إغلاقُ قناة السويس في الفكر الاستراتيجي العسكري الصهيوني

من الخوف والرعب إلى الاستثمار وإيجاد البدائل..

 

المسيرة / عبدالقوي السباعي

قناةُ السويس واحدةٌ من أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، وتربط بين أُورُوبا وآسيا وإفريقيا، ويسافرُ عبرَها ما معدَّلُه 50 سفينةً عملاقةً يوميًّا تحمل نحو 3 ملايين طن من البضائع، معظمها سائبة مثل الغاز الطبيعي المسال والنفط والحاويات، وفي كُـلّ عام يسافر ما يقرب من 20 ألف سفينة في الممر المائي الاصطناعي البالغ طوله 200 كم، وهو ما يمثل نحو 12 % من التجارة العالمية من حَيثُ الحجم، كما تمر السفن المحملة بالحبوب والأسمدة والمواد الكيماوية والفحم والآلات والخامات المعدنية والمنتجات الغذائية عبر هذا الطريق البحري.

هذه القناةُ كغيرها من الممرات المائية العربية الحاكمة لم تكن يوماً غائبةً عن خطط واستراتيجيات قوى الهيمنة والاستغلال العالمية على مر العصور تخفت تارةً وتظهر تارةً أُخرى عبر أشكال متعددة الاستهداف، تخوفاً من استخدامها كورقة ضغط للقوى العربية، كما حدث في ستينيات القرن الماضي عندما أغلقها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، غير أنها اليوم تواجه تهديداً حقيقيًّا، يتمثل بالسفينة “إيفر جيفن” العملاقة، التي أغلقت قناة السويس، ومنعت تدفق شحنات بقيمة 9.5 مليار دولار في اليوم الواحد، مع عواقب هائلة على الاقتصاد العالمي، لذلك حذر رئيس الإنقاذ الهولندي “بيتر بيردوسكي”، أن السفينة “قد تبقى عالقة لأسابيع”.

وتسببت الحادثة التي بدأت منتصف الأسبوع الفائت، في توقف تجارة ما لا يقل عن 400 مليون دولار أمريكي من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال والوقود المكرّر وغيرها، وتبذل السلطات المصرية وفرق الإنقاذ البحرية، بما فيها الأجنبية، جهوداً محمومة لتحرير إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم، التي يبلغ وزنها 200 ألف طن.

وبحسب صحف بريطانية نقلت تصريح رئيس الإنقاذ، فَـإنَّ هناك “ما لا يقل عن 150 سفينة عالقة حتى الآن”، مع “وجود بضائع بقيمة 29 مليار دولار”، وهي بتضاعف مستمرّ.

وستكون الكلفة الحقيقية أعلى بكثير، إذَا استمر الغلق؛ لأَنَّ التأخير في السلع الحيوية “يتسبب في خسائر للشركات بجميع أنحاء العالم”، وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة البيانات التجارية “كوريوليس تيكنولوجيز”، “كيت هاردينغ”: إن “الأخطار التي تتعرض لها التجارة العالمية “هائلة للغاية”.

 

تداعياتُ الحادث وإحياءُ خطط الماضي

وصف الرئيس التنفيذي لشركة “بروجيكت 44″، جيت ماكاندلس، الحادثةَ بأنها “وجهت ضربةً كبيرةً أُخرى إلى التجارة العالمية، في عام تشهد فيه سلسلة التوريد المتراكمة اضطراباً فعلياً بفعل جائحة كورونا”.

وفي حال تعذُّرِ فتح القناة بسرعة فلن يكون أمام شركات الشحن خيار سوى توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح في طرف إفريقيا، وهو طريق يضيف 14 يوماً و5 آلاف ميل بحري إلى الرحلة، مما يعني ارتفاع أسعار البضائع المشحونة إلى أُورُوبا من آسيا، بما في ذلك السيارات ومواد البناء ومعدات الحماية الشخصية الخَاصَّة بكورونا، إذ ستزيد شركات الشحن رسومها لتغطية كلفة اتِّخاذ مسارات أطول.

