مواقف من فتنة 2 ديسمبر الموءُودة

 

منصور البكالي

في صباح 2 ديسمبر 2017م وأثناء ما كنت في الطريق إلى مستشفى الأمل بمديرية الصافية، لاستكمال تحقيق صحفي حول زيادة الأمراض النفسية؛ بسَببِ العدوان وجرائمه بحقِّ شعبنا اليمني، شاهدت أحدَ المواطنين يجلسُ على الرصيف المجاور للطريق، وبيده راديو يبثُّ خطاب قائد الثورة الأول الذي ألقى في ذات اليوم خطابين، الأول عند الساعة 9 والنصف صباحاً، والثاني الساعة الـ4 عصراً.

فقرّرت الاستماعَ معه لذلك الخطاب، فتجمع المواطنون من حولنا للاستماع أَيْـضاً، وما إن انتهينا من ذلك الخطاب حتى قمت وأحد الحاضرين بترديد الصرخة، وأثناء ذلك وجّه مجموعةٌ من العفافيش بنادقَهم نحونا، وهم ممن شاركونا الاستماع لذلك الخطاب، وحينها قلت لهم ماذا أغضبكم منا؟ وهل في كلام قائد الثورة ما يحل لكم فتح البنادق علينا؟ فكانوا صامتين ولا يملكون الإجَابَة، فتدخل بعض من الحاضرين وقالوا اتركوا هؤلاء، فماذا صنعوا بكم، وقاموا بدفع أُولئك عنا ونصحونا بالمغادرة.

فما إن وصلت جوارَ مشفى الأم الذي كنا في الشارع الذي بالقرب منه نستمع للخطاب، حتى شاهدت عيناي ثلاث سيارات نوع صالون بداخلهن أشخاص مسلحون، فقلّدت عليهم نوعاً من الغباء وقمت بسؤال أحدهم عن الطريق إلى جامعة صنعاء، فرد عليَّ واتبعت توجيهاته وغادرت المكان بدراجة نارية كانت بالقرب منا.

لم أصدق حين وصلت إلى مكتب صحيفة المسيرة أني نجوت من الموت، فطلبت حينها من رئيس التحرير الذي كان متواجداً على غير عادته في المكتب من الصباح الباكر، أن يصرف لنا أسلحة شخصية ندافع بها عن أنفسنا أَو بنادق نشارك بها في وأد الفتنة.

قام رئيسُ التحرير حيناً برفع سماعة تلفون المكتب، وطلب من جهة لا أعرف مصدرها أن يصرفوا لنا سلاحاً، وعند الانتهاء من المكالمة قال لي إن شاء الله الليلة أَو غدا بالكثير ويصرفون لنا، فسررت بالكلام.

وقمنا بمغادرة المكتب على وجه السرعة، متجهين صوب الحصبة، وَإذَا بتلفوني يرن، وما إن فتحت الجوالَ وَإذَا به رقم أخي متوكل يقول لي العفافيش حق الحارة يدوروا عليك يشتوا يقتلوك؛ لأَنَّك حوثي، ونصحني بعدم الرجوع إلى البيت حينها.

قلت له: لا تخف، إن شاء الله ساعة ساعتين وتهدأ الأمورُ.

ويومها استمررت برفقة رئيس التحرير صبري الدرواني، وذهبت معه للغداء في منزله، وأخذنا لفَّة حول المطار والجراف ودارس وجولة عمران، وكانت تلك الشوارع هادئة وفيها نقاط تفتيش للمجاهدين، الذين كانوا يرفعون معنوياتنا، وما إن جاء بعد عصر ذات اليوم حتى أطل علينا قائد الثورة بخطابه الأخير، وصلنا بعد الانتهاء من سماعه اتصال بضرورة تغطية فعالية شعبيّة في ميدان التحرير بمناسبة وأد الفتنة.

حينها تبسمت وتواصلت مع أخي، وقلت له: أين ذهب عفافيش الحارة، فقال لي لقد غادروا من جوار منزلنا ولم يعد منهم أحد في الحارة، حينها تأكّـدت أن العفافيش هُزموا وعادوا إلى أدراجهم خاسئين، وأن المواجهات المتقطعة بالوساطات لم تعد تُسمع غير في شارعي الجزائر والحي السياسي وجوار منازل العفافيش في حدة.

وعند عودتي إلى البيت ليلاً برفقة رئيس التحرير الذي أوصلني إلى جوار المنزل، وقال لي لا تخف أَو هيا معنا، فقلت له ما عليك، أخي بلغني أن العفافيش لم يعد لهم أثر في الحارة، فعدت إلى أهلي ولم أكن مصدقا أني نجوت ممن فتحت بنادقهم عليَّ في حي الصافية.

وفي تلك الليلة، صدر بيان عن الرئيس الشهيد الصماد -عليه السلام- أعلن فيه انتهاءَ الفتنة، فعرفت أن في اليمن حكماء وعقلاء استطاعوا إفشالَ مؤامرات العدوان وأدواته، وغلّبوا المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية، وعرفوا أنه لا مداهنة مع الماهرين في ممارسةِ الغدر والطعن من خلف الظهر مهما كان حجم التضحيات.

واليوم ها نحن نقول لقيادتنا السياسية، لا بد من قلع الدولة العميقة من جذورها، كي يسلمَ شعبنا اليمن من مؤامرات الخونة والعملاء المتجذرين في مختلف المؤسّسات، للأبد وَإلى غير رجعة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com