الخرقُ الأكبرُ في اتّفاقية السويد!

 

المسيرة| أنس القاضي

يشهدُ الاقتصادُ الوطني اليمني أزماتٍ خطيرةً تتجلى بشكل واضح في الانهيار الحاد لقيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وخَاصَّة في مناطق سلطة الحكومة العميلة، تسبب الانهيار الاقتصادي بمعاناة عامة أضرت بكل اليمنيين في مختلف المناطق اليمنية وأثرت على معيشة الشعب.

ترافق انهيار سعر العملة اليمنية الأخير مع الذكرى الثانية لتوقيع اتّفاقية السويد، وقد هبط سعر الريال اليمني خارج مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ إلى أدنى مستوياته أمام الدولار، حَيثُ وصل سعر الدولار إلى ما يقارب 900 ريال يمني، فارتفعت معه أسعار السلع والخدمات وفي مقدمتها المواد الغذائية والوقود.

هذه الإشكالية كان بالإمْكَان تفاديها، لو تم تنفيذ الجانب الاقتصادي من اتّفاق السويد، كان من شأن ذلك أن يحافظ على استقرار قيمة العُملة اليمنية في صنعاءَ وعدنَ معاً، الحكومة العميلة التي رفضت تنفيذ هذا الجانب من الاتّفاق وواصلت طباعة أوراقاً نقدية جديدة تسببت بضرر على الاقتصاد اليمني عُمُـومًا، والضرر الأكبر هو في مناطق سيطرتها؛ ولأن هذه الحكومة العميلة تقطن عمليًّا في الرياض فهي لا تأبه بهذا الخراب الاقتصادي ولا بمعانة الشعب، بعيدةً عن أحواله وهمومه.

 

استراتيجيةُ العدوان في الحرب الاقتصادية

الجانبُ الاقتصادي هو المسكوتُ عنه في اتّفاق السويد. الظروف الضاغطة على الأمير محمد بن سلمان بعد اغتيال خاشقجي وتفاقم الأزمة الداخلية، ضيق الأفق الدبلوماسي مع دول العالم، وتعثر العمليات العدوانية في الساحل الغربي وانقلاب الموازين لصالح الجيش واللجان الشعبيّة، كُـلّ هذه الحيثيات هي التي دفعت محمد بن سلمان بقبول أن يجري حواراً بين الأطراف اليمنية للتخفيف من حدة الأزمة اليمنية، لتسويق نفسه كوسيط وداعية سلام بعد أن ترسخت صورته كطرفٍ معتدٍ على اليمن أمام الرأي العالمي، هذه الظروف التي أحاطت باتّفاق السويد جعلت منه منذ البداية فاشلاً، رغم معرفة الطرف الوطني في صنعاء بالدوافع السياسية السعودية لتحريك العملية السياسية، إلا أن الطرف الوطني ذهب إلى اتّفاق السويد يحمل إطاراً عاماً لحل الأزمة عسى أن تفضيَ المفاوضات إلى حلول حقيقية.

وبما أن استهدافَ الجانب الاقتصادي اليمني جزءٌ من الاستراتيجية العامة لتحالف العدوان، فقد ضغطت السعوديةُ إلى أقصى الحدود؛ مِن أجلِ عدم تطبيق الجانب الاقتصادي، وفيما شهدت المِلفات التي نوقشت في ستوكهولم تنفيذاً جزئياً، كملف الأسرى ووقف إطلاق النار في الحديدة، فقد ظل الجانب الاقتصادي كما هو عليه، ولم يجرِ فيه إحراز أي تقدم ولو نسبياً.

 

الجانبُ الاقتصادي في اتّفاق السويد

اجتمعت الأطرافُ اليمنية برعاية الأمم المتحدة في الفترة ما بين 6/12/2018 و13/12/2018 في مملكة السويد، دخل الاتفاق حيّز التنفيذ في 18/ 12/ 2018م. تناول الاتّفاق ملفات عديدة وكان الجانب الاقتصادي أحد أهم جوانب الاتّفاق، خَاصَّة وأن تدهور الاقتصاد اليمني ذلك الحين 2018م كان قد أصبح مشكلةً كبيرةً وظهرت البيانات الأممية التي تتحدث عن المجاعات وسوء الأحوال المعيشية للشعب والاحتياج إلى الغذاء والدواء.

تمثل الجانبُ الاقتصادي من اتّفاقية السويد في القيام بتحصيل إيرادات ميناء الحديدة إلى فرع البنك في الحديدة مقابل تحصيل إيرادات منافذ المناطق التي تخضع لحكومة هادي، ودفع رواتب كامل الموظفين الحكوميين اليمنيين وفقاً لكشوفات العام 2014م من هذه الإيرادات وفيما جرى تحصيل إيرادات موانئ الحديدة إلى فرع البنك في الحديدة بإشراف الأمم المتحدة؛ مِن أجلِ دفع رواتب الموظفين، إلا أن الحكومة العميلة لم تقم بأي إجراء موازٍ، والأخطر من ذلك استمرت بطبع أوراق نقدية بدون غطاء نقدي، مما أَدَّى لانهيار العُملة الوطنية.

 

صنعاء تطالب بتنفيذ الجانب الاقتصادي

بعد عام من اتّفاق السويد، جددت القوى الوطنية في صنعاء المطالبة بتنفيذ الجانب الاقتصادي من اتّفاق السويد، ففي أواخر أُكتوبر من العام 2019م دعت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء، الاثنين، الأمم المتحدة إلى الإسراع في تنفيذ التزاماتها في الجانب الاقتصادي لاتّفاق السويد وعلى رأسها الرقابة على الحساب الخاص بالمرتبات.

