وعود واتّفاقيات مشرعنة.. هكذا نشأت المملكة وهكذا ساهمت في إقامة إسرائيل!

 

إبراهيم عطف الله

إنها لعبةٌ شائعةٌ في تاريخ الإمبرياليات وأكثر شيوعاً في بناء الامبراطوريات والكيانات، وكما هو الحال دائماً، لا يمكن لأي كيان أَو إمبراطورية أن تنجح في سياستها وخيانتها بدون جماعات محلية متواطئة وخائنة من بين الضحايا، والمثل البارز على ذلك آل سعود.. فكان بنو سعود ولا يزالون حتى اللحظة كباشاً ضاربةً للإمبراطورية البريطانية والإدارات الأمريكية؛ لتحقيق أهدافهم الإمبريالية والصهيونية.

وما يلفت النظر ويعزز الوعي، أنه بينما ينتقد المسلمون إسرائيلَ بحماسة لفظائعها، يسارع البعض بالتطبيع الكامل الشامل مع الصهاينة، وغالبًا ما يقدّسون السعودية الونيس الأول والساعد الأيمن لإسرائيل؛ باعتبَارها الوصيةَ على أقدسِ الأماكن الإسلامية، في تجاهُلٍ تامٍّ لدور المملكة وملكها المؤسّس عبد العزيز بن سعود في تأسيس هذا الكيان، وشرعنته للاحتلال في معظم البلدان العربية.

هذا التجاهل يجد جذورَه في الافتقار الكامل للمعرفة الحقيقية، نكتفي بالقول إن هذا الجهلَ أكثرُ خطورة في تاريخ العالم، فالأكثرية منا غالبًا ما يصورون روتينياً من ابن سعود والمملكة سابقًا دولة مستقلة ذات حرية وكأنها ليست أدَاةً للإمبراطورية البريطانية والإدارات الأمريكية، فلو تصفحنا علاقةَ آل سعود مع الإدارات الغربية للاحظنا بجلاء أنها مرسومةٌ لتنفيذ السياسة الغربية وخلط الأوراق على العرب والمسلمين لترسيخ الكيان الصهيوني في المنطقة.

ولكي لا تصبح المسألةُ “وجهة نظر” ولفهم الأحداث التي أَدَّت إلى إنشاء كُـلّ من إسرائيل والمملكة، نعود لمراسلات مكماهون مع الشريف حسين، ومعاهدة دارين ووعد بلفور.

عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، عرض هنري مكماهون، المفوض البريطاني على الشريف “حسين” حاكم الحجاز، مساعدة البريطانيين في محاربة العثمانية، مقابل اعتراف بريطانيا بمنطقة الاستقلال العربي المشتملة على سوريا وفلسطين ولبنان، والعراق، وجميع الجزيرة العربية ما عدا عدن اليمنية التي كانت آنذاك مستعمرة بريطانية)، وتعهد مكماهون للشريف على ذلك، وتم تقديم هذا العرض عبر سلسلة من الرسائل المتبادلة، والمعروفة بمراسلات مكماهون حسين.

قام العربُ بالثورة على الأتراك وطلبوا أن تعترفَ بريطانيا باستقلالهم، فذهبت بريطانيا تفسر الاتّفاق بأنه يستثني فلسطين، فمهما يكن من أمر هذه المراسلات فَـإنَّ تصرفات بريطانيا، أظهرت نياتِها الاستعمارية في سلخ فلسطين عن جسد الأُمَّــة العربية والتمهيد لمنحها للصهيونية لتقيم عليها دولتها إسرائيل، والجدير بالذكر أن هذه الاتّفاقيات والوعود لم تشمل أي تمثيل عربي، مما يعني عدم وجود مكان أَو أهميّة للغالبية العربية.

وفي 26 ديسمبر 1915م، وقّعت بريطانيا معاهدة دارين المعروفة باسم “حلف دارن”، مع عبد العزيز بن سعود، لتقوية نفوذها في المنطقة، والتي كان لها موطئ قدم يمثلها بنو سعود في الرياض، ولتقديم نموذجٍ لمواصفات العملاء في المنطقة والذين يرغبون في طرح أنفسهم كموظفين لها.

وفيها: أقرت بريطانيا سيطرةَ ابن سعود على نجد والحساء والقطيف وتوابعهما وتعين أقطارها في ما بعد”، وفي حقيقة الأمر إن هذه البلاد لم تكن في يوم من الأيّام تابعة لبني سعود أَو تحت سيطرتهم، أما عبارة (وتعين أقطارها في ما بعد)، فهي تعني أن هذه المناطق ليست نهائية وإنما ستضاف إليها مناطق أُخرى حسب تغير الظروف السياسية والاستعمارية في المنطقة.

