نستقبل الذكرى السنوية للشهيد بكل شموخ وانتصار والشهداء أسمى وأرقى من أن تشملهم عباراتنا الناقصة

أم الشهيد الكبسي: أستقبل الذكرى السنوية للشهيد وكأنها الإكليل المرصع بأغلى أنواع الجواهر الذي لا تتوج به إلا أم الشهيد

أم الشهيد الكبسي: شارك ابني مع رفاقه الثمانية في السيطرة على قاعدة الجابري أثناء الحرب السادسة وكان من المجاهدين المخلصين مع المسيرة

زوجة الشهيد الحوري: أعاهد زوجي الشهيد أن أكون كما تركني عليه فدائيةً للمسيرة القرآنية

أخت الشهيد مكرم: الشهادة عند أخي كانت وساماً يتمناه وقد نال ما يريد بعد سجل حافل بالجهاد

 

أم الشهيدين عبد الله وأسامة: كان الشهيدان المدد الروحي لي؛ لأَنَّهما سارا في سبيل الله

أم الشهيد سلطان: ما زادني فخراً أن ابني الشهيد سلام الله عليه كان آخر كلمة نطق بها “فزتُ ورَبِّ الكعبة”.

عددٌ من أُمهات وزوجات وأخوات الشهداء لصحيفة “المسيرة”:

 

 

المسيرة- المركز الإعلامي للهيئة النسائية للأمانة

“أستقبلُ ذكرى الشهيد كيومِ نصرٍ وعز وشموخ.. أستقبله بسيلٍ من أقدس وأعظم الأحاسيس المختلطة بين الفخر والحزن على فراقهم، والفرح لهم لما نالوا والشوق إليهم.. ولكن حينما أتحدث عن هذه الذكرى أتحدث بفخر ورفعة، حتى عندما أزور مقابرَ الشهداء كأنني أزور روضاتٍ تعج بالحياة وأشعر فيها بانشراح الصدر”.

هكذا تتحدث أم الشهيد محمد عبد الصمد المتوكل عن ابنها بكل فخر واعتزاز، وهو لسانُ حال الكثير من أُمهات وأخوات وزوجات الشهداء اللواتي يمزجن الفرحة مع الحزن، ويضربن أروع الأمثلة في الصبر والثبات والتحدي في مواجهة العدوان.

وتواصل أم الشهيد المتوكل حديثها بالقول: أعتذر لشهيدي بأني لا أستطيع أن أفيَ حقَّه كاملاً في سطور.. لقد ترعرع شهيدي في صنعاء ودرس في مدارسها وتَشَّرب فيها حُب الوطن والدين، فكان قلبُه معلقاً بالمساجد، فتعلم في الجامع الكبير وتلقى فيه علومَ الدين؛ ولأنه مُنذ صِغر سنة مُولع بالجهاد في سبيل الله فقد دفعه شغفُهُ الجهادي للالتحاق بدورات ثقافية وتدريبة في صعدة حتى أصبح مؤهلاً، فكان يقضي مُعظمَ أوقاته في الأعمال الجهادية.

وتؤكّـد أم الشهيد المتوكل أنه وعلى الرغم من صغر سن ابنها الشهيد إلا أنه كان مكافحاً ومجاهداً وورعاً وتقياً ونقياً، وكان يتميز بالزهد والرزانة والفطانة ورجاحة العقل، ففاق عمرَه بِأعوام، وَكان مضرباً للأمثال في محاسن الأخلاق وزين الخصال، وكان كريماً مِعطاءً كثيرَ السخاء على الفقراء والمحتاجين، كما كان مسارعاً ومبادراً وشديدَ الحب لفعل الخير.

