الاختراق الأمريكي الصهيوني الكبير لليمن.. عفاش جسر العبور

بدأ صالح مسيرتَه بتوثيق علاقته باليهود حتى وصل إلى سدة الحكم

المسيرة | عباس القاعدي

منذ أن تولّى مسؤولية أمن تعز، كان الخائن علي عبدالله صالح “عفاش” من أكثر الشخصيات نفوذاً في اليمن الشمالي، حَيثُ ارتبط بعلاقات قوية مع شيوخ القبائل أصحاب النفوذ القوي في الدولة، كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان رئيس مجلس النواب اليمني آنذاك، والذي كان كذلك على علاقة قوية ومباشرة بالنظام السعودي، صاحب القرار السياسي.

وعلى الرغم من أنَّ بلادَنا كانت قبل عام 1990م مجزأة بين اليمن الشمالي وَجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبيّة، إلا أن أمريكا أقامت علاقات دبلوماسية مع اليمن الشمالي منذ عام 1946، ومع جنوب اليمن منذ 1967، ثم أصبحت لأمريكا سفارة في صنعاء بعد قيام الوحدة في الدولة الجديدة (نظام عفاش)، وعُيّن حينها تشارلز فرانكلين دنبار سفيراً لأمريكا بصنعاء.

وبحسب الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن القومي بصنعاء، فَـإنَّ عفاش كان يطمح للوصول إلى الحكم منذ بداية السبعينيات، وكان يرى أن إقامة علاقة مع اليهود الذين يعتبرهم «أولاد العم» يعد بوابة الوصول إلى سدة الحكم، ولأن اليهود كان يعلمون بطموح عفاش في الحكم والنفوذ داخل اليمن وتولية منصب الرئاسة، فقد سعوا لتمكينه من ذلك عبر إقناع أمريكا وبريطانيا.

ومن خلال ذلك التقرب استطاعت أمريكا إقناع الشيخ الأحمر وزبانيته من المشايخ عن طريق النظام السعودي في الشمال في أن يكون عفاش رئيساً لليمن الشمالي، ومن أجل سيطرته على اليمن الجنوبي استطاعت بريطانيا عن طريق حلفائها من القيادات الجنوبية الموافقة على ذلك ولكن مقابل حرية الوجود الإسرائيلي.

وتوضح الوثائق أن عفاش استغل علاقته باليهود للحصول على دعم أمريكي لسيطرته على الجنوب مقابل التزامه بمنح الكيان الصهيوني حرية التواجد داخل الحدود البحرية اليمنية في البحر الأحمر وتأمين الحركة الملاحية لهم، وذلك بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على (مناطق النفط)، ويقابل ذلك تحقيق “إسرائيل” هدفها الاستراتيجي عبر الصفقة بين عفاش والصهاينة للتواجد جنوب البحر الأحمر.

وبناءً على ذلك، استطاعت “إسرائيل” تحقيق هدفها الاستراتيجي عبر الصفقة السياسية بينها وبين عفاش الذي سلّم السيادة الوطنية لها من خلال التواجد الإسرائيلي والأمريكي جنوب البحر الأحمر تحت مسمى تأمين الحركة الملاحية الإسرائيلية، الذي يعتبر واحدا من أهم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، إضافة إلى الهدف الثاني والذي يعتبر أكثر أهميّة وهو السيطرة على المناطق النفطية وتجهيز دراسات الأبعاد الاستراتيجية لها، والتي تم تنفيذها منذ خمسة أعوام من قبل العدوان بحسب الخريطة التي رسمت على واقع المناطق النفطية التي سلمها عفاش بعد تولية الحكم؛ ولهذا كانت تلك الصفقة أول نواة لعفاش في انتهاك السيادة اليمنية من قبل أمريكا وإسرائيل، بالإضافة إلى المشاركة السياسية والاقتصادية.

