عاشقُ فلسطين

 

أكرم العجوري*

«وَأَشْرَقَتِ الأرضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» صدق اللهُ العظيمُ.

كان انتصارُ الثورة الإسلامية في إيران من أهم الأحداث والمتغيرات التي أسهمت في تحويل منطقتنا العربية المردوعة بجيوشها، إلى منطقة أصبح للمقاومة الفاعلة في قوتها وعنفوانها موضِعُ قدمٍ راسخ وثابت فيها، مقاومة بانتصاراتها وإنجازاتها بددت أحلامَ هذا العدوّ بالسيطرة المطلقة.

وقد أسهم في عملية إحداثِ التغيير قدومُ قائد قوة القدس الشهيد الفذ قاسم سليماني الذي عركته ميادينُ الحرب الظالمة المفروضة على شعبنا الأَبي المسلم في إيران، والذي صقلتهُ مكائدُ الحرب ومفاجآتُها. فبقدومِه وخِبرتِهِ ومهارته وشجاعته وحضورِه الميداني حدث هذا التطورُ الكبيرُ في أداء المقاومة وقوتها.

نعم هو الحاج قاسم بقَـدِّه وقديده، رجل المقاومة والوحدة والقضية والنصر القادم، رجل إن أنصت إلى حديث كان الأكثرَ وقاراً وتواضعاً، وإن تكلّم كان الأقوى حجّـة وبصيرةً وهيبة. يحترم الرأيَ ويصغي إليه مستفسراً ومستوضحاً. تتلاشى عنده المساحاتُ. فالجميع بألوانهم وانتماءاتهم وعقائدِهم إخوانٌ لهُ. لا يقفُ عند المشكلة عاجزاً، ولا يعطيها حجماً زائداً. يقترح ويقدّم الحلول. إن اختلفتَ معهُ في الرأي فلا غضاضةَ، وإن اتفقت معهُ في الرأي فهي القناعة. يوحّد ويبحث عن القواسم المشتركة، ينظر دوماً بخطواته وتوجّـهاته وقراراتهِ إلى الأمام، لا يلتفتُ إلى الخلف نادماً أَو متردّداً أَو لائماً. هو القائدُ المؤثرُ، الابنُ البارُّ الوفيُّ للمشروع ولدماء أبنائه وذويهم حباً ووفاءً وعرفانًا. هو المدرسةُ الممتدةُ من عبق التاريخ بإيمانه ووعيه وثورته. هو امتدادٌ لمدرسة الإمام الخميني العظيم رحمه الله ومن خلفهِ الإمام القائد الخامنئي المؤمن الشجاع، مدرسة العلم والخير والإيمان والشجاعة، والصبر والمبادئ والإرادَة.

نعم هو من عبادِ الله، لله عاش وفي الله استشهد..

إن سُئلنا، من هو الحاج قاسم سليماني؟

قد نستطيعُ أن نجيبَ إجَابَةً جزئيةً عن هذا السؤال، لتظلَّ الإجَابَةُ الكاملةُ والتامةُ والمنصفةُ له وبحقهِ متروكةً لمستقبل آتٍ بعيدًا كان أَو قريباً.

كان لفلسطين وقُدسِها عاشقاً، ولمقاومتها موحداً وأخاً منهم ولهم، مقدماً البرامجَ ومُسهِماً بنحوٍ كبيرٍ في تحويل مقاومتهم من زخم العمل إلى قوتهِ، ومن ارتجاليتهِ واجتهادِهِ إلى تخطيطهِ وتنظيمه، ومن أعمالٍ تكتيكيةٍ إلى أعمال استراتيجية، ومن الاستثمار المتواضِع للإنجازات والانتصارات إلى الاستثمار الكامل، ومن ضعف المؤسّسة السياسية والعسكرية إلى قوتها.

قيّمَ وإخوانُه في المقاومة الفلسطينية الحروبَ على غزة على مدار الوقت من حرب 2008م – 2009م، وحرب 2012م، وحرب 2014م. استخلصوا العِبرَ، ووضعوا الإصبعَ على نقاط القوة والضعف فيها.

ووضع قائدُنا وشهيدُنا البرامجَ والمعالجاتِ لتصويب الأخطاء، وتأمين النواقص والاحتياجات، ورفع الكفاءة والمهارة القتالية عند المقاومين. لم يترك شيئاً صغيراً كان أَو كَبيراً من لوازم العمل إلاّ قدّم لهُ التصوّرَ والحلَّ، مُلزماً إخوانَه بالتنفيذ.

ولم يبخلْ في تقديم ما تحتاج إليه ميادينُ التصعيدات والحروب، من الطلقة إلى البندقية إلى المدفع إلى مضاد الدروع إلى مضاد الطائرات إلى الصاروخ بكل أنواعه المتاحة.

