البروتكول الأخير.. في نهاية رأس الثعابين

 

منتصر الجلي

كان صوتُ الشعب الحُرِّ مجلجلاً، ذلك الشعب الذي قدّم أعظمَ القادة وأصدقَ الرجال شهداءَ على خط الكرامة والتحرّر، ذلك الصوت والموقف اليمني النابع من روح المسؤولية والتضحيات العظيمة، من صبر الأُمهات وأشلاء الطفولة وأنين المثخنين بجراح العدوان.

نعم، قبل ثلاثة أعوام من تاريخ ديسمبر الذي حمل بين طياته كشف أقنعة الخيانة وسقوط الرمز الأكبر للشيطان على رقعة الجمهورية اليمنية، لم تكن فتنة الخائن عفاش فتنةً رائجةً بدائية، بل كانت على وشك إدخَال الناس في عبادة للسامري الأكبر أمريكا ومن حَيثُ لا يشعرون.

تلك الفتنة العفاشية التي قادها زعيمُ الخيانة على الشعب اليمني، ليقضِ على ما لم يُقضى خلال ثلاثة عقود من فساده وجرمه، خرج أعورهم يدعو الشعبَ إلى هبة داخلية توقظ الأمن والسكينة وتحدث الشرخ الذي عجز العدوان عن تحقيقه، فكان أمر الله قدرا مقدورا، فصار هباءً منثورا، وخيانة وطنية كبرى أرادها تسليم اليمن برمته للطاغوت، للقاعدة، لداعش، للأمريكي والسعودي، أرادها بلدا لكل نطيحة وجيفة ونتانة عربية غربية.

فتنة لم تمت في حقيقة الواقع وإن بدت كذلك، في معارف الساسة ونظريات أحلام السّلطوِيين العفاشيين، أن تستمر عجلة مكرهم وخداعهم حتى وإن قُضي على رأسهم الطاغوتي، ثلاثة وثلاثون عاماً بنى خلالها الحزبُ المؤتمري قصوراً عاليات في نفوسهم من حب للزعامة والسيطرة والخيانة، وعروشا من الفساد المالي والإداري والخيانات المتكرّرة للشعب اليمني.

هذا الشعب الذي يُفترض به أن يكون منافسا على خط الدول الكبرى عالميًّا؛ نظراً لجغرافيته الذي كُـلّ شبر على الأرض اليمنية تحمل ثروات متنوعة ونادرة.

برز عفاش في آخر ساعات عمره المقصوم كماردٍ من الجبن والغدر والخيانة، مستتباً بدويلة الزجاج الإمارات، التي كانت الحاضنةَ المستقبلية والقوة المُؤملة لديه التي ستطيح بالعاصمة صنعاء والقوى الحرة.

لكن كان فسادُه وظلمُه وجرمُه المكوكي الذي تعاظم على مدى عقود من حكمه، بدءًا من مؤامرته الأولى والتي من خلالها صعد سلم العرش حين قتل الشعب في الرئيس “الشهيد إبراهيم الحمدي” وتآمره المستمر مع قوى نافذة للنظام السعودي إلى أن وصل سدة الحكم.

مرّت السنوات ومجتمعنا اليمني يعيش على رفات الساسة وبقايا السلطان ومساعدات الخارج، وعام تلو عام يسقط الوطن في دائرة السحق، وتعلو مركبات النافذين والزعامات، وَيفترش المواطن الأرض مأوى له، ويفترش العفافيش الوثير.

الملفت أن من أدمغة الغباء الشيخوخة التي تفقد صاحبَها الحكمةَ، وهذا الذي حصل لزعيم الخيانة، تجاهل معرفته بالواقع الجديد الذي صار فيه الشعبُ اليمنيُّ عقب ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة، أفقده ذلك توازن المؤامرة المتكاملة وجعله يقع في حقبة الضالين، كيف لا، وهو يقصم ظهر الجبهة الداخلية من الداخل، بعد تحالف شكلي مع أنصار الله والقوى الوطنية، تحالف جعله سموماً ودسائسَ، متخذا إياه مئزرا من أية تصادمات أَو عراقيل تعتريه في العودة للعرش.

لم يكن الثاني من ديسمبر بعيدا عن العدوان ووسائل إعلامه، تقالب المصلحات وترفع راية النصر المرقعة بثوب عثمان، الذي ما كاد تمر ساعات حتى قضى الله أمرا كان مفعولا، وقيادة الحكمة التي مثلها سماحة السيد عبدالملك تقود العاصمة والمحافظات إلى بر الأمان بعد فتنة شاء الله وأدَها.

فقد كان البروتكول الأخير الذي يعده في دهاليز سياسته، هو الإطاحةُ بأنصار الله، والتحالف مع دول العدوان، وتسليم العاصمة صنعاء، لكن “تأتي الرياحُ بما لا تشتهي السفن”، جاء ذلك البروتكول الأخير على رأسه، حين أخطأ في إعداد سيناريو حلقة النهاية.

لو سلمنا –فرضاً- بنجاح تلك الفتنة، كيف هو اليوم واقعنا كشعب يمني؟!

وكم هم جنود الاحتلال الذين يدوسون كُـلّ شبر على هذا الوطن؟!

كم كانت ستكون كلفة التضحية والأمريكي والإماراتي والإسرائيلي يمتهنون كرامات هذا الشعب الإيماني ويستذلونه أيما استذلال؟!

طبعا سيكون الثمن باهضاً جِـدًّا جداً، أوسع وأكبر وأسوأ مما يمكن تخيله، وهنا تلد الحروف النصائح إلى الذين ما زالوا يقدّسون ويرون في العجل الدرة والدين والدنيا: عودوا إلى صواب الحكمة وفصل المنطق، وخذوا من الأيّام الأحداث التي كشفت سوأة كُـلِّ عميل وظالم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com