فضائل أهل اليمن.. الشواهدُ والأبعادُ الإيمـانيةُ والتاريخية (2-2)

المسيرة| د. حمود عبدالله الأهنومي

 

فضائلُ أهل اليمن في السنة الشريفة

1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيْمَــان يمانٍ والحكمةُ يمانية) ورد في أحاديث كثيرة، ويكاد أن يكون من الأحاديث المتواترة أَو المستفيضة.

هذا إخبارٌ باستمرار الإيْمَــان في اليمن، وهو إخبارٌ كاشفٌ عن ما يكون من جولات صراع بين الكفر والإيْمَــان، وتنازعٍ بين هُويتيهما المتناقضتين.

ونسبتُها إلى اليمن باعتبارها الجغرافي تردُّ على من يزعم قصرَ الإيْمَــان على الأنصار؛ وكونُها جملةً اسميةً يفيدُ الاستمرارَ والثبات والدوام، وما يجري اليوم من صراع قائم وما تتخذه اليمن الإيْمَــانية من مواقف هو مصداق من مصاديق تحقُّق هذه الإيْمَــانية اليمانية، والحكمة، والفقه، اليمانيين، وهو يوافق ما قاله الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى-: (ليسوا بها بكافرين).

2- وعن عمران بن حصين قال: إني عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه قومٌ من بني تميم، فقال: (اقْبَلوا البشرى يا بني تميم)، قالوا: بشَّرْتَنا فأعْطِنا، فدخل ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبَلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلْها بنو تميم)، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقَّهَ في الدين، ولنسألَك عن هذا الأمر ما كان. قال: (كان اللهُ ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كُلّ شيء). ثم أتاني رجل، فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وأيمُ اللهِ لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم. رواه البخاري من ست طرق.

ومن المعلوم أن مساكنَ بني تميم في نجد، والسؤال لماذا ورد ذكر بني تميم، مع ذكر أهل اليمن؟ لماذا ذكَر القبيلة النجدية مع ذكره اليمن؟

ألا يشير هذا إلى طبيعة الصراع القائم اليوم على أساس الصراع بين الهُــوِيَّتين، هُوِيَّة أهل الإيْمَــان، وهُوِيَّة أهل الشيطان، الذين ينطلقون من نجد، رأس الفتنة، وحيث تسعة أعشار الشر، وحيث رأس الكفر، وحيث الزلازل، والفتن.

3- عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يأتيكم أهل اليمن هم أرقُّ قلوباً، وألينُ أفئدة، يريد القومُ أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم).

متى يرفعنا الله؟ حين ننتصر لهُــوِيَّتنا.. لديننا.. لإيْمَــاننا، حين نحقّــق معنى (الإيْمَــان يمان)..

وعَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله سلم- «الأَزْدُ أُسْدُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يَرْفَعَهُمْ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًّا يَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً». [سنن الترمذي ج14 ص109].

4- عن ابن عمر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيْمَــان يمان، وهم مني وإليّ، وإن بَعُدَ منهم المربع، ويوشك أن يأتوكم أنصارًا وأعوانا فآمركم بهم خيرا). رواه الطبراني وإسناده حسن.

5- عن أبي مسعود، قال أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة نحو اليمن، فقال: (الإيْمَــان ههنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفَدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلعُ قرنا الشيطان في ربيعة ومضر) رواه البخاري في صحيحه من ثلاث طرق. وعن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق، والإيْمَــان يمان، والسكينة في أهل الحجاز).

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأحاديث يتحدث عن بعض مصاديق الهُويتين، الهُوية الإيْمَــانية اليمانية، والهُــوِيَّة النجدية الشيطان، واللتين تصطرعان اليوم..

