فيما تجاوزت الخسائر جراء العدوان والحصار تسعة مليارات دولار: القطاع السمكي.. ثروة واعدة ومستدامة تنتظر شباكَ الاستغلال الحقيقي

 

المسيرة: محمد صالح حاتم

تعتبر الثروةُ السمكيةُ من أهمِّ الموارد الاقتصادية التي تعتمدُ عليها الدول؛ كَونها ثروةً دائمةً لا تنضَبُ، وتعتمدُ عليها شريحة كبيرةٌ من المواطنين.

تزخر المياهُ الإقليمية اليمنية بالعديد من الأسماك والأحياء البحرية، والتي تعتبر ثروة قومية للبلد لو تم استغلالها الاستغلال الأمثل لوفرة عائدات كبيرة قد تصل لعائدات الثروة النفطية.

فالمياه الإقليمية اليمنية تتواجد فيها عدة أنواع من الأسماك والأحياء البحرية نحو 400 نوع منها (الديرك -التونة -الثمد-الماكريل -الهامور -الجحش -السخلة -الشروخ -والجمبري)، وهناك عدة أنواع من الأسماك والأحياء البحرية التي تتواجد في المياه الإقليمية اليمنية.

فاليمن تمتلكُ شريطاً ساحلياً يبلغ طولُه حوالي 2500 كم، هذا الشريط الطويل غنيٌّ بالأسماك والأحياء البحرية والشعب المرجانية، وتمتلك اليمنُ كذلك أكثرَ من 180 جزيرة في البحرين العربي والأحمر من أهمها جزيرة سقطرى وعبد الكوري في البحر العربي، وجزر حنيش الكبرى والصغرى وكمران وزقر وميون في البحر الأحمر، ولكن رغم هذه الميزات إلَّا أن الثروة السمكية لم تستغل طيلة العقود الماضية، ولم ينعم بخيراتها المواطنُ اليمني، وخَاصَّةً شريحةَ الصيادين الذين يعانون الجوع والفقر والمرض ولا يجدون مسكناً يأويهم، أَو مدرسة يتعلم فيها أبناؤهم، أَو مستشفى يداوي مرضاهم، بل إن سكان المناطق الساحلية هم الأشد فقراً في اليمن.

خلال العقود الماضية كانت الثروة السمكية مهدرةً تنهبها الشركاتُ الخاصة للنافذين، وتجرفها وتدمّـرها السفنُ الخارجية برضا وعلم من أصحابِ القرار، فقطاع الأسماك يساهم في الناتج المحلي بواقع 1.7% وهي نسبة قليلة جِـدًّا بما تمتلكه اليمنُ من مخزون سمكي، تشير التقديراتُ إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية يبلغ سنوياً حوالي 200 ألف طن قبل العدوان، وهي أعلى نسبة إنتاج وصلت في اليمن، حَيثُ تم تصدير ما بين 30%-50% من الإنتاج بعائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار.

 

الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر.. المنشأ والأهداف:

رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر المهندس هاشم علي الدانعي أوضح أن تأسيس هذه الهيئة كان قراراً سليماً وحكيماً، إلَّا أنه لم يكتمل، فبعد تأسيسها تم بدْءُ تكوين عملها الإداري في العام 2012م، ولكنها رغم جدوائية تأسيسها كمؤسّسة خدمية واقتصادية ميدانية، يمكنها أن تسهمَ في تنمية الثروة السمكية، وتحسين سبل معيشة الصيادين، وتوفير خدمات الإنتاج والتسويق والتصدير السمكي للصيادين والمنتجين السمكيين.