ويشير موقع “متراس” إلى أن ترسُّخ نظام عفاش في اليمن بعد 1994 أَدَّى في عقد التسعينيّات إلى تقدّم إسرائيلي أمريكي واضح في جنوب البحر الأحمر، والسيطرة عليه، وبهذا أثبت عفاش موالاته لأمريكا وإسرائيل من خلال ذلك التقدم والتوسع الذي يعتبر امتداداً للسياسة العملية له والتخلّي نظرياً وعمليًّا عن لعب دور في جنوب البحر الأحمر، والتسليم بتحوّل هذه المنطقة إلى حيّز نفوذ أمريكي – أُورُوبي – إسرائيلي.

ويؤكّـد الموقع أن عفاش صمت حيال قوات بحرية إسرائيليّة صغيرة، ومحطّات تنصّت في أرخبيل “دهلك” الإريتري، ومشاركة البحريّة والاستخبارات الإسرائيلية في السيطرة على جنوب البحر الأحمر بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، هذا بالإضافة إلى أن سياسة نظام عفاش اتّسقت بشأن التواجد الإسرائيلي والأمريكي في المياه اليمنية والتحكم في الملاحة البحرية والدولية واستضافة القواعد الأجنبيّة مع تسليم السيادة الوطنية اليمنية.

وتعتبر احتياطات النفط محور الأمر، فهي التي تحدّد الكثير من أمور السياسة العالمية، وتشير الكثير من الدراسات إلى أن اليمن يمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز لم يتم استكشافها أَو تطويرها بالكامل، بالإضافة إلى أربعة مليارات برميل من الاحتياطيات المؤكّـدة.

ويحدّد تقرير المسح الجيولوجي الأمريكي وجود كميات كبيرة من النفط والغاز في اليمن تحت مياهه الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن، وهذا ما أوضحته برقية وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2008، والتي تؤكّـد أن إدارةَ أوباما ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون كانتا على علم تام بالموارد الكبيرة لليمن، وبالتالي لم يكن الاستيلاء على جزيرة سمحة Samhah في خليج عدن من قبل البحرية الأمريكية وبناء أكبر قاعدة بحرية إقليمية لها في الجوار اختياراً عشوائياً، بل من خلال الدراسات الاستراتيجية التي عملتها أمريكا في التسعينيات وبحسب ترابط المعلومات في تقارير المسح الجيولوجي التي تتبناها الشركات الأمريكية صاحبة الامتيَازات النفطية والمسيطرة على النفط والغاز.

وبعد أن اكتشفت شركة هنت أويل، التي وصفت ذات يوم بأنها “واحدة من أكبر المانحين في تكساس من وراء الإمبراطورية السياسية لعائلة بوش”، النفط في اليمن عام 1984 وفتحت مصفاة هناك افتتحها نائب الرئيس السابق والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جورج بوش، في أبريل 1986، وقّعت السعودية وأمريكا اتّفاقية سرية في ذلك الوقت، بعد أن انخفضت أسعار النفط العالمية في أوائل الثمانينات، وذلك لمنع اليمن من تطوير احتياطيات النفط والغاز الخَاصَّة بها بشكل مستقل.

كان هذا الاتّفاق ولا يزال يهدف إلى تثبيت الأسعار والحفاظ على موارد اليمن وتسويقها تحت سيطرة الولايات المتحدة، من خلال شركة هنت أويل وشريكتها السعودية اللتين سلم لهما عفاش النفط وحرية التواجد والبحث والتنقيب والسيطرة والتحكم في السيادة الوطنية، وبما أن الاحتياطيات المتراجعة أخذت تستنفد ما تبقى من رواسب النفط والغاز من شبه الجزيرة العربية وكذلك الفحم الصخري لأمريكا الشمالية ورواسب القار، باتت ترسبات النفط والغاز باهظة الثمن بحيث لا يمكن السيطرة عليها من دون السيطرة الأمريكية على الإنتاج العالمي والتسعير العالمي خُصُوصاً في الدولة النفطية منها اليمن، وتقدر اليوم آخر أكبر مكاسب نفطية غير مستغلة في العالم وفقا لأحد المصادر، بأنها تشكل ربما ثلث الاحتياطيات العالمية الحالية.

