الولادة من جديد

 

زينب إبراهيم الديلمي

وحدَها هي قافلتهم التي تزدحم برِكاب الخُلد لا بركاب الفناء، ووحدَها دماؤهم التي تقطرت نداها على الأرض المُجدبة ترنو سؤدد النصر وتحوّلها من عجاف التثبيط والتخاذل إلى وفير الجهاد وَالمُسارعة في السّفر إلى ثُريا السّماء، وحدَها أرواحُهم هي مَن شرَّفها الله تعالى بمكانةٍ مرموقة وَكرمها بوسامِ الخلود الأبدي وَكتب من شهادتهم ولادة عُمر جديد ومُستمر، وحدها مكانتهم هي التي تُخبرنا أنّ أهل البر والصّلاح لا يليق بهم المكوث في قيد الدُنيا، إن كُنا سُجناء الأرض نريد الرحيل من جُدرانها المُظلمة والفانيّة لا خيار في أيدينا سوى اقتفَاء خُطاهم العظيمة والاستقاء بسيرهم الجليّة.

نرى كُـلّ يومٍ القوافل الاستشهاديّة تروي لنا تفاصيل الوصال نحوَ الملكوت الأعظم، وتُرغبنا في المُتاجرة مع الله تعالى، النّجاة من ظُلُمات الدنيا، الحظي بالخلود في عالمها تلك التي وعد الله بها عباده المُتقين.

يخالجنا شعور الغِبطة حينما تستأذن أرواحَهم الطّاهرة منا رجاءَ العبور إلى سُلّم العروج.. ناصحينَ لنا ألا نجعل يومَ استشهادهم عزاءً، بل نُقيم لهم زفافاً مَلكياً يُشرف سموهم ويليق بقدسيّتهم.

إنّهم أربابُ العطاء، ومدرسة النّصر، وأكاديميّة النّصر الذين تخرّج على أيديهم آلاف الاستشهاديين، إنّهم من بذلوا نفيس حياتهم ونذروا أرواحهم في نُصرة دين الله لتحيا أُمتهم حرة أبيّة، إنهم ثُلّة الميمنة الذين اجتثّوا شيطنة ثُلة المشئمة، إنّهم من قَصَدت أحشائهم للابتعاد عن ضجر الدنيا وضوضائها وانطلقت راحلتها إلى كنف الأنبياء وأريكة الأولياء والصّديقين، إنّهم من علّمتنا دماؤهم أنّ نجتاز امتحان الصّبر على هجرانهم، وأنّ قيمةَ الصّبر الذي نستهينُ به له أضعاف الثّواب الجزيل والأجر الكبير.

وفي سنويّتكم العظيمة لا نستذكركم فقط في ذكراكم، بل نستذكركم في كُـلّ دهرٍ نحييه بمآثركم الخالدة ما أن نقرأ مجلداتها يسيل في وَجناتِنا أنينُ الشوق للالتحاق بركابكم، والشاهد على ذلك هو انتصاراتكم وروضاتكم التي تُدوِّنها سِجلَّاتُ الفداء والتضحية.

في سنويتكم السرمدية ها نحنُ أسرى الثّرى نُهدي باقة من عبق التحية وآيات من التبجيل والإجلال لكم، يامن وضعتم لنا بصمة بطولاتكم سمفونية تعزفُ أوتار الشرف والتضحية وترنمت قيثارة نضالكم فينا، يا من اشتممنا عبيرَ نصركم بدمائكم القانية التي عبرت أزقة شرايينا وَجراحاتنا المثقوبة واندمل كُـلّ ما كان منا مبتور، يا من حملتم رُتبة الشهادة وقلادة الطهارة ونلتم حق الشفاعة للأُمَّـة.

سلامٌ يا خير من تاجر مع الله، واخترتُم خير التجارة التي تُنجيكم من عذابٍ أليم، فنلتموها وفزتم الفوز العظيم، سلاماً يا من جاهدتم في الله حق جهاده، واستشهدتم في سبيله، وناصرتم وانقذتم الأُمَّــة، سلاماً يا خير الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. سلاماً يا من كسرتم شوكة المُعتدين، واستعنتم بالله قاصم الجبّارين، فولّوا الأعداء زحفاً مُدبرين.

سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار، وسلامٌ عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تُبعثون أحياء مُكرمين مُبجلين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com