وأشَارَ إلى أنه رافق إنشاءها عشوائيةٌ في استكمال المهام التأسيسية واستكمال الإطار المؤسّسي، إذ تم وضع لائحتها القانونية، ولم يتم وضع آلية لعملية تشغيل للوحدات الاقتصادية التي كانت تمتلكها مؤسّسة الخدمات العامة وتسويق الأسماك من مصانع للثلج ومحطات الوقود وقوارب الصيد وقوارب الرقابة؛ كَون الهيئة حلت محلَّ المؤسّسة العامة لخدمات وتسويق الأسماك، وَعدم وجود رؤية تخطيطية واضحة من قبل وزارة الثروة السمكية أَدَّى إلى عدم قدرة الهيئة لإعادة تشغيل وتفعيل الوحدات الاقتصادية التي كانت تمتلكها المؤسّسة، وهو ما تسبَّب في تدمير واندثار تلك الوحدات من مصانع للثلج وقوارب الصيد وقوارب الرقابة وتأجير محطات الوقود، فهذه الوحدات الاقتصادية المهمة كانت تدر ملايين الريالات شهرياً.

وَأَضَـافَ المهندس الدانعي: “إن عمل المؤسّسة اقتصر على إعادة تشغيل النشاط فقط، فلم تتمكّن من الانتقال بعملية الخدمات والإنزال السمكي وتحسينها، وتطبيق معايير ومواصفات الجودة وتوفير الخدمات الإنتاجية وتوفير مستلزمات الصيد من الوقود والثلج وغيرها”.

 

تدميرٌ ممنهجٌ للقطاع السمكي:

لقد انتهج تحالف العدوان نهجاً عدائياً وتدميرياً للقطاعات المدنية الاقتصادية والحيوية ومنها القطاع السمكي والبيئة البحرية، حَيثُ عمد إلى تدمير الموانئ ومراكز الإنزال السمكي واستهدف قوارب الصيد استهدافاً مباشراً، وهو ما أَدَّى إلى استشهاد 272 صيَّاداً وجرح حوالي 214 آخرين، وتدمير 250 قاربَ صيد بتكلفة 6 ملايين و300 ألف دولار، بالإضافة إلى منع الصيادين من دخول البحر، واحتجازهم، حَيثُ قام تحالف العدوان خلال سنوات العدوان الخمس والنصف باحتجاز 1511 صيَّاداً لا يزال 23 صيَّاداً محتجزاً حتى الآن.

وكشف رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية أن إجمالي خسائر القطاع السمكي خلال 2000 يوم من العدوان بلغت 9 مليارات و798 مليوناً و615 ألف دولار.

وأكّـد الدانعي أن العدوان أثّر تأثيراً كَبيراً على الثروة السمكية، حَيثُ دمّـر المنشآت السمكية ومنع دخول الوقود والذي أثّر سلبياً على معيشة الصيادين.

ولم يكتفِ العدوان بهذا وحسب بل قام بتدمير البيئة البحرية، من خلال جرف وتدمير الشعب المرجانية والاصطياد العشوائي والجائر من قبل سفن دول العدوان.

 

الصعوباتُ التي يعاني منها القطاع السمكي:

أوضح المهندس هاشم أن قطاع الأسماك يعاني من عدة صعوبات منها: غياب الرؤية الاستراتيجية الملائمة للنهوض بالقطاع السمكي وتعزيز قدراته المؤسّسية ورفع إسهاماته الاقتصادية في الاقتصاد الوطني.

وَأَضَـافَ بالقول: “إن جميع الخطط السابقة لم تلامس هموم الصيادين وتعمل على تحسين معيشتهم”.

وأوضح رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية أن من ضمن الصعوبات غياب الإرشاد والتدريب والتأهيل للكوادر العاملة في القطاعي السمكي، ومنها تدريب المرأة الساحلية.

وأشَارَ إلى أن أهم ما يعانيه القطاع السمكي هو ضعف وهشاشة البنية التحتية في قطاع البحر الأحمر والذي لا يوجد فيه سوى ثلاثة موانئ سمكية وساحتَي إنزال في المنطقة الجنوبية، وهي الآن تحت احتلال قوى العدوان ومرتزِقته، وقد أدى غيابُها ومحدودياتُ البنية التحتية إلى عدم تمكّن الجهات الرسمية القائمة بإدارة القطاع السمكي من السيطرة على مواقع تكاثر الأسماك والسيطرة كذلك على أنشطة الصيد.

وَأَضَـافَ المهندس هاشم أنه لا توجد ساحات إنزال في باجل، والمنيرة، والهارونية وكمران واللحية والتي يوجد فيها مركز بدائي تقليدي لا تفي خدماتُه بمتطلبات قطاع النشاط على مستوى التسويق.