وتواصل أم الشهيد المتوكل حديثها عن ابنها بالقول: كان محبوباً من الجميع، يمتلك أُسلُـوباً لطيفاً وراقيا في التعامل مع الآخرين، فهو صاحبُ الوجه البشوش المطيع للكبير العطوف على الصغير المحترم للجميع، وما إن بدأ تحالف الشر عدوانه على اليمن حتى انطلق في سبيل الله مدافعاً عن الوطن والدين إلى أن طالته يدُ العدوان الغادر في الخوبة بجيزان ٢٠١٦/٢/١١ وفاضت روحُه الطاهرة إلى بارئها وارتقت إلى منزلة الشهداء والأنبياء.

وتستقبل أمُّ الشهيد المتوكل هذه الذكرى بشموخ، وتعتبره يومَ عز وانتصار.

وتقول إنها تستقبل هذه الذكرى بسيل من أقدس وأعظم الأحاسيس المختلطة بين الفخر والحزن على فراقهم، والفرح لهم على ما نالوا والشوق إليهم، ولكن حينما أتحدث عن هذه الذكرى أتحدث بفخر ورفعة، حتى عندما أزور مقابر الشهداء كأنني أزور روضات تعج بالحياة وأشعر فيها بانشراح الصدر، فسلام الله عليهم، مؤكّـدةً كذلك أنها تستقبل هذه الذكرى بالافتخار بلقب “أم الشهيد” وكأنه كالإكليل المرصع بأغلى أنواع الجواهر الذي لا تتوج به إلا أم الشهيد، فلقبُ أم الشهيد يعني فخراً وعزًّا وصبراً وإيماناً وأعظمَ تضحية وبذل وعطاء، موضحة بقولها: شهداؤنا ورود قُطفت لتنثر عطرها في السماء؛ كي نتنفس حرية وكرامة، فهنيئاً لهم فنحن الأموات وهم الأحياء، ففي هذه الذكرى نجدد عهدنا ووفاءَنا للشهداء الأبطال.

 

يحبهم ويحبونه

وتتحدث كذلك أم الشهيدين عبدالله وأسامة عبدالحكيم عباس المتوكل قائلة: ابني عبدالله -سلام الله عليه- كان رغم صغر سنه واعياً جِـدًّا، فعندما شُن العدوان علينا استشعر حجم المسؤولية عليه في الجهاد، رغم أني حاولت إقناعَه أن يجلسَ معي بجواري مثل إخوته إلا أنه أصر بعد أن رأى جرائم العدوان، فانطلق ولدي عبدالله وقلبي راضٍ عليه، وكبر عبدالله في نظري أكثر وأكثر، فقد زاده الله علماً ووعياً.

وتضيف أم الشهيدين بقولها: جُرح عبدالله أكثرَ من مرة، فزادت قوته وزاد حماسة في سبيل الله، فعبدالله كان المدد الروحي لي؛ لأَنَّه سار في سبيل الله، فكنت أعمل الكعك له ولرفاقه دائماً، لو تحدثت عنه ما لقيت منه ومن أخيه من ثبات فلن يكفيَ الحبرُ ولا الورق ولن أوفيَهم حقهم.

وتواصل أم الشهيدين المتوكل قائلة: عندما كان يحضر عبدالله لزيارتنا كان يحدثني عن مدى سعادته بالجهاد في سبيل الله وعن المعجزات الإلهية والتأييد الإلهي، أما عن آخر زيارة له لنا فكانت كلها نورانيةً في الثبات كأنه جبلٌ شامخ وواثق بالله، فكان يرى النصرَ قريباً جِـدًّا، والنور في وجهه ساطع.. ما أجملَها من لحظات وهو يحدثني في ملزمة محياي ومماتي لله رب العالمين، ولم أستطع أن أقاطعه أبداً من ذهولي من تلك الكلمات المعبرة.

