السعودية تسترضي إدارة “بايدن”: ورطة اليمن على رأس قائمة المخاوف

وزير الخارجية السعودي يعلن تأييد “التطبيع” ويستجدي واشنطن لاتّهام صنعاء بـ”الإرهاب”:

 

المسيرة | ضرار الطيب

بعد الإمارات والبحرين والسودان، يتجه النظام السعودي بوضوح نحو إعلان ما يسمى “التطبيع” مع الكيان الصهيوني، وهي خطوة يبدو أن السعودية كانت تؤخرها للتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، حَيثُ ظهر واضحًا أن الرياض تحاول أن تعرض ما تظن أنه سيفيدها في علاقتها مع إدارة “بايدن” الذي وصل إلى الحكم على وقع “قلق” سببه للمملكة بشأن العديد من الملفات، أبرزها ملف العدوان على اليمن، وهناك الآن مؤشرات جديدة على أن السعودية تسعى لاستثمار إعلان التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي للتخلص من قلقها بشأن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من هذا الملف بالذات.

أمس الأحد، نشرت وكالة رويترز الأمريكية مقابلة مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود جاء فيها: “لقد دعمنا التطبيع مع إسرائيل لفترة طويلة، وكانت مبادرة السلام التي قدمناها عام 2002 بمثابة تصور للتطبيع الكامل مع إسرائيل”.

هذا التصريح مثل إشارة واضحة إلى توجّـه السعودية نحو الخطوة المتوقعة منها منذ مدة، وهي اللحاق بالإمارات والبحرين والسودان في إعلان “التطبيع” وإن كانت الرياض سباقة في إقامة العلاقات على الواقع مع الكيان الصهيوني، لكن يبدو بوضوح أن تأخر النظام السعودي في اتِّخاذ هذه الخطوة متعلق فقط بتعقيدات العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، حَيثُ كان وزير الاستخبارات الصهيوني، يوسي كوهين، قد صرح بأن السعودية تسعى لتقديم “التطبيع” كهدية للرئيس الأمريكي الذي سيفوز بالانتخابات، وهو ما يعني أن الرياض تسعى الآن لاستثمار هذا الإعلان؛ مِن أجلِ الحصول على صفقة تساعد على حَـلّ تعقيدات العلاقة مع إدارة بايدن.

قلقت الرياض بوضوح من فوز “بايدن” بالانتخابات الأمريكية؛ لأَنَّ تعاملها مع إداراته لن يكون “سهلا” كالتعامل مع إدارة ترامب، إضافة إلى تصريحات بايدن التي عززت هذا القلق حول إعادة النظر في عدد من الملفات التي تتضمنها العلاقات بين واشنطن والرياض، ومنها ملف الحرب على اليمن، لكن على الرغم من القلق السعودي، لا يبدو أن هناك مؤشرات حقيقية على أن العلاقة بين واشنطن والرياض ستتخذ منعطفات جديدة كليًّا، فالولايات المتحدة ستحافظ بلا شك على مصالح علاقتها مع السعودية، وإن استجد شيء فربما سيكون المزيد من “الابتزاز” الأمريكي.

هذا ما يؤكّـده تحول “القلق” السعودي تدريجيًّا إلى رضا بالأمر الواقع، وهو ما يعكسه تصريحُ وزير الخارجية السعودي الأخير بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي جاء بعد قول الوزير إنه “يثق بأن الإدارة الأمريكية القادمة ستواصل اتباع السياسات التي تؤدي إلى تعاون قوي”، لكن يبدو بوضوح أن السعودية ما زالت تحاول أن تساوم “بايدن” على مقايضات تضمن لها أن تحصل على دعم إدارته في عدد من الملفات التي كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة النظر فيها، ويبدو أن الإعلان عن تأييد التطبيع يأتي كـ”عرض” في إطار هذه المقايضة.

من أبرز تلك الملفات ملف العدوان على اليمن، فحملة بايدن الانتخابية كانت قد روجت لوقف تسليح السعودية، وهو ما يبدو غير واقعي لكنه يشير إلى ارتفاع مستوى “الابتزاز” الأمريكي للسعودية بشأن ملف اليمن، وهكذا فقد خرج النظام السعودي بـ”مطلب” جديد يحاول الحصول عليه من خلال “المقايضات” لضمان استمرار الإدارة الأمريكية الجديدة بدعم الرياض في هذا الملف، وهو مطلب تصنيف من يسميهم الطرفان “الحوثيين” كجماعة “إرهابية”.

وزير الخارجية السعودي قدم هذا المطلب خلال مقابلته الأخيرة مع “رويترز”، وبلهجة “عرض وطلب” واضحة، حَيثُ قال إن هذا التصنيف سيكون “ملائما للسعودية تماما”، وكأنه يعرض على واشنطن صفقة ما تتضمن إقدام الرياض على خطوات تخدم الولايات المتحدة مثل إعلان التطبيع، مقابل الحصول على هذا التصنيف.

إدارة ترامب كانت قد أعادت قبل الانتخابات ترويج دعايات “مكافحة الإرهاب في اليمن”، وأعلنت في أُكتوبر الماضي عن تواجد قوات أمريكية في عدن لإحياء ذكرى حادثة المدمّـرة “يو إس كول”، التي كانت أبرز ذرائع الولايات المتحدة للتدخل في اليمن قبل عشرين عاماً، كما كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية لاحقا عن خطة لإدخَال معتقلين سابقين كانوا في سجن “غوانتانامو” إلى اليمن، الأمر الذي ضاعف مؤشرات توجّـه واشنطن نحو تصعيد استهدافها المباشر لليمن بذريعة “مكافحة الإرهاب”، ولا يستبعد أن خطة “التصنيف” كانت قد بُحثت بين الرياض وإدارة ترامب، في حال استمر الأخير في الحكم.

وتأمل الرياض من خلال هذا التصنيف أن تجد مخرجاً من ورطتها المستمرة في اليمن، حَيثُ ترى أن مظلة “مكافحة الإرهاب” ستمنحها فرصة أكبر في الحصول على دعم دولي أوسع يساعدها على تجنب مخاطر تعاظم قوة “صنعاء” وإنجازاتها، لكن ذلك يدلُّ على قراءة قاصرة جِـدًّا للوضع، فصنعاء قد واجهت بالفعل ومنذ ستة أعوام حربا شاملة وغير مسبوقة واستطاعت أن تقلب كفة الميزان بشكل مدهش، و”التصنيف” لا يعني سوى “المزيد من الحرب”، وهكذا فهو لا يمنح السعودية أي مخرج حقيقي، لا سِـيَّـما وأن صنعاء قد قطعت شوطاً كَبيراً في تطوير قدراتها على أكثر من صعيد، و”التصنيف” لا يكاد يعني لها (صنعاء) أي شيء سوى التأكيد مجدّدًا على صوابية موقفها وتمكينها من تصعيد مستويات الردع أكثر، كما أنه سينزع عن الولايات المتحدة قناع “الوساطة” المهترئ الذي تحاول ارتداءه منذ بداية العدوان للتغطية على دورها المباشر والقيادي في الحرب على اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com