سفير الجمهورية اليمنية بسوريا عبد الله صبري في حوار لـ “المسيرة”:تفاصيل جريمة “الرقَّـاص” لا تزال عالقة في الذهن ولم أتمكّن من البوح بمشاعري لا قولاً ولا كتابة

  • اغتيالُ شخصية بحجم الرئيس الشهيد الصمَّــاد شكّل خسارةً فادحة للشعب اليمني وهذه الجريمة كفيلة بجرف مملكة الرمال عاجلاً أم آجلاً
  • لا يوجد سببٌ موضوعي أَو منطقي يبرّر هذا التوحش السعوديّ بحق الشعب اليمني أَو بحق إعلامي لا يملك إلا صوتَه وقلمَه، فاستهدفوه وأسرتَه في غارة جوية وهم صيام نيام
  • فريقُ الخبراء التابع لمجلس حقوق الإنسان تراجع عن شهادة كان قد وثّقها بشأن مجزرة الرقَّـاص ومنظمة مراسلون بلا حدود تراجعت عن إدانة الجريمة
  • منذ وصولي إلى دمشق لمست التضامنَ السوري والعربي ومشاعر الود لليمن أكبر مما تنقله وسائل الإعلام
  • صمودُ الشعب اليمني وبسالة الجيش واللجان الشعبيّة واستهداف العُمق السعوديّ كفيلة بلجم الغرور السعوديّ وكسر أنيابه ومخالبه
  • شعبُنا العظيم يمضي إلى أكبر انتصار والضجيج الأممي والأمريكي بشأن مأرب فيه خداعٌ كبير

 

 

سنتجه في المرحلة المقبلة نحو إعادة تفعيل الكثير من الاتّفاقات والبروتكولات بين اليمن وسوريا وتجاوز حالة الحرب والحصار للبلدين

  •  المسيرة – حاوره عباس القاعدي

أكّـد سفيرُ الجمهورية اليمنية في سوريا، عبدالله علي صبري، أن كُـلَّ تفاصيل جريمة استهداف منزله في الحادي عشر من رمضان سنة 2019 لا تزال عالقة في ذهنه، لكنه عاجز عن شرحها ولم يتمكّن بعد من البوح بمشاعره لا قولاً ولا كتابة.

وقال سعادة السفير في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة”: إن الجريمةَ تحفرُ أُخدوداً في الذاكرة باستمرار، هي مشاعرُ يختلط فيها المصاب الجلل بالسكينة الروحانية والجرم الأبشع بالتضامن الأنبل الذي حظي به وأسرته من كُـلّ الأصدقاء والأقارب وزملاء المهنة وغيرهم.

وتطرق سعادة السفير في حواره إلى مواضيع متفرقة من بينها عمله الدبلوماسي في سوريا ونظرته حول الرئيس الشهيد الصماد.

إلى نص الحوار:

 

  • أحيت بلادُنا قبل أَيَّـام الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس صالح الصمَّاد.. ما الذي يمكن أن تقولَه عن الرئيس الشهيد؟

رحم الله الرئيسَ الشهيدَ فقد جمع كُـلَّ الصفات المجسِّدة للإنسان المجاهد وللقائد المسؤول، فمنذ تقلد مسئولية رئاسة وإدارة البلد في ذلكم الظرف العصيب، وهو يتحَرّك في كُـلّ الاتّجاهات، ويتابع أدقَّ التفاصيل، ويتصدى لمعالجة الكثير من القضايا المعقدة، وقد مَنَّ الله عليه بالحكمة التي جعلته مؤهلاً لتقريب الخصوم، وتوجيههم نحو المصلحة الوطنية العليا. ولعل فتنة ديسمبر 2017م كانت شاهداً على شخصية جمعت بين اللين والحزم في الوقت ذاته، فقد عمل جاهداً على احتواء الأزمة مع المؤتمر الشعبي، وتجنيب البلاد مواجهات مسلحة لن تكون في نتيجتِها إلا خدمةً للعدوان الذي أراد الفتنة مدخلاً لحرب أهلية لا تُبقي ولا تذر. ولما كان لا بد من المواجهة والحسم قبل تفاقم الأمور، كان حازماً وحاسماً، حتى أمكن وأد الفتنة ومقتل رأسها.

