الرئيسُ الشهيد كان رجلَ المرحلة وقائدَ انتصارات كبيرة والعدوان الأمريكي السعودي استهدفه؛ لأَنَّه خاف من الإجماع الوطني والشعبي حوله

  • الرئيس الشهيد الصمَّـاد كان توَّاقاً للشهادة والعمل الجهادي وجبهاتُ القتال كانت أقربَ إلى قلبه من العمل السياسي
  • طيرانُ العدوان الأمريكي السعوديّ كان يستهدفُ كُـلّ الأماكن التي يوجد فيها الرئيسُ الشهيد الصمَّـاد وقبل استشهاده بعشرة أَيَّـام تم استهدافُ موكبه في نقيل يسلح بعد عودته من ذمار
  • أعضاءُ المجلس السياسي كانوا يطلبون من الرئيس الشهيد الحديثَ في الجانب الديني قبل السياسي وكان يقدم صورةً مجملةً ومختصرةً ويحشُدُ مئات الأفكار والتصورات خلال نصف ساعة
  • العدوانُ لم يكن على عِلمٍ باستهداف موكب الرئيس الشهيد الصمَّـاد ولم يكن هناك أحدٌ يمكنُ أن ينقلَ لأعضاء المجلس السياسي هذا النبأَ غيرُ سماحة القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • بيانُ النعي أعددناه ونحن في صدمة ولم نكن نريد أن يستفيدَ منها العدوان أَو تمثل لحظةَ ضعف وانكسار لليمنيين
  • الشيخ صادق أبو رأس بعد أن سمع نبأَ استشهاد الصمَّـاد قال للسيد عبد الملك: نحن في معركة شرف وأنت لم تعد قائداً لأنصار الله بل قائدٌ لليمن
  • الصبر الذي تحلت به القيادة الثورية والسياسية بعد استشهاد الصمَّـاد جعلها تتجاوزُ مطباً كان العدوان يريد أن يقعُ اليمن فيه
  • لا يمكن أن تذهبَ إلى الرئيس الصمَّـاد وفي قلبك ما فيه من ألم إلا وتخرج وأنت راضي النفس

أمين سر المجلس السياسي الأعلى بصنعاء الدكتور ياسر الحوري في حوار لـ “المسيرة”:

الرئيس الصمّـاد لم يولد ليعيش ويبقى في الكراسي فهو رئيسٌ بدرجة رئيس الشهداء ورئيس المجاهدين

 

المسيرة – حاوره أحمد داوود

وَصَفَ أمينُ سِـــرِّ المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، الدكتور ياسر الحوري، الرئيس الشهيد صالح علي الصمَّـاد بأنه كان رَجُــلَ الإجماع الوطني ورَجُــلَ المرحلة، وقاد اليمن في مرحلة حسَّاسة جِـدًّا، واستطاع أن يكسبَ قلوبَ اليمنيين بصدقه ووفائه وحبه للوطن.

وقال الدكتور الحوري في حوار مع صحيفة “المسيرة”: إن الرئيس الشهيد الصمَّـاد كان توَّاقاً للشهادة والعمل الجهادي وإن جبهات القتال كانت أقربَ إلى قلبه من العمل السياسي، مؤكّـداً أن الشهيدَ –رحمه الله- كان على قائمة الاستهداف، لكن روحَه لم تكن غاليةً عليه أكثرَ من الوطن والشهداء، فكان مغامراً وكثيرَ النزول إلى الجبهات، وكل مَن كان بجوار الرئيس الشهيد الصمَّـاد يعلمون أنه كان يريدُ الشهادة ويتمناها.

وأشَارَ الدكتور الحوري إلى أن الرئيس الشهيد الصمَّـاد لم يولد ليعيشَ ويتقلدَ المناصبَ ويبقى في الكراسي، بل هو رئيسٌ بدرجة رئيس الشهداء ورئيس المجاهدين.

