إخراجُ الزكاة في رمضان.. موسمُ تكاتف اليمنيين لصد الحصار

أكثر من 50 آيةً في القرآن الكريم تبين مدى الأهميّة والدور الاستراتيجي لهذه الفريضة

 

المسيرة- محمد حتروش

يحضر شهرُ رمضانَ الفضيلُ بكل خيراته وبركاته، ومعه تتضاعف الحسناتُ والأجر الكبير للمؤمنين الصابرين المحتسبين.. اليمنيون يعيشون في عامهم السابع تحت وطأة العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ، ومع ذلك فَـإنَّ الشعب اليمني عُرف بهُــوِيَّته الإيمانية وأصالته متعاوناً متكاتفاً لصد هذه المحنة عنه.

ويعتبر إخراج الزكاة واحداً من أهم الأركان الإسلامية لمساعدة الفقراء والمساكين والمحرومين، وتكمُنُ أهميتُها في رمضان وخلال العدوان والحصار على بلادنا بأنها أحد أعمدة الاقتصاد اليمني في مواجهةِ الحرب الشعواء التي تفرضُها أمريكا وحلفاؤها على بلادنا.

وخلال محاضراته المتعددة يكرّر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي دعواته للأغنياء والتجار بأهميّة إخراج الزكاة في شهر رمضان المبارك، مثمِّناً دورَ العاملين في هيئة الزكاة وعملهم الدؤوب لصرف الزكاة في مصارفها.

وتنشَطُ الهيئةُ العامةُ للزكاة في تنفيذ الكثير من المشاريع الخيرية التي يعودُ نفعها للفقراء والمحتاجين، وتحرص الهيئة على صرف الزكاة في مصارفها، ولعل هذه هي المرة الأولى التي يلمس فيها اليمنيون دورَ الزكاة في المجتمع ونشاطها الكبير في تحسين أوضاع المحتاجين، حتى ضاق العدوان منها ذرعاً وسلط إعلام المرتزِقة للنيل منها في أكثر من مرة ومناسبة.

ويؤكّـد رئيس الهيئة العامة للزكاة، الشيخ شمسان أبو نشطان، أن الهيئة أنفقت خلال العامين الماضيين 75 مليار ريال وأنها ستصل هذا العام إلى 95 مليار ريال.

ويقول خالد موسى -أحد العاملين في الهيئة العامة للزكاة-: إن أهميّة إخراج الزكاة يتجلى في عدة جوانب، منها أن إخراجها من قبل المكلفين بها من كبار التجار وغيرهم يمثل برهاناً على مشاعرهم الإنسانية والطيبة.

ويؤكّـد موسى أنه حينما يدفع المكلفون الزكاة، فهذا يعني أن إنسانيتهم لا تزالُ حيةً تجاه الفقراء والمساكين وأهل الحاجة والاستحقاق لمن فرض الله لهم الزكاة وخصهم بها في المصارف الثمانية، لافتاً إلى أن الزكاة هي من المشاعر الإنسانية التي تجسد مستوى الإيمان بأهميّة وأثر هذه الفريضة التي تكفل الله بتحديد مصارفها بنفسه، ذاكراً أن الإيمان بالله وبآياته كلما تعزز وتوسع وكان كَبيراً كلما تعزز وتوسعت المشاعر الإنسانية في وجدان الأغنياء وغير الأغنياء.

ويشير موسى إلى أن اهتمامَ قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بالزكاة وتأكيده على إخراجها هو امتداد لاهتمام القرآن بها وتأكيد أهميتها ودورها الروحي والنفسي والاجتماعي.

ويبيّن موسى أن أهميّة الزكاة وموقعها في الإسلام تؤكّـدها أكثر من ٥٠ آية في القرآن الكريم وأكثر من ٤٤ رواية نبوية، كلها تبين مدى الأهميّة والدور الاستراتيجي والمحوري لفريضة الزكاة، مشدّدًا على أن الزكاة مصدر أَسَاسي للقضاء على الفقر والارتقاء بالفقراء والبائسين والمحرومين والخروج بهم إلى ميادين العمل والعطاء والاكتفاء بعيدًا عن ذلة وهوان الحاجة والسؤال.

ويوضح موسى أن للزكاة دوراً بارزاً في إحياء صروح العلم والمعرفة وإنشاء المدارس العلمية وكذلك في إعداد الجيوش لمواجهة الغزاة والمعتدين، وهي بحق كما عبر النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- عن دورها بكلمتين مهمتين ذات دلالات وأبعاد كبيرة حين قال: “الزكاة قنطرة الإسلام”.

ويعتقد موسى أن إخراج الزكاة اليوم لو تم كما أراد الله وفرض لما وُجد فقيرٌ واحدٌ ولما احتجنا لتلك المنظمات الخارجية ومساعدتها المشبوهة والمنتهية الصلاحية ولما تمنن على شعبنا وأمتنا أئمة الكفر والضلال.

 

الزكاة تطهير للنفوس

ويجمع الكثير من العلماء والمرشدين على أن إخراج الزكاة هو تطهير لنفسية الإنسان، وأمان له من نار جهنم.

ويؤكّـد مدير إدارة التوعية بالهيئة العامة للزكاة، صادق المعافى، أن للزكاة أهميّةً كبيرةً في البركة والرزق والخير من الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى وأنها تدفع الكثير من المصائب والنقم.

ويدعو المعافى الأغنياء الذين أنعم الله عليهم بالأموال إلى إخراج الزكاة وعدم البخل في إخراجها، مبينًا أن البخل في إخراج الزكاة يؤدي إلى التنكر لأنعم الله والكفر بها.

