العدوان يخفي العديد من الأسرى ويغيبهم كي لا تشملهم عمليات التبادل التعذيب ونشر الأمراض والأوبئة أساليب المرتزقة لقتل الأسرى ومحاولة سلب إرادتهم

الأسير المحرّر وليد الزيدي في حوار لصحيفة المسيرة:

قبلَ بدايةِ حوارِنا مع الأسير وليد أحسن صالح الزيدي، المجاهد الذي أُسِرَ في جبهة كهبوب بالوازعية في تعز، طلب منّا أن يبدأَ برسالةِ عزةٍ وصمود تؤكّـدُ ثباتَه رغمَ معاناة أسره التي استمرَّت لأكثرَ من سنتين.
يقولُ وليد الزيدي: “أولًا أودُّ الترحيبَ بصحيفة المسيرة وقُرائها، ونتوجَّـهُ بالحمد لله سبحانَه على نعمةِ التحرير من الأسر ومن القَهر بفضله تعالى، كما نشكُرُ السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله، ولا ننسَى دماء الشهداء الذين سقطوا؛ مِن أجلِ الوطن الغالي وفي سبيل الله وإعلاء كلمته، وَأَيْـضاً الجرحى والمرابطين -سلام الله عليهم- في الجبهات الذين أثبتوا بكل شرف وعزة وكرامة هُــوِيَّة اليمني كإنسانٍ عارفٍ بالله حَــقَّ معرفته، فبهذا الصمود والثبات والعزم أثبت الشعبُ اليمني للعالم أنه شعبٌ لا يخضعُ ولا يركع ولن يستسلمَ ولن يذلَّ مهما كانت رهاناتُ العدوّ وقوته، وتكالب كُـلّ هذه الدول على الشعب اليمني المستضعَف؛ لأَنَّ اللهَ تعالى وعد بنصره في قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، وهذا هو وعده سبحانَه ولن يُخلِفَ اللهُ وعدَه، ولن يجعلَ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً، لتكونَ بذلك رهاناتُ الأعداء خاسرةً لا محالة”.

المسيرة: حوار فاروق علي

– بداية حدثنا متى وأين تم أسرُك؟
نحن أُسِرنا في جبهة كهبوب في الوازعية بتعز يوم 14/5/2018م، والحمدُ لله على ما جرى، فقد حصلت كثيرٌ من المآسي، وَسقط شهداءُ أثناءَ مرابطتهم في جبهة كهبوب، هذه الدماءُ زادتنا عزمًا وإصرارًا وصمودًا على القضية التي خرجنا؛ مِن أجلِها؛ لأَنَّها قضيةٌ عادلة في هذا الوقت بالذات.
وعندما تم أسرنا رأينا الصورةَ الحقيقيةَ لهذا العدوّ الحاقد والمرتزِق الذي لا يأتمرُ إلا بأمر السعودي والإماراتي أَو الأمريكي والصهيونية؛ مِن أجلِ خدمة مشروع الصهيونية في المنطقة، لقد تلقينا من الإهانات ومن التجريحات الشيءَ الكثيرَ من قبل المرتزِقة، حتى أنها كانت تزدادُ عندما تتمُّ هزيمتُهم في جبهة الساحل الغربي وغيرها، فيشتاطون غضبًا ويفرغونه على الأسرى؛ كي ينتقموا بحقدٍ غيرِ مشروع، من خلالِ ضرب وإهانة الأسرى بمختلف الوسائلِ التي يملكونها.

