من وحي خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.. لماذا ثورة الـ21 من سبتمبر؟

 

المسيرة- عبد القوي بن محمد

الثورةُ -أيَّةُ ثورة- هي ذروةُ الأفعال الإرادية، قمةُ الأعمال الإبداعية والإنتاجية الإنسانية، ولكنَّها كغيرها من الأفعال والأعمال الإرادية والإنسانية لا بُدَّ لها من الخضوع إلى متطلبات قيامها، فالثورة مثلاً لا بد لها من الإجَابَة عن عناصر الجدل الثلاث (تحديد المشكلة – دراسة ووضع المعالجات والحلول – جدولة التنفيذ) لتحقيق أهدافها، وبين كُـلِّ عنصرٍ وعنصر تتدافع وتتداخل الكثيرُ من المعطيات المتعلقة بالجماهير الثورية المتعددة الاتّجاهات والمتشعبة الانفعالات والرغبات، وكذا ما هي متعلّقة بالثوار أنفسهم، والمتمثلة في التحكم بعناصر التحول الثوري ومراحل تكويناتها المتسلسلة وارتباطها بفترات زمنية محدّدة، الرامية في مجملها إلى نجاح الثورة وبقائها واستمرارها.

هُنا تبرز تساؤلاتٌ عدةٌ للكثير ممن تعرض ويتعرض لمخرجات النقد والنقد المضاد من هنا أَو هناك، أهمُّها: لماذا قامت ثورة الـ21 من سبتمبر؟ هل حلَّت مشكلة؟ هل غيرت واقعاً؟ هل حقّقت آمال وطموحات الجماهير؟ هل التزمت بعناصر الجدل الثلاث؟.. هذه التساؤلات وغيرها قد يبحث عنها بعض اليمنيين من الجيل الحاضر، لكنها ستكون تساؤلات مُلّحة للأجيال اليمنية القادمة؛ لذلك جاء خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في الذكرى السادسة للثورة، ليقدم الإجَابَة الشافية ليس لجيل اليوم فحسب بل وللأجيال المتعاقبة.

والخطاب اليوم جيل الحاضر والمستقبل، في إطار التحليل العلمي والمنطقي وبعيدًا عن الوقوع في دائرة الميول والتوجّـهات، حيث نفهم ومن خلال خطاب السيد القائد وفي إطار الفهم الصحيح والتقييم الواعي لواقع اليمن كدولةٍ في عصر ما قبل الثورة.

دعونا نتأمل أن الدولة أَو الحكومة –أية دولة– لا يمكن لها أن تقوم بواجباتها تجاه الأُمَّــة التواقة للحرية والعدالة والعيش الكريم، أَو أن تكون ذات سيادة واستقلالية ومكانة إقليمية ودولية مرهوبة الجانب، إلّا بوجود مقومات وجودها وبقائها الأربعة المتمثلة بـ(القوة العسكرية الدفاعية والأمنية التي تمتلكها السلطة الحاكمة دون غيرها – القوة الاقتصادية المتمثلة بالاستغلال الأمثل للموارد السيادية والاستثمارية بإشراك ودعم رأس المال الوطني – القوة العدلية القانونية المتمثلة بالدستور الثابت والقوانين والتشريعات العادلة – القوة العلمية والتعليمية المتمثلة بقواعد بناء وتشكيل الوعي والإدراك الجماهيري)، وهذه المقومات التي كان لها حيز واسع ومفصلي في خطاب السيد القائد، والتي رسمت الخطوط العريضة لبحثنا، فلو أسقطنا هذه الأُسس الأربعة على واقع اليمن كدولة وحكومة في عصر ما قبل الثورة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اليمن كانت تحت الوصاية السعودية في إطار ما يسمّى باللجنة السعودية الخَاصَّة، فظل حكامُ بني سعود هم مصدر القرار الأول من رأس الهرم القيادي للدولة حتى أصغر موظف حكومي، أَو زعيم قبلي، وظل البلاطُ السعودي المتحكم في تعيين وتنصيب من يرونهُ أكثر ولاءً لبلاطهم في كُـلِّ مفاصل الدولة في الحكومات اليمنية المتعاقبة وعلى مدى أربعين عاماً، ومن وراء النظام السعودي النظام الأمريكي الذي ظل القوّةَ العالمية المهيمنة على أَسَاس نظرية القطب الواحد.