فلا نريد هنا أن نبحثَ بصورة تفصيلية عن هذه العائلة فقد كتبنا سابقًا عن أصلها، وكما ذكرنا سابقًا أن جدَّهم “مردخاي” اليهودي الذي جاءَ إلى الدرعية واستطاع بعملية غدر السيطرة عليها، لذلك فالتعبير البريطاني (بلاد ابن سعود وآبائه من قبل) يكشف لنا أمرين: الأول، إن هذه العائلة في أصل وجودها هي صنع بريطاني، والثاني، إن هذا التعبير يراد منه شرعنة ابن سعود على هذه المناطق.

وجاء في الاتّفاق (اعتراف بريطانيا بابن سعود حاكماً مستقلاً ورئيساً مطلقاً)، أن تعبير (مستقلاً) جاء مخالفاً للواقع الذي يعيشه ابن سعود فهو لم يكن مستقلاً هو أَو أبناؤه، فكيف يكون مستقلاً وقبل اكتشاف النفط كان موظفا يتقاضى راتبا من بريطانيا، وكيف يكون مستقلاً وهو يدار بأوامرَ بريطانية وأمريكية.

“يتعهد ابن سعود بأن يتحاشى الدخول في أي سِلم مع أية دولة، وأن لا يسلم ولا يبيع المناطق المذكورة إلَّا بعد استشارة الحكومة البريطانية” فهذا البند يبرز لنا أمرين، الأول هو أن هذه المناطق هي محمية بريطانية وتعتبر ضمن النفوذ البريطاني، أما الثاني: هو إفهام ابن سعود أن أي تمرد على الأوامر البريطانية فَـإنَّها ستسمح لطرف خارجي بالتعرض له، وهنا برزت لنا صورة جلية أن بني سعود ما هم إلا عملاء موظفون ولا يجوز لهم التصرف باستقلالية إلاّ عن طريق المعتمد البريطاني في المنطقة، فهذا يظهر للجميع خساسة وذلة وانحطاط هؤلاء الحكام، وعلى هذا علق كاتب فرنسي قائلاً: (الذي يجهله العموم أَو يغفل عن ذكره المؤرخون أنه ليس مشرِّفاً).

وتأتي من بعدها اتّفاقية جدة الموقَّعة في 20/ 5/ 1927م، التي من شأنها رفعت بريطانيا نظام بني سعود من التبعية بصيغة موظفين وعملاء خونة إلى حكام وملوك بالمعنى الظاهر، وبعد هذا منحوا ابن سعود لقب “سلطان نجد وتوابعها”، وأطلق البريطانيون العنان لابن سعود لاحتلال بعض المناطق، وفي غضون أسابيعَ كان ابن سعود قد اجتاح الطائف واستولى على مكة، وبدأ حصاره لمدينة جدة، وبعد أن أظهر ابن سعود قدراً كَبيراً من التبعية والارتهان المنقطع النظير، اعترف البريطانيون رسميًّا بابن سعود ملكاً للحجاز في فبراير 1926، ثم أعادت الإمبراطورية تسمية الدولة الوهَّـابية في عام 1932م، باسم “المملكة العربية السعودية”.

فعندما يقومُ زعيمٌ عربي بالخيانة ويصبح عميلاً، وعند ما يذبح هذا العميل العرب، ويعيَّن ملكاً مكافأةً له على خيانته، حينها سيصبح خائناً ويبقى خائناً إلى الأبد، ولا يمكن لأية ثروة أَو دعاية أن تغيّر الحقيقة الواضحة.

فتحَرّكت بريطانيا في المنطقة، وتنازلت عن نفوذها تدريجيًّا للإدارة الأمريكية، وأصبحت أمريكا وريثةَ بريطانيا في المنطقة وصاحبةَ النفوذ الفعلي فيها، وتحَرّكت في استغلال ثرواتها والاستهانة بطموحات أبنائها، وأصبحت منطقةُ الجزيرة ساحةً للمغامرين الإنجليز في البحث والتنقيب عن النفط.

وفي الواقع، فَـإنَّ المفارقةَ المريرةَ التي يجب على المسلمين ليس معرفتها فحسب بل اجتثاثها أن أقدسَ مواقع الإسلام تحكُمُهما اليومَ العشيرةُ السعودية والتعاليم الوهَّـابية؛ لأَنَّها ساعدت الإمبراطورية البريطانية سابقًا والإدارات الأمريكية فيما بعد على إرساء أُسُسِ الصهيونية في شبه الجزيرة العربية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com