سِـــرُّ العطاء

 

سند الصيادي

جميلةٌ ومعبرةٌ تلك المظاهرُ الاحتفائيةُ في العاصمةِ صنعاءَ التي حفل بها أسرى الجيش واللجان الشعبيّة وبقية المعتقلين المحرّرين، والتي رغم بساطتها إذَا ما تحدّثنا عن حجم الإمْكَانات وَالتجهيزات، إلَّا أن الحالة الشعبيّة العفوية مثّلت أبرز مشاهد بهائها وَعظمتها.

لقد تكاملت بهذا الحدث مشاعرُ جميع مكوناته، ابتداءً من الأسير الذي يعتبر مُجَـرّدُ خروجه من الأسر عيدا بهيجا، غير أن حالة الاستقبال والحفاوة رسميًّا وَشعبيًّا التي شهدها من لحظة نزوله من الطائرة وطوال طريق رحلته من المطار إلى وسط العاصمة صنعاء، ضاعف من سروره وَاعتزازه بنفسه وبالموقف والعمل الذي كان يؤديه وَعانى مرارة الاعتقال والتعذيب لأجله.

وبالإشارة إلى مشاعر أسرة الأسير الذي ترى في عودة خِيْرَةِ أفرادها إليها فرحة غامرة لوحدها دون هذه المظاهر، إلَّا أن الاستقبال الكبير له من القيادة والشعب أنساها آلام وأحزان غيابه وَزاد من فرحتها وفخرها وَعظمة الحدث وَالموقف الذي مثله والذي يتمركز فيه هذا الأسير المنتمي إليها.

وحين نتحدّثُ عن مشاعر القيادات الرسمية الحاضرة في الاستقبال “الحكومية وَالعسكرية”، فإنها خليط بين الحالة الشعبيّة وصفتها الرسمية، وَبالمجموع، فقد زاد المشهدُ في نفوس هذه القيادات عزما وَفخرا بالشعب الذي تنتمي إليه وَضاعف من شعورها بحجم مسؤولياتها وَبعظمة المشروع الذي تقف هي على ناصيته.

أما فيما يخص المشاعر الجمعية للأسرى وَالشعب وَالقيادة، فإنها باختلاط أسبابها ودوافعها وأشكالها ترسم حالة عجيبة من التكامل بين الشعور الذاتي وَالشعور الجمعي الوطني، وهو تناغم فطري جبل الله عليه ذوات عباده، غير أنه في الماضي وَبسبب انعدام القيادة الجامعة المنطلقة من الدوافع الذاتية لشعبها، حدثت هناك فجوة بين الشعور الشخصي وَالقيادي، فقلَّ التماسك وَانعدم العطاء وَتعدّدت الأهواء وتفككت عرى الهُوية.

ومثلما تكاملت عناصر المواجهة للعدوان من قيادة وشعب ومقاتلين، مثل المشهد بكامل مكوناته “الأسير، الشعب، القيادة”، دفعة لاستمرار العطاء الوطني في مجال المواجهة وَبناء المؤسّستين العسكرية والأمنية، وهذه الحالة الوطنية مطلوبة في مختلف المجالات، خُصُوصاً تلك التي تضمن هذه الانتصارات العسكرية وَتزيد من حماية مفهوم السيادة والاستقلال وَالوحدة الوطنية، اقتصادياً وَثقافياً وَسياسياً.

وَمثلما يمثّلُ المقاتلُ الأسير وَالجريح وَالشهيد ترساً يحرك عجلة المجال الدفاعي والأمني، فكذلك المزارع وَالمصنع وَالمدرس وَالموظف بكافة المهن والقطاعات يمثلون تروسا هامة في عجلة البناء، كُلٌّ في مجاله، ويجب أن ينالوا كُـلّ الدعم النفسي والمعنوي الذي يكفل تكامل العطاء الوطني لضمان بناء الدولة اليمنية المستقلة والقوية.

أثقُ وأنا أتابعُ مشهدَ استقبال الأسرى وقبلها مشاهد الصمود الشعبي في وجه العدوان خلال الست سنوات الماضية، بأننا نمضي في مسارات صحيحة وَصائبة تؤدي إلى هذا التكامل الشامل، تتجاوز التفاؤلات فيها المشاعر الحماسية الآنية إلى ترجمة عملية ملموسة في كافة ميادين العمل والبناء.

وَمنطلقُ هذه الثقة أن قيادتنا القرآنية الحكيمة، بشخصها المستوفي لكل أدبيات الذات وَمعايير القيادة وَبمنهاجها القرآني الكامل الشامل، وَشعبها المنسجم آمالُه وتطلعاتُه مع كُـلّ ما سبق، هم سر النجاحات التي تحقّقت، وَسر الطموحات المستقبلية التي تتعالى، فمباركٌ للأسرى المحرّرين عناق الحرية، مباركٌ لهم معركة الصبر وقد خاضوها بإيمان وعنفوان وانتصروا.

وبما أننا قد تجاوزنا جميعاً خطَّ البداية وهو الجزءُ الأصعبُ، فقد بقي أمامنا بذات الروحية والوعي أن نمضيَ قُدُمًا بقيةَ الطريق.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com