6- عن عمرو بن عبسة قال بينما رسول الله ص يعرض خيلاً، وعند عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، فقال رسول الله ص: أنا أبصر بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أبصر بالرجال منك، قال: فكيف ذاك؟ قال: خيار الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسح خيولهم من أهل نجد، فقال رسول الله ص: (كذَبْتَ بل خيارُ الرِّجال أهلُ اليمن، والإيْمَــانُ يمان، وأنا يمان، وأَكْثَــر القبائل يوم القيامة في الجنة مذحج، وحضرموت من خير بني الحرث). رواه أحمد متصلاً ومرسلاً، والطبراني.

ومرة أُخْــرَى يكون هناك الصراعُ بين أهل نجد ممثلين بعيينة بن حُصن الفزاري، وأهل اليمن، يمثلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

7- عن عقبة بن عامر أنه قال: إن رجلا، قال: يا رسول الله العن أهلَ اليمن، فإنهم شديدٌ بأسُهم، كثيرٌ عددُهم، حصينةٌ حصونهم، فقال: (لا)، ثم لعن رسول الله الأعجَمين، فارس والروم. وقال: (إذا مروا بكم يسوقون نساءهم، يَحْمِلون أبناءهم على عواتقهم، فإنهم مني، وأنا منهم) رواه أحمد والطبراني.

والحديث يبين فضل اليمنيين وعظيم منزلتهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف وجه رسول الله بوصلة اللعن والعداء ضد الفرس والروم، بلغة اليمن ضد أمريكا والصهاينة، وليس ضد اليمنيين، بينما أوضح أنهم منه، وهو منهم.

8- وعن الإمام علي عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحب أهل اليمن فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني).

هذا لأَنَّ اليمنيين يمثلون الهُوية الإيْمَــانية، فمن أبغضهم فإنما يبغضهم لأجل إيْمَــانهم، ومن أحبهم فلذلك؛ لهذا كان رسول الله يعتبر موقفه هو ذات موقف اليمنيين.

9- وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم باليمن إذَا هاجت الفتن، فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة، وللعبادة فيه أجر عظيم). (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن)، و(إني لأجد نفَسَ الرحمن من ناحية اليمن).

وهي أحاديث تدل على أن اليمن تشكل بارقة أمل للأُمَّــة التي طحنت بالفتن، وعلى رأسها فتنة قرن الشيطان، فالنصر للمسلمين كأمة يأتي من قبل اليمن.

10- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (الإيْمَــان يمانٍ والكفرُ قبل المشرق)، رواه الطيالسي. وعن البراء أن رسول الله قال: (ألا إن الإيْمَــان يمان، والحكمة يمانية، والقسوة وغلظ القلوب في الفدّادين في ربيعة ومضر عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان) رواه الخطيب، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله سلم قَالَ: (الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ هَا هُنَا، هَا هُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ). أخرجه البخاري 5/220. وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رأسُ الكفر من ههنا من حيث يطلُعُ قرن الشيطان – يعني المشرق) أخرجه مسلم كتاب الفتن باب الفتنة.

وهي أحاديث ترسم معادلة الصراع القائمة، وتبين مكان الحَـقّ فيه، فمن غير المعقول أن يضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليمن ونجدا في اتّجاهين متغايرين، باعتبار أن اليمن تمثل الإيْمَــان، ونجدا تمثل الشيطان، ورأس حربة الكفار، ومنبع الفتنة، ثم لا يكون المراد هذا الصراع الحالي.

إن معرفتنا التاريخية بأنه لم يكن صراع بحجم صراع بين الإيْمَــان والكفر بين البلدين (اليمن ونجد) منذ صدر الإسْــلَام، وإلى التاريخ المعاصر، ولا سيما في ظل هذه الحرب، تجعلنا نوقن أن رسول الله يتحدث عن الصراع الحالي، وهذا ما يعزز قُــوَّة الحَـقّ في قلوبنا، ويبين أهميّة التحَــرّك الجاد، والتمسك القوي بهذا الخط والمسار، تحت قيادة علم الهدى السيد القائد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-، أما دلالة (نجد الشيطانية) و(اليمن الإيْمَــانية) فهي دلالة مكانية، تدل على مكان الحَـقّ والباطل، وصحة المنهج من سقمه، وليست دلالة عصبوية، مناطقية.

