الحصار الأمريكي السعودي يفتك بمرضى الفشل الكلوي!

المسيرة| محمد ناصر حتروش

يخضع الطفل محمد حسن المقبلي البالغ (12) عاماً للغسيل الكلوي في مستشفى الجمهوري منذ ثلاثة أعوام، ويقول وملامح التعب ظاهرة على وجهه إن تداعيات العدوان المتواصل على اليمن للعام السابع على التوالي أرهقته كَثيراً، مُشيراً إلى أنه وعلى مدى 3 أعوام والسموم تملأ أحشاءه، آملاً أن يأتي اليوم الذي يتمكّنُ فيه من الخضوعِ لجلسات غسيل كاملة كغيره من الأمراض في مختلف دول العالم.

ويشير الطفل المقبلي إلى أن العدوان والحصار الأمريكي السعودي الجائر ضاعف معاناة مرضى الفشل الكلوي في اليمن، حَيثُ يعانون من ارتفاع أسعار المواصلات ونقص المحاليل والأدوية؛ ولهذا فَـإنَّه يناشد الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية للقيام بمسؤولياتهم وتحييد الجانب الإنساني عن الصراع العسكري والسياسي القائم.

المعاناة لا تقتصر على الطفل المقبلي، وإنما تشمل كُـلّ مرضى الفشل الكلوي في اليمن، الذين يحلمون بصرخة تصل إلى أرجاء العالم، لعل الضمير الدولي يلتفت إلى معاناتهم البائسة.

ويقول المواطن محمد إسماعيل المروني، أحد مرضى الفشل الكلوي بمستشفى الجمهوري، إنه وزملاءه المرضى يعانون من نقص الأدوية والمحاليل والمعدات اللازمة للغسيل الكلوي وإن احتجاز المشتقات النفطية فاقم من معاناة المرضى، وذلك من ناحية الأجهزة المستخدمة للغسيل الكلوي وكذلك المواصلات، مُشيراً إلى أن المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية لا تقوم بكامل واجبها تجاه المرضى وأنها لا تقدم سوى الشيء اليسير للمرضى.

وينظر المواطن المروني مثل بقية مرضى الفشل الكلوي إلى المنظمات الدولية؛ باعتبَار أنها لا تنظر إليهم “كبشر”، مطالباً تلك المنظمات بالتعامل معهم من منظور إنساني وليس عدائي؛ لأَنَّهم يموتون ولا أحد يشعر بهم، ويعانون من المرض، مؤكّـداً بقوله: “الحصار فاقم من معاناتنا وهو يقضي على ما تبقى من أعمارنا”.

ويواصل المروني حديثه قائلاً: “على الرغم من معاناتنا وجراحنا إلا أننا لا نزال صامدين ومؤمِّلين في الله تعالى ورجال الرجال بأن يحقّقوا لنا النصرَ، أما بالنسبة لنا فنحن على فراش المرض صابرون وصامدون حتى يمُنَّ اللهُ تعالى علينا بالنصر المبين”.

 

موتٌ بطيء

الوضع في المستشفيات هو الآخر معقد ومزرٍ، فالكادر الصحي يواجه الكثير من الصعوبات والمشاكل في تقديم الرعاية والعناية الصحية لمرضى الفشل الكلوي.

وتقول رئيسة قسم مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الجمهوري بصنعاء، الدكتورة هدى الحبري إنها وكافة الكادر الصحي يعملون ما بوسعهم لخدمة مرضى الفشل الكلوي وإنهم يعتبرون المرضى كأسرهم، موضحة أن ما يقوم به العدوان من احتجاز لسفن المشتقات النفطية يعد كارثة إنسانية على القطاع الصحي، وبالأخص على مراكز الغسيل الكلوي، موضحة أن احتجاز سفن المشتقات النفطية أَدَّى إلى ارتفاع المواصلات على مرضى الغسيل الكلوي، الأمر الذي يجعل بعض المتردّدين على مراكز الغسيل الكلوي يتأخرون عن الغسيل أَو يتغيبون عن المركز، وبالتالي يتضاعف حجم المعاناة عليهم.

وتشير الحبري إلى أن انقطاع المشتقات النفطية عن مراكز الغسيل الكلوي أَدَّى إلى العمل المتردّد والمتقطع لأجهزة الغسيل الكلوي، الأمر الذي يؤدي إلى نتيجة رديئة لمرضى الغسيل الكلوي، وذلك بسَببِ انقطاع المتكرّر للأجهزة، لافتة إلى أنه وبحسب المتعارف عليه علميًّا وعالميًّا فَـإنَّ مرضى الغسيل الكلوي لا بد من أن يأخذوا ثلاثَ غسلات في الأسبوع، لكن وَنظراً للحصار والعدوان القائم على البلد حدّدوا غسلتين في الأسبوع لكل مريض وأن المرضى لا يحظون خلال غسيلهم بالوقت الكافي نظراً لازدحام عدد المرضى.