إلى نص الحوار:

 

– بداية نرحِّبُ بكم دكتور ياسر.. ونحن نستعرض المحطات التاريخية لتشكيل المجلس السياسيّ الأعلى بصنعاء وصعود الرئيس الشهيد الصمَّـاد إلى السلطة.. كيف تم اختياره لقيادة هذا المجلس في ظل الظروف العصيبة التي كان يمر بها اليمن؟

أهلاً بكم، في الواقعِ لقد كان الرئيسُ الشهيد صالح علي الصمَّـاد قائداً معروفاً في مكون “أنصار الله”، وحضر توقيعَ الاتّفاق السياسيّ بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام، ووقَعَ عليه الاختيارُ من قبل قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي؛ لما يمتلكُه الرجلُ من قدرات ومن تجربة، وعلاقة السيد به في المراحل الماضية جعلته الأكثر تأهيلاً لأن يقودَ المرحلةَ في المجلس السياسيّ الأعلى بصنعاء وأن يرأسه.

 

– ما أبرزُ ما أنجزه الرئيس الصمَّـاد في تلك الفترة برأيكم؟

الرئيسُ الشهيد صالح الصمَّـاد مَرَّ بتجربة صعبة جِـدًّا في العمل السياسيّ، حَيثُ كانت هناك شراكة ما بين مكون “أنصار الله” وحزب “المؤتمر الشعبي العام”، وَأَيْـضاً في مواجَهة العدوان الأمريكي السعوديّ، فكانت تجربةً صعبة، وكانت الخلافاتُ تزعجُه كَثيراً من حَيثُ التعيينات وإدارة أمور الدولة واتِّخاذ الكثير من السياسَات ومن خلال العملية التفاوضية وغيرها، فلم يُترك له المناخُ المناسبُ أن يقومَ بدوره الكامل لإدارة البلد بعيدًا عن الإملاءات التي تأتي من أعضاء المجلس، فكان ينزعجُ كَثيراً من التدخلات التي يقومُ بها مباشرةً الخائنُ علي عبد الله صالح أَو عارف الزوكا في التواصل مع ممثلي المؤتمر الشعبي في إطار المجلس السياسيّ الأعلى لاتِّخاذ مواقفَ ربما هم أنفسهم يرفضونها، كما كان ينزعج كَثيراً من انشغاله في الكثير من القضايا خارجَ الدوام الرسمي في لقاءات تستمرُّ إلى الليل مع قيادات المؤتمر الشعبي العام، وكان يقول دائماً: “اتركوني أَقُــدِ الدولة، فأنا لا أريدُ أن يشغلني المؤتمرُ ولا أنصارُ الله عن إدارة الحكم في اليمن، اعطوني مجالاً لأن أقومَ بهذه الإدارة وبواجبي تجاهها”.

وبصراحةٍ فَـإنَّ هذه الشفافيةَ وعلوَّ النفس التي كان يتمتع بها الشهيد الرئيس صالح الصمَّـاد كانت أَيْـضاً تمثل له إشكالية؛ لأَنَّه رجلُ صادق ورجل مخلص ورجل يمضي إلى الأمام، رجلٌ ينظر إلى الدولة بنظرة عميقة وبعيدة المدى وفي هذا الإطار هو كان يتوجّـه لإدارة الدولة بعد أن وضع يده على نقاط الضعف، وخلال سنة وثمانية أشهر فقط قاد فيها المجلس السياسيّ الأعلى واستطاع خلال هذه الفترة أن يشخِّصَ الكثيرَ من الإشكالات والفجوات التي تعيشها الدولة اليمنية، ليس في مرحلة العدوان ولكن منذ عشرات السنين، وبالتالي تبلور ذلك من خلال إعلانه مشروع بناء الدولة.

 

في يوم السادس والعشرين من مارس 2018 أطلق الرئيس الشهيد مشروع بناء الدولة، ما أهميّة هذا المشروع وهل كانت الظروف متاحة لذلك؟

هذا المشروع جاء تعبيراً عن الآليات والتصورات التي يمكن أن تعالج بها قضايا اليمن واليمنيين من خلال رؤية وتصور واضح.

