـلّ المستويات، ويؤكّـد أَيْـضاً في مختلف المحاضرات على أن التحَرّك الديني هو التحَرّك المطلوب والمهم والذي فعلاً أزعج أمريكا وأدواتها في المنطقة، مبينًا أن رفع “الصرخة” في وجه المستكبرين أظهر الناس أُمَّـة قوية ومتوحدة وأنه يمكن أن تعمل أعمالاً قوية ضد أعداء الأُمَّــة.

ويشدّد الشهيد القائد -رضوان الله عليه- على أنّ الشعار موقف قوي من أعداء الله، وتحَرّك ضروري في مواجهة المشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة؛ كونه أفضلَ عمل يرضي الله في هذه المرحلة، وفعلاً لبناء رجال مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

ويذكر الباحث فاضل الشرقي في كتابه “قراءة في المشروع القرآني للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي” أنه وبعد أن تعددت الوسائل لكتابة وتوثيق المحاضرات من ملازم مقروءةً وأشرطة كاسيت مسموعةً وغيرها من الوسائل، حرص الشهيد القائد السيد حسين الحوثي على إرسال المبلِّغين والمنذِرين إلى كُـلّ منطقة وقرية لتبصير الناس بأهميّة الشعار وفحواه، وتعميم ثقافته الثقافة القرآنية (الملازم والدروس) إلى كُـلّ مكان ممكن.

ويضيف الشرقي: “وتحَرّك الشباب وبذلوا قُصَارى جهودهم في سبيل ذلك ابتغاء مرضات الله واللهُ رؤوف بالعباد، وعندما احتدم الخلاف وبلغ أشده بين المعارض والمنكِر له، وبين المحب والموالي للشعار طبعاً”.

ويتابع “وبدأ الشعار يردّد بعد خطبتي الجمعة، من كُـلّ أسبوع في أكثر من منطقة، وكان أبناء مناطق وقرى خولان بن عامر ممن حازوا فضيلة السبق وتفانوا في سبيل ذلك”.

ويحكي الكاتب الشرقي أنه حصلت معارضة شديدة من قبل المجتمع وأجهزة الدولة وموظفيها؛ نظراً لسطحية الناس وضعف وعيهم وإدراكهم لأهميّة هكذا مواقف؛ باعتبَارها غريبةً عليهم وجديدة، في حين أصر أنصار الشعار أَو “المُكَبِّرون” كما كانوا يسمونهم على موقفهم وظهروا أقوياء المنطق والحجّـة والبرهان بما أعيى كُـلّ بيان ومنطق، مُشيراً إلى أن السيد القائد وَجَّهَ بطباعة الشعار في ملصقات ورقية صغيرة الحجم ومتوسطة وكبيرة ولافتات قماشية كُتب عليها الشعار بالنمط الذي اختاره السيدُ وحدّده كما هو عليه اليوم.

ويلفت الشرقي إلى أنه حينما طُبع الشعار وانتشر بشكل غير مسبوق، تهافت عليه الناس يلصقونه في أغلفة جنابيهم (العِسْوَب) وعلى أسلحتهم وسياراتهم، وجدران منازلهم ومساجدهم ومقتنياتهم الشخصية، مبينًا أن السيدَ القائد حذّر من وضع هذه الملصقات على حق الغير والأماكن الخَاصَّة؛ احتراماً للنهج السلمي وحرية التعبير عن الرأي واحترام الآخرين.

ويسرد الكاتب الشرقي تنوع الوسائل والأساليب وفق نمط محدّد وموحد، وأن الشعار طُبع على الملابس الجسمية الداخلية “الفنايل” والولّاعات، والأقلام والميداليات، وجداول حصص مدرسية ودفاتر، كانت تطبعها مكتبةُ الوحدة في حينه وتبيعُها لمن يحب اقتناءها فقط، دون أن يُفرض على أحد.