وتناشد الحبري الأمم المتحدة القيامَ بمسؤوليتها والضغط على تحالف العدوان لتحييد الجانب الإنساني والسماح للمشتقات النفطية وكذا توفير مختلف المحاليل والمستلزمات الطبية اللازمة لمراكز الغسيل الكلوي.

 

معاناةٌ نفسية متزايدة

وفي زيارة ميدانية لمركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة، التقت صحيفة “المسيرة” برشاد التويتي، أحد مصابي الفشل الكلوي، والذي أكّـد أنه يعاني من رداءة أجهزة الغسيل الكلوي، وكذا انعدام إبر الدم والإبر الحديدية وكذا نقص الفلترات.

ويحكي أنه وزملاءه يعانون من نقص الفترة الزمنية للغسيل، حَيثُ أن ساعتين ويومين في الأسبوع لا تكفي، مبينًا معاناتهم جراء انقطاع المرتبات وارتفاع أسعار المواصلات والتي سببها العدوان والحصار على البلد.

ويناشد التويتي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالضغط على دول العدوان لرفع الحصار على المشتقات النفطية وكذا إلزام منظمة الصحة العالمية للقيام بمسؤوليتها أمام مرضى الفشل الكلوي، كما يناشد وزارة الصحة بحكومة ببذل المزيد من الجهود وتوفير ما أمكن لخدمة مرضى الفشل الكلوي وتخفيف معاناتهم.

قسم الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة العام بصنعاء هو الآخر يشكو من مشاكل جمة جراء استمرار العدوان والحصار الأمريكي السعودي على بلادنا، والذي تسبب لهم بالكثير من المشاكل.

ويقول الدكتور صقر الحبشي، أحد مسؤولي قسم الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة: إن العدوان والحصار أثر على أقسام الغسيل الكلوي وإن حصار العدوان أثّر نفسياً ومادياً على مرضى الفشل الكلوي، مُضيفاً أن العدوان والحصار تسببا في نقص الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لمرضى الفشل الكلوي وأنه أَدَّى إلى توقف بعض المراكز الغسيل بمختلف المحافظات، الأمر الذي دفع بالكثير من مرضى الفشل الكلوي إلى تكبُّد معاناة السفر إلى العاصمة لتلقي الغسيل، وأدى ذلك إلى تزاحم وتزايد عدد المرضى بمركز الغسيل، كما أَدَّى إلى تقليل الفترة الزمنية والوقت المحدّد للغسل.

ويؤكّـد الدكتور الحبشي أن الحصار الأمريكي أَدَّى إلى نقص المحاليل وبعض الأدوية، الأمر الذي زاد من معاناة المرضى وجعل البعضَ منهم يدخل في حالة حرجة، منوِّهًا إلى أن هناك عدداً من المرضى توفوا في منازلهم؛ لأَنَّهم عجزوا عن توفير مواصلات اللازمة لانتقالهم إلى مركز الغسيل الكلوي وإجراء الغسيل، مشير إلى أن عدم قيام المنظمات الصحية الدولية بمسؤوليتها أَدَّى لتحمل القسم أعباء العلاجات على مرضى الفشل الكلوي.

 

وفياتٌ بالمئات

وإزاء هذا الحصار المتزايد على الشعب اليمني من قبل الأمريكيين والسعوديين فَـإنَّ معدل الوفيات لمرضى الفشل الكلوي في تزايد، كما أن المعاناة كذلك تتزايد.

ويؤكّـد مسؤول الغسيل الكلوي بوزارة الصحة، الدكتور محمد الأبيض، أن الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي من قبل تحالف الشر لم تسلم منه مراكز الغسيل الكلوي ومرضى الغسيل، مُشيراً إلى أن العدوان أقدم على استهداف وتدمير مراكز الغسيل الكلوي في حرض وَكذلك مركز اليمن الدولي بتعز، وأن الحصار الخانق على المشتقات النفطية أَدَّى إلى زياده العبء على مراكز الغسيل وأن كُـلّ مراكز الغسيل الكلوي مهدّدة بالتوقف عن أداء الخدمات.

ويشير الدكتور الأبيض إلى أن العدوانَ عمل على احتجازِ مستلزماتِ الغسيل الكلوي في ميناء الحديدة لأكثرَ من سبعة أشهر والتي كانت في طريقِها إلى مراكز الغسيل بصعدةَ وغيرها من المحافظات، الأمر الذي زاد من معاناة مرضى الفشل الكلوي.