أدركت حينها -والكلام لأم الشهيدين- أنه يحب الله فذكرت الآية: {يحبهم ويحبونه}، وحينها أيقنت أنه سيستشهد أكيد، وحين استشهد ابني استقبلت خبر استشهاده بكل رضا واحتساب وفخر واعتزاز، فقد هيأ لي ربي صداقةً قويةً بيني وبين ولدي، فكان مدرسة لي، فتعلمت الكثير منه، علّمني معنى الشهادة، فأحببت أن تكون له كأعظم نصر له بعد أن نكّل بأعداء الله ما يقارب الثلاث سنوات، كما أنه أوصاني أن لا أحزن بل أفرح وكأنه موكب عرس مهيب، لهذا فكل ما يأتي ذكرى الشهيد أفتخر بأبنائي الشهداء، حتى وإن كان في قلبي لهما الشوق والحنين، إلا أنني أجهّز نفسيتي لأتذكر بأنهما كمدرسة ربانية استمد منهما قوتي؛ ولهذا أفتخر أن ولدي لم يُديرا ظهرهما للعدو بل رفعا راية الإسلام بحق واستشعار للمسؤولية الجهادية العظيمة، ولي كُـلّ الفخر بأني أم الشهيدين، فهذا اللقب لا تستوعبه البشرية بكاملها لما له عزة وكرامة.

وتسترسل أم الشهيدين في حديثها قائلة: أما عن شهيدي الغالي أسامة فقد انطلق بعد أخيه عبدالله بسَنة ونصف سنة إلى جبهات العزة والكرامة، وكان طبعُ أسامة الصبرَ والحلم. وكان حنونا طيبا، فعندما أقول له هل أعمل لكم كعك مثل أخيك يقول لي: “إذا أمكن لكن لا تشغلوا نفسكم بنا احنا مكيفين” طبعاً وقت استشهاد أخيه عبدالله كان أسامة في الجبهة ولم يعلم بخبر استشهاد أخيه إلا بعد أسبوع لما جاء بالصدفة، وأول ما كلمته، لم يظهر لي ألمَه أبداً بل قال: نعمة والله نعمة، عقبى لنا إن شاء الله، ثم قال لي: “أنتوا عارفين يا أمي أني حلمت قبل أسبوع أخي عبدالله…”.

بالمختصر تفسير الحلم أن أسامة سيلحق أخاه بوقت قريب، فأجبته يا ولدي هذه نعمة لو يقبلكم ربي شهداء، فكان أسامة دائماً على اتصال روحي مع أخيه الشهيد عبدالله، وفي إحدى المرات جُرح أسامة جرحاً بليغاً جِـدًّا، ورقد في المستشفى شهراً وبعد ثلاث عمليات، ثم رقد في البيت جريحاً أقل من شهر وعاد إلى ميادين الجهاد بكل شجاعة، عاد وما زال لا يقدر على الوقوف جيِّدًا، فهذه القوة استمدها من قوة الله المعين.

وتذكر أم الشهيدين موقفاً آخرَ: أذكر يوم جاء يودعني قبل ذهابه للجبهة فقال لي: “يا أماه ما أقدر أتحمل ما أسير الجبهة، المجاهدين منتظرون لي في المترس والعافية من الله سوف أجدها هناك”، فقلت له: مع الله يا ولدي، فقال لي: هل ستتألمون لو استشهدت؟!.. فقلت له: لو يقبلك ربي شهيداً فهذه نعمة كبيرة.. أتذكر لحظة استشهاده لم يعلمني أحدٌ بها إلا ربي، كان الوقت بعد الظهر وأنا في غرفتي أصلي فسمعتُ البابَ الكبير يطرق بقوة وبصوت عالٍ: يا ماه يا ماه، وكأن يوسف فتح الباب فإذا بأسامة بيقل أين أمي؟ يا ماه بصوت عالٍ، وقفت الصلاة وجريت أنادي يا أسامة أنا هنا يا أسامة!

فرحت بصوته، فإذا بيوسف أخوه يجري إلى عندي ويقل لي (ما لكم يماه ما بحد أسامة ليش بتدعوه؟).. وَما بحد هوه في الجبهة!