– كيف كانت عمليةُ الأسر وما الذي جرى خلالها؟
عندما تم أسرنا جُمعنا إلى عدةِ أماكنَ لا نعرف ما هي بالتحديد، وبعد ذلك تم إخراجُنا إلى مصنع الكابلات في محافظة لحج، كانت بداية السجن هناك، وجرت محاولاتُ إخفاء للأسرى وتكتيم، إلا أن توفيقَ الله سرى بعد أن كان لدى الزملاء هواتفُ رفُعت عبرها أسماء الأسرى إلى مندوب الأسرى حينها، بعدَها بقينا فترةً من الوقت في ذلك السجن، تم وضعنا وجمعنا في بدرومات مرتفعة الحرارة، ومارس المرتزِقةُ بحقنا وسائلَ تعذيب شديدة، لا تمُتُّ لأخلاق المسلمين بصلة، كانت معاملتهم شنيعةً، وبقينا هناك لمدة يوم واحد هو أول يوم من الأسر.
في اليوم التالي تم نقلنا إلى سجن رجام، جوارَ مصنع الكابلات، وبعد ذلك بفترة كبيرة تقارب العامَ تم نقلنا إلى مصنع الحديد.

– كيف كانت حياتُكم اليومية في الأسر؟
لقد مارس علينا المرتزِقةُ الكثيرَ من الانتهاكات، حَيثُ كانوا يأمرون الأسرى بالضمِّ أثناءَ الصلاة، والذي “يسربل” يقومون بضربه بواسطة الوايرات والأسلاك الكهربائية، ويجبرون الناسَ بالصلاة على طريقتهم، دون أن يستخدموا وسائلَ إقناع أَو حتى بالأخلاق أَو بالتعامل الحَسَنِ مع الأسرى، كما يتشدقون في وسائل إعلامهم، وهناك العديدُ من الممارسات المتنوعة والمختلفة من حين لآخر تؤكّـدُ جميعُها إجرامَ ووحشية العدوّ.
فقطعوا عنا حتى الدواء، وساءت معاملتُهم حتى في الطعام، لقد قلّلوا من الطعام، ولم يعالجوا المرضى إلا بعد وصولهم إلى حافة الموت، لقد عانى بعضُ الجرحى من عدم الاستجابة لتلبية احتياجاتهم الضرورية لعلاج جروحِهم وأوجاعهم، وكنا نتألمُ معهم لذلك..، الكثير والكثير من الممارسات الوحشية.

– كيف كان تعامُلُ العدوّ من الناحية الطبية تجاه الأسرى المرضى؟
كان هناك تقصيرٌ كبيرٌ في توفير احتياجات النظافة، ما أَدَّى إلى انتشارِ الكثير من الأمراض مثل الجِدَري والأمراض الفِطرية التي أصابت الكثيرَ من الأسرى، وخُصُوصاً في سجن مصنع الحديد، ولم يلبوا أيَّ علاج للأسرى المرضى، وبعدَ سنةٍ من ذلك استلموا حوالاتٍ من أهالي الأسرى؛ مِن أجلِ شراءِ أدوية للأسرى وتوفير جُرَعٍ علاجية للمرضى، لقد انتشرت العدوى في الكثيرِ من الأسرى، لقد كان الأسرى بأنفسهم هم من يشترون العلاجَ على حسابهم الشخصي.
لقد كانوا يقولون بأنهم لم يستلموا دواءً من أية جهة مساعِدة من قبل تحالف العدوان، والكثير من الأعذار قدموها في هذا الإطار، وقد زادت معاناةُ الأسرى ولم يتم توفيرُ احتياجات النظافة إلا بعد عناء طويل، وبشكل قليل جِـدًّا، حتى على مستوى ماكينة الحلاقة لم يصرفوها إلا بين أشهر طويلة.
لقد تم تهديدُنا عندما استطاع اثنان من الأسرى الهروبَ من السجن، فهدّدونا أثناءَ التحقيق وخيّرونا بالموت عن طريق بالذبح أَو بالرصاص، حاولوا إرعابَنا بشتى الطرق والأساليب، في مرة صرخ زملاؤنا في الجناح المقابل من السجن من المخفيين؛ لأَنَّ المرتزِقة قاموا بممارسات غير أخلاقية معهم ودنيئة حتى من مدير السجن نفسه، وادِّعاءات في العِرض، ما جعل الأسرى يعرفون حقارة هذا المدير وجنوده، هذا المدير منع الطعامَ عن الأسرى ولم يسمح لهم إلا بتناول الأرز، ومنع حتى الخبز، ما سمح للأمراض بالانتشار بشكل واسع لدى الأسرى، مثل كورونا الذي أصاب معظمَ الأسرى، فحاولوا إعادةَ الطعام لما كان عليه سابقًا، ولقد استشهد أحد الأسرى “أبو النجم”؛ نتيجةَ الإصابة بكورونا، ومن سُوء التغذية التي أنهكت الكثير، وقد كان أبو النجم كبيراً في السن، عُمُرُه أكثرُ من 65 عاماً تقريبًا، فلم يستطع مقاومةَ المرض ومضاعفاتِ سوء التغذية.

