حكومة أبو “سيفين ونخلة” وُلِدَت للمرة الثالثة في المنفى الإجباري

 

أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور *

تعوَّد المواطنون اليمنيون في تعامُلِهم الاستهلاكي اليومي على اقتناءِ موادٍّ واحتياجات ضرورية لحياتهم المعيشية، واستهلاك أصناف غذائية من نوع أرُز “أبو سيوف”، وأرُز “أبو كاس”، وأرُز “أبو صقر”، وحليب “أبو قوس”، وبطاريات أبو بِس (عُسني) بلهجة أهلِنا في بعض مناطق ريف اليمن، وهناك شاهي (أي شاي) “الكبوس”، وشاهي “أبو جبل” 200، وشاهي “أبو مزاج”.. وهكذا دواليك.

هذه الموادُّ الاستهلاكية الحياتية يشاهدها مواطنونا يوميًّا في الأسواق وفي المحلات التجارية والدكاكين و”المولات”، لكن أن يسمعَ أحدُهم بأن (حكومته) التي تشكَّلت في الأيّام الأخيرة من شهر ديسمبر/كانون الأول 2020م، للمرة الثالثة خارج حدود وطنه، فهذا شيءٌ جديدٌ في عالم تشكيل الحكومات على مستوى العالم أجمع.

“الحكومةُ اليمنيةُ” التي أُعلِنَ عن تشكيلها من الرياض، الأسبوعَ الماضي، وُلِدَت بعدَ مخاضٍ عسير، ومعاركَ دمويةٍ طاحنة لحرب الإخوة الأعداء استمرت ما يقارب العامين، وهي حكومة شراكة بين عُملاء ومرتزِقة مشيخة الإمارات المتحدة ومرتزِقة مملكة آل سعود.

حكومةُ (أبو سيفين ونخلة) هذه انبثقت من كواليس دولتي العُدوان على شعبنا اليمني، ومن أروقة وصالات المؤامرات الخبيثة التي حِيكت فيها خطط الموت، والجوع، والحصار، والدمار، الذي تعرَّض له شعبُنا اليمني العظيم مُنذ بدء العُدوان عليه في آذار/مارس 2015م، في محاولةٍ خبيثةٍ لتفتيتِ الأرض والإنسان والهُــوِيَّة، وُصُـولاً لطمس التراث.

لقد تحوَّل هؤلاءِ (حكومةُ أبو سيفين ونخلة) أفراداً وجماعاتٍ، وأحزاباً دينية ويسارية وقومية، وشيوخَ قبائل، إلى أدوات رخيصة السعر والثمن والقيمة بيد دولتي العُدوان.

لم يسمحوا لهم حتى بإقامة مراسم أداء اليمين (الدستورية) في منطقةٍ نائيةٍ من اليمن واقعة تحت احتلالهم، والتي يسمونها زوراً وبُهتاناً بأنها مناطق (مُحرّرة).

ألم يجدر بهؤلاء العُملاءُ الحضورُ حتى لبضعِ ساعات إلى مدينة سيئون، أَو عتق، أَو الغيظة، ومَن ثمَّ يعودون بطائراتهم إلى الرياض وأبو ظبي؟ أيعقل أن يصلَ بهم الأمر إلى هذا الحد من الامتهان والدونية حَــدَّ الاحتقار؟!

ماذا يتوقعُ شعبُنا في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال من هؤلاء العُملاء والمرتزِقة وقد بلغ بهم الأمر حَــدَّ السقوط المهين، وبأيةِ لغةٍ ومفردات سيدافع هؤلاء (المُطبلون) الإعلاميون السُّذَّج عن (حكومة أبو سيفين ونخلة) بعد كُـلّ ذلك المشهد السريالي؟!.

