كيف تعقدت الحربُ وصعب الحسم؟

مبادرة كيري 2017 وإعلان بايدن 2021 بشأن اليمن وما بينهما..

 

طالب الحسني

في الربع الأخير من فترة أوباما الثانية، قدّم وزير خارجيته جون كيري ما يشبهُ خارطةَ الطريق للخروج من الحرب العدوانية على اليمن، عُرفت حينها بمبادرة كيري، كان ذلك بداية الاعتراف بتعقيدات هذه الحرب وصعوبة الانتصار فيها، جوهر المبادرة التخلص من قيود القرار الدولي 2216 الذي ينُصُّ على ”استسلام” القوى اليمنية التي أسقطت عبد ربه منصور هادي وشبه النظام الذي كان قد تكون بناء على المبادرة الخليجية، على رأس هذه القوى حركة أنصار الله (الحوثيين).

ما أعلنه الرئيسُ الأمريكي الحالي جو بايدن بشأنِ وقفِ دعم بلاده للعمليات العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية منذ مارس 2015 بما في ذلك وقف مبيعات الأسلحة مع بقاء الحماية الأمريكية للسعودية من الهجمات التي تتعرض لها، هو اعترافٌ أثقل بأن مسارَ الحرب لم يعد يتجهُ لصالح الاستراتيجية الأمريكي في إعادة السيطرة على اليمن؛ بسَببِ فشل العمليات العسكرية وصمود اليمنيين طوال هذه السنوات، بل وتطور القوة العسكرية المدافعة وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم، حتى باتت كُـلّ المدن السعودية بما في ذلك العاصمة الرياض معرضة للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وهذا تحول كبير لم يكن متوقعاً إن كان سعودياً أَو أمريكياً.

الفترةُ الذهبيةُ التي حصلت عليها السعودية طوال الـ4 السنوات الماضية خلال وجود ترامب في البيت الأبيض وتوفيره الدعم الأكبر والأوسع للمساعدات العسكرية واللوجستية والمعلوماتية ودفاعه المستميت عن صفقات التسليح الموجهة للرياض، حَيثُ استخدم الفيتو الرئاسي مرتين لإبطال مشاريع قُدمت من الكونغرس لوقف بيع الأسلحة للسعودية، هذه الفترة أَيْـضاً ذهبت دون تحقيق أي تقدم عسكري أَو سياسي للتحالف، لقد حصل العكس تماماً، وتعرضت السعودية لأقسى الضربات العسكرية والتي كان من بينها استهداف أبقيق وخريص في 14 سبتمبر 2019، لقد فعلت هذه الهجمات تحولاً كَبيراً للحرب وفتحت الشهية لعمليات عسكرية تلوح بها صنعاء بين فترة وأُخرى، مع وجود تأكيدات أن لديها مقدرة متصاعدة على ضرب 300 هدف عسكري وحيوي في العمق السعودي والإماراتي أعلنتها وزارة الدفاع عبر المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع العام الماضي 2020.

علينا التذكيرُ أن السعودية سعت لفتح غرفة مشاورات سرية في العاصمة العُمانية مسقط مع الوفد الوطني اليمني المفاوض لمحاولة التقليص من الهجمات عليها مقابل التقليص من العمليات العسكرية الجوية وُصُـولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار، فشلت المشاورات فيما بعدُ؛ بسَببِ إصرار الرياض على استمرار الحصار والحصول على منطقة معزول في الحدود اليمنية السعودية وهو ما رفض من الجانب اليمني.

نحن نعيد التذكير وسرد هذه المعطيات للوصول إلى تحليل أدق لإعلان بايدن الخميس 4 فبراير 2021 وتعيين تيم ليندر كينغ مبعوثاً أمريكياً إلى اليمن والذي يرتكز على 4 أعمدة:

الأول: أن استمرار الدعم الأمريكي العسكري للسعودية واستمرار الحرب التي ستدخل العام السابع بعد شهرين تماماً لن يفضي إلى الحسم العسكري، وأن أية مقاربات تلعب على عامل الوقت مثلما كان يتصور محمد بن سلمان، مقاربات خاطئة.