فقلت له الباب دق، فقال لي لا، فقلت له أنت فتحت الباب قال: لا، فقلت أنا سمعت أسامة قال أماه، فقال لي يوسف (صلوا على رسول الله) أنا عند الباب ما أحد دق ولا فتحت، فعرفت حينها أنه استشهد، وقلت اللهم زكِّي عقلي وقلبي، اللهم اربط على قلبي كما ربطت على قلب أم موسى، وفعلاً وصل خبر استشهاده بعد أربعة أَيَّـام وقالوا لنا إنه استشهد بعد الظهر قبل أربعة أيام! وَالحمد لله رب العالمين.

وتختتم أم الشهيدين حديثها قائلة: “أقول لأعداء الله: لم ولن ننكسر بل على العكس نحن نستمد قوتنا من الله ثم من شهدائنا، وسنرسل باقي أولادنا الذين هم كذلك يستمدون قوتهم من الله ومن الشهداء العظماء”.

 

لقي الله طاهراً محسِناً كريماً

وليس هذا هو شعور أم الشهيد المتوكل بهذه المناسبة لوحدها، وإنما تشاركها الكثير من أُمهات وزوجات وأخوات الشهداء.

وتقول أم الشهيد محمد حسن علي محمد الكبسي إنها لا تستطيعُ أن تعطيَ ابنها الشهيد حقه من الوصف والسرد مهما حاولت؛ لأَنَّ الشهداء هم الخالدون في الدنيا حتى قيام الساعة، وهم في المراتب العليا في الجنة، فسلام الله على الشهيد وجميع الشهداء ما بقي الليل والنهار.

وتسرد حكاية ابنها الشهيد وكيف انطلق إلى ميدان الجهاد فتقول إن الانطلاقةَ كانت قبل الحرب الخامسة، حَيثُ انتقل ابنها إلى محافظة صعدة للبقاء في ضحيان، فشارك في الحرب الخامسة منذ بدايتها حتى توقفت، وبعدها حضرت أنا ووالده وإخوته وأخواته لنحتفل بزفافه في ضحيان وبقينا عنده عدة أَيَّـام، وما هي إلا أَيَّـام حتى انطلق للمشاركة في الحرب السادسة ومنذ يومها الأول، وأثناء الحرب أتى لزيارتنا، ولكنه عندما شاهد طغيان طيران العدوان السعودي على المنطقة، وكيف كان يقصف القرى والبيوت بوحشية فما كان منه إلا أن قطع إجازته في اليوم الثاني، وتواصل مع قيادته للرجوع لميدان القتال، فانطلق نحو جيزان مع رفاقه الثمانية، فصدروا ملاحمَ البطولة والفداء وتمكّنوا من السيطرة على قاعدة الجابري العسكرية في جيزان، واستمروا في السيطرة على الجابري حتى توقفت الحرب السادسة، وبعدها استشهد -سلام الله عليه- بتاريخ 15/12/2009، وتم مواراة جثمانه الطاهرة في مران روضة الخربان، فلقى الله طاهراً كريماً محسناً قوياً أميناً عابداً متولياً لله وللرسول والذين آمنوا من أهل البيت الأطهار سيدنا وقائدنا عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله-.

وتواصل أم الشهيد الكبسي بالقول: أستقبل ذكرى الشهيد بكل فخر وعزة وكرامة وكلي فخر بلقب “أم الشهيد”؛ لأَنَّه منزلة راقية تختلف عن كُـلّ مراتب وألقاب الدنيا، وأدعو للاهتمام بأسر الشهداء، وأبناء الشهداء، وهنا أعني يجب الاهتمام بهم عمليًّا وليس إعلامياً، ولا أعني أنفسنا، ولكن هناك الكثير من أسر الشهداء من كان الشهداء يعولون أسرهم، فيجب يجب الاهتمام بأبناء الشهداء وأسرهم، وسلام الله على الشهيد، وجميع الشهداء ما بقي الليل والنهار.

 

التحق بركاب سفينة الشهداء

زوجة الشهيد ماجد علي محمد صالح الحوري هي الأُخرى تتحدث عن هذه الذكرى بكل شموخ.