 

أولاً: القوة العسكرية الدفاعية والأمنية:

تحدّث السيد القائد حول الأولويات التي حملها الفكر الثوري، والتي تمثلت بمعالجة تلك المسالك غير الوطنية للسلطة الحاكمة قبل الثورة، والتي أَدَّت إلى إضعاف هذه القوة وإفراغها من مهامها وواجباتها، هنا قد يجادلني البعض حول هذه الجزئية وسيقول: “كان عندنا جيش قوي ومرهوب الجانب”، سأقول: نعم، ولكنه كان مفرغ العقيدة القتالية، مجزأ الهُوية الوطنية، فكانت كُـلُّ وحدة عسكرية تبعاً لقائدها، وشهد التاريخ القريب كيفية هذا الانقسام، إذ صار من المعلوم أن تسمى الألوية والوحدات بأسماء قادتها، فمثلاً (فرقة علي محسن، قوات أحمد علي، معسكر الضنين، معسكر عبدالإله القاضي، ولواء محمد إسماعيل، ومعسكر القشيبي، ولواء خليل، ومعسكر صادق… إلخ) والتي كانت تشهد في فترات متقطعة صراعاتٍ بينية تبعاً لتضارب المصالح والأهداف لقاداتها، بل إنها كانت تستخدم في نهب الأراضي وحراستها وحراسة منشآت القادة التجارية، والتاريخ أمامكم يشهد ويؤكّـد على ذلك، ويؤكّـد أن السعودية عملت وساهمت على دعم وتشكيل وتسليح القوة العسكرية اليمنية بشقيها الدفاعي والأمني، بل إنها كانت تدفع موازناتها لكثير من السنوات، في إطار اللجنة الخَاصَّة، وحسب اعترافات السعوديين وعملائهم في اليمن بتلقي رواتب شهرية وهبات ومعونات، وكانوا يتفاخرون بذلك، حيث كان النظامُ السعوديُّ يدفع رواتب شهرية لأكثر من أربعين ألف شخصية يمنية موزعين في مراكز مختلفة، من رئيس الدولة إلى فرّاشٍ في وزارة الدفاع، إضافةً إلى برلمانيين وسياسيين ورجال دين ومشايخ قبائل.

فكان النظام السعودي هو من يقترح القادة، ويشرف على تموضع الوحدات ويتدخل في نظام التجنيد، ويعقد الصفقات، باعترافات عملائها أنفسهم، حتى إذَا شعر النظامُ السعوديُّ بإمْكَانية سطوع نجم هذه القوة، قام بالإيعاز إلى عملائه ممن يقودونها إلى تدميرها من الداخل في إطار التدمير الممنهج والتخريب المنظم، إلى إقحامها في حروب داخلية عبثية وتحت عناوين مختلفة، إلى استهدافها وإفراغها من مسؤولياتها الدستورية، بالهبوط إلى مستنقع الفساد المالي والإداري، وُصُـولاً إلى هيكلتها بإشرافٍ أمريكي، إلى استهداف معنويات منتسبيها من خلال الاغتيالات الإرهابية المنظمة بالذبح والسحل والتفجير، سواءً في ميدان السبعين أَو حوادث إسقاط الطائرات واستهداف الطيارين، وُصُـولاً إلى استهداف وزارة الدفاع التي تمثّل لهم الرمز السيادي، إلى حَــدّ وصل فيه الأمرُ أن على كُـلّ جندي يريد الانتقال بين محافظات الجمهورية أن يخفي هُويته العسكرية داخل حذائه، في ذلةٍ ما بعدها ذلة، فكان لا بد من وضع حَــدٍّ لكل هذا، فجاءت ثورة الـ21 من سبتمبر لتعيد لهذه المؤسّسة شرف مهنيتها.

 

ثانياً: القوة الاقتصادية:

وحول هذه الجزئية، فنّد السيد القائد الكثير من المعلومات، ويمكن أن نستخلص منها أن فشل الحكومات قبل الثورة كان نتاجاً للتقاسم الشللي للثروة والاستئثار على السلطة، وتشجيع دوائر الفساد، فكان الفساد المستشري وتسلط النافذين أكبرَ من النظام، الأمر الذي أعاق عجلة التنمية وتشيع الاستثمارات لوجود بنود الشراكة مقابل الحماية، ولو قمت بإجراء مسحٍ ميداني ستجد أن كُـلَّ الشركات المستثمرة في الموارد السيادية مملوكة لعتاولة النظام وأزلامهم، الأمرُ الذي أهدر الطاقات وأضعف الاقتصاد وتدهورت العملة وارتفعت نسبُ البطالة ومعدلات الفقر، في ظل وجود كُـلّ عوامل بناء الدولة، إلّا أنها كانت حكراً على من كان له علاقة بالانبطاح للسعودية ومن ورائها أمريكا، في تقاسمٍ للثروة السيادية بكل خيراتها.

