“بايدن” في البيت الأبيض.. لا تغيير في نظام “الإرهاب” الأمريكي

عودة إلى رفع الشعارات التي انكشف زيفُها:

 

المسيرة | خاص

جاء خطابُ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، كالعادةِ ليلعَبَ على الأوتارِ العاطفيةِ لدى الأمريكيين من خلال شعارات “الديمقراطية” و”الوحدة” وغير ذلك، لكن وَقْــعَ ذلك لم يكن كَبيراً، فهذا الخطابُ يأتي بعد أزمةٍ (لا زالت مستمرة) سقطت فيها آخرُ أوراق التوت التي كانت تغطي على حقيقةِ النظام الأمريكي ومساوئه داخلياً وخارجياً، وبصورة لا يمكنُ لأية خطابات “حماسية” أَو “عاطفية” أن تعالجَها.

تجاهُلُ الخطاب السياسةَ الخارجيةَ للولايات المتحدة بشكل كبير، وركّز على مخاطبةِ الشعب الأمريكي، وليس ذلك إلا لخطورة الأزمة الداخلية غير المسبوقة التي فجّرها ترامب قبل رحيله من البيت الأبيض، والتي أبرزت بشكل واضح حجمَ هشاشة “أمريكا” وديمقراطيتَها ونظامَها السياسي والاجتماعي، وتحاولُ إدارة بايدن بوضوحٍ أن تربطَ كُـلَّ ذلك بترامب وإدارته فقط، وتوحي بأن الأمورَ عادت إلى نِصابِها.

مع ذلك، فالمسألةُ لم تكن مرتبطةً بإدارة ترامب وحدَها، فكُلُّ ما فعله ترامب هو إظهارُ حقيقة النظام نفسه الذي سيسير عليه “بايدن”، وبالرغم من الأخير افتتح ولايتَه بعدة أوامرَ تلغي قرارات كان ترامب قد اتخذها، من بينها قيودُ الهجرة، والحظرُ على المسلمين، وركّز في خطاب تنصيبه على “الوحدة” و”نبذ العُنصرية”، إلا أن تلك كلها تفاصيلُ هامشيةٌ لا تعني أن النظامَ الأمريكي بات أفضلَ.

لم يكن جوهر الفضيحة التي سبّبها ترامب لأمريكا يتعلقُ فقط بمثل هذه القرارات بل بـ”المنهج” الذي أتت منه هذه القراراتُ وستأتي منه القراراتُ التي سيتخذُها بايدن، وهو المنهجُ الذي بنت عليه أمريكا سُمعتَها في العالم من خلال شعارات “الديمقراطية” وَ”المساواة” وغيرها.

إن السياسةَ الخارجيةَ للولايات المتحدة، والتي تعمد بايدن عدمَ الحديث عنها كَثيراً خلال خطاب تنصيبه، هي ما تكشفُ أن مساوئَ “الإمبراطورية الأمريكية” لم ترحلْ برحيل ترامب، كما تأتي بقدومه إلى السلطة، وكُلُّ ما حدث خلال ولاية ترامب هو تسليطُ الضوء على هذه المساوئ.

يتحدثُ بايدن للشعب الأمريكي عن “الوحدة” و”الانتصار للديمقراطية” لطمأنتهم، لكن العالمَ اليومَ يعرفُ أن هذه الشعارات لا تعني أن جرائمَ الولايات المتحدة وسياساتِها الاستعماريةَ التوسعيةَ في الشرق الأوسط مثلاً ستنتهي؛ لأَنَّ هذه الجرائم والسياسات لم تكن مرتبطاً بإدارة ترامب فقط، وقدوم بايدن لا يمثل أي تغيير كبير فيها.

سياسةُ أمريكا القائمة على استهداف دول وحركات المقاومة في الشرق الأوسط والتدخل في شؤون البلدان العربية والإسلامية ومحاولات فرضِ الوصاية على القرار والثروات، لن تتغيرَ بقدوم إدارة بايدن، وهذه السياسَةُ بالذات هي أكبرُ مساوئ أمريكا التي أسهم ترامب في إظهارِها بوجهها الحقيقي، واستمرارها سيرتدُّ سلباً وبشكل دائم على الولايات المتحدة.