اهتم بالمقاتل وحاجاته التدريبية وأدق التفاصيل فيها. أجرى العديدَ من المناورات المتعددة السيناريوات ليحاكيَ ما يناسبُ معاركَهم هناك.

كان للتصنيع المحلي عندهُ اهتمامٌ كبيرٌ، مدقّقاً ومتابعاً وسائلاً، وحريصاً على نقل الخبرات بكل أنواعها المطلوبة، وحريصاً أكثر على نقل كُـلّ جديد ومُبدع وقابل للتحقّق.

دعم بقوةِ العملِ على البُنية التحتية (الأنفاق) على مستوى القطاع. وكان يسبقُ الجميعَ في تقديم التسهيلات والإمْكَانات والنصائح والحث على الإنجاز.

عمل المستحيلَ هو وإخوانُه لتأمين الحاجات المادية المطلوبة والملحّة في زمن الحصار والعقوبات على إيران، وحرص على عدم تأخير إيصال الدعم المالي لإخوانه المقاومين المحاصرين في غزة.

كان الجميعُ يستشعرُ أهميّةَ هذا الدعمِ وهذه البرامجِ في إحداثِ التغيير والتأثير الكبير على مجريات الأحداث والتصعيدات، وكل حرب جديدة تلي ما قبلها.

قال يوماً ستضربون تل أبيب، وكان قولُهُ لنا في حينه شبهَ معجزة. تساءلنا حينها: أنحن حقيقةً قادرون على ذلك؟ أنحن قادرون على التهديد والتلويح كما هدّد سماحة السيد القائد الكبير حسن نصر الله بضرب ما بعد حيفا، ويقصد «تل أبيب» عام 2006م.

وكان ما وعد بهِ الشهيدُ قد تحقّق، وبالفعل ضُربت تل أبيب من غزة بعشرات الصواريخ، وها نحن نهدّد بضرب ما بعد تل أبيب.

فعندما ينطلقُ لسانُ المؤمن الصادق صادقاً وواعداً بتقديم الدعم والعون لإخوانه المقاومين يأتي العونُ والمَدَدُ الإلهي مُلبّياً.

بُنيت الهياكلُ والتشكيلاتُ العسكرية على امتداد قطاع غزة من كُـلّ الفصائل، خرج المئاتُ بل الآلافُ من المجاهدين لتلقّي التدريب على كُـلِّ فنون القتال واختصاصاتها، وعاد الجميعُ بعلمٍ جديدٍ ومهارةٍ قتاليةٍ أفضل.

معاناةٌ كبيرةٌ وتضحياتٌ هائلة بذلها الشهيدُ القائد قاسم سليماني وإخوانُه في قطع المسافات الطويلة، وتذليل الصعاب، وأخذ الموافقاتِ من دول بعيدة عن فلسطين لإيصال هذا السلاح المهم والضروري والمُكلف.

وأخيرًا وصل السلاحُ وتسلَّمه المقاومون وقاتلوا به، وضربت الصواريخ، وحقّقت الردع، وأذلت قادةَ هذا الكيان الغاصب ومستوطنيه، وعلى رأسهم رئيسُ الوزراء الفاسد نتنياهو أمام جمهوره وبين مؤيديه، فأنزلتهُ صاغراً مرعوباً عن منصات الدعاية الانتخابية، ما زاده حقداً ونزعةً للانتقام من قادة المحور.

تطوّر الصاروخ وأصبح أكثرَ دقةً في الإصابة، وأبعدَ في المدى، وأكبرَ في حجم الرأس الحربي ووزنه، وما زال العمل والإبداعُ جارياً في كُـلّ المجالات، المعروفُ منها وغير المعروف.

إنَّ هذا المحورَ العظيمَ الممتدَّ من إيرانِ الإسلام إلى العراق فسوريا فاليمن فلبنان ففلسطين سيتّسعُ أكثرَ، وسيتعاظمُ شأنُه، وسيتحقّق مرادُه، فوعدُ اللهِ بالنصر على بني إسرائيل منجزٌ لا محالة، ودخولُ البيت المقدّس آتٍ، ودماءُ شهدائنا الأبطال، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعماد مغنية وفتحي الشقاقي وأحمد ياسين وأبو عمار وأبو علي مصطفى وجهاد جبريل وأبو عطايا وبهاء أبو العطاء لن تذهبَ هدراً، وإنّ إخوانَهم وأحباءَهم هم من سيوجّهون الضربةَ القاصمةَ والحاسمةَ لهذا العدوّ، وسيقتلعونه من جذوره.

* عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com