المسارات المحتملة لقرار تصنيف “أنصار الله”: نهاياتٌ مسدودة أمام تحالف العدوان

كيف سترد صنعاء وما الذي سيكسبه العدوُّ إذا تمت المصادقة على القرار؟

 

المسيرة | ضرار الطيب

في الوقت الذي تواصلُ صنعاءُ التأكيدَ على “تفاهة” قرار إدارة ترامب بإدراج “أنصار الله” في قوائم “الإرهاب”، فَـإنَّها توجِّـهُ أَيْـضاً رسائلَ “إنذار” بالرد على ذلك القرار في حال تم تمريرُه عبر الكونغرس، وهو الأمر الذي يستدعي تسليطَ الضوء على طبيعة الضغوطات المحتملة التي ستنتجها المصادقة على “التصنيف” في مقابل المسارات المحتملة للرد اليمني على ذلك.

حتى الآن وفي ظلِّ الردود الدولية وردود الداخل الأمريكي على إعلان اعتزام إدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب الأمريكية، يبدو أنه لا مستقبل لهذه الخطوة، فهي لم تسهم إلا في زيادة “الانتقادات” الموجهة للولايات المتحدة بشكل عام، ولإدارة ترامب بشكل خاص، وبناءً على ذلك فَـإنَّ المصادقة على هذا القرار ستضر بالإدارة القادمة التي تحاول اليوم أن تسوق لنفسها من منطلق أنها “ستصحح” الوضع الفوضوي والكارثي الذي تسبب به ترامب داخلياً وخارجياً للخروج من الأزمة الراهنة التي تشهدها الولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، فَـإنَّ الأطراف الوحيدة التي “أيدت” قرار تصنيف “أنصار الله” واحتفت به، هي دول تحالف العدوان ومرتزِقتها، وهو الأمر الذي كشف عن أن هذه الخطوة ليست سوى “قشة” مُنحت لتتعلق بها هذه الأطراف الغارقة في اليمن، بحسب وصف رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام؛ لأَنَّ هذه الأطرافَ لن تستفيدَ من التصنيف الأمريكي كَثيراً، بعد أن استنفدت كُـلَّ خياراتها الكبرى في الحرب، وبالتالي فَـإنَّ “مخاطرةَ” الإدارة الأمريكية باتِّخاذ خطوة “التصنيف” ومواجهة الانتقادات الدولية والمحلية، فقط لدعم السعودية والإمارات “معنوياً” يبدو خياراً مستبعداً.

لقد جاءت كُـلُّ تداعيات إعلان بومبيو مؤكِّـدةً على “حماقة” هذا الإعلان، بل تحول الإعلانُ نفسُه إلى “دليل” على سوء إدارة ترامب التي باتت كُـلّ قرارتها الأخيرة محل انتقاد داخل الولايات المتحدة وخارجها.

لكن صنعاء التي تمتلك الآن خبرةً في التعامل مع الانتهازية الأمريكية التي يبدو بوضوح أنها لا تتغير بتغير الإدارات الحاكمة، لا تترك مجالاً للصدف والمفاجآت، إذ تصرُّ على التحذير من عواقب الإقدام على خطوة تنصيف “أنصار الله” كجماعة “إرهابية”، وتهدّدُ باتِّخاذ خطوات للرد، الأمر الذي يعني أن حساباتِ المعركة لدى صنعاء باتت تتضمنُ هذا المتغيرَ الجديد.

هذا ما أكّـده تصريحُ ناطق أنصار الله محمد عبد السلام الأسبوع الماضي، لوكالة “سبوتنيك” الروسية والذي جاء فيه: “إذا لم تكن هناك مراجعاتٌ جادةٌ فَـإنَّنا سنتعامَلُ مع الأمريكيين بالمثل في الكثير من الملفات”، إلى جانب تصريح حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء الذي جاء فيه “لدينا القدرةُ على الدفاع عن بلدنا باتِّخاذ الخطوات المناسبة تجاه القرار الأمريكي في حال إقراره، بما في ذلك المعاملة بالمثل”.

