الوهَّـابية والبهائية أدواتٌ للحرب المتوحشة والناعمة

 

حميد منصور القطواني

قد يعتقد البعضُ أن لا وجهَ للمقارنة بين الوهَّـابية الوجه الحقيقي لداعش الإرهابية، وبين البهائية التي حرّمت الجهاد من حَيثُ المبدأ، وَتبنت رؤية بناء إنسان وَمجتمع مستسلم يرفض الدفاع عن النفس، ولكم أن ترجعوا إلى مرجعياتهم الرئيسية.

البداية لتحليل المشهد وتوضيح الصورة الكلية بعمقها الكامن والارتباطات العضوية، بما يكشف المشغل الحقيقي؛ كونه المستفيدَ الوحيد.

الحرب المتوحشة:

لتكن البدايةُ من عام 2011 عندما تحَرّكت الوهَّـابيةُ لإنتاج داعش وفق الرؤية الصهيوأمريكية وبتمويل المملكة السعودية، وخلال أعوام استهدفت داعش تدميرَ الشعوب العربية ومقومات تماسكها الاجتماعية والسياسية، وقدّمت صورة بشعة ضرب صورة التدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص ووعي ووجدان الشارع الإسلامي والعربي، وجعل الكثير مهيأً للتخلي عن الانتماء للإسلام والنفور منه، وهذه أهمُّ الأهداف التي رسمها المشغل السعوأمريكي ضمن مخطّط الفوضى، وتحويل تحَرّك الشعوب نحو التغير إلى مسار التدمير وخلق واقع مفتت فكريا وعقديا واجتماعيا وسياسيًّا لا يمتلك أية مقومات للصمود أمام الأطماع وتأمين تلك الأطماع العدوانية.

الحرب الناعمة:

2011 وتزامن مع اختراق المنظومة الاستعمارية وأدواتها الإقليمية للحراك الشعبي وتحويله نحو التدمير والفوضى وتهيئتها لاحتضان البرنامج الداعشي، بدأت تظهر البهائية والعلمانية بشكل كبير وعلني لأول مرة بالذات في اليمن، وَارتفع مستوى الدعم المالي لتمويل أنشطة وبرامج الاستقطاب للشباب بعدما تهيئة البيئة وخلال أعوام تحوّلت البهائية والعلمانية إلى ظواهر مجتمعية.

لم تكن من قبيل الصدفة، بل كانت فصلا من سيناريوهات عدوانية معدة ضمن رؤية صهيوأمريكية الوهَّـابية التي أنتجت داعش والبهائية والعلمانية، غرف عملياتها تقوم بأدوار وظيفية على رقعة شطرنج وفق لاعب واحد.

داعش بتمويل سعودي تتحَرّك كوحوش لا وعي، لتفكيك الشعب باسم الدين وَالإسلام والجهاد لضرب فكرة التدين وعقيدة الإسلام المتوازنة التي تشكل مبادئه صمام أمان لكرامة المجتمعات وتصون الحقوق والحريات في مواجهة الأطماع الخارجية وطغيان الداخل، وبهذا تنهار الدفاعاتُ المعنوية والعقدية أمام المخطّط الصهيوأمريكي.

وهنا يأتي الدورُ الوظيفيُّ لغرف عمليات الاستقطاب باسم العلمانية بتمويل إماراتي لتسد الفراغ الفكري والوجداني في الشارع العربي ممن لا يرغبون بالتدين، وبهم تقود حربا على أهمِّ المرتكزات القيمية الجامعة لتماسك المجتمعات باستهداف الهُـوِيَّة التاريخية والوطنية والنظم المجتمعية والقيمية والأخلاقية في رؤية تدميرية شاملة والكثير اطّلع على دعواتهم.

وبالتوازي مع ذلك، نشطت البهائية بتمويل وارتباط عضوي مباشر بالكيان الصهيوني في فلسطين تحت غطاء المجمع المقدس البهائي في حيفا، لتنفيذ دورها الوظيفي وفق برامج أنشطة استخباراتية تجسسية وبرامج فكرية لاستغلال الفراغ الفكري في الشارع العربي والإسلامي، لاستقطاب الشباب المتدين المصدوم الباحث عن دين جديد، وفق رؤية تقدمها البهائية لبناء مجتمع مستسلم يحرّم الجهاد ويجرم دينه مبدأ القتال حتى للدفاع عن النفس.