ويقول الأبيض في تصريحه لصحيفة “المسيرة”: إن انعدام الصيانة لأجهزة الغسيل الكلوي وَعدم توفر قطع الغيار داخل الوطن وضرورة طلبها من الخارج أَدَّى إلى خروج أكثر من 120 جهازاً عن الخدمة، معتبرًا استمرارَ الحصار الأمريكي كارثةٌ إنسانيةٌ؛ وذلك كون الحصار يسهم في إيقاف مراكز الغسيل في الوقت الذي ترتفع فيه الحالات المرضية.

ويرى الدكتور الأبيض أن الحصار الأمريكي أَدَّى إلى شُحةٍ في توفير الأدوية الضرورية والأَسَاسية لمرضى الفشل الكلوي، مثل الهيبارين والاريثروبيوتين التي تعتبر أَسَاسية للمرضى بشكل يومي، موضحًا أن قلةَ مراكز الغسيل الكلوي وكثرة الحالات المرضية أَدَّى إلى تدني الغسلة المعيارية للمرضى، بمعنى أن المفترض بأن المريض يغسل ثلاث إلى أربع جلسات في الأسبوع وكل جلسة لا تقل عن أربع ساعات.

ويشير الدكتور الأبيض إلى أن توافد الأعداد الكبيرة من مرضى الفشل الكلوي وقلة الطاقة الاستيعابية جعلت الإدارةَ تخفّض من عدد جلسات الغسيل وكذا فترة الغسيل، حَيثُ يخضع المريض لجلستين في الأسبوع وكل جلسة ساعتين، منوِّهًا إلى أنه وبحسب إحصائيات وزارة الصحة خلال العام الماضي 2020م فَـإنَّ عددَ وفيات مرضى الفشل الكلوي بلغ في أمانة العاصمة 171 حالة وفاة، فيما بلغت وفيات مرضى الفشل الكلوي بمحافظة الحديدة 152 حالة وفاة، فيما بلغ عددُ الوفيات بمحافظتي عمران وصعدة بلغ 66 حالة وفاة.

ويضيف الأبيض أنه وفي محافظة إب بلغ عدد وفيات مرضى الفشل الكلوي 173 حالة وفاة، وأن عدد الوفيات في محافظتي البيضاء والمحويت بلغ 67 حالة وفاة، مؤكّـداً أن عدد الوفيات بمحافظتَي ذمار وحجّـة بلغ 107 حالات وفاة، وأن إجمالي عدد الوفيات بمختلف المحافظات بلغ 736 حالة وفاة.

وكانت وزارةُ الصحة قد حذرّت في وقت سابق من أن المستشفيات العامة والخَاصَّة في كُـلّ أنحاء البلاد مهدّدةٌ بالإغلاق خلال الأيّام القليلة المقبلة؛ بسَببِ أزمة المشتقات النفطية.

 

جريمة حرب

ويعتبر الحصار المطبق على اليمن وعلى القطاع الصحي جريمة حرب، فالأمر يتطلب المسارعة في إدخَال المشتقات النفطية والمحاليل والمستلزمات والأدوية الخَاصَّة بمرضى الفشل الكلوي حتى لا تتضاعف المعاناة ويتزايد عدد الوفيات.

ويؤكّـد الناطق باسم وزارة الصحة، الدكتور نجيب القباطي، أن العدوان لا يزال يسعى إلى تدمير القطاع الصحي ويمنعُ من تقديم الخدمات الطبية العاجلة، ما يعتبر “جريمة حرب”.

وخلال وقفة احتجاجية سابقة، قال الدكتور القباطي: إن “مراكز الغسيل الكلوي الـ 15 على مستوى اليمن، والتي يتردّد إليها بشكل كبير ودائم 5200 مريض يعانون من الفشل الكلوي مهدّدة بالإغلاق”، مُضيفاً أن استمرار منع وصول المشتقات النفطية يعني إنهاء حياة مرضى الفشل الكلوي، محذراً “تحالف العدوان من كارثة إنسانية وشيكة”.

ويدعو القباطي المجتمع الدولي للضغط؛ مِن أجلِ الإفراج عن سفن المشتقات المحتجزة، مُشيراً إلى أن صمت المنظمات الإنسانية أمام احتجاز السفن سكوت عن جريمة حرب وتشجيع للمعتدين على مواصلة جرائمهم بحق الشعب اليمني.

وبحسب القباطي، فَـإنَّ وزارة الصحة ومراكز الغسيل الكلوي تدق ناقوسَ الخطر الذي يهدّدُ أكثرَ من 1500 مستشفى ومركز صحي عام وخاص منها 15 مركزَ غسيل كلوي و400 بنك دم ومختبر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com