سياسيًّا، يبدو أن تأكيدَ صنعاء على “المعاملة بالمثل” يحملُ إشارةً واضحةً إلى اتِّخاذ قرارٍ يعتبر الولايات المتحدة دولةً معاديةً، أَو يصنِّفُها ومسؤوليها في قوائم “الإرهاب”، وهو ما سيعني رسميًّا إغلاقَ قنوات التواصل التي ما زال الأمريكيون يحاولون استخدامَها للظهور بمظهر “الوسيط” في ملفات العدوان على اليمن، ويمتدُّ ذلك إلى رفض ومقاومة أية مبادرات أَو قرارات أَو تحَرّكات تتعلق باليمن وتتدخل فيها الولايات المتحدة.

ليس خفياً أن الولاياتِ المتحدةَ -وبالرغم من دعمها المتواصل وإدارتها المباشرة للعدوان على اليمن- حاولت الإبقاءَ على قنوات تواصل مع صنعاء؛ أملاً في توجيه ضغوط سياسية، خُصُوصاً بعد ثبوت استحالة خيار الحسم العسكري لصالح العدوان، ومن ذلك ما كشفه عضوُ الوفد الوطني عبد الملك العجري، قبل أَيَّـام، حولَ “مساومة وقحة” حاول الأمريكيون فرضَها على الوفد الوطني في ديسمبر الفائت، إذ أبلغوا الوفدَ بأنه “إما أن توقفوا الصواريخ على السعودية أَو نصنفكم كإرهابيين”، وهو الأمر الذي رفضه الوفدُ الوطني؛ لأَنَّ الأمر لا يتضمن وقفَ العدوان والحصار.

لن تستطيع الولايات المتحدة -مع تصنيف “أنصار الله” كإرهابيين ورد صنعاء عليها بالمثل- أن تمثِّلَ مجدّدًا دورَ “الحريص على السلام”، وهي لم تكن كذلك قط، لكنها كانت تستخدمُ ذلك “الدورَ” التمثيلي كمَخرَجٍ للتنصُّلِ عن المسؤوليات، ومع ذلك فهي لم تستطع التهربَ من مسؤولية “دعم” دول العدوان بالسلاح، وقد استخدم الحزبُ الديمقراطي الأمريكي نفسُه هذا الأمرَ في شن حملات كبيرة ضد إدارة ترامب، وبوجود “التّصنيف” ستكون المسؤولية أكثر وضوحاً ولن تقتصر على “الدعم” فقط، فالتصنيفُ هو إعلانٌ رسمي بأن الولايات المتحدة طرفٌ مباشرٌ في الحرب، وهو الوضع الحقيقي الذي تهربت الولاياتُ المتحدة من إعلانه رسميًّا منذ البداية.

وإذا أصبح الوضع كذلك، فَـإنَّ مسارَ الحلِّ السياسي الذي تعترفُ الولاياتُ المتحدة والعالم ودول العدوان نفسُها بأنه الطريقُ الوحيد، سيتعقد، واحتمالات هذا التعقيد واضحة: إما أن يصعّد تحالف العدوان ومعه أمريكا عسكريًّا لفرض شروط جديدة، وهو أمرٌ يحتاج وقفةً؛ لأَنَّ قرارَ “التصنيف” لن يمنحَ السعودية والإمارات معجزاتٍ عسكريةً تغير واقعَ الفشل الذريع والفاضح الذي تعيشانه في كُـلّ الجبهات، وفرضية تعاظم الدور العسكري للولايات المتحدة في اليمن، تبدو بعيدةً عن الواقع في ظل الأزمة الأمريكية الداخلية والمواقف الدولية، وحتى إن حدث ذلك فَـإنَّ تحالفَ العدوان بحاجة إلى أكثرَ من “تزايد الحضور الأمريكي” في الحرب حتى يأملَ حدوث تغييرات وازنة، خُصُوصاً وأن الحضورَ الأمريكي الموجود، والذي هو كبيرٌ، منذ ست سنوات لم تكن له أية فائدة، ولو كانت الولايات المتحدة تمتلكُ خياراتٍ عسكريةً نافعةً وقابلة للتطبيق لاستخدمتها من قبل.