 

مساعدات أمريكية مقابل النفط

ولم تكتفِ أمريكا والسعودية بالسيطرة على النفط وأخذ الامتيَازات النفطية فقط، بل استطاعت من خلال السياسات التي تمارسها وتمكّنها من النفوذ والسيطرة على الحكم وبموافقة أنظمة الفساد والخيانة التي كانت تعمل لصالح أمريكا ومنها نظام عفاش ومن بعده نظام حزب الإصلاح الخائن ومرتزِقته الذي مكن أمريكا من اليمن وسيادتها وأصبحت تمارس الحكم سياسيًّا وعسكريًّا في اليمن.

وبحسب المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية الكويتي، فَـإنَّ اليمن بموقعه الجغرافي ظل يمثل نقطة حيوية على الخارطة الاستراتيجية الأمريكية، من خلال العلاقات اليمنية – الأمريكية، والسيطرة على النفط والغاز اليمني مقابل مساعدات أمريكية تُمنح لدولة نفطية والتحكم في الاقتصاد اليمني، تحت شعارات سياسية، منها مكافحة الإرهاب الذي يأمر بالتواجد العسكري الأمريكي والأمني والسياسي.

ويرى المراقبون لمسيرة العلاقات اليمنية الأمريكية أن هذه العلاقات بدأت مرحلة جديدة في الفترة الممتدة من ديسمبر 1997 إلى مايو 1998، وذلك بعد أن اتخذ اليمن قراراً بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام بأن يشارك في مؤتمرات اللجان المتعددة عبر سفاراته في الدول التي تنعقد فيها.

وتكللت خطوات التقارب الأمريكي اليمني بخروج اليمن على مواقف كبرى العواصم العربية المؤثرة في الصراع العربي – الإسرائيلي وعملية السلام، من خلال مشاركته في المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي انعقد في الدوحة 1997، وإعلان اليمن بأن مشاركته جاءت بناءً على «رغبة أمريكية».

ولكي تتحقّق الرغبةُ الأمريكيةُ في السيطرة على النفط والغاز وعلى الجانب السياسي الذي يأمر وينهى وتحت مبرّر مكافحة الإرهاب تم تفجير المدمّـرة الأمريكية كول، وكان ذلك بعد زيارة عفاش لأمريكا.

 

الوجود الأمريكي السياسي والعسكري

في العلاقات الخارجية الدولية، تقول القاعدة المطردة: “لا يوجد أية مساعدات تمنحها دولة لدولة أُخرى دون مقابل”؛ ولأن اليمن تصدّرت اهتمام المجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا، فقد برزت لواجهة التجاذب السياسي الخارجي كنتاج لموقعها الاستراتيجي والنفطي الذي تقول عنها أمريكا إن اليمن تقع في إطار جغرافي مهم.

ويرى المراقبون أنه وبرغم التحسن السابق بين أمريكا وعفاش بالتسليم المطلق، إلا أن النقطة الفاصلة التي شكلت ذروة العلاقات جاءت مع زيارة عفاش للولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2000، وقد أَدَّت تلك الزيارة -والتي تعتبر الأولى التي يقوم بها صالح للولايات المتحدة بعد الوحدة- إلى بداية شراكة فعلية بين البلدين؛ نظراً إلى أنها فتحت مجالاً للتعاون بينهما على غير صعيد، يأتي على رأسها الصعيد العسكري، وكذلك الاقتصادي الذي توج بعلاقة مثمرة في مجال استغلال حقول النفط والغاز اليمنية، خُصُوصاً بعد هذه الزيارة، وَأحداث تفجير المدمّـرة الأمريكية «يو إس إس كول» قبالة ميناء عدن في أُكتوبر 2000، والذي تم بعدها دخول فريق أمريكي إلى صنعاء تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف. بي. آي) ليتولى مهمة الترتيبات الأمنية والفنية لفريق أمريكي آخر مكلف بالتحقيق في الهجوم على المدمّـرة إلى جانب الأجهزة الأمنية اليمنية التي تم تدريب المئات من رجال الشرطة اليمنية في مجال مكافحة الإرهاب.