11- عن ابن عمر، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وآله سلم، وقال: (اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: (اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا)، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)، صحيح البخاري:ج6/ص2598 ح6681.

هذا الحديث ورد بشكل مستفيض، نراه اليوم متحقّــقا، ومبينا أن اليمنيين الأحرار المدافعين عن بلدهم مبارك أمرهم، وتعتني بهم اليد الإلهية، وتنصرهم، وتلطف بهم، بينما نجد أن النجدية الشيطانية، تحاول أن تغرقهم في الفتن، والزلازل.

رسول الله في هذه الأحاديث يتحدث عن الصراع القائم، وإلا لما ذكر أهم مناطق لها الدور الكبير في هذا الصراع القائم بيننا المنضوين تحت هُــوِيَّة الإيْمَــان اليماني من جهة، وبين أهل الكتاب وعملائهم ومنافقيهم المسارعين إلى الانتماء إليهم، والمنسلخين من هُــوِيَّتهم، أهل الشيطان، وإلا فما معنى أن يذكر رسول الله في حديث واحد، (اليمن والشام من جهة، ونجد من جهة أُخْــرَى).

12- في الإشاعة لأشراط الساعة للسيد محمد البرزنجي ص151 من حديث طويل، من رواية نعيم بن حماد، عن ابن مسعود مرفوعا في وصف الملحمة الكبرى بين المسلمين والكفار، وأنه سيحصرهم المسلمون في دمشق، وجبل المعتق بحمص بعد خراب الكفار بيت المقدس، قال: (حتى تجيئهم مادة اليمن ألف، ألف الله بين قلوبهم بالإيْمَــان، معهم أربعون ألف من حمير، حتى يأتون بيت المقدس، فيقاتلون الروم، فيهزمونهم، ويخرجونهم من جند إلى جند، حتى يأتون قنسرين، وتجيئهم مادة الوالي) الحديث، وفيه أن (مسلمي الفرس تنصر مسلمي العرب، فيلحقون الكفار إلى القسطنطينية، فيحصرونهم بها ليلة الجمعة إلى الصباح، فيفتحها الله لهم، وترجع دار إسْــلَام بيد المسلمين مرة أُخْــرَى). ص43 من نثر الدر المكنون للعلامة الوشلي التهامي.

هذا الأثر يمكن أن يشكل مشهدا من مشاهد الصراع القادم، ومسارا من مساراته، وكيف يكون لليمنيين ولا سيما أهل صعدة من حمير، دور في تحرير بيت المقدس، ومطاردة الصهاينة، في الشام، ومنطقة حوض البحر المتوسط.

 

شواهدُ تاريخيةٌ تدُلُّ على هُويتنا الإيْمَــانية

1- أسرة آل ياسر أول أسرة يمانية تُسْلِم ويستشهد بعض أفرادها ويعاني بعضهم (أكره وقلبه مطمئن بالإيْمَــان)

2- زيد بن حارثة اليمني الصعدي، ابن رسول الله بالتبنّي، وأحد شهداء الإسْــلَام وعبدالله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب، من تبنّاه رسول الله وهو أحد اليمانيين الأوائل، وجاهد مع رسول الله، ورفض أن يعود مع والده وأسرته إلى صعدة، ثم استشهد في مؤتة، التي كان قادتها يمنيين وهاشميا، عبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن جعفر.

وكأن هذه المعركة تقول لنا: إن قادة المسلمين في مواجهة أهل الكتاب يجب أن يكونوا من اليمن وأهل البيت -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-م.