لو أن ما حدث من مهزلة أداء اليمين الدستورية يتم سردُه لأُناس في زمنٍ آخرَ لما صدقوه، وسيعتبرون تلك السرديةَ بأنها خُرافة تُحكَى من مخيلة كاتب قصة سرح هائماً في فضاء الحرف والكلمات ليقُصَّ لنا تلك الحكاية المُبكية عن هؤلاء الذين ما زالوا يعيشون أحلامَ اليقظة بأنهم يمثلون شيئاً ما، وموقفاً ما، وقضيةً محدّدة. هؤلاء ببساطة هم أرخصُ عُملاء ومرتزِقة في الدنيا، خدمت وتخدم آل سعود وآل نهيان فحسب.

قرّر الأخُ محمد الجابر سفير المملكة السعودية في (اليمن)، أن يُرحِّل (حكومة أبو سيفين) الأربعاء 30 ديسمبر/كانون الأول 2020م، إلى مدينة عدنَ في طائرة الخطوط الجوية اليمنية برحلةٍ خَاصَّة، وانتظروها بعمليةٍ إرهابية قذرة، حَيثُ فجّروا بعبوات ناسفة صالات المطار، وأطلقوا على مدرج المطار ثلاث قذائف هاون، ما أَدَّى إلى مقتل قرابة 22 شخصاً وجرح نحو 53، وقد ترتفع أرقامُ الضحايا مع مرور الوقت.

لم يمضِ على أداءِ أعضاء هذه الحكومة (اليمينَ الدستورية) في الرياض سوى أَيَّـام معدودة، ففي 24 ديسمبر 2020م، اصطفوا كتلاميذَ مبتدئين ليقسموا أمام الرئيس عبدربه منصور هادي المنتهية ولايته، وتحت علم وشعار المملكة السعودية، حَيثُ تم نقل الصورة المحزنة للرأي العام.

مَن يدّعون بأنهم سُلطة شرعية تقود اليمن، يقسمون ويؤدون اليمين لـ (حكومتهم) للمرة الثالثة في المنفى وفي بلدٍ أجنبي يعتدي على وطنهم وشعبهم، ويصطفون تحت رموزه السيادية. هذه سابقة خطيرة في التاريخ، وسيحتار المؤرخون الثقات في كيفية تدوين سيرتهم غير الحميدة.

بعد أن عادوا مُكرهين إلى مدينة عدن، تم استقبالهم بطريقةٍ مُزرية، حَيثُ ولج إلى مدرج المطار بمحاذاة الطائرة التي تقل هؤلاء (حكومة أبو سيفين ونخلة)، أُناسٌ من العامة يحملون أعلام التشطير ويافطات كانت ترحب بغيرهم، وتُردّد شعارات ضدهم، وهم بطبيعة الحال مُهدّدين بجميع السبل والطرق من العناصر الانفصالية بأن يكونوا ضيوفاً وليس مسؤولين.

وبعد دقائقَ من هبوط طائرتهم، وتوقف عجلاتها، وبدء نزول ركابها، فُجِّرت العبوات الناسفة، وانطلقت القذائف المدوية من فوهات مدافع الهاون التي كانت بانتظارهم، وهي قذائف عبارة عن رسائل مكشوفة موجهة لهم تقول بأنكم يا (حكومة أبو سيفين ونخلة) غير مُرحَّب بكم، وابحثوا لكم عن ملجأٍ آخرَ غيرَ مدينة عدن؛ لأَنَّ عدن وضواحيها وجُزُرَها هي بيد الإمارات العربية المتحدة وعُملائها ومرتزِقتها، وبالتالي عليكم إما البقاء ضيوف مُعززين غير مُكرَّمين في شاليهات ومنتجعات المعاشيق ضاحية كريتر، أَو أن تعودوا أدراجِكم من حَيثُ أتيتم، وهي رسالة مباشرة من حليف لم يعد كذلك إلى (الشقيقة الكبرى المملكة السعودية).

دعونا نقرأ المشهد عن قُرب في علاقة الشراكة بين دولتي تحالف العُدوان:

تقول مشيخة الإمارات للمملكة السعودية بأنها قد دفعت ثمناً باهضاً من أبنائها ومالها لكي تسيطر ويكون نصيبها من هذه الحرب مناطق الشواطئ الدافئة، وتخرج من عنق الزجاجة (لمضيق هرمز).

