فرحُنا برسول الله خيرٌ مما تجمعون

 

منير الشامي

 

من المؤسف جِـدًّا أن مِن المسلمين اليوم مَن يعتقدون أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعةٌ محرَّمةٌ ويعتبرون من يحييها أهل بدعة وضلال، وكل ذلك بسَببِ جهلهم بكتاب الله وبُعدهم عنه، وهو ما ساعد أئمة الضلال على تجهيلهم وتدجينهم وفصل ارتباطهم برسولهم ودينه الحنيف، بل ووصل بالبعض منهم إلى اعتبار تعظيم الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ الطاهرين- نوعاً من أنواع الشرك بالله ونعوذ بالله من هذا الاعتقاد الضال.

ولو أنهم رجعوا إلى أهل الذكر فسألوهم أَو إلى كتاب الله تعالى وتأملوا في آياته وتدبروا في ما ترشد هم إليه لعرفوا فرط جهلهم ومبلغ ضلالهم، ولأدركوا أن الاحتفال بمحمد وتعظيم محمد وإجلال محمد مفروض عليهم من الله كالصلاة في كُـلّ يوم وليلة من أعمارهم وليس فقط في ذكرى مولده وفي ذلك آيات بينات تنص على ذلك وجوباً لا جوازاً ولا استحباباً ولا استناناً.

ولعلموا أن ذلك من علامات كمال الإيمان وتقوى القلوب ومن مظاهر حُبِّ الله وحسن التعبد له وما وصفه الله بصاحب الخلق العظيم إلا تعظيماً له وتقريراً بعظمته وعلو قدره عند ربه سبحانه وتعالى، وما أنزل اللهُ فيه من آيات تُتلى إلا لتعظيمِه وما عظّم الله عبداً من عباده إلا ليعظِّمَ العبادُ ما عظم ربُّهم، وما أمرنا الله بأدب الحديث معه وخفض الجناح والصوت في حضرته والإجلال له والتوقير إلا لمنزلته العظيمة ومقامه العالي وقَداسته الجليلة.

وما جعله اللهُ أولى بنا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا إلا لندرك تمامَ الإدراك أنه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ الطاهرين- وليُّنا ومالكُ أمرنا وليس لنا من أنفسنا وكل ما نملك شيئاً مما هو لرسول الله منها.

ويكفي المؤمن قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ليعلمَ أن حب النبي وتعظيمه وإجلاله وتوقيره واجبٌ عليه في كُـلّ لحظة من حياته.

ومع كُـلّ ما سبق، هناك أدلة أُخرى من كتاب الله تعالى تنص على وجوب تعظيم رسوله وتبجيله وتوقيره صراحة في كُـلّ وقت وهو ما نبينه فيما يلي:-

أولاً: يقولُ الله تبارك وتعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

فالرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- هو أعظمُ رحمة من الله علينا ولا ينكر هذه الحقيقة أحدٌ.

ثانياً: يقول الله سبحانه وتعالى (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، وفضل الله المقصود في هذه الآية هو سيدنا محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ الطاهرين-؛ لأَنَّ كلمة “ذلك” تشير إلى ما قبلها وهو الفضل الذي بعثه في الأميين، وهو ما تؤكّـده الآيتان الثانية والثالثة من هذه السورة، ما يعني أن سيدنا محمداً هو فضلُ الله الأعظمُ علينا بالنص الواضح.

ثالثاً: يقول الله تبارك وتعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فَليفرحوا هو خير مما يجمعون).

وهذه الآية ترشدنا إلى الفرح بفضل الله وبرحمته وأن ذلك خيرٌ لنا من الأموال والثروات، والأمر بالفرح في الآية ورد على صيغة المضارع وبأُسلُـوب الأمر، ما يفيد الوجوبَ والاستمرار والمواصلة للفعل، وهذا يدل على أن الفرحَ بمحمد وتعظيمه وتوقيره وإجلاله مفروضٌ علينا في كُـلّ لحظة من لحظات حياتنا.

أليست هذه الأدلة القرآنية تثبتُ وتدُلُّ -على خلاف قول أصحاب العقول المتحجرة الذين يصدون عن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف- على وجوب الاحتفاء برسول الله في كُـلّ يوم؟

ثم أليست هذه الأدلة تكفي لهداية مَن يملك ذرة من عقل وليس عقلاً كاملاً إلى نور الحقيقة وتجعله يجزم أننا جميعاً مفرِّطون في اقتصرنا على إحياء المولد الشريف كمناسبة للفرح بسيدنا محمد وتعظيمه وتوقيره؟

فكيف لهم أن يحرموا علينا ما أمرنا اللهُ به في كتابه؟ ولماذا يقولون على الله خلافَ ما يعلمون؟

وهل يتوقعون أن نستجيبَ لهم ونعرضَ عن أوامر الله؟

فَليقولوا ما شاءوا فواللهِ لا نقول لهم إلّا ما قال الإمام زيدٌ عليه السلام: لن تجدونا إلا حيث تكرهون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com