3- إسْــلَام اليمنيين على يد الإمام علي عليه السلام، وتخصيص رسول الله لهذا الشعب أفضل سفير، هو علي بن أبي طالب عليه السلام، لأفضل سفارة، وهي الإسْــلَام، إلى خير شعب، وهو اليمن.

4- نصروا رسولَ الله وآووه، والشرفُ الذي فات اليمنيين في اليمن، لم يفت إخوتهم في الحجاز، في المدينة المنورة.

5- خزيمة بن ثابت الأنصاري اليمني، كان أمين أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذا الشهادتين.

6- تمسك أهل اليمن بأهل البيت عليهم السلام، منذ صدر الإسْــلَام وإلى يومنا هذا، وهو تمسك بالإسْــلَام النقي، (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. إلخ)

7- ويعجبني تلك المعادلة التي رسمها أمير شعراء اليمن التقي الزاهد الحسن بن علي الهبل، حين قال:

يا من يسائل عن قومي.. رويدك ما *** جهلت إلا العلى والمجد والدينا

قومي الألى ما انتضوا أسيافهم لوغىً *** إلا وعادوا لآي النصر تالينا

إن تلقهم تلق أحبارا جهابذة *** أَو طاعنين العدا شزرا ورامينا

سل الأئمة عنا أي ملحمة *** لسنا بأرواحنا فيها مواسينا

مضت على حب أهل البيت (أسرتنا) *** ونحن نمشي على آثار ماضينا

فمن يفاخرنا أم ما يساجلنا *** أم من يطاولنا أم من يدانينا

يكفيك أن لنا الفخر الطويل على *** كُــلّ الورى.. ما عدا الآل الميامينا

8- إن كون اليمن إيْمَــانية، مؤشِّر من مؤشّرات صحة موقفِنا اليوم، أما ارتباطُ هذا المؤشر بمؤشر أقوى وأهم، وهو كون الحَـقّ في جناب أهل البيت الذين استقروا تاريخيا في اليمن فإن هذا يشكّل ضمانة حقيقية وإضافية لكل ملتبِس في موقفه أنه في الموقف الحَـقّ، والمكان الصحيح.

9- إسْــلَام أهل اليمن إسْــلَاما قويا وقويما، ودَائماً، وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع.

10- وتفردهم بخصوصية أن يسجد رسول الله شكرا حينما جاءه خبر إسْــلَامهم، وقوله: (السلام على همدان السلام على همدان السلام على همدان) ولم يرو أن فعل ذلك عند مجيئه خبر إسْــلَام قبيلة أُخْــرَى..

11- وقوله: (نعم الحي همدان، ما أصبرها على الجهد، وأصدقها عند اللقاء، فيهم الأوتاد، والأبدال)..

12- عمار بن ياسر العنسي المذحجي اليماني معلم من معالم الحَـقّ في الإسْــلَام، قال عنه رسول الله: (تقتله الفئة الباغية).

13- مالك الأشتر النخعي الهمداني المبشَّر بالجنة، هو مَعْلَمٌ أَيْضاً من معالم الحَـقّ، وهو يماني، من النخع من منطقة أعالي أبين، بالقرب من البيضاء، قال فيه الإمام علي بعد أن تم اغتياله: (رحم الله مالكاً وما مالك، لو كان حديداً لكان فندا، ولو كان حجرا لكان صلدا).

14- نصرتهم للإمام علي، ووثوقه فيهم، وكونُهم شكّلوا معظم جهازه الإداري، دليل على إيْمَــانهم، وانتمائهم الحضاري العريق، (كيف تبعثني إلى قوم هم أعلم مني).

15- كون اليمنيين متعلّقين وجدانيين برموز الإسْــلَام، وأعلامه، فمثلا يتعلقون بالحج، ويتعلقون بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعلي عليه السلام، عين علي، وضربة علي، وحمام علي، ويكثر في أسمائهم اسم (محمد وعلي)، ويتعلقون بالحرمين الشريفين، والحج، وكان يجعلون للحج أهميّة كبيرة، لا نجدها إلا عند المؤمنين، ولهذا يسمون من وفقه الله للحج بـ(الحاج)، ولهذا تكثر أسماء بيت الحاج في اليمن.