وقد بدأ هذا النمط من التعاون الأمني في أواخر العام 1997، واستمر في الأعوام الثلاثة التالية (1998 – 1999 – 2000)، وقد اشتملت المساعدات الأمريكية لليمن في مجال مكافحة الإرهاب، على برامج ودورات تدريبية عُقدت في كُـلٍّ من واشنطن وصنعاء.

وعقب الدورات وصل إلى اليمن نحو 100 فرد من فريق الدعم الخارجي من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد تواكب مع وجود فريق التحقيق الأمريكي قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزير قواتها في اليمن بألفين من مشاة البحرية الأمريكية لتأمين الدفاع عن المحقّقين وحمايتهم، وذلك في أسطول صغير يضم المروحيات (تاراوا) والسفينتين الحربيتين (دولوت) وَ(الكوريج)، حَيثُ تم اتّفاق للتعاون الأمني.

ويشير المراقبون إلى أن تلك الاتّفاقية تعد تجاوزًا لبعض مظاهر السيادة وتجاوزًا لدور السلطات اليمنية، حَيثُ ظلت الفترة ما بين 2001م إلى 2011م هي المساحة التي اقتصرت بها أمريكا على اختراق الأجواء اليمنية والتحليق بطائرات استطلاع، مع تنفيذ ما يقارب 10 ضربات بطائرات بدون طيار، وقد مثلت هذه الفترة المرحلةَ الأولية للتواجد السياسي في اليمن.

وتوضح التقارير الدولية أن سماء اليمن أصبحت مسرحاً لطائرات “الدورنز” الأمريكية، وهي طائرات بلا طيار، ونفذت هذه الطائرات المئاتِ من الغارات الجوية التي تقول الحكومة الأمريكية إنها تستهدف إرهابيين، بينما الوقائع تشير إلى أن 90 % من ضحايا هذه الغارات كانوا من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء.

وقُدّرت عدد العمليات العسكرية التي قامت بها الطائرات الأمريكية في اليمن منذ العام 2002م وحتى العام 2013م، ما بين 134 و234 عملية، وشملت عمليات إطلاق الصواريخ من بارجات حربية في خليج عدن والبحر الأحمر، وأدت إلى مقتل قرابة 2000 شخص معظمُهم من الأبرياء.

وخلال أعوام 2015 – 2017م، ارتفعت وتيرة الضربات الجوية الأمريكية، كما تم تنفيذ إنزال جوي، ففي 29 يناير 2017م، وفي عملية غير مسبوقة نفذت قوات أمريكية خَاصَّة عملية إنزال جوي في مديرية “قيفة” بمحافظة البيضاء وسط اليمن، وقد أعلنت السلطات الأمريكية أن العملية استهدفت قيادات في تنظيم القاعدة، غير أن مصادر إعلامية متعددة محلية ودولية أفادت بأنَّ العمليةَ أودت بحياة 40 شخصاً من الأطفال والنساء، كما نفذت عناصرُ من مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” عملية أُخرى في 2 مارس 2017م في منطقة موجان الجبلية شرقي بلدة شُقرة بمحافظة أبين.

ويمكن القول إن التواجد العسكري هو امتداد للحضور السياسي ونفوذه في البلد، إذ لا يمكن أن تتواجد أية قوة عسكرية بدون تنسيقات مسبقة مع البلد المستهدف لإيجاد حاضن يمهّد لتنفيذ مهام القوة العسكرية، التي كان آخر تلك المهام عندما عقدت حكومة عفاش صفقة مع الحكومة الأمريكية عام 2010م، تم بموجبها منح أمريكا ترخيصاً ببناء قاعدة عسكرية لها في أرخبيل سقطرى، مقابل حصول الحكومة اليمنية على معونات مالية وعسكرية.

