شتاء قارس.. الصقيع يفاقم معاناة المشردين في الشوارع!

 

مواطنون مشردون يتمنون الحصول على ملابس وبطانيات تقي أجسادهم من البرد

 

المسيرة: منصور البكالي

على الرغم من كبر سِنِّه الذي بلغ (60) سنة، إلا أنه ينامُ بالقُرب من مقبرة في مديرية شعوب بصنعاء، وفي هذا الشتاء القارس لا يجد محمد علي الحرازي ما يغطي جسدَه النحيلَ الذي بات عُرضةً للصقيع البارد.

ويقول الحرازي لصحيفة “المسيرة” إنه يبحث يوميًّا عن أكياس بلاستيكية “مشمعات” لتقيَه لسعات البرد، وإنه حين تهطل الأمطار لا يجدُ مكاناً يبيت فيه، آملاً أن يلتفتَ أحدٌ إلى حاله وينقذَه من وضعه المزري.

ويعد الحرازي واحداً من مئات “المشردين” الذين لا مأوًى لهم، ويتخذون من الشوارع أماكنَ ليناموا فيها؛ نتيجةً لظروفهم المالية الصعبة أَو لظروف نفسية معقَّدة يمرون بها، لكن معاناة هؤلاء تتفاقم بشكل أكبر أَيَّـام الشتاء، وفي ذروة الصقيع كذلك.

ويرجو الحرازي أن تبادر الهيئة العامة للزكاة بصرف بطانيات وملابسَ شتوية لهؤلاء المشردين في الشوارع، وأن تتلمس همومهم وتنقذهم من هذا الوضع المزري.

يعمل الحرازي الطاعن في السن في جمع العلب الفارغة، فهو يعيلُ أسرةً كبيرة، ويضطر يوميًّا لإرسال بعض الأموال لأطفاله الذين يسكنون في الريف، إضافة إلى أنه يجمع بعض الفلوس لتوفير بعض الأدوية والعلاجات له.

ويناشد الحرازي أصحابَ القلوب النقية بالنظر إلى حاله، وصرف ملابس وبطانيات تغطي جسده النحيل وتقيه من البرد القارس.

وفي مشهد محزن، يبيت علي ناصر (70) عاماً في خيمةٍ مهيأةٍ من الطرابيل والكراتين بجوار مقبرة الصياح بمديرية شعوب بصنعاء.

وينتمي الحاج ناصر إلى مديرية عيال يزيد بمحافظة عمران، وهو فقير معدم، لا يمتلك أيَّ مال أَو منزل، ويقول لصحيفة “المسيرة”: “بيتي الشارع ورزقي من الشارع، وَإذَا مرضت لا أحد ينظر إلى حالي، حتى المجانين الذين خيامُهم بجواري بعضُهم يعطيني أكلاً من القمامة، والبعض الآخر يعطيني ماءً، والبعض يعطيني قاتاً، ويعلم الله لو أنا بخير ما أقف في هذا المكان لحظةً واحدة، لكن كبر السن والعجز جعلني أعيشُ هنا”.

تسقط دمعتان من عيني الرجل الكهل، ويصمت لبرهة، ثم يقول: “الحمد لله على كُـلّ حال يا ولدي.. الظروف أجبرتني على المبيت هنا، ولا يعرف حجم معاناتنا من هذا البرد إلا الله، وما أحوجني لبطانية أَو حتى ملابس، تدفي هذا الجسد الهزيل”.

 

مناظرُ مألوفة

مشهدُ المفترشين لأرصفة الشوارع وجدران المقابر في الليل والنهار ليست ظاهرة وليدة اللحظة، بل باتت مشهداً اعتاد عليه الجميع منذ عقود، ولكن دون أي شعور أَو إحساس بمعاناة هؤلاء وما يحتاجون إليه ومعرفة الأسباب التي جعلتهم يتحملون بردَ الشتاء ومطر الصيف، وحرارة الشمس والجوع والعطش ونظرة المجتمع الخالية من الرحمة إلا ما ندر.

ويعتبر مهدي عبده المحويتي أحد هؤلاء المشردين الذين لا يرأف لحالهم المجتمعُ، فهو يبيتُ في شارع مأرب لأشهر كثيرة، ويعتمد على مساعدة الخيرين وأصحاب الأيادي البيضاء.

ويقول المحويتي الذي يعاني من أمراض نفسية لصحيفة “المسيرة” إن سبب بقائه في الشارع؛ لأَنَّه لا يملك بيتاً ولا مالاً ولا أهلاً في صنعاء التي انتقل إليها منذ 30 عاماً.

ويواصل المحويتي حديثه قائلاً: “لم أعد أتذكر أبي وأمي وإخواني، والحمد لله الناسُ ما يقصروا معنا ويدّي الله الغداء والصبوح والعشاء وأجمع لي حق القات، ولكن البرد هذا العام زيادة على كُـلّ عام، وقد جاء ناس وأعطوني بطانية طرحتها على الشجرة التي في الرصيف وذهبت أجمع بعض الأكل ورجعت وقد سرقوها”.