ويشير المعافى إلى أن للزكاة أهميّة كبيرة جِـدًّا على المستوى الاجتماعي فيما بين الناس، ما بين الأغنياء والفقراء، وأنها أَسَاس التكافل الاجتماعي؛ كونها معالجة لمشاكل البؤس والفقر والمعاناة التي يعانيها الفقراء، منوِّهًا إلى أنه في حال أخرج الناس زكاتهم المفروضة عليهم بشكل تام دون نقصان أَو تحايل، فَـإنَّ الشعب اليمني سيستغني عن المنظمات التي تؤدي الفتات وتعمل على مآرب أُخرى، وأن الزكاة كفيلة بسد حاجة الفقراء وتحويلهم من خلال المشاريع الاقتصادية إلى أغنياء.

ويعتبر المعافى التفريطَ في أداء الزكاة معصيةً من أكبر المعاصي والذنوب، وأن الامتناع عن أدائها يسبب للإنسان مصائبَ كبيرة في حياته، وخذلاناً كَبيراً، وعقوبات كبيرة، والتي تؤدي بصاحبها في نهاية المطاف إلى الخسران المبين ودخول جهنم.

ويقول المعافى: “يجبُ على مَن تلزمه هذه الفريضة إيتاؤها، خَاصَّةً ونحن في هذا الشهر المبارك الذي تتضاعف فيه الأجور إلى سبعين ضعفاً، النافلة فيه بفريضة والفريضة بسبعين فريضة”، مُضيفاً أن الصدقة كذلك من غير الزكاة هي ضرورة ملحة ووسيلة هامة لتحقيق التكافل المجتمعي بكل أنواعه كالصدقات والعناية بالفقراء، والمواساة للفقراء والمحتاجين.

ويؤكّـد المعافى أن التصدق ودفع الزكاة لهما فوائد كثيرة جِـدًّا، وأنه ينبغي الاهتمام بالتكافل الاجتماعي، خَاصَّة في ظل العدوان والحصار، مبينًا أن هناك الكثير من المحتاجين من الفقراء والمساكين والنازحين ويحتاجون إلى مد يد العون لهم.

 

مصدر لتحريك الركود الاقتصادي

ولا يقتصر أداء الزكاة عند منفعة الفقراء والمساكين والمحتاجين، بل إنها تؤدي إلى تحريك الركود الاقتصادي في بعض الأسواق وذلك عند توزيعها على الفقراء، كما يقول أحمد مطهر، أحد العاملين في هيئة الزكاة.

ويؤكّـد مطهر أن دفع الزكاة تساعد المعسرين على سداد ديونهم وتساهم في توفير السيولة النقدية في السوق المحلي، كما أنها تعيد توزيع الدخل بين الفقراء والأغنياء وَلها الدور الكبير في خلق فرص عمل للعاطلين وأنها تحَرّك دورة الإنتاج، وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ويذكر مطهر أن الزكاة أُهدرت لسنوات طويلة وبُددت وكانت غنيمة يتم تقاسمها بين القلة المتخمة بالمال الحرام وأنها كانت من أبرز مصادر دخل القائمين عليها في السلطات المحلية والمركزية، لافتاً إلى أن الأنظمة السابقة حرفت مسار إيرادات الزكاة عن مصارفها الحقيقية وتحولت إلى غنيمة يتقاسمها المتخمون بالجاه والمال، وأنها لم تكن أدَاة فاعلة للتضامن الاجتماعي والتكافل؛ كونها تذهب إلى غير مستحقيها.

ويتابع مطهر بقوله: “النظام الاقتصادي الإسلامي لا ينكر التفاوت بين الناس في المعايش والأرزاق، والاعتراف بهذا التفاوت ليس معناه أن يجعل الإسلام الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقرًا، فتتسع المسافة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء طبقة كُتِبَ عليها أن تعيش في أبراج من العاج، تتوارث النعيم والغنى، ويمسي الفقراء طبقة كُتِبَ عليها أن تموت في أكواخ البؤس والحرمان”، موضحًا أن للزكاة وظائفَ اقتصادية واجتماعية أُخرى منها تأمين الإنتاج وزيادته، وأن الإسلام جعل الغارمين أحد مصارف الزكاة.

ويحكي المعافى أن من جملة الغارمين مَن اقترض مالاً للإنتاج والاستثمار ومن اشترى سلعًا بأجل ولم يستطع الوفاء بالدَّيْن، وضمان توفية ثمن السلع المبيعة وضمان رؤوس أموال الإنتاج يضمن استمرار الإنتاج وزيادته بازدياد المساهمين في الإنتاج من غير أصحاب الأموال، لافتاً إلى أن الزكاة قَدْرٌ معلوم يأخذه الحاكم بصفته الاعتبارية من فضول أموال الأغنياء ويرده على الفقراء، مستدلاً بقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) وكذا قوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

ويشير المعافى إلى أن الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم أمر معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن أن يأخذَ صدقةً من فضول أموال الأغنياء ويردها إلى الفقراء.

ويبين مطهر أنه ليس القصد من الزكاة سد حاجات الفقراء وإشباعها لبعض الوقت فقط، وإنما إخراجهم من الفقر على الدوام، موضحًا أن تحويل الفقراء إلى أغنياء يكمن من خلال تمليكهم الوسائل التي تحميهم من التردي في الفقر مرة أُخرى وتنقلهم من الكفاف إلى الكفاية، مؤكّـداً أن الزكاة تهدف إلى إغناء الفقراء بالكلية وإخراجهم من الكفاف والحاجة إلى الكفاية الدائمة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com