– ما أشكالُ الانتهاكات والتعذيب التي مارسها المرتزِقةُ تجاهكم؟
كنا نقيمُ البرنامجَ اليومي، بعد التسبيح وقراءة القرآن، كنا نقومُ بالصرخة، فيتم إخراجُنا وتعذيبنا ليومٍ كاملٍ تحت حرارة الشمس، وقاموا بضربنا ضربًا شديدًا بواسطة الكابلات وبأدوات كثيرة، حتى أنهم جعلونا نسيرُ على الأسفلت الممتلئ بالشوك وقد جردونا من الملابس، حتى نزفت أقدامُنا بالدماء الغزيرة، لم يرحمونا، أدركنا بمعاملتهم هذه كيف يغيظُهم هذا الشعارُ والصرخة، رغم ادّعائهم بأنهم إسلاميون، إلا أنهم انزعجوا من ترديد الشعار، رغم أن صوتَنا لم يكن مرتفعًا أثناءَ صرختنا، ولم نحاولْ بذلك استفزازَهم، حتى أنهم انزعجوا هذا الانزعَـاجَ الكبير وعذّبونا بهذا الشكل.
من الانتهاكات أَيْـضاً افتراؤهم على الأسرى أنهم يقطعون الصلاةَ، وذلك كان بسَببِ تقليل الماء وعدم قدرة بعض الأسرى على الوضوء وأداء الصلاة، فتم احتجازُ مَن لم يصلِّ في عنابر السجن، وجاء مديرُ السجن واتهمهم بترك الصلاة وقام بتعذيبهم وتجريدهم من الملابس ووضعهم تحت حرارة الشمس والصيف في مناطقَ ساحلية، على أَسَاس أنهم يأمرون بالصلاة وهم يقومون بتعذيب الأسرى.
مارسوا علينا أَيْـضاً التعذيبَ النفسي لإحباط الأسرى وبث اليأس في النفوس، إلا أننا تمكّنا من الحصول على هواتفَ بالخفية، وكنا نعرفُ بالأخبار التي تسُرُّنا وترفعُ معنوياتنا، بانتصارات المجاهدين العظماء الذين لقنوا العدوَّ أروعَ الدروس، وكنا ننقل الأخبارَ بين الأسرى، حتى لا يصدقوا العدوّ، لقد حاولوا جعلنا ننقمُ على قيادتنا بأنهم لا يهتمون بنا، ولقد أخبرونا مراراً أن القيادةَ لا تريد مبادلتَنا، إلا أن ثقةَ الأسرى بالله وتوكُّلَهم عليه موجودة وكذلك وعيهم بأكاذيب العدوّ ومحاولته لتشويه ذلك.

– هل بقيت الهواتفُ في حوزتكم إلى اليوم؟
تواصلنا مع أهالينا بالهواتف المخفية عندما نُقلنا إلى سجن فيه أسرى سابقون كان لديهم هواتف، وكنا نطمئنُ أهالينا حتى لا يقلقوا أَو يخافوا وإن أخفينا عنهم الانتهاكات والتعذيب الذي مورس بحقنا، لكن تم اكتشافُ الهواتف التي حصلنا عليها، فقاموا بتعذيبنا بصورة قذرة، وحقّقوا معنا وسألونا أسئلةً لا تمُتُّ للموقف بصلة، وعزلوا بعضَ الأسرى إلى بدرومات بدون ملابسهم لمدة تزيدُ عن أربعين يوماً وهم يعانون من البَعُوض؛ نتيجةَ عدم وجود تهوية أَو حمّامات، وقذارة كبيرة تم منعنا نحن من تنظيفها، لقينا بذلك تعذيباً بصورة بشعةٍ وبأساليبَ قذرة.

