هل بات العزاء جُرماً عقوبتُه الموت!

 

د. أشرف الكبسي

‏عصرَ ذاك اليوم..

أصلحتُ بعضَ هندامي.. الثوب الأبيض والعسيب الأخضر، ورششتُ على الشال الجديدِ عطراً من قنينة (إنفكتوس)، وتوجّـهت، بعد أن طبعتُ قبلةَ الوداع المؤقَّتِ على جبين ابني الصغير؛ لأداء واجبِ العزاء في وفاة الرويشان الكبير..

‏كانت القاعةُ الكبرى تعُجُّ بجموعِ المعزين؛ ولسبب ما كانوا جميعاً يشبهونني.. بل كانوا أنا!

لم يكن الحزنُ طاغياً، فما أكثرَ الوفيات في العامين الأخيرين من عُمر صنعاء المديد، وما أكثرَ حاجة الأحياء لعزاء باسم!

يقولون: إن الرجلَ لا يسمعُ صوتَ الرصاصة الأخيرة، لكنني سمعتُ الصاروخَ الأول والثاني والأخير!

‏لا بُدَّ أنني الآن ميت.. فالبردُ كما الظلام شديدٌ في ثلاجة المشفى خلافاً لدفء القاعة وأنوارها.. هل بات العزاء جُرماً عقوبتُه الموت!

كيف أموتُ والوداعُ كان مؤقَّتاً وما يزالُ صغيري ينتظرُ عودتي؟!

كيف أموتُ دون أن أطلقَ من بندقيتي رصاصةً واحدةً؟!

‏وانحدرت من روحي دمعةٌ..

لها أريجُ إنفكتوس، ومذاقُ قهوة اليمن..

عندها اقترب مني أحدُ الملائكة وهمَسَ بثقةِ العارف: لا لم تمُتْ.. أنت شهيد!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com