ويذكر الكتاب “أن العملَ تطور وارتقى بأُسلُـوبٍ سريع وحكيم، ووجّه السيد بكتابة عبارات الشعار الخمس على الجُدران والخطوط والأحجار والجبال وفي كُـلّ مكان، ما أمكن ذلك، على أن تترافق معه توعية قرآنية ونشر الدروس والمحاضرات (الملازم) على كُـلّ الناس وكل فئات وطبقات المجتمع دون تمييز بين سُنة وشيعة وموظفين ومسؤولين في كُـلّ قطاعات الدولة، وضباط ومثقفين وعلماء وسياسيين”.

ويتابع “وأحرز نمواً مطرداً وتقدماً ملحوظاً، مع توسع ترديد الشعار في المساجد بعد صلاة الجمعة، وفي الاجتماعات، عندها قرّرت السلطةُ الدخولَ في المواجهة المباشرة؛ لتُقَيِّــدَ حركة الشعار وتَحُدَّ من نفوذه.

 

صرخةٌ ترعبُ المستكبرين

وبثَّت قناة المسيرة السبت، 5 يونيو 2021 فيلم وثائقياً بعنوان “المعركة الأولى”، وبحسب الفيلم فَـإنَّ المكبِّرين الأوائل كانوا يتوزعون بعدد من مساجد صعدةَ ويهتفون بشعار الصرخة بعد انتهاء خُطبتَي الجمعة، مُشيراً إلى أنه وبعد أن انتشرت الصرخة وتوسعت وصلت تقاريرُ إلى السلطة الظالمة الحاكمة آنذاك، فتوجّـه الخائن علي عبد الله صالح وَالمرتزِق عبد المجيد الزنداني وعددٌ من مسؤولي الدولة إلى صعدةَ للصلاة في مسجد الإمام الهادي، ثم الذهاب إلى الحج عبر الحدود وأنه تعمّد الصلاة في مسجد الإمام الهادي لإرهاب المكبرين وتخويفهم من الهُتاف بالصرخة، غير أن الشهيدَ القائدَ وجّه المكبرين وحشد أكبرَ عدد منهم بمختلف المناطق للصرخة بمسجد الإمام الهادي.

ويروي بعضُ المكبرين أنهم لم يكونوا يعلمون بحضورِ الخائن صالح وحاشيته للصلاة بالمسجد وأنهم تفاجأوا من الحراسة الأمنية المشدّدة بالمدينة والمحيطة بالمسجد.

ويذكرون أنهم تفاجأوا أثناء تواجدهم بالمسجد قبل بدء الجمعة، بحضور علي عبد الله صالح وعدد من مسؤولي الدولة، وأنهم اندهشوا من هول الموقف، وأنهم ظلوا مترددين طوال الخطبة في الهُتاف بالصرخة من عدمه، وأنه حينما أنهى الخطيب الخطبتين نهض المكبرون وهتفوا بالصرخة ثلاث مرأت دون أن يخافوا من جبروت السلطة الظالمة.

ويؤكّـدون أنه حينما صرخوا ارتعب العديدُ من مسؤولي الدولة والحاضرين وأن علي عبدالله صالح تظاهَرَ بعدم مبالاته من المكبرون، وأنه أمر الجنود بعدم اعتراضهم، في حين أن الجنود الذين في مؤخرة المسجد قاموا بالقبضِ على المكبرين المتواجدين بالمؤخرة.

وانتصر الشعارُ على الطاغوت في حضرة الطاغية وأمام ناظرَيه، وتناقل الناس خبرَ الصرخة باندهاش وإعجاب بقوة المكبرين وصلابتهم.

ويحكي فاضل الشرقي في كتابه “قراءة نقدية في المشروع القرآني للشهيد القائد” أن السلطة في تلك المرحلة أَيْـضاً كثّـفت عبر محافظ صعدة وقتها يحيى علي العمري، وجهاز الأمن السياسي، من النشاط المعادي للشعار، وأعلنت حالة الاستنفار، ووجّهت حتى المكاتب المدنية والخدمية للتحَرّك ضد الشعار، وانتشرت فرقٌ مكثّـفة في محافظة صعدة لطمس ومسح عبارات الشعار في كُـلّ شوارع المحافظة، وطلائها بالمعجون البلاستيكي و”البوية” بما فيها عبارتا” الله أكبر النصر للإسلام”.