وأكّـد أن من ضمن الصعوبات التي تواجه قطاع الأسماك غياب المؤسّسات البحثية والإرشادية، ومركز الدراسات الاقتصادية، فالمؤسّسات التي لا توجد لديها بحوثٌ هي قطاعات متخلفة.

ونوّه بأنه يوجد هيئة أبحاث علوم البحار فرع الحديدة والتي تأسست في عام 2007م بموجب القرار 149، وهذه الهيئة فرع من هيئة أبحاث علوم البحار بمحافظة عدن. وَما زالت تتبعه إدارياً ومالياً حتَّى الآن، مؤكّـداً أن هذا يتطلب تدخلات وطنية لوضع حلولٍ جذرية لهذه المشكلة، يتم من خلالها اعتماد موازنة تشغيلية مستقلة عن المركز الرئيسي بعدن، ويتم تأهيلُها وَتفعيله وتطوير أدائها، متبعاً بالقول: “هذه الهيئة منذ تأسيسها لم تلقَ الاهتمامَ ولا يوجد لديها هيكلة مؤسّسية واضحة، وكوادرها البشرية تحتاج تأهيلاً وتدريباً”.

وأردف الدانعي أن من ضمن الصعوبات “غياب التنسيق بين مؤسّسات الثروة السمكية ومؤسّسات التعليم الفني والتدريب المهني والتعليم الجامعي، وهو ما أدى إلى عدم استفادة القطاع السمكي من مخرجات التعليم الفني والجامعي، وكذا لا توجد معاهدُ سمكيةٌ كما هو حال القطاع الزراعي باستثناء معهد في عدن والذي إنشاء في ثمانينيات القرن الماضي والذي تم تحويلُه إلى المعهد التقني البحري، وكذا كلية علوم البحار والأحياء المائية والتي تحولت إلى كلية علوم البحار والبيئة بأقسامها الأربعة (الأحياء البحرية والمصائد-والفيزياء البحرية-والجيولوجيا-وقسم البيئة)”.

وتابع حديثه “ورغم مخرجات هذه الكلية إلَّا أنه؛ بسَببِ غياب التنسيق بين الوزارة والكلية وجدت فجوة لا تغذي الإطار المؤسّسي في القطاع السمكي”.

وقال المهندس الدانعي: “لا توجد سياسات فاعلة في توظيف مخرجات الكلية في القطاع السمكي للاستفادة من خبراتهم ورفد القطاع بالكوادر الشابة المتعلمة والمؤهلة”.

وكشف رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر عن التوجّـهات المستقبلية للاستفادة من مخرجات الكلية ضمن برنامج التلمذة المهنية والذي يسعى البرنامج إلى توظيف خريجي كلية علوم البحار الذين لم يتم توظيفهم سابقًا للاستفادة منهم وتمكينهم من القيام بالأعمال في إطار مجتمعاتهم بما يواكب احتياجاتنا ويغطي الفجوة القائمة في هذا المجال.

وتأسف المهندس هاشم عن غياب دور القطاع الخاص والاستثمارات في القطاع السمكي والتي لم تلبِّ الطموحات والآمال المعقودة على هذا القطاع.

وأشاد بصمودِ وتضحيات مجتمع الصيادين، الشامخ والصامد في وجه تحالف العدوان، مؤكّـداً أنهم مستمرون في نشاطهم تحت ضربِ النيران وقصف البوارج والصواريخ والطيران ومدفعية الأعداء، مُضيفاً “الصيادون لديهم القوة الفاعلة لتحرير أرضهم من هيمنة تحالف العدوان ومرتزِقته”.

ودعاء الدانعي المؤسّساتِ الوطنيةَ إلى دعم جهود التنمية في القطاع السمكي للنهوض بهذا القطاع الهام، الذي يعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني وثروة واعدة ومستدامة وقليلة التكلفة، ويعتمد عليها شريحة كبيرة من أبناء المجتمع اليمني وَمصدر معيشتهم الوحيد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com