إضاءةٌ على خطاب قائد الثورة: المفهوم المحمدي لـ “الحرية” وطبيعة العداء الغربي للإسلام

 

المسيرة | خاص

سلّط قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمته التي ألقاها، أمس، خلال افتتاح فعاليات المولد النبوي الشريف، الضوء على نقاط فكرية وثقافية وتاريخية مهمة حول طبيعة العداء “الغربي” للإسلام والأمة الإسلامية، ومسار التحريف والتشويه والتضليل الذي تنتهجه دول الاستكبار العالمي في سياق هذا العداء الذي بات صريحًا ومعلنًا، وله شواهدُ عملية من المؤامرات والهجمات التي تستهدف الدول الإسلامية وشعوبها من قبل دول الاستكبار، وخص بالذكر فرنسا التي تصدرت مؤخّراً مشهدَ العداء الغربي للإسلام بتصريحات رئيسها المستفزة، والتي رد عليها قائد الثورة بالتذكير بحقيقة طبيعة النظام الفرنسي القائم على الجرائم والوحشية والاصطفاف الواضح مع الصهيونية وقمع الحريات، شأنُه شأنُ بقية الأنظمة الاستعمارية الغربية التي تحاول رفع شعارات “حقوق الإنسان”، بينما يمتلئ حاضرها وماضيها بالجرائم وانتهاك حقوق الشعوب واضطهادهم.

النقاط التي تطرق إليها قائد الثورة جاءت في سياق الحديث عن الهُـوية الإيمانية الحقيقية والانتماء للمنهج الإلهي المحمدي الذي تمثل مناسبة المولد النبوي أبرز محطات تعزيز الارتباط به، وهو حديث تطلّب الرد على الهجمة الغربية التي استهدفت، وما زالت تستهدف، الرسالة المحمدية، بشكل واضح لتشويهها وإبعاد المجتمعات الإسلامية عن تعاليمها وقيمها التي من أبرز مفاعليها التحرّرُ من كُـلّ أشكال العبودية لقوى الظلم، وعلى رأسها دول الغرب التي تعتمد بشكل واضح على استهداف الإسلام لاستعباد الشعوب الإسلامية.

وفي هذا السياق، تناول قائد الثورة موضوع “الحضارة الغربية” التي تحاول دول الغرب أن تصنع منها دعاية للترويج لشعارات الحرية والمساواة والإنسانية، بينما هي في الحقيقة “ليس فيها أية ذرة من الرحمة وتدوس على المجتمعات البشرية وتصادر حريات الشعوب وتنهب ثرواتهم وتحتل بلدانهم”، في تناقض فاضح مع كُـلّ شعارات “حقوق الإنسان” التي يرفعها الغربيون.

ويقدم قائد الثورة شواهد حية على الآثار التدميرية لهذه “الحضارة الغربية” على كُـلّ المستويات، حيث يشهد واقع العديد من البلدان العربية والإسلامية بالذات، وعلى رأسها اليمن وفلسطين، بأن دول الغرب لا تمتلك أي احترام لحقوق الإنسان.

من هذا المدخل ركّز قائد الثورة على مسألة “الحرية” التي يرفع الغرب شعارها ويقدم نفسه كمدافع عنها، ولكنه في الحقيقة يصادرها حتى عن شعوبه، وهو الأمر الذي ينكشف بوضوح عندما تقف دعايات “الحرية” تلك أمام أي انتقاد للصهيونية، حيث يذكّر قائد الثورة بأن فرنسا، وبقية دول الغرب التي تجرّم بشكل كامل أية معارضة للصهيونية أَو محاولة لكشف حقائقها أَو التشكيك في دعاياتها، مستشهدا بما حصل للمفكر الفرنسي “روجيه غارودي” المشهور بتشكيكه بـ”المحرقة” المزعومة، وقدّم دلائل على بطلان “الأساطير المؤسّسة لإسرائيل” وقامت فرنسا بمحاكمته.

وفي هذا السياق، يوضح قائد الثورة “الازدواجية” التي تفضح شعارات “الحرية” في الغرب، حيث “يُسمح لك هناك أن تسيء للإسلام والأنبياء وحتى إلى الله، لكن لا يسمح لك بأن تنتقد أَو تسيء لليهود الصهاينة أَو تعاديهم”، وقد وصل ذلك إلى اختراع تهمة “معاداة السامية” التي كرسها الغرب لاستهداف أية انتقادات للصهيونية وجرائمها.

ومما يكشف زيف شعارات دول الغرب، وخبث الأهداف التدميرية والاستعمارية التي تختبئ وراء تلك الشعارات، العداء الغربي الصريح والواضح للإسلام، حيث يذكّر قائد الثورة بأن هناك “هجمةً صريحة تستهدف الإسلام والمسلمين وتستهدف شخص النبي الأعظم -صلوات الله عليه وآله-، والهُـوية الفكرية والإيمانية الإسلامية”، مؤكّـداً أن هذه الهجمة تسعى بشكل واضح إلى السيطرة على الأُمَّــة الإسلامية واستعبادها على كافة المستويات، من خلال فصل المجتمعات الإسلامية عن انتمائها الديني.