ويضيف “جاء ذلك بعد زيارة قام بها السفيرُ الأمريكي (آدموند هول) لمحافظة صعدة، وأبدى غضبه واستياءه من توسع حركة الشعار المناهض لسياسة بلده العدوانية، فحصل عكسُ النتيجة المرجوة، حَيثُ استاء الناسُ من هذا التصرف الأرعن، وكسب الشعار الكثيرَ من المؤيدين والأنصار، وأعاد المجاهدون كتابةَ العبارات بشكل أوسعَ مما كان عليه، وظهر أعداء الشعار عاجزين في هذا الميدان”.

ويتابع “مرت هذه الأحداث بالتزامن مع العدوان العسكري الأمريكي على الشعب العراقي في العام2003م، وخرجت المظاهراتُ والمسيرات الشعبيّة المندّدة بالعدوان في كُـلّ المحافظات اليمنية، وقد ظهر الشعارُ يتقدمُ هذه الجموع ويرفرفُ فوقَ الساحات ويعلو في كُـلّ المظاهرات في كُـلّ مدن اليمن، وكسب الشعار شرعيةً أقوى وبرز الموقف الوحيد والتحَرّك الأمثل في الاتّجاه الصحيح، وفي المقابل توسع الشعار وتمدد إلى أغلب المساجد في محافظة صعدة”.

 

اعتقال المكبِّرين

ويحكي الشرفي أن ذلك مثّل قفزةً نوعيةً للشعار وشجاعةً عاليةً في أداء الواجب الديني، وأن قيادة المحافظة حينها تلقت التوجيهات العليا بالحسم السريع، وإحكام القبضة الأمنية والعسكرية والبوليسية على جامع الإمام الهادي (ع) بالمحافظة، وصدرت التوجيهاتُ باعتقال كُـلّ من يردّد الشعار أَو يحمله ويناصره، وتوجّـهت قوةٌ أمنيةٌ مدعومةٌ بعناصر الأمن السياسي لتفتيش كُـلّ المصلين أثناء دخولهم الجامع واعتقال من يشتبه فيه ومن يردّد الصرخة.

ويقول الكاتب “فعلاً حصلت الاعتقالاتُ إلى سجن الأمن السياسي في كُـلّ جمعة، إلا أن ذلك لم يكن خياراً مُجدياً وناجحاً مع من يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، ممن لا يخافون في الله لومة لائم”.

ويضيف “استمر المجاهدون في ترديدِ الشعارِ كُـلّ جمعة والتدفق إلى جامع الهادي من كُـلّ حدب وصوب، فيما الاعتقالات مُستمرّة، حتى اكتظ سجن الأمن السياسي بجموع المكبرين، رغم الاعتداء الفظيع الذي كان يُمارَس بحقهم داخل الجامع في بيت الله وسط جموع المصلين، وداخل أقبية الأمن السياسي حتى أُصيب بعضُهم من شدة التعذيب بالمرض والشلل”.

واستمرت المضايقاتُ من قبل السلطة لحمَلة المشروع القرآني وشنت حملة عسكرية استمرت ست سنوات حرب ضروس دمّـرت صعدة ويتمت أطفالَها، في محاولة بائسة للقضاء على مشروع المسيرة القرآنية.

“واليومَ ها قد تحقّق ما كان يدعو إليه الشهيدُ القائدُ ويؤكّـد عليه، وها هو الشعارُ يدوّي في كُـلّ أرجاء اليمن، وأصبح ظاهراً معروفاً مشهوراً على مستوى العالم كله، وعَلَتْ رايته في كُـلّ مكان، وفعلاً حصل أن صرَخَ به أناسٌ في مناطق عدة كما قال السيد ذات يوم”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com