يحتاج المحويتي في موسم البرد إلى مكان يأوي إليه، ويكون فيه القليل من التدفئة، ولكنه لا يستطيع توفيرَ إيجار النوم في اللوكندة –كما يقول- وَإذَا توفر لديه المال فَــإنَّ أصحاب اللوكندات والفنادق لا يسمحون له بالدخول؛ بسَببِ منظره، حَيثُ يعتقدون أنه مجنون.

من جهته، يضطر المواطن صالح الإبي للمبيت في الشوارع؛ بسَببِ ضعف حاله وعدم قدرته على توفير نفقاته ونفقات أسرته.

وانتقل صالح من الريف إلى صنعاء، ووجد عملاً في إحدى البوفيات بصنعاء، لكنه في أحيان كثيرة يتعطل عن العمل، وحينها ينامُ في الشارع، محاولاً إرسالَ ما لديه من أموال لأسرته المكونة من 5 أطفال.

وعندما سألناه عن البرد ومساعدةِ أبناء المجتمع له قال بصوتٍ مكلومٍ: “حصّلت بطانية وظلت معي 3 أَيَّـام لكنهم سرقوها من جوار جولة النصر، ولهذا نطالب الجهات المختصة بأن توفر لنا أعمالاً ونحن أكفاء ولا نحتاج للمساعدات التي تقتل فينا الهمةَ والعزمَ والإرادَة“.

 

أحفاد بلال

ويعد أحفادُ بلال من أهم الشرائح في المجتمع الذين يبيتون في الشوارع، وتتعرض أجسادُهم للسعات البرد القارس، وهم على مدار السنوات الماضية قد ألفوا المبيت في الخيام، ولا يزال وضعهم كما هو لم يتغير منذ سنوات.

ويعمل الكثيرون منهم في مجال النظافة، أَو متسولين على قارعة الطرقات وأبواب المحال التجارية والمساجد، ويرون أن الخيمة هي أبسط ما يمتلكونه لجمع أفراد الأسرة.

وتقول أم محمد التي تعمل كمتسولة في جولة الحباري لصحيفة “المسيرة” إنها تعمل مع 3 من أطفالها في هذه المهنة، وهي لا تجد بيتا لتسكن فيه؛ ولهذا فَــإنَّها مع أطفالها وزوجها ينامون في خيمة ولديهم ملابس وبطانيات قليلة.

وتضيف أم محمد بقولها: “نعيش في الخيمة في ظل برد الشتاء، حَيثُ تعوّدنا عليها في البرد والحر، لكن في جميع الأحوال لا ندري إلى من نشكو آلامنا وأوجاعنا، فالدولة لا تنظر إلينا، والضمان الاجتماعي لا يكفينا، والرواتب غير متوفرة لنا”.

وتطلب أم محمد من المسؤولين والجهات الرسمية والهيئة العامة للزكاة النظر إلى أحوالهم وتوزيع بطانيات وملابس، وأن يتم التعامل معهم كبقية أفراد المجتمع، والعمل على إيجاد حلول ناجعة لمعاناتهم.

 

أطفال الشوارع

مشاهدُ أُخرى أكثرُ ألماً وحزناً حين نراها في فصل الشتاء فَــإنَّ الحزن يملأ قلوبنا، وهو وضع الأطفال المشردين في الشوارع، والذين يعملون في بيع المناديل أَو الماء والبيض أَو التسول وغيرها.

وفي ليالي الشتاء الباردة وفي نهار كُـلِّ فصل من فصول السنة، بشمسِه ومطره ورياحه المختلفة لا تجد الكثيرين يلتفتون لحال هؤلاء الأطفال والعمل على تخفيف معاناتهم وتقديم المساعدات لهم، وتجنيبهم عدد من المخاطر الممكن تعرضهم لها.

ويقول الطفل بشير علي الحرازي والذي يعمل في غسل وتلميع السيارات جوار مطعم الشكر في شارع مأرب لصحيفتنا: “أبي أُستاذ انقطع راتبُه منذ 2017م ولا يوجد لديه أي مصدر دخل آخر يوفر لنا به احتياجاتنا اليومية وإيجار البيت؛ ولهذا اضطررت للعمل من بعد الغداء إلى منتصف الليل، وَإذَا لم أعُد لوالدي بالمال يضربني ويطردني من البيت، فاضطر للرقود في الشارع أَو عند أصدقائي بعض الأيّام”.

ويضيف الطفل بشير “إذا ما جمعت لأبي ألفاً أَو ألفين في اليوم ما يفتح لي باب البيت ويخليني خارج البيت لليوم الثاني”، مُشيراً إلى أن أسوأ ما يعانيه هو في هذه الأيّام مع اشتداد البرد القارس، فهو يتمنى الحصولَ على “جاكيت” أَو أحذية، وملابس داخلية تدفئ جسمَه الضعيف، لكن ظروفه المالية تحول دونَ تحقيق حلمه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com