وقد أطلق هذا المشروع وفي نفس الليلة تواصلت معه في المساء، وكان السؤال: هل هناك مشروع مكتوب وجاهز، لإعادة بناء الدولة، فكان جوابه بكل وضوح: وأنتم ماذا نعمل بكم؟

انطلقوا واشتغلوا في هذا المشروع وقدموا أفكاراً حوله، وطبعاً هو كان يمضي في هذا المشروع من خلال إعادة تفعيلِ مؤسّسات الدولة، وإعادة تفعيل مؤسّسات الجيش والمؤسّسة الأمنية ومن خلال التعليمات التي كان يصدرها ومن خلال الخطابات التي كان يطلقها والنداءات الواسعة، ومن خلال عملِهِ بطريقة نوعية ومميزة وفريدة، وكان هذا في إطار بناء الدولة، فكنا نتساءل: هل هناك مشروعٌ أَو وثيقةٌ نستطيعُ أن نحاجج بها الناس أَو نطرحها على الآخرين، فكان التكليف بأن نبدأ المشروع، فقال أنت والأخ محمد صالح النعيمي، عضو المجلس السياسيّ الأعلى، شوفوا كيف تعملوا، وما هي الأفكار التي يمكن أن تُرفع لإنجاز هذا المشروع، فتواصلت مع الأُستاذ محمد صالح النعيمي وجلسنا معاً وقدمنا عدةَ أفكار وتصورات في هذا الجانب، وبدأنا نبحث عن أفضل من يمكن أن يشارك في إعداد المشروع من الكادر اليمني، سواء في الجامعات أَو غيرها، وفي بلورة هذا المشروع والتحديات والمخاطر الي يمكن أن يواجهَها هذا المشروع، واستطعنا بطريقة أَو بأُخرى أن نقدم تصوراً مع بداية شهر إبريل بعد أسبوع عن الإطار العام للمشروع، وقدمناه للرئيس الشهيد، واطَّلع عليه، وطلب منا في يوم 9 إبريل 2018 وهو عائد من ذمار، وقال: اسبقوني إلى المكان الذي كنا نجلس فيه..، وأثناء الاجتماع قال لنا إنه تحدث إلى الناس في الاجتماع الذي عقده في محافظة ذمار عن مشروعِ بناءِ الدولةِ وإن لدينا رجالاً يعملون على هذا وأنتم الآن البذرةُ الأَسَاسيةُ في هذا المشروع ونعتمد على ما ستقدمونه من تصورات وعلى فريق العمل الذي سيكون مشاركاً في إعداد هذا المشروع.

وحدثنا في يومها أن طيران العدوان كان يترصد به وأنه خرج في نقيل يسلح من سيارة إلى سيارة، وكان هناك استهدافٌ لموكبه منذ انطلق من ذمار في يوم 9 إبريل 2018، قبل استشهاده بعشرة أَيَّـام بالضبط، وكان غيرَ خائف ولا متردّد، وكان يحدثنا وهو يضحك ويعتز بالشهادة، لكنه كان حريصاً على مشروع بناء الدولة؛ لأَنَّه ينظر إلى الجمهورية اليمنية بأُفُقٍ واسعٍ وبعيدِ المدى.

 

من خلال المخاطر التي كانت تتهدّد الرئيس الشهيد الصمَّـاد من قبل طيران العدوان.. ما أبرز التحديات التي واجهت هذا المشروع؟

نحن أَيْـضاً كان لدينا هذا الهاجسُ، وأذكر أننا سألنا الرئيسَ الشهيدَ عن التحديات التي يمكن أن تواجهَ هذا المشروع، لدينا الدولة العميقة، ولدينا بيئة العمل الموجودة، التصورات لدى الناس والقيادات وإمْكَانية مواجهة هذا المشروع، فقال لنا بصريح العبارة: هذه توجُّـهي وهو توجُّـه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، وأنا بهذا أأوي إلى ركن شديد.. لقد كنا ننظر بأن التحديات للمشروع هي من الداخل، لكن مع الإرادَة يمكن للمشروع أن ينجح.