16- الإمام علي (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)، واليمنيون معروف عنهم تعلقهم به، وتشيعهم فيه، ومن العجيب أن يأتي الحديث عن فاتح خيبر، على أن باغضه منافق، أي أنه لا ينتمي إلى هُــوِيَّة المؤمنين؛ لأَنَّه أصلا من تلك الفئة التي تمردت على هُــوِيَّة الإيْمَــان اليماني، وما حملات المنافقين من أذيال الاستعمار على الإمام عليه وأهل البيت إلا مصداق من مصاديق الحديث الصحيح عند جميع المذاهب والتيارات. بينما نجد الأحرار المجاهدين يتولون الإمام عليا وأهل بيته عليهم السلام باعتبار ذلك من فرائض الإسْــلَام.

17- هذا التعلق وهذه العلاقة بين الإمام علي واليمنيين، والعكس، لم تكن على أساس عصبوي، ولا على أساس محاباة، بل نتيجة انطلاقتهم القوية في الإسْــلَام، ونتيجة تمثيل الإمام علي للإسْــلَام كأفضل نموذج؛ ولهذا جاء وصفهم في كلام الإمام علي عليه السلام كما ورد في ذلك الشعر:

لهم تعرف الرايات عند اختلافها *** وهم بدأوا للناس كُــلّ لحام

رجال يحبون النبي ورهطه *** لهم سالف في الدهر غير لئـام

هم نصرونا والسيوف كأنها ** حريق تلظى في هشيم ثمام

لهمدان أخلاق ودين يزينها *** وبأس إذَا لاقوا وحد خصام

وجد وصدق في الحديث ونجدة *** وعلم إذَا قالوا وطيب كلام

أي أنه عليه السلام وصفهم بهذه الأوصاف العملية، وحصلوا على تلك المكانة لديه؛ لأَنَّهم كانوا على هذا النحو من المحبة للإسْــلَام، ولنبيه، وأهل بيته، ولنصرتهم، وجهادهم، وأخلاقهم، ودينهم، وبأسهم، وجدهم، وصدقهم، ونجدتهم، وعلمهم، وطيبة كلامهم.

18- وبناءً على ذلك فإن الحملات التي تستهدف الإمام عليا وأهل بيته اليوم هي لا علاقة بها بالهُوِيَّة الإيْمَــانية؛ كون الإيْمَــان يفرض على صاحبه أن يكون محبا لعلي، وأن من يبغضه هو منافق، والعجيب أن الإسْــلَام عبر عنه بالنفاق، وليس بالكفر، أي أن له علاقةً باليهود والنصارى، وبالهُــوِيَّات المناقضة لهُوِيَّة الإسْــلَام.

19- وكونهم حملوا راية الإسْــلَام، والفتوحات، وقوّضوا الإمبراطوريات.

20- ونشرهم للإسْــلَام في الشرق والغرب وأفريقيا وجنوب شرق أندونيسيا.

21- وكونهم وقفوا في صف الإسْــلَام في مختلف المراحل، منذ الإمام الهادي وإلى يوم الناس هذا، قال الإمام الهادي عليه السلام:

فما زالت الأخبار تخبر أنهم *** سينصرنا منهم جيوشٌ كتائب

وناديْتُ همدانا وخولان كلهم *** ومذحج والأحلاف والله غالب

تذكرني نياتهم خير عصبة *** من الناس قد عفت عليها الجنائب

22- وهذا شاهد على عصره، هو ابن فضل الله العمري (المتوفي في القرن التاسع الهجري) في موسوعته مسالك الأبصار في ممالك الأنصار، كان يتحدث عن الدولة اليمنية العادلة في عصره، والتي كان يقودها أئمة أهل البيت -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-م، والتي كانت تمثل خلاصة الهُوِيَّة الإيْمَــانية اليمانية، فقال:

“وهي إمارة عربية، لا كبر في صدورها، ولا شَمم في عرانينها، وهم على مِسكةٍ من التقوى، وتردٍّ بشعائر الزهد، يجلس في ندي قومه، كواحدٍ منهم، ويتحدث فيهم، ويحكم بينهم، سواء عنده المشروف والشريف، والقوي والضعيف، وربما اشترى سلعته بيده، ومشى في أسواق بلده، لا يُغْلِظُ الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع، ولا تكثر غير مشبع، هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل، وفضل كامل”.

23- واليمنيون اليوم يقدمون نموذجا رائدا للإيْمَــان النقي والمواجه والمحمدي الأصيل على مستوى العالم الإسْــلَامي؛ ولهذا ليس بعيدا أن تكون اليمن هي رائدة العمل الإيْمَــاني والجهاد الإيْمَــاني في زمن الارتداد.

24- والمجاهدون والعلماء، والقادة، والأشراف، اليوم يُشَكِّلون الشكل والنموذج والهيئة التي كان وظل عليها اليمني، فليست أشكالهم مستوردة، ولا هُــوِيَّاتهم قادمة من خارج دائرة اليمن الإيْمَــانية.

25- ولدينا قيادة متميزة من أعلام الهدى، وقادة الإيْمَــان، بشكل يتمنى المؤمنون في أنحاء الأرض أن تكون لهم قيادات على ذلك النحو وبتلك المنهجية الإيْمَــانية.

26- والرسول دعا بالبركة لنا وفينا أهل اليمن، وفي أهل الشام، واليوم نرى هذه البركة، وآثار هذه البركة في مدى الالتزام بالمواقف، بالأخلاق الكريمة، في الانتماء الصادق، في الحفاظ على الهُوِيَّة، كما يقول السيد القائد حفظه الله.

27- وأظهرت الأحداث المعاصرة والمواقف اليوم في آخر الزمان، أن إيْمَــان المؤمنين في اليمن علماء ومجاهدين وقادة ومواطنين “على نحو راق، ومتميز، وهم في طليعة الأُمَّــة بكل ما يمثله إيْمَــانها من مبادئ وقيم وأخلاق وروحية” على حَـدِّ وصف السيد القائد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-.

 

توصيات

في ختام هذه الورقة المستعجلة، يحسن إيراد بعض التوصيات لمن لهم علاقة بهذا الموضوع، وهي التالية:

1- يجب أن تكون استجابتُنا مُعبِّرة عن هذه الهُوِيَّة، علماً وجهاداً وأخلاقاً وفكراً وثقافة وتحَــرّكاً وانطلاقة.

2- الاستمرار في الإيْمَــان، ومظاهره، وأعماله، وأركانه، وأجزائه بذات الوتيرة والفاعلية التي يريد الإسْــلَام أن نكون عليها.

3- إجراءُ مزيد من الندوات والدراسات حول الهُوِيَّة، وأن تجعل الهُوِيَّة الإيْمَــانية هي الهُوِيَّة الجامعة لكل اليمنيين، والتي جاءتنا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

4- أن تُضَمَّنَ هذه الهُوِيَّة في الدستور والقوانين، وأن تُشتق منها فلسفة الدولة اليمنية العادلة، ومناهجها التعليمية والإرشادية والتثقيفية، وأولوياتها، وغاياتها.

5- إقامة برامج دعوية وإرشادية فنية وثقافية وإعلامية ودعوية، لنشر هذه الهُــوِيَّة، والترويج لها، نشرها، وتثبيتها في عقول ناشئتنا وأولادنا؛ باعتبارها الهُوِيَّة الجامعة التي تنبعث من روح الإسْــلَام الحنيف، والتي لا تقف في وجهها إشكالات لا زالت مسرح الجدل في هذا العالم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com