الكواليسُ لن تبقى كواليس

 

إبراهيم سنجاب*

سألت السيّد محمد علي الحوثي، قبل عدة أشهر إبان إتمام عملية تبادل الأسرى، بشأن ما يتردّد عن مفاوضات يمنية سعودية لإنهاء الحرب، فقال: ليس هناك مفاوضات.

لم ينفِ وجودَ اتصالات ولكنها -كما قال- لم تكن ترقى إلى مفاوضات، فوجهة نظر حكومة الإنقاذ في صنعاء أن يجري التفاوض العلني مباشرة مع حكومة الرياض، وأن يجري حول عدة محاور، على رأسها وقف القتال وفك الحصار، إلى جانب بقية القضايا التي تزامنت مع الحرب، ومنها جبر الضرر.

منذ متابعتي للشأن اليمني على مدى 7 سنوات، كانت مقالاتي ولقاءاتي التليفزيونية تتعرض لـ (الحجب – التهكير)، سواء على صفحات التواصل أَو حتى في الصحف الورقية، وتخطى فيسبوك ذلك في آخر سنتين أَو ثلاث، فكان يغلق صفحتي شهراً بعد كُـلِّ مقال عن اليمن.

ومنذ أُكتوبر الماضي، توقّف حظرُ الصفحات، لم أعرف لماذا، ففي كُـلّ مرة كانت تتعرض للحظر كنت أستسلم للأمر، ولكني تأكّـدت أن الكتابة عن اليمن وذكر اسم الحوثي أَو نشر صورته منذ ذلك الحين، لم تعد أسبابا لحظر المقالات والصفحات.

قد تبدو ملحوظة عابرة، ولكني اعتبرتها أحدَ الدلائل على تغير كبير في تناول الشأن اليمني ممن يديرون هذا العالم إلكترونيا، ولم تكن هذه هي الملحوظة الوحيدة، فقد وجدت صحيفة الشرق الأوسط السعودية اللندنية تتخلى عن وصف الحوثيين بالمليشيا ولو في العناوين فقط، كما بدأت إذاعة المخابرات البريطانية بي بي سي تستعمل وصف أنصار الله بدلا من الحوثيين، كما فعلت ذلك صحف وفضائيات الإمارات ودول عربية أُخرى تشارك في الحرب على اليمن ولو بالصمت، على ما تعرض له من ظلم وتجاهل.

في واشنطن، حَيثُ جرى التحضير لاعتبار جماعة الحوثي إرهابية، يجري أَيْـضاً التحضير لمنع توريد سلاح للسعودية بحجّـة استخدامها في العدوان على اليمن، وفي موسكو جرى الإعلان عن رغبة روسية في إنشاء قاعدة عسكرية في السودان، انتظارا لما ستسفر عنه نهاية الحرب على اليمن، ولكل حادث حديث مع إدارة بوتين التي تربح دائماً من الاستثمار في أخطاء الأمريكان حول العالم، أما في لندن وتل أبيب فلم يعد سرًّا ذلك التهافت على وضع قدم في ميناء عدن وجزيرة سقطرى.

عندما سألتُ كيف وصل سفير إيران إلى صنعاء، ابتسم صديقي اليمني قائلاً: بر بر، بحر بحر، جو جو، وهي كلمات زامل (نشيد) يمني، يتغنون به في جبهات القتال، وفي مرة أُخرى أعلنوا عن تعيين سفير يمني في سورية، وتوقعت لو سألت كيف وصل إلى دمشق أن تكون كلمات الزامل هي نفس الإجَابَة، مع ضحكة سخرية، يطلقها صديقي المؤتمن في كُـلِّ مرة يعلن فيها عن وصول صاروخ يمني إلى هدفه خارج أَو داخل الحدود.

دائماً يثير محمد علي الحوثي فضول متابعيه على تويتر بتغريدات يكتبها مرة كفوازير، وأُخرى كدروس دينية، وأحياناً يسأل ويطلب الإجَابَة في التعليقات، ثم يقدم تنبيهات ويطلق تحذيرات، إنه سياسي يعرف كيف يتعامل مع الإعلام، بنفس قدرته على التعامل مع قضايا المصالحات القبلية.

في إحدى تغريداته مؤخّراً، كتب “الكواليس تبقى كواليس”، وليفهم منها متابعوه ما يفهمون وفقا لاهتماماتهم، فالمرتزِق يفهمه بغير ما يفهم المراقب السياسي، والأنصاري يفهمه بغير ما يفهمه الإخواني، هي تغريدة للداخل والخارج، هذا أُسلُـوبه وهذه طريقته.

في ضوء السطور السابقة قد تفهم أن هناك محادثات برعاية أممية ومتابعة إقليمية لوقف الحرب، ولكنها ما تزال خلف الكواليس، وقد تفهم أن الترتيبات لمعركة في مارب أَو معارك في الساحل الغربي تجري على قدم وساق، ويمكن أن تكون كواليس لمعركة ضد الفساد ونهب الأراضي أَو حَـلّ مشكلة المرتبات أَو توريدات البترول أَو أي شأن آخر، المهم أن هناك تحَرّكات وهناك كواليس.

قبل شهر، قلت في إذاعة سام: إن العالم اتّفق على إنهاء الحرب في اليمن بأيِّ شكلٍ قبل نهاية هذا العام أَو على الأكثر في الشهور الأولى للعام القادم، وأكّـدت على ذلك قبل أسبوع، ولكن وكالة رويتر جاءت، أمس، بالخبر اليقين ومن مصادر قالت إنها سعودية، وقالت إن رئيس وفد التفاوض اليمني محمد عبد السلام يشارك في مباحثات مع مسؤولين سعوديين مباشرة عبر الفيديو كونفزانس، ورغم أن صنعاء والرياض لم تعلقا رسميًّا على الخبر، ورغم أن أخبار المعارك قد تراجعت في وسائل الإعلام، رغم أنها قائمة ولها نتائج حاسمة في بعض الجبهات، إلا أن الكواليس لم تبق كواليس، ورغم أن -الإنجليزي– مارتين جريفت -مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن- يخفي أكثر مما يعلن، إلا أنه بالفعل لديه خطة، وبالفعل يجري التفاوض بشأنها.

أما ما أذاعته رويتر -والذي يجري التغني به في البي بي سي وسكاي نيوز-، فملخصه أن السعودية قدمت عرضا بوقف الحرب على اليمن في مقابل إنشاء منطقة عازلة حدودية، وهو ما يعتبر في نظر أي محلل سياسي، إعلان رغبة لإنهاء الحرب مع حفظ ماء الوجه، ولتكن مشيئة الله كما يقول المسلمون، أَو مشيئة الرب كما يقول المسيحيون.

أما أنت كمواطن عربي، سعودي أَو يمني، وطني أَو مرتزِق، فليس أمامك إلا أن تهذي كالمجنون أَو تبكي كالمحزون، أمن أجل هذا تم تدمير اليمن؟! أمن أجل هذا خسرت السعودية كُـلّ هذه المليارات؟! هل قامت الحرب وشارك فيها حلف عربي وتحالف عالمي؛ مِن أجلِ منطقة عازلة بين اليمن وَالسعودية؟!

صحيح أن الحرب على اليمن لا تحظى بالمتابعة اللائقة من الشعوب العربية، ولكنك لو تحدثت عما ذكرته رويتر بشأن وقف الحرب مقابل إنشاء منطقة عازلة، على قهوة بلدي في منطقة شعبيّة هنا في القاهرة، لسمعت عاطلا يقول لك: بذمة أبوك! قول والنبي! طب احلف.

* نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com