 

ولكن ما الذي كان يريدُه الرئيسُ الشهيد بالضبط من هذا المشروع؟

كان يريدُ دولةً يمنيةً تليقُ بتضحيات اليمنيين، وكان يتحدث عن الاكتفاء الذاتي، وانتظامِ مؤسّسات وإدارات الدولة، وعن قضايا كثيرة كنا نحاول أن نكتُبُ بعدَه بقدر الإمْكَان؛ لمعرفة النقاط التي يمكن أن ننطلقَ منها؛ مِن أجلِ تحسين الإطار العام للمشروع الذي أعددناه، وما هي مكوناتُه؛ لأَنَّنا كنا نريدُ معرفةَ التحديات التي تواجهُ اليمن، غير أنه استشهد –رحمه الله- قبل أن تكتمل الأفكار وننطلق بهذا المشروع.

 

لماذا برأيكم دكتور ياسر كان الرئيسُ الصمَّـاد يحرِصُ على النزول إلى جبهات القتال ولقاء المجاهدين رغم المخاطرِ المحدقة به؟

الرئيسُ الشهيدُ كان يضيقُ من الصراعات السياسيّة، وتعرفُ أن العمل السياسيّ يكونُ فيه الكثيرُ من الحذاقة السياسيّة العالية، والبحثُ عن مكاسبَ في مؤسّسات الدولة، بينما رجالُ الرجال يواجهون معركةً كبرى مع العدوان الأمريكي السعوديّ؛ ولذلك كان يضيق صدره من العمل السياسيّ والمواجهات السياسيّة التي ليس لها طائل سوى إضعاف العمل المؤسّسي، ولهذا كان يقول لنا دائماً في اللقاءات العامة والخَاصَّة: إن جبهاتِ القتال هي أقربُ إلى قلبه من العمل السياسيّ، وكان يقول: أن ترى خصمَك أمامك وتتواجهُ معه وجهاً لوجه أحسنُ من هذا العمل السياسيّ الذِي يأتي بطرق ملتوية أَو من الخلف، وهو رجلٌ خَبِرَ المواجهاتِ العسكريةَ وقاد الكثيرَ من جبهات القتال في حروب صعدة الست الظالمة وغيرها، وبالتالي كانت روحُه الجهادية أسمى من أن يبقى مقيداً ومكبلاً بالعمل السياسيّ أَو الإداري والتواجد على كرسي الرئاسة، وكان يتوقُ دائماً إلى الميدان، وكان أحياناً يخالفُ بعضَ التعليمات الأمنية ويفاجئُ الجميعَ بأنه في الميدان، وقد لاحظناه أنه مثلاً يتواجدُ بعد صلاة الفجر في الحديدة ويجمعُ كُـلَّ القيادات الأمنية ويحدِّثُهم وبعد عشر دقائق من الفعالية تُضرَبُ المنطقة التي كان فيها بالطيران.

 

بالنسبة لموضوع الشهادة.. كيف كان الرئيسُ الشهيد صالح الصمَّـاد ينظُرُ إليها؟

كانت نفسُه تواقةً للعمل الجهادي وللشهادة، وكان حريصاً على التواجد في الميدان، فمثلاً عند انتقاله إلى جزيرة كمران، استُهدفت من قبل طيران العدوان الأمريكي السعوديّ، وكثيرٌ من الفعاليات التي حضرها في ذمار وغيرها ومناطق التدريبات العسكرية كانت تُستهدف الأماكنُ التي يوجد فيها الرئيس الشهيد الصمَّـاد.

لقد كان –رحمه الله- يعرفُ أنه على قائمة الاستهداف، لكن روحَه لم تكن غاليةً عليه أكثرَ من الوطن والشهداء، فكان مغامراً وكثيرَ النزول إلى الجبهات، وكل مَن كان بجوار الرئيس الشهيد الصمَّـاد يعلمون أنه كان يريدُ الشهادة ويتمناها، والرئيس الصمَّـاد لم يكن رجلاً وُلِدَ ليعيشَ ويتقلدَ المناصب ويبقى في الكراسي، هو رئيس بدرجة رئيس الشهداء ورئيس المجاهدين.