وأما بالنسبة لـ”الدعم الدولي” الذي يبدو أن تحالفَ العدوان كان يأمل الحصولَ عليه من خلال قرار التصنيف، فقد بات واضحًا أنه سيكون “محبطاً” للسعودية، فالقرار نفسه لم يحظَّ بأي دعم، ناهيك عن حصول تحَرّك عسكري أَو سياسي دولي للضغط على صنعاء على ضوء هذا القرار.

بمقابل ذلك، فَـإنَّ خياراتِ صنعاء “العسكرية”، في حال إقرار “التصنيف”، ستكون أكثرَ قابليةً للتصاعد والتوسع؛ لأَنَّها من موقع الدفاع المشروع عن البلاد؛ ولأنها ما زالت متجددةً ومتطورةً باستمرار، وستحظى بالمزيد من الالتفاف الشعبي حولها مع انكشاف موقعِ الولايات المتحدة كطرف معادٍ لليمن، إلى جانب أن “الفزاعات الدولية” التي دأب الأمريكيون على صناعتها والتخويف بها عقبَ كُـلّ عملية ردع يمنية، ستكون بلا أية قيمة، حتى على المستوى الدعائي، وتصاعد خيارات الردع العسكري يعني بدوره تسارعَ خسائر تحالف العدوان في ظل فشله العسكري الثابت، وَأَيْـضاً تعزيز سيادة صنعاء على مصالح اليمن وأمنه، وخُصُوصاً فيما يتعلق بالبحر الأحمر الذي سبق وأن هدّدت صنعاءُ بإشعاله رداً على أي تصعيد إسرائيلي، ولن تكون “تل أبيب” بمعزلٍ عن المعادلة في حالة اتخذت الإدارةُ الأمريكية قرارَ “التصنيف”.

هكذا يبدو أن كُـلَّ ما ستحصل عليه الولاياتُ المتحدة وتحالف العدوان من خطوة “التصنيف” هو ما يحذر منه المجتمعُ الدولي والأممُ المتحدة والمنظمات اليوم، وهو تفاقمُ الأزمة الإنسانية، غير أن هذه أَيْـضاً لن تكونَ ورقةَ ضغط دائمة ومؤثرة بشكل كبير -إلى جانب كونها جريمةً ستسهمُ في فضح تحالف العدوان ورُعاته بشكل أكبر- فأوراقُ الضغط العسكرية التي تمتلكها صنعاء، لمواجهة هذا “التجويع” أكثر فاعلية ومن ذلك استعادة مناطق الثروات المنهوبة، وتصعيد استهداف مصالح الأعداء في المنطقة، وهو أمر سيكون وقعُه أشدَّ مع “التصنيف”.

بالمجمل، لن يكونَ قرارُ “التصنيف” سوى إحراقٍ لآخر ورقة أمريكية –وهي ورقةٌ غير مهمة- في المِلف اليمني، وهذا أمرٌ لم يكن ليصبحَ كذلك لولا أن صنعاءَ استطاعت خلال الفترة الماضية أن تفرِضَ معادلاتِها العسكريةَ والسياسيةَ على الأرض ومواجهة الحصار والتجويع لست سنوات، وبالتالي فَـإنَّ “تفاهةَ” قرار التصنيف، وعدمَ جدواه، هو ثمرةٌ من ثمار الصمود اليمني الذي أسهم في سدِّ كُـلِّ مسار ممكن أمام العدوّ للاستفادة من خطوة كهذه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com