وكانت لهذا الحسم العسكري والأمني السريع تداعياتٌ اجتماعيةٌ عمل العدوان على استغلالها، بما يؤدي إلى تصدُّع الجبهة الداخلية، إلا أن الرئيس الشهيد سرعانَ ما احتوى تداعيات المواجهات، وحصر الأزمة مع قلة كانت محسوبة على النظام السابق، واتجه مع الشرفاء داخل المؤتمر الشعبي العام إلى لجم النزعات الثأرية غير محسوبة النتائج، عبر إجراءات متسارعة شملت العفو والإفراج عن المئات من المعتقلين، وإعادة تشغيل مؤسّسات المؤتمر الشعبي السياسية والإعلامية، والحفاظ على الشراكة في إطار المجلس السياسي الأعلى، وهكذا فَـإنَّ اغتيال شخصية بهذا الحجم شكل خسارة فادحة للشعب اليمني، فللرئيس الشهيد الرحمة والخلود، أما القتلة المجرمون، فَـإنَّ دماء الشهيد وتضحيته الكبرى كفيلة بجرف مملكة الرمال عاجلاً أَو آجلاً.

 

  • يتزامن إحياء ذكرى استشهاد الرئيس الصماد مع جريمة أُخرى تتمثل باستهدافكم في مجزرة حي الرقَّـاص قبل عامين، ما الذي لم تقله بعد عن هذه الجريمة وذاك اليوم المشؤوم؟

رغم مرور عامين على هذه الجريمة التي فقدت فيها أمي ونجلَيَّ لؤي وحسن، إلا أني لم أتمكّن بعدُ من البوح بمشاعري لا قولاً ولا كتابةً، كُـلُّ التفاصيل عالقة في الذهن وهي تحفر أخدوداً في الذاكرة باستمرار، لكني عاجزٌ عن شرحها، فهي مشاعر يختلطُ فيها المُصابُ الجللُ بالسكينة الروحانية، والجرم الأبشع الذي ارتكبه العدوان السعوديّ الأمريكي، بالتضامن الأنبل الذي حظيت به وأسرتي من كُـلّ الأصدقاء والأقارب وزملاء المهنة ورجالات الدولة وقيادات أنصار الله وحتى من أناس كانوا بمثابة الخصوم السياسيين، مشاعر يختلط فيها الحزن لفقدان الأحبة، مع الفرح للفوز الكبير الذين ظفروا به حين اصطفاهم الله شُهداءَ أبراراً، مشاعر يختلط فيها الغضب والسخط الكبير، مع علامات الاستغراب والاستفهام، إذ لا يوجد سبب موضوعي أَو منطقي، يبرّر هذا التوحش السعوديّ بحق الشعب اليمني، أَو بحق إعلامي لا يملك إلا صوتَه وقلمَه، فاستهدفوه وأسرتَه في غارة جوية، وهم صيامٌ نيام..

 

  • ما هي آخرُ مستجداتِ هذه الجريمة؟

هذه الجريمةُ وعشراتُ الجرائم المماثلة، كان يُفترَضُ أن تحَرِّكَ المجتمعَ الدولي وأن يستمعَ لمطالب أسر الضحايا وحقهم في محاكمة مجرمي الحرب بدءاً بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للنظر في هذه الجرائم، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث، صحيح أن هناك منظمات دولية تقوم برصد هذه الجرائم ورفع تقاريرَ عنها، إلا أنها محكومة أَيْـضاً بالتوجّـه السياسي في الغرب، ونحن نعرف أن أمريكا متورطة في العدوان على اليمن، وأن الكثير من الدول الغربية متواطئة أَيْـضاً. بل إن فريق الخبراء التابع لمجلس حقوق الإنسان والمكلَّف بتقييم الأوضاع الإنسانية في اليمن، تراجع عن إصدار الشهادة التي كان قد وثّقها بشأن مجزرة الرقَّـاص واستهدافي وأسرتي فيها، وكذلك منظمة مراسلون بلا حدود تراجعت عن إدانة الجريمة، بزعم أن استهدافي له صلةٌ بآرائي السياسية وليس الصحفية، وكأنهم يقولون: إنك ما دمت مصنَّفاً “حوثياً” لدى الغرب، فلا حق لك في الحياة ولا في السفر ولا في الرأي والتعبير.

وفي هذا الصدد أود أن أشكرَ معهدُ الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان -ومقرُّه في استراليا- الذي تبنى مطلع هذا العام إصدار تقرير توثيقي عن هذه الجريمة، وجرى إطلاقُه في مؤتمر صحفي مع عرض فيلم مرئي عن مجزرة الرقَّـاص واستهداف رئيس اتّحاد الإعلاميين اليمنيين حينها.