وكان كَثيرٌ من اللقاءات التي يعقدُها يتحدَّثُ فيها بطلاقة وبنبرته المعروفة والإيمان العميق لله وحفظه للقرآن وملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، حَيثُ كان يقدمها بطريقة رائعة، وكان قبل اللقاء يطلب منه الإخوة أعضاء المجلس السياسيّ الأعلى ألا يدخل في الحديث السياسيّ قبل الحديث الديني، فكان يبحرُ في ملكوت الله بما آتاه الله من علم، فيربط الدينَ بالسياسة وبالواقع ويقدم صورةً مجملة ومختصرة خلال نصف ساعة، فيحشد مئات الأفكار ومئات التصورات ومئات الآيات والقصص القرآنية التي تجعلك متحمساً وفي غاية الحَماس وفي غاية الإيمان بأن الشعب اليمني سينتصر؛ لأَنَّنا نقودُ معركةَ حق ضد الباطل.

 

ما مدى تأثير الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد على الشعب اليمني؟

لا شَكَّ أن تأثيرَه على الشعب كبيرٌ، وسيكونُ أكثرَ من الرئيس الحمدي وغيره من الرؤساء الذين حكموا اليمن. وصالح الصمَّـاد في سنة وثمانية أشهر فقط تجاوز غيرَه بمراحلَ؛ نتيجة هذا الارتباط، وحديثه عن الكرامة والعزة، والجهاد والدفاع عن الوطن.

 

معروف أن هناك مخاطرَ كبيرة كانت تترصّد الرئيس الشهيد الصمَّـاد، لكن السؤالَ الأبرزَ هنا: لماذا كان يصر على التنقل رغم هذه المخاطر؟

في 18 إبريل 2018 كان في الحديدة، وقد وصلت الرئيسَ الشهيدَ معلوماتٌ بأن العدوَّ يحشُدُ للحديدة ولديه توجُّـهٌ بفتح جبهة هناك، فكان مُصراً على أنه تجب مواجهتُهم على رؤوس البنادق ولم يحب أن يطلقَ هذه الصرخة والموقف العالي إلا لأَنَّ العدوان كان يردّدُ بأن أبناءَ الحديدة سوف يستقبلونه بالورود، فقال: إن أبناءَ الحديدة سيواجهون العدوانَ على رؤوس البنادق، وكان يطلقُ هذه الصرخة والموقف العالي من الحديدة نفسها، وكان هذا في يوم 19 إبريل 2018، وبعدها لقي ربَّه شهيداً كريماً، وقد بكاه الشعبُ اليمني، وكل من لا يعرفه بكاه، وإلى الآن لا تزالُ بصماتُه وشجاعته منقطعة النظير وقَــلَّ أن يتمتعَ بها قائدٌ مثله.

 

– كيف تلقيتم نبأَ استشهاد الرئيس صالح علي الصمَّـاد؟

تم دعوةُ أعضاء المجلس لاجتماع طارئ يوم الاثنين، 24 إبريل 2018، وحين وصلتُ التقيتُ بالرئيس المشير مهدي المشاط حَـاليًّا فوجهتُ له سؤالاً مباشراً: أين الرئيسُ صالح الصمَّـاد؟ فقال: اطمئن إن شاء الله الأمور طيبة، فإذا بنا نلتقي مع جميع أعضاء المجلس السياسيّ الأعلى، وأثناء اللقاء لاحظنا أن هناك دعوةً لكل قيادات الدولة، وحضر رئيس حكومة الإنقاذ الدكتور عبد العزيز بن حبتور، وحضر رئيسُ مجلس النواب الشيخ يحيى الراعي، ومعظمُ أعضاء مجلس الدفاع تقريبًا كانوا حاضرين وكثيرٌ من القيادات في الحكومة وكذلك مجلس القضاء، ووجودُ هؤلاء جميعهم أثار لدينا الاستغراب، وتم دعوتهم جميعاً إلى طاولةٍ واحدة، وفُتحت الشاشةُ بخطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الحوثي، ولم يكن هناك أحدٌ يمكن أن ينقُلَ لأعضاء المجلس السياسيّ الأعلى وحكومة الإنقاذ ومجلس القضاء وأعضاء مجلسَي الشورى والنواب غير سماحة السيد حفظه الله ورعاه، وقد كان ذلك.

