وهل نسينا شهداءَنا حتى نُحييَهم؟

 

أمة الملك الخاشب

ومن منّا ينسى شهيده؟ أبدًا لم تحصل ومحال أن تحصل، فشهداؤنا معنا في سكناتنا وفي صلواتنا وفي مناسباتنا المختلفة في أفراحنا وفي أحزاننا لا ندعو الله بأي دعاء إلا ونتذكرهم في دعواتنا أصبح ذكرُهم ملازماً لنا حتى عندما نفرح ونشعر بالعزة نتذكرهم هم أولاً لأَنَّ لهم الفضل في ذلك الشعور، وفي كُـلّ خطاباتنا نتذكرهم وليس هذا من باب التمنُّن عليهم والفضل، بل كأقل واجب علينا، فالأمة العظيمة هي التي تعتز بشهدائها، وتفخر بهم؛ لأَنَّ دماءهم سر عزة تلك البلاد التي تفخر بشهدائها، شهداءنا تزدان بصورهم النيّرة شوارعنا نتأمل في ملامحهم الإيمانية فندرك أنهم أحياء يرزقون يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم وكأن لسان حالهم يقول لنا يا ليت قومي يعلمون بما نحن فيه من رضوان ونعيم مقيم، نقرأ في نظراتهم معاني تخبرنا بأنهم ليسوا طلاب دنيا وليسوا ممن يبيعون أنفسهم بغير الجنة، فالذكرى السنوية للشهيد هي ذكرى رمزية تعبيرية تقديرية نحكي فيها جانب من مواقفهم وبطولاتهم وعلاقاتهم مع من حولهم حتى نحيي بها أنفسنا الميتة التي تكاد أن تغفل عن عظيم تلك الطريق التي سلكوها، نستمع فيها لأهاليهم وذويهم وهم يستذكرون قصص انطلاقهم والمواقف التي أثرت فيهم فجعلتهم لا يهدأ لهم بال ودين الله ينتهك والأرض محتلّة وأراذل ولئام القوم يتحكمون في الكرام، وجعلتهم ينطلقون حبا لله ورغبة في نصرة دينه حتى يلاقوا الله ووجوههم بيضاء؛ لأَنَّهم بذلوا أغلى ما قد يملك الإنسان في هذه الحياة وهي الروح والدم، رغم أنهم بشر مثلنا جُبّلوا على حب الدنيا والمال والأولاد ولكنهم ارتقوا بأنفسهم وجاهدوها حتى بلغوا أعلى مراتب الإحسان فهانت عندهم كُـلّ التضحيات وذابوا في حب الله ذوباناً جعل كُـلّ شيء يهون ويرخص لأجل رضاه، فكانت أقصر طريق لهم لمرافقة الأولياء والأئمة والشهداء هي طريق الجهاد والاستشهاد.

شهداء صدر الإسلام الذين أسّسوا الرسالة المحمدية بدمائهم الزكية خُلدت أسماءهم في الدنيا وخُلدت مقاماتهم في الأُخرى وفازوا فوزا عظيما؛ لأَنَّهم واجهوا طواغيت ومستكبري ذلك العصر الذي حاولوا إطفاء نور الإسلام فأبى الله إلا أن يتم نوره وينشر رسالته.

وشهداؤنا في هذا العصر الذي نعيشه لا يقلّون فضلاً ولا درجة عن أُولئك الشهداء الأوائل؛ لأَنَّ الله شرفهم واختصهم بمواجهة طواغيت وفراعنة عصرنا المتمثلين في أمريكا وإسرائيل ومن والاهم من الأذناب وأذناب الأذناب من الأعراب والمرتزِقة والذين يهدفون إلى استعباد وإذلال الشعوب وتشويه دين الله وتحريفه حسب أهواءهم ومصالحهم والذين خطرهم على الإسلام أكبر وأشد أضعافاً مضاعفة من منافقي وكفار قريش الذين واجهوا الإسلام في فجر بزوغه.