وهي نظريةٌ استسلامية لا يقبلُها أيُّ عاقل؛ كونها تستهدف تهيئة المجتمعات للاحتلال والهيمنة الخارجية بتدمير الفطرة الإنسانية السوية التي ترفض العدوان المعنوي والمادي كما ترفضه وتجرّمه الكتب السماوية التي دعت لتقويم غريزة العنف وليس لتدميرها وتفعيل مبدأ الدفاع عن النفس بكل الوسائل، كضمان وحيد في عالم يوجد فيه الخير والشر، حالها حال الغرائز البشرية التي أودعها اللهُ في الإنسان لغايات جوهرية ودعا لتقويمها وفق المشروع بما يضمن استمرار الحياة وتوازن حركتها.

هنا يتبيّن أن المستفيد والمشغل لكل تلك المنظومات المبنية برؤية تنظيمية استخباراتية هي الصهيونية، بما يُعبّد الطريق أمام أطماعها، وإلا فهل من مستفيد آخر من انسلاخ الشعوب العربية والإسلامية عن هُـوِيَّتها الحضارية الضاربة في التاريخ وعن دينها الإسلامي القويم وتحولها إلى مجتمعات بلا هُـوِيَّة ودين مسخ يعبّد النفوس للعبودية والاستسلام.

طبعاً البهائية ظهرت قبل مئتي عام تقريبًا، وكذا العلمانية وَالوهَّـابية قبل ما يقارب الخمسة عقود.

الرابط المشترك أنَّ من أحيا هذه العناوين اليوم وَأوجد فيها ضآلته لتمرير مخطّطاته هي الصهيوغربي وعبر أدواتها الإقليمية التي أنتجتها في قوالب جديدة تتناسب مع أدوارها الوظيفية والأهداف المرسومة.

ختامًا الإرادَة الحرة والكرامة المصانة للإنسان، فرداً وأسرة ومجتمعاً ودولة، من الثوابتِ المقدّسة في دين الله وموروث الحضارة الإنساني ثوابت ليس لأحد مطلقاً أن يصادرها، وعندما يتحَرّك العدوُّ التاريخيُّ للأُمَّـة للعدوان على شعوبنا عبر الحرب المتوحشة أَو الناعمة على تلك المبادئ والثوابت والحقوق المقدسة لشعبنا وأمتنا؛ بهَدفِ سلبها، فعلى الجميع ضمن الوطن الواحد والأمة الواحدة أن تتحَرّك بجد واستشعار للمسؤولية والخطر ورؤى واضحة لتكامل العمل والجهد وتعبئة النخب الفكرية والسياسية والقانونية للتصدي لها، وتحصين الدفاعات الوجدانية والثقافية والأمنية للمجتمع وَتنظيف البؤر الفاسدة وتفكيك خلايا منظومات العدوان وفق مرجعية قيمية ومهنية واضحة ومتينة.

وعندما يحاول البعضُ استخدامَ تلك المبادئ لاستغلال الظرف وابتزاز الحاجة لتوظيفها لتمرير مصالح تشكّل خطراً وتهديداً مباشراً على الأمن القومي للشعب والوطن واستقرار نظم الحياة عبر ارتباطات ورؤى تخدم أهداف العدوّ التاريخي للأُمَّـة العربية والإسلامية، فهنا يجبُ على الجهات الرسمية والنخب السياسية والفكرية والمجتمعية القيامُ بواجبها لحماية الشعب، واضعةً نصب عينها المهنية والعدالة وعقيدة الأمن القومي ومصالح الشعب المشروعة ومصفوفة المخاطر الحقيقة.

وقد نكون من الذين وقفوا لنصرة مبدأ الحرية المقدس دون تعمق أَو امتلك معلومات تفصيلية، وهذا ما يدعونا للتأكيد على حقِّ مواجهة المخطّطات المعادية، وفي نفس الوقت نؤكّـد على مبدأ الإرادَة الحرة والكرامة، وهما مبدئان لا يتعارضان مطلقاً.

وهنا توضيح لموقف دعاني أحد ناشطي البهائية في اليمن لدعمهم للمشاركة في الحوار الوطني في 2013، ورسم لي تصورا أنهم جماعة مضطهدة منذ عقود، موحياً لي بأنهم جزءٌ من الطائفة الإسماعيلية لها فكرها الخاص، وكان لي بعض التصورات عن الطائفة الإسماعيلية في اليمن وعنهم وعن المهمشين، كتبت مقالا دعوت فيه لإشراكهم، ثم اتّضح لي أن الإسماعيلية لا صلةَ لها بالبهائية، وعليه كموقف أؤمن به للإنصاف التاريخي أعدت نشر المقال بعنوان الإسماعيلية إنصاف واعتذار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com