ولهذا تعود بدايات النفوذ الأمريكي في اليمن والسيطرة على السيادة الوطنية والتحكم في النفط والغاز منذ زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب عام 1986م، حَيثُ سعت أمريكا بالتنسيق مع عفاش وحلفائها الإقليميين إلى احتواء نظام صالح بعد الوحدة وحرف بوصلة اليمن ناحية الغرب الإمبريالي، وهو ما تحقّق لها؛ بفعلِ انقلاب 5 نوفمبر 1967م، إذ بدأ النفوذ الأمريكي في اليمن يأخذ مساراً تصاعدياً بحسب مركز سام للدراسات الاستراتيجية.

 

الإعلام والسفير الأمريكي

اقتصاديًّا، سلّم عفاش النفطَ لأمريكا والسعودية من خلال شركة هنت وقدم التنازلات، لكسب الموقف الأمريكي، وسياسيًّا سلم السيادة والحكم للسفارة الأمريكية التي كانت الآمر والناهي والمعد للمشاريع في اليمن.

وبحسب الصحف المحلية آنذاك، فقد أكّـد “آدم إيرالي” -المتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية-، أن الرئيس اليمني علي صالح قائد لليمن لسنوات طويلة، وإنه في منتصف التسعينات أقدم على قرارٍ جريءٍ وعظيمٍ وذي رؤية، وهو التصميم على اختيار النهج الديمقراطي لليمن، والرئيس صالح شخصية تستحق الإشادة بها.

وعمل “آدم إيرالي” ملحقاً ثقافيًّا للسفارة الأمريكية بصنعاء عام 1995م، وكان من الشخصيات التي استطاعت أن تخلق صداقات عديدة مع العديد من القيادات السياسية لمختلف الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات الاجتماعية، وكان له حضور فاعل في العديد من الأنشطة الاجتماعية والسياسية.

ووصل الأمرُ بالسفير الأمريكي إلا أنه كان يلتقي بمشايخ اليمن ويزور المحافظات، وكذلك قام بتفعيل العديد من المشاريع، ونذكر على سبيل المثال مشروع شراء الأسلحة من المواطنين الذي شاركت الدولة فيه باستحياء، وهذا ما يثبت أن أمريكا كانت مسيطرة على السيادة الوطنية، بالإضافة إلى ما وزّعه الإعلام الأمني من مشاهد جديدة تثبت تورط أمريكا في تدمير الدفاعات الجوية اليمنية ما بين الأعوام 2007م – 2014م، بموافقة عفاش الذي حصل مقابل ذلك على امتيَازات.

ودأبت أمريكا في سياستها تجاه اليمن إلى إفقاده مصادر القوة حتى يصبح سهل المنال، من خلال التركيز على تجميع وتعطيل وتدمير كُـلّ ما له صلة بالدفاعات الجوية لليمن، والتحكّم في ثروات اليمن واستغلال النفط والغاز بسلام من خلال شركة هنت الأمريكية التي كان عفاش يتعامل معها، والتي أقرّت حكومةُ عفاش عام 1997م إدخَالها بحصة 17 % في مشروع الغاز المسال ولكنها أصبحت مشغل القطاع 18 وقتها، وفي الوقت نفسه شريكاً في شركة تصديره، وَكان ذلك بعد أن قامت حكومة الجمهورية العربية اليمنية في عام 1984م بإبرام اتّفاقية معها للتنقيب عن النفط في محافظة مارب الشرقية في خطوة هي الأولى من نوعها.

 

اللجنة الخَاصَّة والمناخ السياسي

ويوضح مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، أن العلاقات السعودية – اليمنية منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م مرّت بسلسلة من التقلبات والتبدلات تبعاً لطبيعة وتوجّـه الأنظمة السياسية المتعاقبة، وبفعل الموقع الجغرافي لليمن، والوفر المالي للسعودية تهيأ للأخيرة أن تكون فاعلاً رئيسياً في تكوين المناخ السياسي على الساحة اليمنية عن طريق الشيخ عبدالله الأحمر الذي كان على علاقة مباشرة مع السعودية ويعمل بتوجيهاتها، فهو كان اليد اليمنى للنظام السعودي الأمريكي الذي يعرف مستقبل اليمن من خلال موقعه.