 

– إذا انتقلنا سعادة السفير إلى عملكم الدبلوماسي، فبعد تعيينكم سفيراً لليمن في سوريا تابعنا نشاطاً ملحوظاً للسفارة عبر عدة فعاليات، كيف لمستم تعاطفَ الشعب السوري مع مظلومية الشعب اليمني؟

الشعب السوري من الشعوب العربية الحرة التي تقف إلى جانب اليمن، وهذا ليس جديدًا ولا غريبًا على أبناء الشام، كذلك الحالة بالنسبة للحكومة السورية، لكن منذ وصولي إلى دمشق، وجدتُ أن واقعَ هذا التضامن هو أكبرُ بكثير مما تنقله وسائل الإعلام، ومشاعر الود لليمن، وتقدير السوريين لبسالة الجيش واللجان الشعبيّة، وسخطهم على السعوديّة وجرائمها، كُـلُّ هذا شكّل بيئةً مساعدةً للسفارة، وهي تنظم الفعاليات واللقاءات ذات الصلة بنقل مظلومية الشعب اليمني، والحمد لله الذي وفّقنا لهذا النشاط، مع ذلك لا نزالُ في البداية، وإن شاء الله نتجهُ إلى خطوات عملية باتّجاه إعادة تفعيل الكثير من الاتّفاقات والبروتكولات بين البلدين، وتجاوز حالة الحرب والحصار التي نعيشها في اليمن ويعيشها الشعب السوري الشقيق أَيْـضاً.

 

– بعد مرور ستة أعوام على العدوان، برأيكم على ماذا تراهن السعوديّة على الاستمرار في الحرب رغم هزائمها المتلاحقة والضربات الموجعة التي تتعرض لها؟

منذ بداية العدوان وحتى اللحظة فَـإنَّ آل سعود يراهنون على حسابات خاطئة، ورغم أنهم قد عرفوا مبكراً خسارتَهم للحرب في اليمن، إلا أن الكِبرَ جعلهم يتمادون في الحرب العدوانية وفي الحصار وفي ارتكاب المجازر والجرائم البشعة، مستندين إلى دعم أمريكي وغربي غير مسبوق، لكن أياً تكن حساباتهم، فَـإنَّ صمودَ الشعب اليمني وقوةَ بأس الجيش واللجان الشعبيّة، وهذه الضربات الصاروخية النوعية في العمق السعوديّ، إضافةً إلى عدالة قضيتنا، كلها عواملُ كفيلةٌ بلجم الغرور السعوديّ، وكسر أنيابه ومخالبه، وتهشيمِ رأس الأفعى في هذا التحالف الشيطاني، الذي بات على حافة الانهيار، فيما شعبُنا العظيم يمضي إلى أكبرِ انتصار.

 

  • كيف تقيّمون الموقفَ الأمريكي من الحرب مؤخّراً؟، ولماذا هذا الضجيج الغربي والأممي حول معركة مأرب؟

أمريكا كما السعوديّة تحاولان بالحديثِ المخادِعِ عن السلام انتزاعَ ما عجزتا عنه بالقوة من خلال الحلول السياسية، غير أن القيادة الثورية والسياسية قد أوضحت الموقفَ بجلاء. ورفض السيدُ عبدالملك الحوثي -حفظه الله- أية مقايضة بين الاحتياجات الإنسانية لليمن، وبين شروط إيقاف الحرب والدخول في عملية تفاوضية.

والعجيب أن دعوات المبعوثَين الأمريكي والأممي تتجه إلى التباكي على الحالة الإنسانية في مأرب، والضغط على قواتنا المسلحة؛ حتى لا تستكملَ المهمةَ الوطنية واستعادة ما تبقى من محافظة مأرب إلى حضن الوطن، أما الحالة الإنسانية الصعبة ومعاناة الملايين من أبناء شعبنا؛ بسَببِ الحصار وحظر السفر، فليست بالنسبة لهم إلا ورقة للضغط والابتزاز.

ومعروفٌ أن معركة مأرب التي توشك على نهايةٍ سعيدة، تعد فاصلةً في مسارِ الحرب العدوانية، وتدرك قوى العدوان والارتزاق أن ما بعد مأربَ ليس كما قبلها، وهذا ما يفسّرُ الضجيجَ المتزايدَ والمطالباتِ المُستمرّةَ بإيقاف معركة مارب كشرط لرفعِ الحصار عن شعبنا، ونحن ندركُ أن في الأمر خداعاً كبيراً، فحتى لو توقف تقدم جيشنا نحو مأرب، فسنسمع عن شروط أُخرى بشأن الحصار..

ولهذا نقول: إن كانت مارب تهمكم إلى هذا الحد فعليكم الإسراع في رفع الحصار عن موانئنا ومطاراتنا، وبالذات في الحديدة وصنعاء دون قيد أَو شرط، وفي هذه الحالة فقط سنعرفُ أنكم جادُّون في دعوات السلام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com