تبادُلُ الأسرى يوضح من نحن ومن هم

عبدالخالق القاسمي

 

‏(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).

تجلّت هذه الآيةُ في الأسرى المحرّرين في أكبر عملية تبادل أسرى منذ بداية العدوان وربما في تاريخ اليمن كلِّه، ففي مطار صنعاء الدولي كان المشهد الذي أبكى العيون وأدمى القلوب وحَيّر العقول، بعد سنواتٍ من الأسر قضى فيها معظمُ الأسرى أكثر من الفترة التي عرفوا فيها الحقَّ وأهله، ورغم المحاولات الوهَّـابية العديدة في التأثير على نفسيات الأسرى بالمحاضرات الدينية المضلة والمُكثّـفة، وبمختلف أساليب التعذيب النفسي، مثل قولهم للأسرى بأن صنعاء تخلّت عنهم ولا تريد إخراجَهم، وبالترغيب والترهيب وشتى الأساليب الدنيئة التي استخدموها مع كُـلِّ فرد بما يناسبه، إلّا أن جهودَهم فشلت، ويؤكّـد هذا ما رأينا في مطار صنعاء، وهذا ما سمعناه من الأسرى أنفسِهم.

الأسرى التي كادت صفقة الإفراج عنهم أن تفشل؛ بسَببِ رفض أحد قيادات المرتزِقة تسليم عشرة من أسرى الجيش واللجان الشعبيّة، ولكن بتأنّي وحنكة القيادة كان الحلُّ القيامَ بالمثل، ولمرتزِق آخرَ على قناة الحدث الأصغر دَلو مليء بالسخافة، حيث قال إن قيادتنا أرادت إفشالَ الصفقة ببعض العراقيل، ومع أن المذيعةَ سألته عن نوعِ العراقيل إلّا أنه تهرّب، وكيف لمن سيستقبل أكثر من 600 أسير أن يُفشل صفقة يستقبل فيها الطرفُ الآخرُ نصفَ العدد؟!

ولعلَّ مكمنَ الزيادة نفس سبب فارق سعر صرف العملة اليمنية في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى من جهة، ومناطق سيطرة المرتزِقة من جهة أُخرى، والفارق في الكرامة والحرية والاستقلال، فرغم تدهور العملة اليمنية عُمُـومًا؛ بسَببِ العدوان، إلّا أنها تحظى بقيمة نوعًا ما في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبيّة، وكذلك الحال فيما يتعلّق بالبشر مع الأسف، أَيْـضاً لعل سبب القبول بأعداد أسرانا والقبول بالصفقة من حيث الأَسَاس تواجد 15 أسيراً سعوديًّا و4 سودانيين، وقبلها إعادة 200 من العالقين اليمنيين مقابل 3 أمريكيين.

وفرق آخر بين صنعاء والطرف الآخر تَجَلّى في الفراغ الذي شهده مطارُ سيئون، وفي الاستقبال الهزيل للأسرى المرتزِقة، وفي استفراد قناة الحدث بالتغطية وشرائها للحدث من المرتزِقة مقابل الحق الحصري والسبق الصحفي، وأجزم أن هذا الاستقبالَ ألحق بهم وبحكومتهم الفندقية العارَ والشنارَ والنقصَ عند مناصريهم قبل غيرهم، خُصُوصاً في تصميمهم على الارتزاق والذل حتى في يوم استقبال أسراهم.

أما الاستقبال الرسمي والشعبي المهيب في مطار صنعاء الدولي الذي يعكس حالةَ الاهتمام بالأسير والمختطف، ويؤكّـد للأسير نفسه زيفَ ادِّعاء السَجّان الذي حاول إيهامَ الأسرى بالتخلّي عنهم، وإبهام الحقيقة الواضحة المتمثّلة في دعوة الطرف الوطني طرف المرتزِقة للتبادل الكلي بالأسرى، فالاستقبالُ المُشَرِّف للأبطال الذي اكتظ على إثره مطار صنعاء بالمدنيين والإعلاميين والأمنيين والمنظمين والعسكريين والوزراء والمدراء وغيرهم يوضح الفرق بيننا وبينهم.

وحتى الفرق بين الأسرى أنفسهم ظهر جليًّا في مراسم استقبال الأسرى من الطرفين، فأسرى المرتزِقة تَفَرّقوا بين سيئون والرياض والخرطوم، وخرجوا للحديث عن الجراح التي أُصيبوا بها بقصف طائرات أسيادهم، ومع ذلك وجّهوا اللوم للمجاهدين بعد أن عَمَت القلوبُ التي في الصدور، وفي حديثهم ضعف ووهن واستكانة.

على عكس أُولئك الأسرى الذين أطَلّوا برؤوسهم من على باب الطائرة ليرفعوا الصرخةَ مُدوّيةً، لينزلوا بعدها ويسجدون لله حمداً وشكراً ويُقبِّلون تراب هذه الأرض الطاهرة، وكلُّهم من أبناء هذه الأرض، لا فرس ولا مخلوقات فضائية، ومن المشاهد المؤلمة عدمُ قدرة بعض الأسرى على الانحناء والسجود؛ نتيجةَ ما لاقوه في السجون المتفرقة في اليمن والسعودية والإمارات، من المؤلم أن تشاهد أكثرَهم معاقاً، ولكن المؤلم للعدوِّ أن المعاقين ما وهَنُوا ولا ضَعُفوا ولا استَكَانوا، بل منهم من تعهّد بالعودة إلى جبهات العزة والكرامة لتناول وجبة العشاء هناك، ولسان حالهم جمعيًا أنهم في انتظار خروجهم ليعودوا من حيث توقفوا، هذا ما يَعجَب له العدوُّ الذي فشل في تركيعهم، وإن كانت الشواهد كفيلة أن تُفهِم الحجار، ولو كان بمقدور الصخور لنهضت للقتال بعد الجرم المفرط بحقِّ نساء وأطفال اليمن والعُزَّل في قاعات الأحزان وصالات الأفراح.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com