مقتطفاتٌ من الذكرى الـ 58 لثورة الـ 26 من سبتمبر

 

عبدالقوي بن محمد

باتت معركةُ الوعي والإدراك من المعارك المصيرية والهامة، التي يخوضها الشعبُ اليمني العظيم على مدى أعوام من العدوان، فمعَ كُـلّ مناسبةٍ دينيةٍ كانت أَو وطنية تمر علينا، تعمد قوى تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الصهيوني وعبر أبواقها الرخيصة الناعِقة بمختلفة فعالياتها، إلى تشتيت وتغييب الرأي العام اليمني وحَرْفِ مسارات اهتمامه، وتشويه الوعي والإدراك المجتمعي فيه، من خلال جملةٍ من المفاهيم المضللة والمتخبطة، المرتكِزة على حملاتٍ إعلاميةٍ جوفاءَ، تهدفُ إلى طمسِ الحقائق وتزييفِ الوقائع والتلاعب بالعواطف من خلال تلاعبها بالمصطلحات، عبر شخوصٍ تجسدت خُلق الذباب التي لا تحط إلا على الأقذاء والقروح.

فمنذُ أن بدأ العدوان على اليمن في مارس 2015م حتى اليوم، ما زالت تلك الأبواق المشروخة تنعق بالبؤس والخراب وتهذي بالترهات والأباطيل العقيمة التي لا يقبلها عاقل ولا تنطلي على واعٍ، وظلت تراوح بين الحزم والأمل، بين التحرير والمقاومة، بين الوعود الكاذبة والآمال الزائفة، بزعم عناوين دعمها لشرعية حكومة فنادقها، وإنهاء التمرد والانقلاب، والكثير من العناوين والمبرّرات، التي جعلتها شماعةً لنشرِ غسيلها القذر.

هُنا أقول لكم مخاطباً العقولَ لا العواطف: كيف لأنظمة راديكاليةٍ ملكيةٍ رجعية كالسعودية والإمارات، وهي التي لا تمتلك إلا مفاهيم القمع والتسلط والاستحواذ، أن تدعمَ وأن تقاتلَ باسم الثورة والحرية، باسم الجمهورية والديمقراطية، وهي لا تملك أدنى مؤشرات لتلك المفاهيم في مجتمعاتها وبلدانها؟!..

كيف لأنظمة تقيّحت غِلاًّ وحقداً على اليمن (الأرض والإنسان) وعبر مراحلَ تاريخيةٍ مختلفة ليست عنكم ببعيد، أن تعملَ على أمنهِ واستقراره، أن تسعى إلى تحقيق رفعتهِ وكرامته؟!..

كيف لأنظمة اتضحت عمالتُها وانبطاحها وولاؤها لقوى الهيمنة والاستكبار العالمية (الصهيوأمريكية)، وتكشفت سوءاتها في خيانتها المتكرّرة ومتاجرتها الدائمة بقضايا الأُمَّــة العربية والإسلامية، واتضح تنصلها حتى عن دينها ومقدساتها وثوابت شعوبها التي ناضلت وجاهدت وقدمت وما زالت تقدم قوافل من الشهداء في محراب العزة والكرامة؟!..

كيف لهذه الأنظمة المتخمة بالعمالة والتبعية، والمتقيحة خيانةً وخسةً وانحطاطاً أن تقدم شيئاً لشعوبها المحكومة بالحديد والنار، ناهيك عمّا يمكن أن تقدمهُ لليمن وشعبه؟!..

هذا الأمر وغيره، لم يعد خفياً على الجميع بما فيهم تلك الشخصيات المأزومة ممن يلتصقون باليمنية زوراً وبهتاناً، بمختلف شرائحهم وتكويناتهم المنبوذة خارج إطار التاريخ اليمني الناصع، وعلى خلفية خيانتهم للأرض والأمة اليمنية، تلك المخلفات النتنة من نفايات السياسات المتراكمة السابقة، والمتجذرة فساداً وإفساداً، والمنحدرة إلى مستنقع الارتزاق والانبطاح للخارج تبعيةً وارتهاناً، الذين نراهم اليوم في مشاهدَ تثير الضحك تارةً والاستعطاف تارةً أُخرى، لأُولئك التابعين لهم والتأثرين بخطابهم المزيف، فحين رأيناهم يحتفلون بطريقتهم الخَاصَّة بمناسبة الذكرى الـ58 لثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة، مع ممالك هي من حاربت هذه الثورة واستهدفت ثوارها، هي من حاولت إجهاضها في مهدها، وبترت أهدافها وأفرغت مبادئها من مضامينها الثورية، واستحوذت عليها حتى جاءت ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة لتعيد بريق الثورة والجمهورية وتصوب مسارها وتحرّر قرارها، وتطهّر صروحها.

ففي خضمِّ سيل من المتناقضات التي تتكشَّفُ يوماً تلوَ آخر، وفي سياق معركة الوعي الكبرى، أدرك جيلُ اليوم وسيدركُ جيلُ الغد، من الأجيال اليمنية المتعاقبة، حقيقةَ مَن يصونُ الثورة اليمنية ويصوب مساراتها نحو عزة وكرامة الشعب اليمني، من يحمي الجمهورية ويرسي دعائمها نحو تلمس آفاق المستقبل، وحقيقة من ينقلب عليها ويخون تضحيات ودماء أبطالها وشهدائها، من يسعى إلى طمس مبادئها وأهدافها.

سندرك جميعاً حقيقة من يرفع رايةَ وشعارَ الثورة والجمهورية خفاقاً، ومن يدوسُها ويحرقُها ويستبدلها برايات وشعارات السعوديّة والإمارات وداعش، حقيقة من يصدر قراراته من القصر الجمهوري في صنعاء، ومن يتلقاها من قصر اليمامة بالرياض أَو قصر الوطن بأبو ظبي، من يحافظ على وحدة الأرض والإنسان، ومن يسعى إلى التشطير والأقلمة والتشظي، من يقاوم المحتلّ ويصدُّ الغزاةَ المعتدين ويحافظ على السيادة والكرامة، ومن يستجلب الغزاةَ والمحتلّين متنازلاً عن أرضهِ ومتاجراً بكرامتهِ وكرامة شعبه، من يقاتل في سبيل مشروعٍ ديني ووطني وأخلاقي، ومن يقاتل؛ مِن أجلِ مشاريع وأطماع قوى العدوان ومن ورائهم قوى الهيمنة والاستغلال والاستكبار العالمي المتمثل بالصهيونية الأمريكية.

هُنا أتركُكم حَكَماً بين من يسقط شهيداً محافظاً على مبادئه وأرضه وهُويته، فيزف إلى مسقط رأسه كما يزف العرسان، وبين من يسقط قتيلاً فتحفر لهم آلاتُ العدوان مقابرَ جماعية بلا هُوية بلا مبدأ وبلا وطن، بل ويتركون أحياناً في العراء جثثاً تأكُلُها الكلاب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com