وبمقابل ذلك، يقدم قائد الثورة نظرة مهمة إلى مفهوم “الحرية” الحقيقي الذي يحاول الغربيون استبداله بشعاراتهم المزيفة، حيث يؤكّـد أولا على أن “الحرية بمفهومها الصحيح” هي مبدأ جوهري في الإسلام، وأن “تعزيز الصلة بالهُـوية الإيمانية” هو ما يحقّق هذه الحرية ويقود إلى التخلص الحقيقي من العبودية للشر، مُشيراً إلى أن تحقّق هذه الحرية يحول دون تمكّن أعداء الأُمَّــة اليوم، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، من استغلال المسلمين والسيطرة عليهم.

ومن هذا المنطلق، خص قائد الثورة فرنسا بالذكر، في موضوع استهدافها للإسلام، ردًّا على تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة التي زعم فيها أن “الإسلام يعاني من أزمة” والمحاولات الأخيرة لإعادة تكريس دعاية “الإرهاب” وربطها بالإسلام، من خلال افتعال الجرائم داخل فرنسا.

يؤكّـد قائد الثورة هنا أن تصريحات الرئيس الفرنسي هي “شكل من أشكال التعبير العدائي للأُمَّـة الإسلامية”، في ظل انكشاف وثبوت حقيقة هذا العداء من خلال الإساءات المتكرّرة للإسلام وللنبي الأعظم -صلوات الله عليه وآله-، والتي ترعاها وتسمح بها فرنسا ودول الغرب، في الوقت الذي تمنع هذه الدول أي تصرف مماثل تجاه الصهيونية.

ورد قائد الثورة على تصريح الرئيس الفرنسي، بأن الأزمات التي يشهدها واقع الأُمَّــة الإسلامية اليوم هي أصلاً من صنع عملاء دول الاستعمار الغربي؛ ونتيجة سياساتها تجاه دول المنطقة.
وفي هذا السياق، يذكر قائد الثورة فرنسا بجزء من تاريخها الإجرامي والوحشي الفاضح الذي لا يمكن لأية شعارات أَو دعايات أن تمحوه أَو تخفف منه، والذي لم تحاول فرنسا – لوقاحتها – حتى أن تعتذر عنه، وهو الجزء الخاص باستعمار الجزائر، وما فعله الفرنسيون من جرائم بالغة الوحشية خلال تلك الفترة التي يعتبرها قائد الثورة “وصمة العار الأبدية التي ستستمر في واقع فرنسا” إلى نهاية التاريخ.

ومن شواهد التاريخ، ينتقل قائد الثورة إلى استعراض شواهد الحاضر الحي على حقيقة العداء الغربي للإسلام والمجتمعات الإسلامية، وما كشفه هذا العداء من زيف كامل لشعارات “الحريات” و”حقوق الإنسان” التي ترفعها دول الغرب، حيث يذكّر بالدعم الواضح الذي تقدمه هذه الدول وعلى رأسها أمريكا وفرنسا للجماعات التكفيرية، والتدخل الأمريكي والغربي الواضح لمساندة تلك الجماعات في سوريا واليمن ودعم المخابرات الغربية، بما فيها الفرنسية، لتلك الجماعات، والذي يكشف “استفادة الغرب من التكفيريين في تشويه صورة الإسلام”.

ليس ذلك فحسب، بل يؤكّـد قائد الثورة أن ممارسات وسياسات دول الغرب وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، باتت من أهم أسباب معاناة البشرية حول العالم كلِّه، وليس في المنطقة الإسلامية فحسب، على أن الأخيرة هي الساحة الأبرز اليوم؛ بسَببِ حجم العداء الغربي للإسلام والمجتمعات الإسلامية.

إن النقاط التي سلط عليها قائد الثورة الضوء في هذه الكلمة، وعلى الرغم من إيجازها، ترسم بدقة المسار الذي يكشف حقيقة بشاعة نظام الاستكبار الغربي، وهي حقيقة باتت واضحة حتى أن دول الاستكبار نفسها تحاول تكريسها كأمر طبيعي، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من إزاحة دعايات وشعارات “الحرية” و”حقوق الإنسان” الزائفة التي ترفعها هذه الدول، لينكشف بطلانُ كُـلِّ الذرائع التي تحاول أن تغزوَ بها المجتمعات والدول، وهو ما يفرض على الشعوب المستهدفة، والإسلامية بالذات، واجب العودة إلى التمسك بالرسالة المحمدية وقيمها ومكانتها في هُوية هذه الشعوب؛ كَـون هذه الرسالة هي أبرز وأهم ما يحاول الغرب استهدافه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com