 

ثالثاً: القوة العدلية القانونية:

على الرغم من أن دستور وقوانين الجمهورية اليمنية من التشريعات المعتدلة والجاذبة، إلّا أنها وعلى مدى عصر كامل قد أُفرغت من محتواها وجمد العملُ بها وفي إطارها؛ لأَنَّ ذلك قد يؤثر على أزلام النظام، سلطةً ومعارضةً، وهو الملاحظُ قبل الثورة، حتى وصل الأمرُ في التبعية والانبطاح للخارج، أن بنيت قوانين وقرارات بموجب المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، وبإمْكَان الباحث أن يرجعَ لذلك، وبُنيت مخرجات مؤتمر الحوار بموجبها، بل تجاوزت ذلك في التصريح السعودي الأمريكي عن الدعوة إلى التقسيم والتشرذم والتشظي في إطارِ الأقاليم والتي راح ضحيةَ رفضِ تلك التدخلات هاماتٌ سياسيةٌ وقانونية، أمثال جدبان وشرف الدين والدكتور المتوكل.

 

رابعاً: القوة العلمية والتعليمية المغذية والمشكّلة للوعي والإدراك المجتمعي:

يقاس تطوّرُ هذا الشعب أَو ذاك المجتمع بمستوى الوعي والإدراك المجتمعي فيه، إما صعوداً أَو هبوطاً، فمستوى وعي هذا الشعب وإدراكُه لما يهدّد وجوده كأمة وكحكومة وكوطن، هو معيار مقياس تطورّه ونهضته، ولو أسقطنا هذا المحور في مخرجات ما كان يتهيأ للشعب اليمني من قاعدة علمية وتعليمية وتربوية ومهنية وتوعوية وتوجيهية وبمختلف خطاباتها، وعلى مدى عقود، سنجد مفارقةً كبيرةً جِـدًّا يصعب إيجازُها في هذه العجالة، لكن ما أودُّ أن أوضحه لجيل الغد أن ثورة الـ21 من سبتمبر جاءت وهي تحمل مسؤولية جسيمة حيالَ هذا الواقع الذي عمدت الحكوماتُ الماضية على ترسيخه في خططها وبرامجها العلمية والتعليمية وخطابها الذي كان يشكّل توجّـهات الرأي العام، من خلال اتّباع سياسة التجهيل والتضليل وبث ثقافة الحقد والكراهية بمختلف أشكالها المناطقية والطائفية والشللية وتعزيز ثقافة العنف والإرهاب، وخلق هندسة اجتماعية رهيبة دعمّت حروباً ونزاعات قبلية مختلفة، فكان الثأرُ والانتقام مسعى القبائل التي كانت قد تسبّب ازعاجاً للسلطة الحاكمة، فعمدت على إفراغ القضاء من مهامه وعوّلت على مشايخها المقربين؛ لذا كان من أولويات الثورة أن قضت أَو حدّت من ذلك في مباشرتها بحلِّ النزاعات ورد المظالم، وهو ما أشار إليه السيّدُ القائدُ ودائماً ما يدعو كُـلّ يمني غيور على شعبه ووطنه، أين ما كان عمله وموقعه وبحسب إمْكَاناته وقدرته، أن يعملَ على تعزيز الوعي والإدراك نحو التسامح والتصالح والتعايش، ونبذ ثقافة الحقد والكراهية وثقافة العنف والإرهاب، إذ ما زالت ترسباتُ مخرجات الوعي الجماهيري السابقة عالقةً في ذهنية بعض الأفراد المغرر بهم.

وعلى الرغم من المحاولة اليائسة لقوى الهيمنة والاستغلال المتمثلة بسعيها للقضاء على الثورة في عامها الأول، بعد أن نفضت غبار التبعية والانبطاح والعمالة إلى الأبد من الأرض اليمنية وتحرير القرار من الاستحواذ الأجنبي، وها هي في عيدها السادس ماضيةٌ لتحقيق كامل أهدافها بعد أن لفضت كُـلَّ عناصر الفساد والإفساد والخيانة والعمالة، وحرّرت القرار الوطني من التبعية والانبطاح.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com