وتقول إن زوجها الشهيد كان يتنفسُ عَبَقَ الشَّهادة مُنذ أول يومٍ عرفتهُ فيه، وكان لا ينام إلّا وقد أَدَّى وِردَه اليوميّ المتمثّل ببرنامج رجال الله، وَأَضَـافَ إليه الولاءَ قبل أن ينام.

وتضيف قائلة: “كان جنديًّا لله وفي سبيل الله في جميع ميادين الجهاد، منفقاً، محسناً، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، متحلياً بالمواصفات الإيمانية جميعُها، ومع ذلك كان إذَا حدث منهُ تقصيرٌ طفيفٌ يُعاقب نفسَه بطريقتهِ وينعزل عن الناس راكضًا للجلوس مع الشهداء في روضتهم وكان يسميهم “المؤمنين”، وكان كالمغناطيس تماماً حيثما يتواجد يلتفَّ حولهُ الآخرون؛ لأَنَّ لسانَه لا يتوقّف عن بذل النُصح والتّذكير بالله وهدي الله، فكانت رفقتُهُ دواءً تبعث على النفس السعادة.

وتسترسل زوجة الشهيد الحوري بقولها: على الرغم أن شهيدي كان أحد قيادات النّجدة إلا أنني لم أرَه للحظة يرتدي رُتبتَه، إلى جانب أنني -ويعلم الله صدق قولي- لم أعلم برتبته إلا بعد استشهاده، وحينما استنكر عليه هذا الأمر وأقول له أنت تتبع السلك العسكري ويجب أن تنضبط بالزي، كان يقول لي: “الرتب تُذهِبُ زكاءَ النَّفس”، كان أبًا للصغير، وأخًا للكبير، وأبنًا عزيزًا للمسنين، وكان يتعمّد رفقة صغار السن حتى يبنيهم ويربيهم التربية الجهادية، وإن قلت إنّه الدينامو المحرّك للمجاهدين من حوله لا أكون مبالغةً بقولي، فقد كان يحمل هَمَّ أُمَّـة بأكملها، وكأبسط مثال تقريبي قوله لي: لو يفتح الله عليّ فسوف أشتري سيارةً لكل واحد من هذولا -ويقصد أصحاب البسطات والعاملين في الجولات-، وكان يسعدُهُ إيذاءُ الآخرين لهُ بكلمة أَو موقف فقط حتى يسامحَهم ويبتسم في وجههم.

وتواصل حديثها: كنت أقول له لماذا تسامحهم وهو المخطئون وكّل أمرهم إلى الله، يقول لي: هم مساكين ومسامحتهم مفتاح لهدايتهم وأنا أريد أن يوفقني الله لأكون السبب.. أعتقد أن هذا الأمر قد لا يُصدَّق إلا أنه واقع من ذابوا في الله وعرفوه حق المعرفةِ وتمامَها، كان إذَا ما وجد مُتَّسعًا من الوقت يذهب إلى حمَّام البُخار فكنت أسخطُ عليه وأعاتبه أن أسرتَه أولى بوقته حتى صارحَني أنه لا يذهبُ رفاهيةً أَو ترويحًا عن نفسه بل حتى يشعُرَ بالحرارة في الدنيا ويتذكّر بها نارَ جهنم ليتشكّل في نفسه رادعاً لعلَّهُ يتجاوزُ تقصيرَهُ فلا يذوق تسعُّرَهَا في الآخرة، وأغلب المرات يخبرني أنّهُ يفكّر في وعيد الله ولا يدري إلّا وقد استفاق من غشيته!!

وتذكر زوجةُ الشهيد موقفاً هاماً من حياته فتقول: “ذات مرة أهداهُ صديقه ربطة معصم مكتوبٌ عليها اسمهُ الجهادي “سجّاد” لكنه رفض ارتداءه، فسألتهُ عن السبب فقال: “أصبحتُ مقصّرًا ولا أستحق حمل لقب سيد الساجدين زين العابدين”، ولم يَرْتَدِها إلا في زيارته قبل الأخيرة، أَيْـضاً كان أغلب الأحيان يمشي حافي القدمين، وأنا استنكر هذا الأمر وأسخط عليه فيقول لي: هناك من هو أولى بهِ مني.. فأقول لهُ: سنشتري وننفق ولكن لا تخلعه من نعليك فيرد: “لا بُـدَّ أن نشعر بمن ينزفون دمًا وهم حُفاة، أما نحن فمترفون!”.