الثاني: انهيار خيار الاعتماد على الأدوات المحلية التي كانت تعد عنصرا مهما في استراتيجيا التحالف، وذلك يعود لضعف التأييد الشعبي للمكونات العسكرية والسياسية المستخدمة في الحرب على اليمن، علاوة على التباين الكبير بين هذه الأدوات والتي أَدَّت إلى القتال المتواصل في المحافظات الجنوبية اليمنية التي تتواجد فيها القوات السعودية والإماراتية، وَهذا يعني أن ”الشرعية” المزعومة التي يدعي التحالف أنه ملتزم بإعادتها إلى العاصمة صنعاء انتهت عمليًّا وتحولت إلى مشكلة عميقة لا يستفيد منها التحالف السعودي الأمريكي بقدر ما يعاني منها، ومن اللافت أن لا يأتي أحد على ذكرها؛ لأَنَّها فعلاً باتت من الماضي بعد أن مرت بموت سريري لسنوات عديدة.

الثالث: الصيحات الدولية بأن هذه الحرب سببت في أسوأ أزمة إنسانية على الإطلاق وأن الاستمرار فيها بات غير منطقي وغير إنساني، ونحن هنا لا نقول: إن الإدارة الأمريكية الحالية إنسانية، ولكن ستتحمل تبعات هذه الأزمة دون أن تستفيد منها ولا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية التخفي وراء السعودية في الوقت الذي تواصل دعمها عسكريًّا وحمايتها سياسيًّا ودبلوماسياً.

أما العمود الرابع: فيتعلق بنوايا الإدارة الأمريكية الحالية تغيير استراتيجيتها في التعامل مع ملفات وأزمات الشرق الأوسط وعدم استكمال الاستراتيجيات المفتوحة على منح الدول الوظيفية مثل السعودية والإمارات دعماً مطلقاً وحماية أدوارها السلبية في الدول التي تعتبرها ضمن حلفاء إيران، دون الحصول على مكاسبَ تخدُمُ الاستراتيجية الأمريكية، لقد بات الوجود الأمريكي مهدّداً بشكل غير مسبوق في المنطقة، وينصب الاهتمام الأمريكي حَـاليًّا على إعادة انتشار قواتها بما في ذلك في دول الخليج ومحاولة تقليص هذه القوات في العراق وربما سوريا مستقبلاً.

على الرغم من أن الإعلان الأمريكي يعد تحولاً كَبيراً، لكننا لم نجد ترحيباً يمنياً رسيماً ولا شعبياً، فرئيس الوفد الوطني المفاوض والناطق الرسمي لأنصار الله السيد محمد عبد السلام اعتبر أن البرهان الحقيقي لترجمة إعلان بايدن يرتبط بوقف عملي لإطلاق النار ورفع الحصار عن اليمن وأحقية الدولة اليمنية بالدفاع عن نفسها واستخدام الصواريخ لردع الهجمات السعودية، وهي إشارة واضحة أن الحماية الأمريكية التي جدد بايدن التأكيد عليها لن تمنع اليمن من ضرب أهداف في السعودية إذَا لم يتوقف العدوان والحصار.

لن تتوقف الحرب لمُجَـرّد هذا الإعلان على الرغم من مركزية الدور الأمريكي في الحرب على اليمن، فالتنفيذ لا يزال في محل شك وإن كانت إدارة بايدن جادة في ذلك فَـإنَّها تحتاج إلى فترة زمنية تتراوح بين 3 إلى 5 أشهر، وفي المقابل لن تتمكّن السعودية من الاستمرار في الحرب بمفردها، لكنها في كُـلّ الأحوال إقرار أمريكي بصعوبة استكمال التدخل العسكري في اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com