“سلاح التجويع”: كيف يصنع ثنائي (النهب والحصار) معاناة اليمنيين؟

حكومة المرتزقة تنهب أكثر من 100 مليون دولار شهرياً من عائدات نفط حضرموت ومأرب وشبوة

العدوان يتعامل مع بنود “اتّفاق السويد” بانتقائية تخدم “مزاجه السياسي”

 

المسيرة | تقرير

ما زال مِلفُّ إيراداتِ النفط والغاز التي تنهبُها حكومةُ المرتزِقة، على واجهة المشهد الاقتصادي اليمني بشكل عام، لكنه يتصدر اليوم واجهةَ المشهد في المحافظات المحتلّة بشكل خاص مع تصاعد الاحتجاجات “العسكرية” المطالبة بالرواتب في عدن والاحتجاجات على تردي الأوضاع في حضرموت، الأمر الذي يعيد طرح التساؤلات حول مصير أكثر من 100 مليون دولار من الإيرادات المنهوبة شهرياً، بحسب ما أكّـدت مصادرُ رفيعة المستوى لصحيفة المسيرة، لا سِـيَّـما أن هذه الإيرادات تدخل ضمن التزامات ناهبيها في اتّفاق السويد الذي ثبت مؤخّراً من خلال صفقة تبادل الأسرى، أن حكومة المرتزِقة وتحالف العدوان يتعاملون مع بنوده بانتقائية فاضحة؛ باعتبَارها أوراقَ لعب سياسية وليست التزامات.

هذا الأسبوع شهدت عدن، وما زالت، تصعيداً ملفتاً لاحتجاجات عسكرية مطالبة بصرف الرواتب، وهدّد المحتجون بإسقاط عدة مؤسّسات داخل المحافظة المحتلّة بعد أن قاموا بإغلاق بوابات الميناء الرئيسية، الأمر الذي دفع بنشطاء محليين ووسائل إعلام محلية (موالية للعدوان) إلى الحديث مجدّدًا عن مِلفِّ الإيرادات المنهوبة التي يفترض بها أن تغطي رواتب جميع الموظفين، ناهيك عن مرتبات العناصر الذين قاتلوا في صفوف العدوان.

الاحتجاجاتُ -التي تزامنت أَيْـضاً مع احتجاجات أُخرى على تدهور الأوضاع الخدمية والمعيشية في حضرموت (النفطية)- أعادت طرح التساؤلات التي لطالما تهربت جميع أطراف العدوان من الإجَابَة عليها أبرزها: أين تذهب إيرادات النفط والغاز؟ وأين تذهب الأموال التي تستمر حكومة الفارّ هادي بطباعتها ولا يظهر إلا أثرُها السلبي على أسعار الصرف؟

في سياق السؤال الأول، أفاد مصدر رفيع المستوى لصحيفة المسيرة مؤخّراً، بأن إجمالي ما تحصل عليه حكومة المرتزِقة من إيرادات نفط مأرب وشبوة وحضرموت الذي يتم تصديره / تهريبه، عبر مينائي النشيمة والضبة، تتجاوز 100 مليون دولار شهرياً، وفقاً لأسعار النفط الخام الحالية (بمتوسط 40 دولاراً للبرميل)، وبحسب أسعار صرف الدولار في مناطق سيطرة المرتزِقة (800 ريال للدولار) يصبح إجمالي الإيرادات التي تحصل عليها حكومة الفارّ هادي شهرياً أكثر من (80 تريليون ريال يمني).

هذا المبلغ يسقط جميع الأعذار التي تحاول حكومة المرتزِقة اختلاقها لتبرير استمرار قطع المرتبات عن موظفي البلد، ناهيك عن العناصر الذين قاتلوا لأجلها (يمتلك حزب الإصلاح فصائل ضمن المحتجين العسكريين على انقطاع المرتبات في عدن اليوم)، مع العلم أن حكومة المرتزِقة لم تقدم حتى الآن أيةَ إجَابَة عن مصير هذه الإيرادات، بل إن مسؤوليها قالوا لعدد من وسائل الإعلام العربية خلال السنوات الماضية: إن إيرادات النفط والغاز لا تدخل ضمن الموازنات الرسمية؛ لأَنَّه لا يوجد موازنات بالمعنى الحقيقي، أي أن حكومة المرتزِقة تتعامل، فعلياً، مع هذا الكم الهائل من الأموال وكأنه مِلكٌ شخصي لقياداتها لا دخلَ له بالشعب والوطن ولا يخضع لأية قوانين أَو التزامات.

ولأنها تعتبر هذه الإيرادات ملكاً شخصياً لقياداتها، فقد حولت حكومة المرتزِقة مسألة الرواتب من التزام أَسَاسي مفروض على سلطتها، إلى ورقة سياسية واقتصادية للابتزاز والضغط، وهو ما عبر عنه تقرير سابق لفريق الخبراء الأمميين بشأن اليمن، أكّـد أن تحالف العدوان وحكومة الفارّ هادي “يستخدمون التجويع كسلاح حرب”، وهذا ما نقرأه بوضوح أَيْـضاً في استمرار رفضهم للالتزام بما يقتضيه اتّفاق السويد الذي وقّعوا عليه في استخدام إيرادات البلاد لصرف مرتبات الموظفين، وكأنهم يرفضون أن تعود هذه الإيرادات إلى طبيعتها كثروة شعبيّة ووطنية، قبل أن يحولوها إلى أملاك شخصية وأوراق ضغط!