أمّا عن ملابسه وأدواته فتختفي باستمرار وأسأله أين ذهبت؟ يرد: “فعَّلتهن”، كان سلام الله عليه صارفًا أنظارهُ كليًّا عن كُـلّ متاعٍ في هذه الدنيا ودائماً يقول لي: “فلندفن نفسياتنا تحت التراب، والآخرة خيرٌ وأبقى”، لا تسعني الأحرف والكلمات لأكتب عن شهيدي وبقية الشهداء؛ لأَنَّهم أرقى وأسمى من أن تشملهم عباراتنا القاصرة.

 

الشهداء أسمى وأرقى من أن تشملهم عباراتنا القاصرة

وتواصل زوجة الشهيد الحوري حديثها قائلة: أستقبل ذكرى الشّهيد باستشهاد زوجي الذي شاءت إرادَة المولى عز وجل أن يكون ضمن القافلة ولم تفوته السفينة إلا وقد التحق بالرّكب، وأنا أعتز وأفتخر بكوني حملت لقب “زوجة شهيد”، وأعاهد شهيدي وأبا ابنتي أنّي سأحملهُ ما حييت حتى ألحق به، وسامًا وقلادةً تضيء دربي ومسيري، وأنّ أربي ابنته “سُكينة” كما أرادها أن تكون كسكينة الحُسين “عليه السّلام” وسأكونُ كما تركني عليه فدائيةَ المسيرة القرآنية.

 

سيرة طيبة ونهاية مشرّفة

وإذا كان هذا هو حالُ أُمهات وزوجات الشهداء، فَـإنَّ أخواتهم يحملن العزيمة والإرادَة ذاتها.

وتتحدث أخت الشهيد خليل جبران مكرم “أبو جبران” بالقول: “خُلدت ذكرى أخي الشهيد في قلوب كُـلّ من عرفه سواء من داخل أسرته أَو من خارجها، فقد كان الشهيد مثالاً حقيقيًّا لمعنى الرجولة والأخلاق التي ترجمت التزامه الديني الكبير وفهمه العالي للرسالة الربانية في الدين الإسلامي، فالدين معاملة لدى خليل، الذي كان بحق مؤسّسة خيرية قائمة بذاتها تُعنَى بمساعدة المحتاج مادياً ومعنوياً، وجبر الخواطر للقريب والبعيد حتى ولو بابتسامة وكلمة طيبة.

وتسرد أخت الشهيد مكرم نبذة عن حياة أخيها الشهيد فتقول: “وُلد أخي الشهيد في منطقة هبرة في صنعاء في يوم الجمعة، الموافق 12 / مارس / 1979م، ولديه العديد من الأشقاء والشقيقاتِ، فكان الشهيد أكثر أهله ترجمةً لمعاني صلة القربى، فقد كان حريصاً على أن يكون حاضراً ليس في المناسبات الكبيرة فحسب، بل وحتى في الأيّام العادية، التي يوزع نفسه فيها على كُـلّ أهله؛ إيماناً منه بأن صلة الأرحام تجلب البركة والرحمة، لذلك لم يكن مستغرباً أن يبكيَه بفخر وحزن القريبُ والبعيدُ من أهله بل كُـلّ جيرانه وأصحابه والمحيطين به من عُمال وباعة ممن حرص الشهيد على مد يد الخير إليهم من منطلق إحساسه الكبير بالآخر، ورغبته بحق في أن يكون مثالاً للإنسان الملتزم المعطاء في أخلاقه وماله”.