ونظراً للموقع الاستراتيجي لليمن الذي يمثل نقطة جذب مركزية في الشرق الأوسط، ومصدر تأثير في المجال الخارجي، والأهميّة الاستراتيجية لشريان باب المندب في لعبة الأمم الجديدة، ودوره في بلورة موازين القوى بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، حتى قيل: من يحكم صنعاء يحكم المدخل الجنوبي للجزيرة العربية؛ ولهذا يصر النظام السعودي على أن اليمن ينبغي إبقاؤه تحت الوصاية تابعاً له على نحو مستمر.

وعلى حَــدّ مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، فَـإنَّ السعودية سعت دوماً إلى جعل الحكومة المركزية في اليمن ضعيفة ومنقسمة، فوجود يمن قوي وموحد قد يتسبب بالمشاكل للعائلة المالكة؛ لذلك سيطرت على اليمن من خلال عفاش والأحمر حتى وصل الأمر خلال الخمسة العقود الماضية إلى أن بعض دول الخليج لم تتعامل مع اليمن من باب مؤسّسات الدولة في صنعاء، بل من نافذة مراكز القوى خارجها ضمن لوبي كبير يُعرف تقليدياً بـ”اللجنة الخَاصَّة”، وتضم الآلاف من مشايخ قبائل، وجنرالات وسياسيين ومثقفين… في شبكة عملاقة تتمدّد بانكماش الدولة وعلى حسابها.

 

ضغوط أمريكية وموافقة عفاشية

وتقول التحقيقات الدولية إن عفاش ونظامه في اليمن واجه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضغوطا أمريكية هائلة لإرغامها على الالتحاق بعربة الحرب على الإرهاب وتقديم تنازلات كبيرة للأمريكيين، وَالانخراط في الاستراتيجية الأمريكية وما يسمى الحرب الدولية على الإرهاب، وبالتالي باتت السياسة الخارجية لليمن بعد تلك الضغوط محكومة بنيل رضا الرئيس الأمريكي، ومعها فقدت الحكومة اليمنية القدرة على إبداء أي شكل من أشكال الممانعة.

وتوضح صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية في عددها الصادر (8 أغسطُس/ آب 2011) أن السفير الأمريكي لدى اليمن، غيرالد فايرستاين، طلب من رئاسة الخارجية الأمريكية ألا تتحدث عن “الضغوط الأمريكية” على صالح، لكن عن “المصالح الأمريكية” تتحدث في الممكن.

وإذا كان الأمريكيون، بحسب التحقيقات في سعيهم إلى تطبيع العلاقات مع اليمن، قد بدأوا ذلك بتقديم دعم رمزي للعملية الديمقراطية في عام 1993 بعد أن أصبح عفاش رئيسا لليمن، فَـإنَّ ذلك لم يكن يعبر عن إعجاب أَو تأييد أمريكي للديمقراطية اليمنية وإنما في حبهم للنفط، حَيثُ أسست عملية التعاون اليمني الأمريكي في مجال الحرب على الإرهاب مزيداً من استغلال ثروات اليمن، مما جعل اليمنيين يبحثون عن دعم اقتصادي رغم وجود النفط الذي جعل الأمريكيين مسكونين برؤيتهم القديمة لليمن كقضية أمنية ونفطية.

ولهذا وبحسب السياسيين والباحثين، فَـإنَّ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط بما في ذلك اليمن قد ركزت خلال الستين عاماً الماضية على عمل كُـلّ ما يمكن عملُه لتحقيق هدفين: الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني من خلال اليمن، وضمان تدفق النفط اليمني بأسعار مقبولة في الأسواق الأمريكية والأُورُوبية واليابانية.