جاءت هذه الدعوة بعد أطلق المجلس السياسي الأعلى في يوليو 2019م مبادرةً من طرف واحد لتنفيذ الجانب الاقتصادي في اتّفاق الحديدة عبر تسخير إيرادات الموانئ وإيداعها في حساب خاص بالمرتبات، ومنذ ذلك الوقت، يتم إيداع الإيرادات إلى حساب في البنك المركزي بالحديدة”​​.

طالبت صنعاءُ الأممَ المتحدة بالرقابة على الإيرادات في حساب المرتبات، وإلزام المجتمع الدولي والطرف الآخر (حكومة هادي) بتغطية فجوة العجز والإشراف على صرف المرتبات، ما لم ستُسخر حكومة الإنقاذ المبالغ في الحساب للمساهمة بصرف نصف الراتب. وتم فعلاً صرف انصاف الرواتب، وهو الأمر الذي أثار انزعَـاج الحكومة العميلة التي لم تنفذ التزاماتها في هذا الخصوص.

 

صنعاء تنفذ اتّفاق السويد بشكل أحادي

شروعُ حكومة الإنقاذ في صنعاء بتنفيذ أحادي لاتّفاق السويد وتخصيص إيرادات ميناء الحديدة لرواتب الموظفين، واجهه العدوانُ بإجراءات عقابية ظالمة استهدفت خبز الشعب اليمني، تمثلت بتشديد الحصار على سفن المشتقات النفطية، واحتجازها إلى الحد الذي تتضاعف فيه الغرامات لشركات النفط لتساوي رأس المال، فتنعدم الجدوى الاقتصادية من استيراد النفط، ويصبح من الصعب أخذ الرسوم والجمارك وتخصيصها لتسليم الرواتب.

في مارس هذا العام التقى رئيس اللجنة الاقتصادية العليا في صنعاء مع ممثل المبعوث الأممي، للحديث عن الجهود لصرف الرواتب، وجددت صنعاء موقفها من ضرورة اتّفاق الجانب الاقتصادي من اتّفاق السويد واستعدادها لذلك، كما أفادت اللجنة الاقتصادية العليا بأنها ستقوم بصرف المبالغ المجمعة في فرع بنك الحديدة، وكالعادة عجزت الأمم المتحدة عن دفع الطرف الآخر إلى الإيفاء بالتزاماته.

 

غريفيت ضد دفع الرواتب!

تمسك تحالف العدوان باستراتيجية الحرب الاقتصادية هو الذي أعاق تنفيذَ هذا الجانب وما زال، المعيق الأول لتنفيذه، وقد وصل التعنت إلى حَــدِّ الضغط على المبعوث الأممي المفروض فيه الحياد، واستصدار تصريحات منه تدين حكومة صنعاء عقب كُـلّ مرة تقوم بها بتسليم رواتب الموظفين من إيرادات ميناء الحديدة، ولم يمانع غريفيت من القيام بهذا الدور القذر رغم أنه هو من رعى اتّفاق السويد والجانب الاقتصادي فيه، ويعلم جيِّدًا أن طرف حكومة هادي هو الطرف المعارض لتنفيذ الجانب الاقتصادي من الاتّفاق.

تجاوز غريفيت التواطؤ مع حكومة المرتزِقة المتنصلة عن الالتزامات الاقتصادية التي وقعت عليها، تجاوز ذلك إلى الهجوم على حكومة صنعاء، حيث تعمد المبعوث الأممي في حوار مع موقع الأمم المتحدة في يوليو الماضي إلى التضليلِ واتّهام حكومة صنعاء بسحب الأموال المخصصة لصرف المرتبات من بنك الحديدة، دون التوضيح إلى أين ذهبت رغم معرفة المبعوث وفريقه بأنه تم صرف نصف راتب منها أي ذهبت إلى ما خُصِّصت له، ومثل هذه التصريحات المضللة من المبعوث الأممي مثّلت على الدوام سنداً سياسيًّا للحصار والحرب الاقتصادية التي يمارسها تحالف العدوان ضد مصالح الشعب اليمني.

 

رسالة الرئيس فُهمت خطأً

في ظهوره الأخير تحدث رئيسُ المجلس السياسي الأعلى بكل شفافية ووضوح، بعجز الحكومة عن تنفيذ وعوده وتوجيهاته السابقة بصرف نصف راتب كُـلّ شهرين، وحمل المسؤولية الحصار الاقتصادي لتحالف العدوان واحتجاز السفن النفطية، بالإضافة إلى التراجع الاقتصادي اليمني والعالمي عُمُـومًا إثر أزمة كورونا.

كان اعتذر المشاط هو حول عدم القدرة على الإيفاء بهذا الوعد (نصف راتب كُـلّ شهرين) لكنه فهم وكأنه اعتذارٌ عن دفع الرواتب بشكل نهائي، والأمر ليس كذلك، فستواصل الحكومة جمع ما أمكن من الإيرادات وتخصيصها لدفع أنصاف الرواتب، وعليها العمل بشكل جدي عن بدائلَ وخططٍ للتخفيف من هذه المشكلة مثل الريال الإلكتروني أَو إعداد موازنة خَاصَّة استثنائية تتساوى فيها رواتبُ مختلف قطاعات الدولة وغيرها من الأفكار الممكن تنفيذها، فهذه من أبرز واجباتها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com