وتواصل أخت الشهيد مكرم بالقول: “الشهادة لدى أخي خليل شرفٌ كبير؛ لذلك ما إن شن تحالف العدوان الأمريكي الغاشم نارَ حقده على أبناء صعدة المجيدة في الحروب الست حتى انطلق في سبيل لله لتلبية نداء الدين والوطن والالتحاق بميادين القتال، لتكون أول استجابة للشهيد في الدفاع عن أبناء وطنه من أبناء صعدة التي ترعرع ونشأ فيها كردٍّ للوفاء كُـلّ الوفاء، فكان نِعم الإنسان الذي يحمل الحب والخير والإنسانية، فانطلق محرّراً مدافعاً عن صعدة من العدوان الإسرائيلي الأمريكي، وبعد سجلٍّ حافل بالجهاد والثبات والصمود ضد أعداء الله والحق المبين نال شرفَ أن يُتوج شهيداً في منطقة “صرواح مأرب” بتاريخ 11/ 4/ 2020م، فهنيئاً لك الشهادة يا أخي الحبيب، وهنيئاً لكل من سار على درب رسولنا الأكرم وأعلام دينه الأطهار الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي من أحيا القرآن الكريم والكرامة والجهاد وأسس منهجَ المسيرة القرآنية ومن سار على نهجه من الحق القويم السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي.. وداعاً أخي خليل، وداعاً ونحن صامدون فقد كنت نِعم الأخ ونعم الأب الحنون صاحب الخلق القويم والابتسامة المشرقة حتى وأنت تُزَفُّ إلى مثواك الأخير كنت تبتسم، فيا له من حُسن خاتمة وروحٍ طاهرة تنعم بإذن الله في جنات الخلود.

 

فزت ورب الكعبة

أما أم الشهيد سلطان علي علي السلطان “ذو الفقار” فتتحدث عن ابنها الشهيد بالقول: انطلق ابني للجهاد قبل العدوان، كما كانت له مشاركاتٌ عديدة في تأمين الفعاليات والمعارض والأمسيات الثقافية، كما كان عنصراً فاعلاً في حشد الرجال لجبهات القتال وتأهيلهم، فقد شارك في حرب كتاف وعمران، وكان مع اللجان الشعبيّة في إب وذمار، وعندما بدأ العدوان انطلق منذ البداية مجاهداً في جبهة مأرب ثم انتقل إلى جبهة نهم ومن بعدها إلى جبهة الجوف والبيضاء، وأخيرًا استقر المقامُ به في الحدود في جبهة جيزان جبل الدود، حَيثُ استشهد هناك في جبهة جيزان بتاريخ 9/4/2018.

وتواصل أم الشهيد حديثها بالقول: “عندما وصلني خبر استشهاده قلت: “الله يرضى عليك يا سلطان مثل ما قلبي راضي عليك”، فكانت عبارات الرضا هذه بما قدّمه في هذه المسيرة وبما عمله خلال سنوات جهاده المباركة، وكنت أرد على كُـلّ من يريد أن يثبّطني ويوهن من عزيمتي فأقول لهن: “الحمد لله ولدي شهيد وأخوه جريح، وبإذن الله يُشفى وَيلحق بعد أخوه”، فكانت هذه الجملة سبباً في إسكات من أرادت أن تثبطني، كذلك الأهل كانوا وما زالوا فخورين بعظيم ما قدمه ابني الشهيد، فكلنا نفخر بأن جعله اللهُ يسيرُ في درب الحق ومع الحق وقدم روحَه رخيصةً في سبيل الله لرفع راية الله وإعلاء كلمة الله لتكون هي العليا والدفاع عن المستضعفين في الأرض، فكان ابني الشهيد من الرجال والقلة القليلة الذين صدقوا مع الله العهدَ فصدقهم رَبُّ العالمين الوعدَ، فكانوا أحياءً عند رب العزة يُرزقون، مما زادنا فخراً أن آخرَ ما نطق به ابني الشهيد سلام الله عليه في لحظاته الأخيرة “فزتُ ورَبِّ الكعبة”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com