 

الشركات الأجنبية وعقود الامتيَاز والمشاركة

وعلى الرغم من سيطرة أمريكا والسعودية على مقاليد السلطة في اليمن سابقًا، تقول إشاعات غير مؤكّـدة، إن السعودية عرضت على اليمن، أن تدفع لها سنوياً 10 مليارات دولار، مقابل إعطائها امتيَاز استخراج النفط من اليمن على 50 سنة، وكذلك فَـإنَّ الشركات الأمريكية والفرنسية عرضت عروضاً مغرية؛ مِن أجلِ ذلك، حَيثُ لعبت أرباح الشركات الأجنبية والتنافس على النفط والغاز والموارد دورا رئيسيا في السياسة الخارجية للقوى الغربية؛ لأَنَّها احتفظت بوجودها عبر عقود طويلة الأجل، تمكّنها من الوصول إلى احتياطيات النفط، وتفتح لها الباب على مصراعيه لاستغلال هذه الثروة النفطية، وذلك من خلال نوعين من العقود: عقود الامتيَاز وفيها تصبح شركات النفط والغاز الأجنبية هي المالكة للموارد النفطية، لفترة محدّدة سلفًا، بينما تتقاسم أرباح بيع المنتجات البترولية مع الشركة الوطنية، ويمكن لهذه الشركات الأجنبية، المعروفة باسم أصحاب الامتيَاز، استكشاف ما تستطيع اكتشافَه داخل المنطقة الممنوحة لها، كما تحتفظ بملكية المنشآت التي تعمل من خلالها بأعمال استكشاف والتطوير والإنتاج والتسويق، فيما يجب عليها دفع ضرائب ورسوم محدّدة في العقد، والتي تتوقف بشكل كبير على كمية النفط التي تستخرجها، وظهرت هذه العقود في الصناعة النفطية منذ عام 1901م، حين أبرم عقد امتيَاز بين إيران وشركة النفط البريطانية «شل».

وبقدر ما تجلب هذه العقود أرباحا ومميزات كبيرة للشركة الأجنبية، بقدر ما تضيع على الدولة النفطية وشعبها فرصًا كبيرة للاستفادة من ثرواتها الطبيعية؛ لأَنَّ عقود الامتيَاز تتسم بطول مدتها الزمنية التي تتراوح ما بين 60 إلى 90 سنة، وفي مقابل ذلك تحصل الدولة على مكافأة وضريبة وحصة قليلة من النفط المستخرج، فضلًا عن عدم خضوع عمليات الشركة الأجنبية لرقابة سلطات الدولة المضيفة ومتابعتها.

ولم تكتفِ تلك الشركات بذلك، بل تعمل عقودا أُخرى باسم عقود المشاركة في الإنتاج، وتسمى أَيْـضاً بعقود «تقاسم الإنتاج»، وفيها تحتفظ الدولة بالسيطرة على احتياطيات الدولة النفطية والبنية التحتية التشغيلية التي تستثمر فيها الشركات الخَاصَّة، وفي هذه الحالة، تمنح الشركة الوطنية جزءًا من الإنتاج إلى الشركات الأجنبية وتتقاسم معها نسبةً معينةً من النفط أَو الغاز، تحدّد بموجب العقد، وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركة الأجنبية دفع الضرائب للدولة.

وفي هذه العقود، تحصل الشركة الأجنبية على حق استكشاف وتطوير وإنتاج الاحتياطيات النفطية ويحصل على حصة من الإنتاج وليس من الربح، كما يحدّد عقد المشاركة في الإنتاج مدة سريان العقد، وفي الغالب تنقسم إلى مرحلتين: مرحلة الاستكشاف، وتتراوح ما بين سنتين إلى 12 سنة، ثم مرحلة الاستغلال، وغالبًا ما تتراوح مدتها بين 25 و35 سنة.

ولا تقتصر خسارة الشعوب لثرواتها النفطية عند حدود استغلال الشركات الأجنبية، بل هناك أَيْـضاً فساد الحكومات التي تتواطأ مع تلك الشركات، مقابل عمولات هائلة لكبار المسؤولين، مما يحرم الشعوب من موارد مالية ونفطية هائلة.

وهذا ما تم تطبيقه في اليمن، حَيثُ وصل عدد الاتّفاقيات إلى 83 اتّفاقية رغم أن الشركات النفطية التي عملت في اليمن لا تتجاوز العشر، إضافة إلى أن عدد الشركات الوهمية يصل عددها إلى 111 شركة نفطية بحسب تقرير حلف قبائل حضرموت والذي تم نشره في فيسبوك.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com