شهداءنا الأطهار لبّوا دعوات النفير العام واستجابوا لداعي الله ورسوله وأعلام الهدى في عصرنا هذا وهم يرفضون الخنوع وعيش الذل ويعلنون بأننا لن نتنازل عن حقنا في الحياة الكريمة والعزيزة ولو تحولنا لذرات بعثرت في الهواء فلن نحيد عن مبادئنا المستقاة من ديننا وأخلاقنا وهُــوِيَّتنا، فشرفهم الله شرفا عظيم بأن فتحَ لهم باب الجهاد الذي لا يفتحه الله إلا لخَاصَّةِ أوليائه وفتح لأهل اليمن من أوسع أبوابه عندما أعلن تحالف الشر والعدوان المتمثل في طواغيت العصر قرارهم بالاعتداء على يمن الإيمان أحفاد الأنصار..

فقدم الشعب اليمني ولا يزال يقدم يوميًّا قوافل شهداء يومية من مختلف المحافظات والمديريات والمناطق, متنوعون في اللهجات والألوان والثقافات والعادات والتقاليد نعم ولكن قلوبهم موحدة وأهدافهم موحدة فاختلطت دماءهم وأشلاءهم وجسدوا مثال للوحدة الإيمانية التي تنبذ كُـلّ أنواع التفرقة المذهبية والطائفية والمناطقية المقيتة التي زرعها العدوّ بيننا ليقتات منها من دماءنا فكان في رياض الشهداء دروسا وعبرا تحكي عن عظمة هؤلاء الشباب والفتيان الذين تركوا لنا ولأجيالنا إرثا حضاريا دينيا شامخا عظيما يجسد فيه الإنسان معنى البذل والعطاء استجابة لله ولرسوله.

الحديث يطول جِـدًّا عن هذه الذكرى السنوية التي تجعلنا نراجع مواقفنا ونحاسب أنفسنا كَثيراً ونقارن أنفسنا بهؤلاء ونتساءل هل وفينا لذكراهم؟ هل تفقدنا أيتامهم؟ وجبرنا بقلوبِ أُمهاتهم؟ هل واصلنا مشوارهم وضاعفنا الجهود كُــلٌّ من ميدان عمله حتى نصل للدولة الكريمة العادلة التي حلموا بها وضحوا مِن أجلِها.

هل جعلنا من ذكراهم فرصة للحشد والتحشيد ومضاعفة دعوات النفير العام استكمالًا لمشوارهم الذي خطوه وبدأوه بدمائهم الطاهرة؟

هل زرنا متارسَهم وجبهاتهم التي عشقوها وعشقتهم حتى تعانقت فيها أرواحهم مع غاية مناهم وهي معشوقتهم التي لطالما ناجوها وطلبوها حتى نالوها؟

هل حكينا عن مأثرهم لأبنائنا الصغار حتى ينشؤوا ويترعرعوا شجعان أبطال أوفياء مؤمنين؟

هل حاولنا توثيق قصص الشهداء من حولنا؟؛ لأَنَّه وكما قال السيد القائد بمعنى كلامه أن خلف كُـلّ شهيد قصة تحيي بها من حوله؟

هل احترمنا هذه الذكرى التي تحمل في جنباتها العظمة والعزة وكذلك الحزن؛ لأَنَّنا خسرنا عظماء مثلهم كان كُـلّ فرد منهم كفيل بأن يحيي أُمَّـة؟

وفي الأخير أقول لا نريد أن تمر هذه الذكرى مرور الكرام ولا نريد تحويلها لمناسبة روتينية نتسابق فيها على الظهور في وسائل الإعلام وعلى الزيارات المصطنعة أمام الكاميرات وأن لا نجعلها فقط لإقامة الفعاليات دون أن تترك أثراً في نفوسنا من دون أن نجعل من أحلام الشهداء في تحقيق العدل الاجتماعي أهدافًا لنا نسعى لتحقيقها، ودون أن نكرم أسرهم بما يستحقون من احترام وتقدير ومعاملة بالحسنى ليشعروا أن عطاءهم لم يذهب سدى فهم واثقين بأن عين الله ترعاهم وَتوجيهات القيادة تحث على الاهتمام بهم والإحسان لهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com