عُمُـومًا باتت إحدى أهم شرايين التجارة العالمية وأهم الممرات المائية في العالم مشلولة، فجنوح سفينة قد تسبب بتعطيل ثم تعليق العمل فيها، فهل نحن أمام حادث طبيعي أم مدبر؟، والثابت أن الكارثة ستصب في صالح ممرات مائية بديلة، وتبرز علامات الاستفهام أَيْـضاً مع إعادة تسليط الضوء على وثيقة سرية تعود إلى عشرات السنين عن مخطّط أمريكي لفتح ممر بحري بديل، تحت مسمى “خطة نووية”، خلصت بـ” تفجير 25 قنبلة نووية لشق قناة كبديل استراتيجي من قناة السويس تمر عبر صحراء النقب المحتلّة”، وكانت واشنطن تنظر في هذه الخطة في ستينيات القرن الماضي بعناية، هذه المعلومات كانت مضمون وثيقة سرية كُشف عنها عام 1996م، وأعاد موقع businessinsider)) التذكير بها، اقترحت الخطة القيام بعملية حفر نووي على سطح البحر بطول 257 كم، وكان أحد المسارات المحتملة التي اقترحتها المذكرة، يمتد عبر صحراء النقب في فلسطين المحتلّة ويربط البحر المتوسط بخليج العقبة ويفتح منافذ على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وكانت هذه المذكرة تتوقع في ذلك الحين أن تكون المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تقفَ عائقاً أمام تنفيذ الخطة هي المعارضة الشديدة لدول الطوق.

 

من المستفيد من هذا الحادث؟

هل هناك مؤشرات على علاقة الكيان الصهيوني به؟، وما صحة ربط هذا الحادث بالمشروع السعودي العملاق (نيوم)؟.

سواءٌ أكان الحادث عرضياً أَو مدبراً فَـإنَّه يشي باستغلاله لإحياء مخطّطات أمريكية ــ صهيونية قديمة متجددة، ويؤسس لتوجّـه يخلق رأياً عاماً عالمياً، وإبراز ظاهرة عالمية تتمحور حول فكرة إيجاد البدائل المستقبلية، والتي لن تتعارض مع وجهة النظر الأمريكية في حماية الأمن القومي “الإسرائيلي”.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن رئيس حكومة الكيان الصهيوني “بنيامين نتيناهو” أعلن مؤخّراً الانتهاء من إنشاء الطريق البري (350 كيلومتراً) بين مينائي “إيلات” على البحر الأحمر ومدينة “أسدود” على البحر الأبيض المتوسط وبتمويل أمريكي، وأعلن أيضاً عن خطة جديدة للحكومة “الإسرائيلية” لبناء سكة حديد بين “إيلات وأسدود وحيفا” وبمحاذاة الطريق البري بفلسطين المحتلّة عابراً الأردن إلى مدينة المستقبل السعودية (نيوم).

نلاحظ أن الهدفَ الصهيوني للمشروعين مُعلَن على الملأ، حَيثُ سيكونان بديلين لقناة السويس التي تدعم الاقتصاد المصري بأكثر من 6 مليارات دولار سنوياً، إضافة إلى أهداف صهيونية أُخرى منها تعزيز المكانة الاقتصادية ورفع حجم الموازنة العامة من خلال عقد سلسلة اتّفاقات بين دول آسيوية وأُورُوبية تضاعف في النهاية الميزان التجاري “الإسرائيلي” إلى جانب تأمين استثماراته في المشروع السعودي العملاق (نيوم).

 

ما هو مشروع نيوم وقناة البحرين؟

في يوم 24 أُكتوبر 2017م، وفي جلسة مؤتمر مبادرات مستقبل الاستثمار الذي استضافته الرياض، بحضور خبراء أمريكيين وصهاينة، أعلن “ابن سلمان” عن مشروع “نيوم”، واعتُبر المشروع خطوةً عملاقةً وجزءاً من خطة 2030م، الخطة التي تهدف بشكل رئيسي إلى تقليل اعتماد السعودية على النفط وتنويع مواردها الاقتصادية، وتبلغ مساحة مشروع نيوم حوالي 26.500 كم2، أي أن مدينة “نيوم الجديدة” ستكون أكبر بـ 33 مرة من مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ مساحتها 783.8 كم² فقط.