– حدثنا عن بعض قصص الأسرى المؤلمة؟
صور وقصص يندى لها جبينُ الإنسانية، لقد حكى لنا بعضُ الأسرى قصصاً فظيعة، لقد قام الإماراتيون بتعذيبهم شخصيًّا، معاملتهم قذرة، لقد جردوا الأسرى من ملابسهم، بأساليبَ لا يمكن أن يكونَ القائمون بها مسلمين أَو عرباً، لقد كانوا يضربون الجرحى رغم ما فيهم حتى تنزفَ جروحُهم، دون أدنى رحمة أَو شفقة، لقد استشهد بعضُ الأسرى إثرَ التعذيب والاضطهاد في المخاء وعلى أيدي الإماراتيين أنفسهم.

ما الذي جرى خلال فترة التحضير لتسليمكم؟
لقد استعرضوا بهذا الأمر كَثيراً، في هذه المرحلة قدم إلينا المرتزِقة ببعض الأوراق لتقديم النصيحة بعدم الانتماء لأنصار الله، ودعوتنا للعودة إلى صوابنا، يحاولون بذلك جَرَّ الأسرى وإقناعهم بأن الحربَ مذهبية وطائفية، فقمنا بمجادلتهم حتى خابوا وخاب مسعاهم، لقد نسَوا كُـلَّ تلك الجرائم والمجازر التي ارتكبوها بحق الشعب اليمني.
قبل الخروج، حاولوا جعلنا نعبِّئُ ونبصمُ على استمارات معاهدة بعدم العودة للجهاد في سبيل الله والوطن، ومع ذلك كانت هناك مواقفُ مشرفة رافضة لذلك من قبل الأسرى؛ نتيجةَ المعاملة التي لاقوها، ما زاد وعيهم بالمشروع العظيم الذي قاتلوا مِن أجلِه؛ للتحرّر من الاستعباد والقهر والتبعية.
ولقد استعرضوا أمامنا بالقوات العسكرية والمدرعات والعربات، وأدخلونا إلى معسكر تدريب للإماراتيين والسعوديين وعَلَمُ الإمارات في كُـلّ ثكنات المعسكر؛ محاولةً منهم في حرب نفسية لترهيب الأسرى من العودة للجهاد ضدهم، وكان المرتزِقة يقولون لنا: بعد أن رأيتم ذلك لا يمكن أن تعودوا مرةً أُخرى.

– كيف هي مشاعرُكم بعد تحريركم، وما هي رسالتُكم؟
موقفُ اليوم موقفٌ تُرفَعُ به الرؤوسُ، موقفٌ مشرِّفٌ بفضل الله سبحانَه وتعالى، وبفضل القيادة الحكيمة، ولا نستطيع التعبيرَ عن مشاعرنا وبهجتنا بموكب الاستقبال للأسرى، وبهذه الحفاوة والعزة والكرامة التي قدّرت مكانةَ الأسرى الذين ذهبوا للدفاع عن الوطن تاركين خلفهم منازلَهم وأهاليهم، وأخلصوا لله وجاهدوا في سبيله وإعلاء كلمته.
أوجِّهُ رسالتي للعدو: إن عدتم عدنا وعاد اللهُ معنا، واللهُ موهنُ كيد الكافرين، ولن يجعلَ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلا، ومهما كانت محاولاتُكم وإمْكَانيتُكم واستعراضُكم، وسكوتُ العالم على جرائمكم ومجازركم فلن يزيدَنا ذلك إلا وعيًا وصمودًا وثباتًا واعتمادًا على الله في مواجهةِ كُـلِّ محاولاتِكم في تركيعِ هذا الشعبِ وإخضاعِه لرغباتِكم ومآربِكم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com