استخدامُ النازحين كدروع بشرية.. نظرةٌ من الناحية القانونية!

المسيرة- المحامي عبد الوهَّـاب الخيل

استمرارُ تمترُسِ عصاباتِ حزب الإصلاح بمُخَـيَّمات النازحين بمأرب وتحويلُهم إلى دروعٍ بشريةٍ عملٌ مُدانٌ، وانتهاكٌ صارخٌ للقانون الدولي الإنساني وبروتكولات حقوق الإنسان والقوانين الوطنية في معظم دول العالم؛ باعتبَارها جريمةَ حرب مكتملة الأركان.

كما يُعَدُّ هذا الأُسلُـوبُ استغلالاً رخيصاً وسقوطاً أخلاقياً من قبل عصابات المرتزِقة لمعاناة النازحين وتعريض حياتهم لخطر العمليات العسكرية؛ لغرض إيقاف تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبيّة وفي مقدمتهم أحرار محافظة مأرب لتحرير المناطق المتبقية في ذات المحافظة من الغزاة والمحتلّين للأراضي اليمنية المنتهكين لسيادتها.

ولم تكتفِ تلك العصاباتُ بالتمترُسِ بالمدنيين، بل كشفت معلوماتٌ مؤكّـدةٌ أنهم قد جهّزوا فِرَقَ تصوير داخل “مخيَّم صنعاء” للنازحين، وهذا يعني أنهم بصدد تنفيذ عمليات إجرامية ضد النازحين؛ بغرض إلصاقها بالجيش اليمني واللجان الشعبيّة، وهذا الأمر يجعل الأمم المتحدة في محلِّ المسؤولية القانونية والحقوقية والمهنية والأخلاقية تجاه مُخَـيَّمات النازحين بـ مأرب، وعليها أن تسارعَ بالنزول إلى مواقع المُخَـيَّمات وتوفير ممرات آمنة لخروجهم، وإنقاذهم من المخطّط الدامي الذي تخطط له قوى العدوان وأدواتها الرخيصة، فإبقاءُ النازحين في مناطق المواجهات العسكرية جريمةٌ وهي من تتحمل مسؤوليتها في حال تقصيرها، رغم أننا ندركُ حجمَ تواطؤ الأمم المتحدة مع عصابات المرتزِقة وقوى تحالف العدوان، في تعمُّدِ إبقاء تلك المُخَـيَّمات في مناطق المواجهات العسكرية؛ لغرض ثني الجيش اليمني واللجان الشعبيّة عن تحرير المناطق المحتلّة بمأرب، مع أن النازحين هناك المشمولين بحماية القانون الدولي الإنساني في حُكمِ الرهائن بيد عصابات المرتزِقة التي تتمرس بهم وهي جريمة حرب، وهو موقفٌ مخزٍ ومشينٌ للأمم المتحدة التي سبق أن أدانت استخدامَ المدنيين كدروع بشرية في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

وعلى سبيل المثال، في ما يتعلّق بالنزاعات التي جرت في ليبيريا ورواندا وسيراليون والصومال وطاجيكستان ويوغوسلافيا.

 

معطياتٌ قانونيةٌ بشأن مُخَـيَّمات النازحين واستخدام المدنيين كدروع بشرية

  • النازحون داخليًّا والقانون الدولي الإنساني: يتألَّفُ القانونُ الدولي الإنساني من مجموعة قواعد تهدف -لأسباب إنسانية- إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أَو كفوا عن المشاركة بشكل مباشر في الأعمال العدائية في أوقات النزاع المسلح، وإلى تقييد وسائل الحرب وأساليبها. ومن ثمَّ، يُرسِي هذا القانون الحد الأدنى من معايير السلوك الإنساني التي يجب الامتثال لها في أية حالة من حالات النزاع المسلح. وتهدف هذه المعايير، ضمن أمور أُخرى، إلى حماية السكان المدنيين وسُبُل بقائهم.

وتعد انتهاكاتُ القانون الدولي الإنساني -مثل الهجمات المباشرة على المدنيين وكل أشكال إساءة معاملتهم، وتدمير الممتلكات في ما لا تتطلبه ضرورة عسكريةٌ قهرية، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وفرض قيود غير قانونية على إمْكَانية الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأَسَاسية- بعضَ الأسباب الرئيسية المؤدية إلى النزوح في النزاعات المسلحة اليوم.