وتقع مدينة نيوم في محافظة تبوك على ساحل البحر الأحمر، عند مدخل خليج العقبة ومضيق تيران، كما تضم المدينة أراضيَ من الأردن ومصر بما فيها جزر تيران وصنافير التي اشتراها ابن سلمان من مصر في وقتٍ سابق، ويتميز موقع مشروع نيوم الاستراتيجي الذي يتوسط ثلاث قارات بأنهُ منافسٌ للجانب الغربي من البحر المتمثل بخليج السويس.

وفي هذا الاتّجاه، أماطت موجة التطبيع الأولى اللثام عمّا يسمى قناة البحرين بين الأحمر والمتوسط؛ بهَدفِ تنصيب الريادة الصهيونية فوق الاقتصاد العربي، وفي السياق تسهيل إعمار صحراء النقب بالمستوطنين الصهاينة، بموازاة مدينة نيوم السعودية وتوفير المياه الثقيلة المجانية لمفاعلات ديمونة النووية، ويجري التساؤل: “من أين تأتي حكومة الكيان بالأموال لتنفيذ مشروع سكة الحديد هذه، إذَا لم تنجح الخطة النووية الأمريكية؟ تجيب الحكومة “الإسرائيلية” على السؤال: بأن “نتنياهو نفسه شكّل فريقاً لهذه الغاية يسعى إلى تحقيق عدة أهداف”، منها عقد اتّفاقات بين حكومته وحكومات دول أُخرى لها مصالح اقتصادية واستراتيجية في المشروع أَو مشاركة القطاع الخاص “الإسرائيلي” فيه.

وفي سبتمبر العام الماضي، توصل وزيرُ المواصلات “الإسرائيلي” “يسرائيل كاتس” إلى اتّفاقٍ مع السعودية والإمارات تمويلاً والصين؛ تنفيذاً بالشراكة في هذا المشروع، والذي سينجز خلال السنوات الثلاث القادمة على الأرجح.

خطوةٌ كهذه لا شك أنها تمثلُ صدمةً لصانعي القرار والشعب المصري، فقد ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية، في مقال للكاتب “بلير كننجهام”، أن “المشروع الإسرائيلي المقترح بشق قناة منافسة لقناة السويس، تربط إيلات على البحر الأحمر مع ميناء أسدود على البحر المتوسط، من شأنه إيجاد بديل لقناة السويس، وتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الصين وأُورُوبا”.

هُنا نتساءل: هل يدري النظام المصري بهذا المشروع “الإسرائيلي” والمشروع الذي سبقه؟ وكما يبدو وحتى كتابة هذه السطور لم يعلن عن شيء، فهو في هذه المرحلة له اهتمامات أُخرى مختلفة ولا داعيَ للدخول في التفاصيل المضحكة، أما الجماهير المصرية فكما يبدو لا تعلم به أَيْـضاً أَو أنها مغيبة عن الموقف، وكما أن مجلس الشعب المصري، لم يناقش المشروعين ولم تتناوله وسائلُ الإعلام المصرية بشكلٍ جدي حتى اللحظة.

في المقابل، نقلت الصحيفة عن رئيس وزراء الكيان، “بنيامين نتنياهو”، قوله: إن “قرار مجلس الوزراء الأخير بتسريع البدء في تنفيذ هذا المشروع، يؤكّـد سُمعة إسرائيل بأنها أُمَّـة الابتكار”.

وأضاف: إن “أُولئك الذين يستخدمون القناة قد يجدون استخدام البحر الأحمر بديلاً رخيصاً، ففي قناة السويس ما يسمى بغرامات التأخير أَو رسوم الازدحام”، مضيفاً: “فنحن ندفع ثمن الانتظار في الطابور”.

فهل ستشهدُ الأيّامُ القادمةُ تقاعُداً مبكراً لقناة السويس؟ أم أن الإرادَة الشعبيّة المصرية كفيلةٌ بإفشال كافة الخطط والاستراتيجيات التي تستهدفُها كأمةٍ ووطن..!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com