تحدث إلينا وفي مدخلٍ مُهِمٍّ عن الشهادة والاستشهاد وَأهميتها وكرامتها وعظمتها، ثم انتقل ليخبرَنا بأن الرئيسَ صالح بن علي الصمَّـاد قد انتقل إلى رضوانِ الله شهيداً كريماً في مدينة الحديدة، وحدّد لنا الزمانَ والمكانَ الذي وقعت فيه هذه الجريمة التي ارتكبها طيران العدوان الأمريكي السعوديّ وَطلب من الجميع الصبرَ والثباتَ، وأكّـد على أهميّةِ ترتيب وضع الدولة.

لقد كانت الصدمةُ كبيرةً، والبعض حينها بكى وطَرَقَ البعض الطاولة بقوة، لكن تماسك الجميع بوجود القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وقد طلب السيدُ من المجلس السياسيّ الأعلى أن يلتقيَ منفرداً، وبناءً على لائحته الداخلية يختارُ بديلاً عن الرئيس الشهيد الصمَّـاد وسَدّ المكان الشاغر، وعدم التأخر في إعلان رئيس للمجلس السياسيّ الأعلى.

 

هل كانت قوى العدوان على علمٍ بنبأ استشهاد الرئيس الصمَّـاد؟

دول العدوان الأمريكي السعوديّ لم يكن لديهم علمٌ مَن استهدفوا في ذلك اليوم، فكان هناك حديثٌ عن استهداف لقائد القوات البحرية وغيره، ولم يكن لديهم معلوماتٌ مؤكّـَدة أن المستهدَفَ هو الرئيسُ الشهيد صالح الصمَّـاد، وكان العدوان يبحثُ عن التأكّـد من هذه المعلومات.

 

خلال تلك الفترة من يوم استهداف الرئيس الشهيد يوم 19 أبريل 2018 وحتى يوم اجتماعكم بقائد الثورة.. ما الذي حدث في تلك الفترة؟

استطاع الجيشُ واللجانُ الشعبيّة والقيادةُ العسكرية في المنطقة الخامسة الاحتفاظَ بالمعلومات كاملةً من ليلة الخميس إلى يوم الاثنين.

 

وماذا حدث بعد الاجتماع؟

لقد كُلِّفْنا بإعدادِ بيان النعي، أنا والأخ أحمد حامد -مدير مكتب الرئاسة- والأخ جلال الرويشان وأمين العاصمة حمود عُباد، وكان هناك مشروعٌ تم تطويرُه، وكنا في صدمة غير مصدقين أننا نكتُبُ بيانَ نعي قائد وبطل وصديق، وكانت تلك اللحظة أشبه بالخيال، وكنا لا نريدُ للعدوان الأمريكي السعوديّ أن يستفيدَ من هذه اللحظة، أَو تمثلَ لحظةَ ضعف وانكسار لليمنيين، وبعدها تم اختيارُ مهدي المشاط ليكونَ رئيساً بديلاً عن الشهيد الصمَّـاد، وطلب من الجميع أن يكونوا متماسكين ويصبروا وألا يظهر العدوانُ أن اليمني ضعيف، وأن هذه الجريمة يجبُ أن يعاقبوا عليها، وأننا في الجمهورية اليمنية نفتخرُ بأننا قدمنا رئيساً للجمهورية اليمنية شهيداً دمُه يختلطُ بتراب هذه الأرض وفي الحديدة، وأن منطقةَ الساحل يجب أن تكون محرَّمةً على العدوان، بناءً على هذه التضحية الغالية والثمينة لليمنيين بأن قدَّمَ الرئيسُ نفسه شهيداً؛ بهَدفِ أن يكونَ الساحلُ بعيدَ المنال عن العدوان.

