الرئيس المشاط بين الدولة والثورة

 

أنس القاضي

“من اليوم وصاعداً يجبُ أن يعيشَ الظالمون في حالة ذعر وخوف وأن يقبعوا تحت طائلة القانون والشرع والعدل والحق”، هذا الإعلانُ على لسان الرئيس المشاط في مرحلة لا توجد فيها دعاية انتخابية.

إعلان شجاع وخطير، ومهمة غير سهلة، قضية يتمنى كُـلّ يمني معاينتها واقعاً، فكل مواطن أياً كان موقفه السياسي مستعدٌّ لدعم هذا التوجّـه فالعدالة غاية الجميع.

ما قاله الرئيس المشاط في هذا الخطاب لن يمُرَّ بسهولة ولن يتحقّق بكل بساطة فلن يقبل الفاسدون والمُستغلون أن تتحقّق العدالة، لكن ما أبداه الرئيس من صلابة في خطابه وحديثه للجنة الإنصاف يوحي جدية المضي في هذا المسار الذي سيلعب دوراً جباراً في صيانة الجبهة الداخلية والذي سينعكس في مسار مواجهة العدوان.

مضمونُ خطاب الرئيس هو نهجُ ثورة 21 سبتمبر المجيدة، يأتي الخطاب اليومَ ليؤكّـد نهج العدالة التي التزمت به الثورة الشعبيّة ويُعيد التأكيدَ على كُـلّ المضامين الاجتماعية التي حملتها الثورة في أيامها الأولى وكانت سبباً حاسماً في التفاف المواطنين حول الثورة، حين وجدوا في خطابات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي تعبيراً عن احتياجاتهم وتطلعاتهم وقضاياهم.

من السهل أن ترفع شعارات العدالة الاجتماعية ورفع الظلم ونصرة المستضعفين إبان الثورة، هذه الشعارات ضرورية لاستقطاب الجماهير ويُمكن لأية حركة أن تدَّعيها؛ مِن أجلِ حشد الجماهير، فالخطابات الشعبوية كهذه رفعتها الحركة النازية الهتلرية يوماً، لكن المحك هو ما بعد الاستيلاء على السُّلطة.

ثورة 21 سبتمبر رفعت هذه الشِعارات، وظل الناس يراقبون أداء السُلطة ما بعد الثورة ويبحثون عن هذه المضامين التي دفعتهم للثورة في بداية الأمر، ظل أنصار الثورة الشعبيّة يتشوقون لسماعها وتجسيدها على الأرض؛ لكي يطمئنوا بأن نهج الثورة ما زال راسخاً وبأن قضية الثورة وهي العدالة أصبحت هدفاً للسلطة الجديدة وممارَسةً عبر الدولة وبأن تضحياتهم أثمرت، وقد أثمرت في جوانب عديدة ولولا التدخل العدواني لقطعت الثورة شوطاً أكبر في الجانب الاجتماعي.

كانت خطابات السيد القائد والرئيس الصماد، والتوجّـهات والمبادرات الثورية تعيد هذه الثقة ما بين الجماهير والقيادة الثورية والسلطة الوطنية، في كُـلّ مرة، فالشعب ليست عنده مشكلة في الصمود ومقاومة مرارات العدوان والحصار وما يخشاه ليس تأخر جني ثمار الثورة في هذه المرحلة نتيجة التدخل الأجنبي، بل ما يخشاه أن تكون السلطة والدولة في الداخل قد تنكرت لنضاله الثوري وحراكه الشعبي ومطالبه الاجتماعية، وهذا ما يحدث عادةً، فالقوى الثورية في أي بلد حين تدخل في السلطة والدولة تتجاذبها نزعتان، النزعة الأولى هي المصالح والتعقيدات البيروقراطية وتجرها إلى الدولة والدفاع عن نهج الفساد السابق، والثانية هي الشعارات التي رفعتها والروابط التي تجمعها بالمستضعفين والكادحين وتدفعها إلى الإخلاص للشعب، هذا التناقض ما بين الدولة والثورة هو سُنةٌ تاريخية يحدث في كُـلّ المجتمعات.

خطاب الرئيس المشاط جاء على الصعيد السياسي والنظري ليحسم هذا التناقض في إعلان الانحياز للشعب، ضد الظَّلمة والمُستغِلين، فالخطاب يكتسب من هذا السياق أهميته، وهو يطمئن جماهير الثورة ويدفعها مجدّدًا إلى النضال ويزيد من صلابة موقفها الوطني.

لقد أعلن المشاط الانحياز للشعب، وهدّد وتوعد الظلمة والمُستغِلين، وهذا تصريح غير سَهل في السياسة، وتنفيذه لن يأتي بجرة حبر، وكما قال الرئيس فالورود لن تفرش أمام لجنة الانصاف، فسوف تتحالف مختلف الشخصيات والمواقع الوظيفية العليا والشرائح والطبقات الفاسدة وصاحبة المصلحة من بقاء الظلم والاستغلال والفساد في الدولة والمجتمع، سوف تتحالف في الداخل والخارج لمقاومة تنفيذ هذا النهج الذي أعلنه المشاط أمام لجنة الإنصاف.

ولن تستطيع مؤسّسة الرئاسة ولجنة الإنصاف تنفيذ هذا الوعد بدون الاعتماد على دعم الشعب، والشعب بحاجة إلى خطوة أولية من السلطة لتقديم نموذج يثبت أن هذا النهج الذي أعلنه الرئيس لا رجعة عنه ويحسم الجدل ويطيح بالشائعات والدعاية الإعلامية العدوانية، من المهم أن يتجسد هذا النهج وأن يلمس الشعب حقيقةَ التصريحات؛ لكي يدعم هذا التوجّـه الوطني الديمقراطي الثوري العادل، وهو ما سيكونُ بعون الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com