لقد رتَّبت الإماراتث العربية المتحدة أوضاعَ مرتزِقتها وعُملائها من المجلس الانتقالي، والأحزمة الأمنية، والنخب المناطقية، مضافاً إليها ألويةُ العمالقة (المتطرفة)، وألوية عسكرية تُسمى (حُراس الجمهورية)، والهدف منها هو تأمين شواطئ عدن، والمحافظات الجنوبية، والشرقية، وموانئها، وجزرها اليمنية؛ كي تكون من حصتها، نتاج شراكتها في العُدوان، لكن يتضح من بنود ما سُمِّي باتّفاق الرياض، إخلاء معسكرات مدينة عدن للقوات التي يقودها خصومها من ما سُمِّي بالحكومة الشرعية المُسيطر عليها من قِبَل حركة الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح).

مُنحت القواتُ الموالية للسعودية أشهراً عديدة كي تحسمَ المعركة عسكريًّا لصالحها ضد قوات المجلس الانتقالي في ضواحي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، ولكنها فشلت في الحسم، بالرغم من الأعداد الكبيرة من الضحايا من شباب وكهول من كِلا فريقي العُملاء والمرتزِقة الذين ضحوا وخسروا؛ مِن أجلِ لا شيء تقريبًا.

تقولُ الإمارات العربية المتحدة لشركائها في المملكة السعودية بأن يكتفوا بحصتهم في كُـلٍّ من المهرة، وحضرموت الوادي، وشبوة، وأجزاء من أبين، وبقية تضاريس جنوب اليمن، ويبقى الشريط الحدودي لمدينة تعز، والحديدة، والشاطئ الممتد للمحافظات الجنوبية إلى حدود المهرة، ومحافظة سُقطرى والجزر الواقعة على مضيق باب المندب، من نصيب الإمارات المتحدة ولا زيادةٍ ولا نقصان.

بعد أن وطَّدت ووثَّقت مشيخة الإمارات العربية المتحدة علاقتها الجديدة (الاستراتيجية) بدولة الكيان الإسرائيلي الصهيوني، لم تعد تُلقِي بالاً على شراكتها مع المملكة السعودية، وهي تنظر بتماثلٍ عجيب مع (شقيقتها اللدودة) دولة قطر، التي رسَّخت علاقتها بحدودٍ قصوى مع جمهورية إيران الإسلامية والجمهورية التركية.

ربما لدى الإمارات (معلوماتٌ) استخباريةٌ خَاصَّة من دوائر صُنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد لا يصلُ إلى سُدَّة الحُكم في المملكة، وبالتالي لم يعُد يهم الإمارات تحالفها مع قيادةٍ جديدة بالمملكة غير صديقة، ولا حتى متفهمة لمغامرات مشايخ الإمارات الخارجية الطائشة بمجملها.

لقد كان حِلف العُدوان الغادر على اليمن العظيم المُكون من 17 دولة، الذي بدأ بقتل الأطفال، والشيوخ، والنساء، في مارس/آذار 2015م، بمثابة لعنة الفراعنة على المعتدين. تذكروا بأنهم بدأوا بحِلف (عرمرم) ولم يتبقَّ اليوم سِوى السعودية والإمارات؛ لأَنَّ الدماء اليمنية الزكية الطاهرة لأحباب وأنصار رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هي التي شتت شملهم وحوّلتهم إلى أعداء بعضهم لبعض.

الخلاصة:

ليس أمام دُول العُدوان إلا الاعتراف بأنها فشلت في تحالفها المُوجّه ضدَّ الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء، وأنها خسرت معركة العُدوان، ولم يتبقَّ لديها سِوى البحث الجاد عن طريقٍ آمن لجولة السلام القادمة التي تضمن لليمن حُرية وسيادة كاملة، وأن على جميع اليمنيين المُغرر بهم والمخدوعين من ذلك التحالف العُدواني، العودةَ إلى أحضان الوطن، وصنعاء هي عنوانٌ للتسامح والقبول بالآخر مع اختلاف آرائهم.

﴿وَفَوْقَ كُـلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾.

* رئيس مجلس الوزراء

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com