وبات تعامل تحالف العدوان وحكومة المرتزِقة مع اتّفاق السويد نفسه يفضح هذه الجريمة غير المسبوقة في تأريخ البلاد، إذ نجدهم مؤخّراً يوافقون على صفقة جزئية لتبادل الأسرى ضمن الاتّفاق، وكأنهم ينتقون منه الأوراق المناسبة فقط، وهذا ما يؤكّـده أَيْـضاً تأخرهم لقرابة عامين في الموافقة على تحريك مِلفّ الأسرى، أي أنهم يستخدمون بنود الاتّفاق حسب توقيت المزاج السياسي، الذي يبدو أنه لا زال يستفيد من مسألة التجويع، لتوفير وقت أطول لنهب الإيرادات، ثم إذَا حان الوقت للموافقة على بدء تخصيص الإيرادات للرواتب سيقدمون ذلك؛ باعتبَاره تنازلاً وخطوة “سلام”، وهو في الحقيقة اعتراف بسنوات من أكبر عملية نهب لثروات اليمن.

في هذا السياق، تحدث سياسيون في صنعاء لصحيفة المسيرة، عن حقيقة الموقف الفاضح لحكومة المرتزِقة وتحالف العدوان من اتّفاق السويد، وأوضحوا أنه إذَا كانت أطراف العدوان جادةً فعلاً في تنفيذ اتّفاق السويد، فليتم التقدم بباقي مِلفات الاتّفاق أُسوةً بمِلفّ الأسرى، وأهم تلك الملفات مِلفُّ المرتبات الذي يقضي الاتّفاق بإعادة صرفها لجميع الموظفين من إيرادات البلاد، خُصُوصاً وقد أثبتت صنعاء استعدادها للمضي في هذا المِلفّ بالمبادرة الأُحادية التي تم على ضوئها إيداع إيرادات ميناء الحديدة في حساب خاص للمرتبات وفقاً لاتّفاق رعته الأمم المتحدة، لكن حكومة المرتزِقة رفضت أن تفيَ بالتزاماتها ولم تورد أي شيء للحساب.

إن الحقائقَ المثبتةَ في مِلفِّ الإيرادات، بالوثائق والتصريحات والاتّفاقات والاحتجاجات التي تشهدها مناطق سيطرة المرتزِقة اليوم، لا تقول فحسب إن أدوات العدوان مُصرة على نهب كُـلّ ثروات البلاد بشكل علني، بل تكشفُ أن من أبرز أهداف هذا النهب هو الدفع بالمزيد من أبناء الشعب إلى المجاعة، واستخدام معاناتهم المعيشية كأوراق ابتزاز لصالح تحالف العدوان، ولا وجود لأية مبرّرات يمكن تقديمها لتسويق هذه الجريمة.

هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً قضية طباعة العملة والتي تتعامل حكومة المرتزِقة معها بالأُسلُـوب ذاته، إذ يتم استخدام تلك الأموال المطبوعة (تجاوزت 2 تريليون ريال) كتمويل خاص لقيادات وفصائل معينة من المرتزِقة، لا كأموال دولة، ويتم استخدام عملية الطباعة لمضاعفة المعاناة الاقتصادية للشعب اليمني، بما تسببه تلك الأموال من تدهور مستمرّ للريال اليمني، وقد شهدت الأوضاع المصرفية في مناطق سيطرة العدوان خلال الفترة القصيرة الماضية بصحة ذلك، وبما لا يدع أي مجالٍ للشك.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر خَاصَّة لصحيفة المسيرة أن الدفعات الأخيرة من الأموال المطبوعة التي وصلت إلى البلاد كانت مخصصةً لتمويل مرتزِقة حزب الإصلاح في محافظة مأرب، وهو ما جعل مليشيات الانتقالي تحاول نهب حاويات تلك الأموال عند وصولها.

هكذا نجد أن البراهين على إصرار تحالف العدوان وحكومة المرتزِقة على استمرار نهب كُـلّ ثروات اليمن ومضاعفة معاناة الشعب، تبدأ من داخل صفوف المرتزِقة أنفسهم (الاحتجاجات العسكرية على قطع الرواتب نموذجا) مُرورًا بالمعلومات المثبتة (أرقام الإيرادات وتصريحات مسؤولي المرتزِقة عن عدم دخولها في أية موازنات) إلى المواقف المعلنة للعدوان وأدواته (رفض تنفيذ الجوانب الاقتصادية لاتّفاق السويد)، وُصُـولاً إلى التقارير والمواقف الدولية التي تؤكّـد أن عملية نقل البنك المركزي وطباعة العملة جاءت ضمن “سلاح التجويع”.

ولا تملِكُ حكومةُ المرتزِقة أَو تحالفَ العدوان أَيَّةَ مبرّرات حقيقية تواجه بها أياً من تلك البراهين، فضلاً عن أن تثبت عكسها، الأمر الذي يجعل من كُـلّ يوم يضاف إلى عمر هذه الحرب الاقتصادية المستمرّة، برهاناً آخرَ على سقوط كُـلّ دعايات ومبرّرات العدوان على كُـلِّ المستويات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com