دماء الشهداء.. مشروع وانتصار

 

مصطفى العنسي

شتانَ ما بين هذا وذاك!

بين من يضحّي لله وفي سبيله ويقدم نفسه وماله ليبذلها رخيصة في سبيل الله وإعلاء كلمته ونصر دينه فيرسي بدمه مشروع أُمَّـة وينتصر لقضيتها المقدسة ويرسخ المبادئ والقيم والأخلاق سلوكاً وعملاً ويجعل من نفسه شاهداً على عظمة المشروع الذي يحمله والقضية التي يضحي؛ مِن أجلِها كما يقدم الشاهد العظيم على عظمة القرآن وثقافته والحق وقوته في نفس الوقت الذي يقدم فيه شاهداً على عظمة القيادة وحكمتها والمنهج وشموليته.

وبين من يضحي في سبيل الشيطان فيقدم نفسه ليبذلها مقابل الحصول على قليل من متاع الدنيا الذي يزول وينتهي وقد لا يحصل على ما باع به نفسه فيخسر الخسران المبين, لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم… يُقتل بلا ثمن ولا قيمة وهو في مواجهة الحق فيخسر شرفه وكرامته وعزته حياً.. ويخسر آخرته ليعيش في جهنم خالداً مخلداً.. ينكس رأسه يوم الحساب، عندما يرفع شهداؤنا رؤوسهم لا حساب ولا جزاء قد أَمِنوا من نار جهنم؛ لأَنَّهم عملوا لأنفسهم في الدنيا ما يقيهم من عذاب السموم.. فلم يكونوا في دنياهم يلهثون وراء المناصب ولم يكن همهم كسب الأموال أحلال أم حرام.. ولم يساوموا أحدا في دينهم ودنياهم، ولم يقبلوا بأن يبيعوا دينهم بدنياهم؛ لأَنَّ أنفسهم ثمينة وغالية ليس لها ثمنٌ إلا الجنة.

إن شهداءَنا العظماء هم شهداءُ قضية ومشروع خلدوا بدمائهم شجرة الإسلام فأينعت وأثمرت نصراً وعزاً وشرفاً وكرامةً ليعيش بتضحياتهم كُـلّ المستضعفين في الأرض.

ويتحقّق بتضحياتهم وعد الله (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

لذَلك يجبُ أن نتذكرهم ونتذكر مواقفهم لنستلهم منهم الدروس والعبر.. بتضحياتهم نحن اليوم نعيش الأمن في أوطاننا.. ونعيش الحرية في واقعنا.. وأصبحنا أُمَّـة قوية لها منعتها ولها منهجها..

هم عزنا وتاج رؤوسنا، فلولا تضحياتهم لما قامت للحق راية ولا للدين وجود.. ولا للإسلام كيان..

بفضلهم اليوم نعيش وهاماتُنا مرفوعةٌ ورؤوسنا شامخة وجبهاتنا متماسكة وكياننا كأمة مجاهدة في بناء مستمر نسمو ونرقى ونزداد قوة وظهوراً وانتصاراً.. وما وصلنا إليه من تطور في التصنيع العسكري النوعي والاستراتيجي إنما هو ثمرة من ثمار تضحياتهم.. وما يتحقّق نصر إلا ودماؤهم حاضرة.. ولا يحصل تقدم وتوسع إلا ودماؤهم الوقود والمحرك.. سهلوا لنا طريقَ الصعاب وأناروا لنا الوجودَ ليكتسي حلية العدالة ويكون القسط قواماً على الناس فلا يظلم أحد ولا يحتقر أحد.. فيشعر الناس بالتساوي فلا فضل بينهم إلا بالتقوى والعمل..

لا نستطيع في هذه الأسطر أن نعطيهم حقهم.. ولكن لنكن أوفياء معهم ومع مبادئهم التي ضحوا مِن أجلِها.. وأن لا نخون دماؤهم لا بالقول ولا بالفعل ولا بالسلوك ولا بالعمل.. وأن لا نعطي للمتسلقين فرصة ليتسللوا ويرتقوا من على أكتاف وتضحيات الشهداء..؛ لأَنَّ المتسلقين في كُـلّ عصر وزمان هم من قصم ظهر الأُمَّــة وهم من يضيعون الجهود ويشتتون الأهداف ويقضون على كُـلّ إنجاز.. إنهم من يبحثون عن النفوذ لينخروا في جسد الأُمَّــة من الداخل فإذا ما تمكّنوا سنرى التباينات والاختلافات.. وسنراهم يقلبون الحق باطلاً والباطل حقاً..؛ لأَنَّهم من فئة الأذكياء ومن إخوان الكافرين ومن أتباع اليهود الذين يلبسون الحق بالباطل..

فدماءُ شهدائنا تحصن واقعنا ومجتمعنا من المتسللين والنافذين..

وثقافة القرآن كما رسخت اليقين بوعد الله عند شهدائنا لينالوا باتّباع القرآن وقرينه أعظم وسام وأعظم شرف ويحظوا بالعز الأبدي الخالد.. تلك الثقافة وتلك المنهجية وتلك القيادة هي الكفيلة بأن ترتقي بنا كأمة مجاهدة ومضحية لأن نحدث تغييراً عالميًّا.. وأن نحصن واقع الأُمَّــة كلها من المتسللين الذين هم صنيعة أعدائها.. ونجعل منها أُمَّـة موحدة بقيادة ومنهج، لها وجودها ولها مشروعها، أُمَّـة تعشق الشهادة والاستشهاد وتجعل منها ثقافة في مواجهة أعدائها فتقهرهم وتهزمهم بتلك الثقافة؛ لأَنَّه كيف سيهدّدون أُمَّـة تعشق الشهادة..

فعهداً يا شهداء القضية الواحدة بأنَّا لن ننساكم ولن ننسى تضحياتكم، وأنّا لن نحيد عن خُطَاكم، بل في دربكم نسير وعلى نهجكم نمضي.. فأنتم وقود مسيرتنا وأنتم عزنا ومجدنا وسادتنا وقادتنا بكم ننتصر وبدمائكم نحيا..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com