 

كيف كانت ردةُ فعل أعضاء مجلس السياسيّ الأعلى بعد سماع هذا النبأ المفاجئ؟

في الواقع لقد سمعنا من البعض مواقفَ ينشرحُ لها الصدر، والشهادةُ لله وللتأريخ أن الشيخ صادق أمين أبو رأس كان حديثُه مباشراً لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وقال: إننا جئنا إلى هذا اللقاء وكانت لدينا أوراقٌ خَاصَّةٌ بالمؤتمر وقضايا المؤتمر، ولم نكن نعلمُ بهذا الخبر المحزن على قلوبنا، واليوم نحن نضعُ كُـلَّ هذه الأوراق خلف ظهورنا ونقول لك بأنك قائدُنا وأنت تقودُ الجمهورية اليمنية، ونحن في معركة شرف ودفاع عن اليمن، وهذه التضحية الغالية لليمن واليمنيين يجبُ أن يكونَ ثمنُها غالياً للدفاع عن اليمن وعن مكتسباته وأنت لم تعد قائداً لأنصار الله وإنما قائدٌ للجمهورية اليمنية.. ولاحقاً سمعنا أن قائدَ الثورة السيد عبد الملك الحوثي يقولُ: إن أكبرَ تعزية له أَو نعي له في الشهيد البطل صالح علي الصمَّـاد هو ما سمعه من الشيخ صادق أمين أبو رأس.

الجميعُ كان يتحلَّى بالصبر والحلم وينظر إلى مصلحة اليمن قبل كُـلّ شيء، وبهذا الموقف والثبات أستطيع القول بأن اليمنَ تجاوز مطباً كان يريد له العدوان أن يقع فيه، ولو لم نعلن بيانَ النعي في ذلك اليمن لكان العدوان قد سبقنا في ذلك، لكن تدبيرَ القيادة وحكمتها كانت في المستوى اللازم، وقد أجرت تحقيقاتِها من يوم الخميس استشهاد الرئيس الصمَّـاد إلى يوم الاثنين، وقد عرفوا بكل المعلوماتِ عن طريقة الاغتيال ومَن يقف وراءها وكيف تسرّبت البيانات والمعلومات، حتى عرفت التفاصيلَ كاملةً، وها هم المتهمون يحاكمون أمام القضاء.

 

برأيكم دكتور ياسر.. ما خطورةُ استهداف قوى العدوان للرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد في تلك المرحلة بالنسبة لكم في المجلس السياسيّ وللشعب اليمني؟

في الحقيقة أن الاستهدافَ جاء في وقت كنا ننظُرُ إلى الرئيس الشهيد صالح علي الصمَّـاد بأنه المخلِّص، وكنا في غاية الحاجة إلى بقائه، وكان اليمن بكل قياداته ومؤسّساته تنظُرُ إليه كمخلِّص، وكرجلٍ محل إجماع ويعمل بصورة وطنية منقطعة النظير، ولا يمكن أن تذهب إلى الرئيس الصمَّـاد وفي قلبك ما فيه من ألم إلا وتخرج وأنت راضي النفس.

لقد كانت نظرتُه واسعةً وروحُه كبيرةً، وهو منفتحٌ للجميع ولا ينظر بعصبية أَو بتبعية لأحد وهو محبٌّ للجميع، ويريدهم أن يكونوا جنوداً في سبيل الله ومجاهدين وصادقين ومخلصين لهذا الوطن وكان هو أخلصَهم وأصدقَهم.

 

ما الذي أزعج قوى العدوان من الرئيس الصمَّـاد؟

الرئيس الشهيد –رحمه الله- كان رجل تحول، قائد انتصارات كبيرة ورجل تغيير ويكوِّنُ قناعات ومجتمعاً يؤمن به، وصلابة الرجل وقوة طرحه ومنطقه كان يكوِّن حوله إجماعاً شعبياً ووطنياً كبيراً، فالعدوان خاف من هذا القائد العظيم الذي قدّمته المسيرة القرآنية للناس، وخاف من الإجماع حوله، ويمكن أن يقودَ تغييراً في اليمن على عِلَّاتِ ما كانت تعيشُه البلادُ، فأطلق مشروعَ بناء الدولة، وهذا المشروع لا يمكن أن يتصدر له إلا رجلٌ نبيل وقائد شهم ورجل وطني يحمل مشروعاً وهَــمًّا، وقد صنع تحوُّلاً داخل الجيش، والجميع أصبح يُحِبُّه ويرون بأنه رجل المرحلة، فقد كان رئيساً بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com