إنَّ الأزمةَ التي فجّرها ترامب قبل رحيله ربطت بشكل واضح سلبيةَ السياسة الأمريكية الخارجية بالداخلية، وبعبارة أُخرى، كشفت أن الإداراتِ الأمريكيةَ لا تستطيع حَـلَّ الأزمات الداخلية بدون التخلص من نظام “الاستبداد” والانتهازية والعنصرية الذي يشكّلُ هُـوِيَّة “الإمبراطورية الأمريكية” بشكل عام، فانكشافُ زيف “الديمقراطية الأمريكية” فضح حقيقتَها الهشة، لم يحصل فقط؛ بسَببِ اقتحام أنصار ترامب للكونغرس في السادس من الشهر الجاري، أَو مقتل جورج فلويد قبل ذلك، فهذا الاقتحامُ وتلك الجريمة جاءا ضمن مسلسل طويل من الفضائح التي عرّت هذه “الديمقراطيةَ” داخل أمريكا وخارجها.

وبالتالي فَـإنَّ “تصحيحَ” الوضع الذي خلّفته إدارةُ ترامب -وهذه هي الدعاية الرئيسية التي تعتمدُ عليها إدارةُ بايدن الآن- لا يعني في الحقيقة أيَّ تغيير كبيرٍ في نظام التوحُّش الأمريكي الذي تصطفُّ العديدُ من شعوب الكوكب في قائمة ضحاياه، وعلى رأسها الشعبُ اليمني الذي أسهمت قضيتُه في فضح هذا النظام، وزيف شعاراته ودعاياته، فبالرغم من أن “بايدن” قد تعهّد بـ”إعادة النظر” في قرار إدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب، إلا أن مشكلةَ الشعب اليمني مع الولايات المتحدة أكبرُ بكثير من هذا القرار، فحتى إن قامت إدارةُ بايدن بالتراجع عنه ولم تستخدمْه كورقة ابتزاز، فَـإنَّ منهجَ الاستهداف الأمريكي لليمن، والقائم على التدخل السافر وفرض الوصاية والقتل والحصار والتجويع، سيبقى كما هو على الأرجح، بل قد يتصاعدُ الاستهدافُ أَيْـضاً؛ لأَنَّ هذا الموقفَ الأمريكي تجاه اليمن ليس مُجَـرَّدَ تفصيلٍ أضافه “ترامب” إلى المشهد حتى يزيلَه “بايدن”، بل هو توجُّـهٌ عام لنظام الاستبداد الأمريكي باختلاف إداراته.

وكذا الحالُ بالنسبة لبقية المِلفات الخارجية لسياسة الاستبداد الأمريكية، فالموقفُ من فلسطين لن يتغيرَ باتّجاه إعادة الحق للشعب الفلسطيني؛ بسَببِ رحيل ترامب وقدوم بايدن، أَو بسَببِ أن الأخيرَ يتحدَّثُ كَثيراً عن “الوحدة” و”الديمقراطية”، كما لن يتغيرَ الموقفُ من حركاتِ التحرّر والمقاومة حول العالم أَيْـضاً، والمرجَّحُ أن التفكُّكَ الداخلي في الولايات المتحدة لن يتغيرَ لهذه الأسباب أَيْـضاً؛ لأَنَّ كُـلَّ ذلك يتطلبُ أكثرَ من تغيير “شكل” الإدارة أَو عناوينها السياسية، إنه يتطلبُ تغييرَ نظام “الإرهاب” والاستبداد الأمريكي كله، وهذا ما جعلته تصرفاتُ “ترامب” واضحًا للغاية، وهذا أَيْـضاً ما يحاولُ بايدن “التهرُّبَ”؛ للتغطية عليه من خلالِ إعادة رفع “الشعارات” التي سقطت.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com