وغالبًا ما يكافح المدنيون؛ بسَببِ النزوح؛ مِن أجلِ تلبية احتياجاتهم الأَسَاسية في ظِلِّ تفاقم المصاعب، وقد يتعرضون لمخاطرَ شديدةٍ، مثل التوترات بينهم وبين المجتمعات المضيفة، والتوطين في أماكنَ غير آمنة أَو غير صالحة، أَو الإعادة القسرية إلى مناطق غير آمنة. كما أن الافتقار إلى إمْكَانية الحصول على وثائق رسمية تركها النازحون غالبًا وراءهم أَو ضاعت في أثناء فرارهم هو أحد بواعث القلق الرئيسية التي تُؤثِّر على النازحين داخليًا، وقد يحول بينهم وبين الحصول على خدمات أَسَاسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

  • ويحتوي القانونُ الدولي الإنساني على أحكامٍ مهمةٍ للحيلولة دون نزوح المدنيين ومنع المعاناة الناتجة عن وقوعه ابتداءً. وهو يهدف أَيْـضاً إلى ضمان أنه عند حدوث النزوح يلقي النازحون داخليًّا الحماية، وتقدم لهم المساعدة في كُـلّ مراحل نزوحهم. وبدون الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني، وبذل جهود دؤوبة لحمايةِ السكان المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة، ستستمر أرقام النزوح العالمية في الارتفاع.
  • وبمقتضى النظام الأَسَاسي للمحكمة الجنائية الدولية، يشكّل “استغلال وجود شخص مدني أَو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط أَو مناطق أَو وحدات عسكرية معيّنة” جريمةَ حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
  • وبمقتضى تشريعات كثيرٍ من الدول، يشكّل استخدامُ الدروع البشرية جُرماً جنائياّ. وتشمل هذه الممارسة تلك الخَاصَّة بدول ليست، أَو لم تكن في حينه، أطرافاً في البروتوكول الإضافي الأول أَو في النظام الأَسَاسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي 1990 و1991، جرت إدانةٌ واسعةٌ من الدول لاستخدام العراق لأسرى حرب ومدنيين كدروع بشرية، وأعلنت الولايات المتحدة أنّ هذا الاستخدام يرقى إلى درجة جريمة حرب. وكان استخدام أسرى حرب كدروع بشرية في الحرب العالمية الثانية موضوع محاكمات جرائم الحرب في المحكمة العسكرية التابعة للملكة المتحدة في لونبرغ، في قضية الطالب، والمحكمة العسكرية التابعة للولايات المتحدة في نورمبرغ، في قضية فون ليب (محاكمة القيادة العليا)، في 1948.

وفي قضية كارادزيتش وملاديتش، في 1995، أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وُجهت إلى المتهمين تهمة ارتكاب جرائم حرب لاستخدامهما أفراداً من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام كدروع بشرية. وفي مراجعتها للوائح الاتّهام، أكّـدت المحكمة هذه التهمة.

  • وفي ما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، لا يشير البروتوكول الإضافي الثاني بشكل واضح، إلى استخدام الدروع البشرية، غير أنّ هذه الممارسة يحظُرُها الواجبُ في أن “يتمتع السكانُ المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية”.

ومن المهمِّ، علاوةً على ذلك، أنّ استخدامَ الدروع البشرية يُعتبَرُ في أغلب الأحيان مساوياً لأخذ الرهائن، الذي يحظرُه البروتوكول الإضافي الثاني، والقانون الدولي العُرفي وبالإضافة إلى ذلك، فَـإنَّ تعمّد استخدام المدنيين لستر العمليات العسكرية يخالف مبدأ التمييز وينتهك الواجب في اتِّخاذ الاحتياطات المستطاعة لفصل المدنيين عن الأهداف العسكرية.

  • وتحظر عدةُ كتيّبات من الدليل العسكري، والتي تطبّق في النزاعات المسلحة لفصل غير الدولية، استخدام الدروع البشرية. وتُجرّم تشريعات عدة دول استخدام الدروع البشرية في النزاعات المسلحة غير الدولية.

وقد أدانت الدولُ والأممُ المتحدة استخدامَ الدروع البشرية في النزاعات المسلحة غير الدولية، وعلى سبيل المثال، في ما يتعلّق بالنزاعات التي جرت في ليبيريا ورواندا وسيراليون والصومال وطاجيكستان ويوغوسلافيا السابقة. ولم يُعثر أية ممارسة رسمية مناقضة.

وعلى الرغم من أن النازحينَ داخل بلدانهم ليسوا موضوعاً لاتّفاقيةٍ خَاصَّةٍ بهم مثلما هو الحال مع اللاجئين، إلا أنهم يتمتعون بالحمايةِ بموجب عديد من القوانين، وخَاصَّةً القوانين الوطنية وقانون حقوق الإنسان، كما يتمتعون بحمايةِ القانون الدولي الإنساني، في حالة ما إذَا كانوا في بلدٍ يجري به نزاعٌ مسلح.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com