كُن خليفةَ الله في أرضه

 

مرتضى الجرموزي

لا تظلم شخصاً أنت تعرف أن له حق في مطالبته لحقٍّ ومشروع في دساتير وسنن الله وقوانين الإنسانية؛ لذا تريّث قبل أن تصدر حكما لقضيةٍ ما كانت في متناول يديك وباستطاعتك تدارك الأُمور وحلها بالطرق السلمية والمشروعة، بدون تعنت وتعصّب وعلى قاعدة لا ظالم ولا مظلوم.

لا تنحز لطرفٍ كان فهذه هي مسؤولية عظيمة وجرم عظيم لمن يقترف مثل هذه الأخطاء، والتي قد تجعل من ذلك الطرف تعيساً وهو الذي أقبل إليك آملاً في إصلاح ما أفسده الآخرون، لا تكن كمن يريد أن يكحلها فأعماها.

إذا دعتك نفسك لأن تظلم شخصاً وتغلّب عليك هوى نفسك ونزواتك لأي سبب كان أن تصدر حُكماً ليس في مرضات الله من شيء، وليس له مكانه في قاموس العدل، فتذكر أنك اليوم تتكبّر على الله وتعارض أحكامه وأوامره ونواهيه، وتعمل فيما يُسخط الله ويسعد الشيطان، ولكن كُن كالميزان (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

اتقِ الله واجعل من نفسك محضر خيرٍ لا شر، واجعل من نفسك حاكم عدل فيما وكلك الله في إدارة شؤون الآخرين: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).

هذا هو أمرٌ من الله جل في علاه أن احكم بالعدل كما علمك الله، لا تجامل أَو تحابي وتنحز لطرفٍ بعينه، وتنسى الله وتحكم باطلاً وليس في شرعية الله حُكم غير الذي أنزله الله في القرآن، وعلّمنا وأرشدنا ونصحنا ودعانا إليه، لنحتكم حقا ونتحاكم فيما بيننا بالحق بلا تمييز حتى وإن كان أحد المتحاكمين عدواً لك، حتى وإن لم يدن بدينك، فلا تظلمه بل اجعله يحس في نفسه وفي واقعه أنك تمثل الحق كُـلّ الحق، فما بالك من إخوة لك في الدين والوطن والعقيدة والمذهب.

لا تقهر شخصا قطع المسافات ليصل إليك قاصداً منك مقصدَ حق وعدل فيما أطلعك عليك، والتمس كُـلّ صغيرة وكبيرة في شكواه حتى لا تظلمه، فلربما ظلمته في شيءٍ وهو لم يستحق، فتأكّـد أن دعوته مقبولة إذَا دعا الله ولربّما تمتم بكلمات وعبارات وهو مظلوم لا يفهمها إلّا الله.

هنا تأكّـد أنك قد تصبح عُرضة لغضب الله وانتقامه، وسيضربك الله ضربة قوية تجعلك تتحسر ندامة فيما اقترفته، سواءً ظلمت هذا الطرف أَو ذاك.

إذاً يجب عليك أن تتق الله فيما تفعل، وأن تتقِ الله في كُـلّ حركاتك وسكونك، وتتقِ الله كنت جالسا أو قائما وفي كُـلّ سنن الحياة والدين، اتقِ الله وراقبه في كُـلّ أحوالك، وانصر أخاك ظالماً أَو مظلوماً، لا تحكم بشيءٍ إلّا وقد اطلعت على كُـلّ تفاصيل مشكلة تخاصم فيها الطرفان، جسّد الحق قولاً وعملاً وفعلاً، وجسّد قوله جل في علاه حيث قال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).

أمرك بالمعروف هو أن تحكم بالعدل ونهيُك عن المنكر هو أن تحكم بالعدل، وكل الأمور هي لله، ولا تجعل من نفسك خصما لطرفٍ كان أَو تهتمه باطلاً وزوراً، بل اصدح بالحق كما أمرك الله واجههم بالحجّـة والبرهان بالدليل، فقد مكنّك الله منهم فاحكم بين الناس بالعدل واستقم كما أُمرت ولا تتبع هوى النفس ولا تستغل وضعية الناس وبساطة حالهم، مقابل سلطتك ونفوذك، فلا تجعل من نفسك ومكانتك كمجلس الخوف (الأمن) أو جامعة العهر العبرية وأمم الشرك والنفاق والضلال المتحدة ضد الحق، بل كُن كما يريدك الله عامل خير وفاعل حق ومصدر قوة للمستضعفين والمظلومين لا مصدر خوف ورعب لهم.

ولا تكُن سبباً لمصادرة حقوق عامة الناس مهما كان اختلافاتكم، فأنت خليفة الله في أرضه ما دام سبحانه وتعالى مكنّك من السلطة والقيادة والعقل والمنطق والجاه والقبيلة، اتق الله وأعطِ الحق لأهله، وكن خير معين للضعفاء والمحتاجين، ومن استغاثك أغثه، ومن استنصرك فانصره، من طلب نجدتك ومساعدتك من موقع الحق المشروع، فكُن له النجدة والمدد بما يرضي الله تعالى، استنر بنور الله واجعل هدى الله طريق حياتك إلى نعيم الآخرة لتنجى من غضب الله حتى تلقى الله وهو راضٍ عنك.

لذا حذارِ وكل الحذر هو لأجلك أنت حتى لا تقع في معصية الله، حذارِ من التغلغل والتكبّر وظلم الناس، فقد رأينا ملوكا وأُمراء (عفافيش) وغيرهم وقادة عسكريين وقبليين امتهنوا الباطل وظلم الناس فأتاهم الله من حيث لا يشعرون ومن حيث لم يحتسبوا وعلى أيدي من استضعفوهم وحاربوهم طيلة حياتهم القيادية والسياسية، وقذف في قلوبهم الرعب والخوف وخسف بهم وبدارهم وبأموالهم، وفرّق بينهم وبينهم أهلهم وأولادهم، وليلتقوا جميعهم إلى حيث قرن الشيطان أذلاء صاغرين يندبون حظهم التعيس ويستنكرون بغيهم على الناس.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com