الثروة الحيوانية بين تجاهل الماضي واهتمام الحاضر

في دراسة اقتصادية أعدّها الدكتور حسين مقبولي نائب رئيس الوزراء بعنوان “تحقيق الاكتفاء الذاتي”

 

المسيرة- خاص:

أشارت دراسةٌ اقتصاديةٌ حديثة إلى الفجوة الكبيرة بين معدل الاستهلاك ومعدل الإنتاج للثروة الحيوانية، والتي من أهمِّ أسباب تلك الفجوة هي الهجرة من الأرياف إلى المدن، وكذا النمو السكاني وعدم توفر مراعٍ كافية ومحدودية الموارد المائية، واعتماد جزء كبير من مربي المواشي على الطرق التقليدية في تربية الحيوانات، ودعم وجود خبرة كافية في التربية وكذا الأمراض السارية مثل الطاعون البقري والحمى والدودة الحلزونية وأمراض حيوانية مستوطنة، مما يستوجب رفع مناعة الحيوان، وتقليل الحاجة إلى استخدام العلاجات والأدوية البيطرية، واستئصال الأمراض على المدى البعيد، والمحافظة على الثروة الحيوانية وُصُـولاً لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع الثروة الحيوانية وزيادة العائد الاقتصادي على مربي الثروة الحيوانية، وكذا تغيير الأنماط الاستهلاكية، والأهم هي أن حجم الاستثمارات ضئيل جِـدًّا في مجال الإنتاج الحيواني لأسباب غير معروفة، مما يحتم الأمر على الجهات المعنية المسئولة عن الثروة الحيوانية أن تروّج للاستثمارات في مجال الإنتاج الحيواني، وتعزز من مساهمته في الناتج والاقتصاد المحلي.

 

الاكتفاء الذاتي

وأكّـدت الدراسة التي أعدها الدكتور حسين عبدالله مقبولي – نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية والخدمات بعنوان “الثروة الحيوانية ودورها في تحقيق الاكتفاء الذاتي”، أن ضرورة تنمية الثروة الحيوانية صارت حاجة ملحة؛ نظراً للمنعطفات التي تمرُّ بها هذه الثروة المهدرة وضرورة تعزيز دورها في الإسهام للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوانية، ورفع مستوى الأمن الغذائي.

مبينًا أن الاستثمار في الإنتاج الحيواني، سواء في إنتاج اللحوم بأنواعها أَو إنتاج الألبان والبيض وغيره سيكون له أثر تنموي كبير يعود بالنفع على هذه الثروة الهامة، من خلال زيادة مساهمة صغار المنتجين بالقطاع الحيواني، وذلك بإقامةِ عددٍ من المشاريع التي تخدم المربي، مثل مشاريع الإرشاد الحيواني، البيطرة، إنتاج الأعلاف التي تهدف إلى دعم وتوعية مربي الثروة الحيوانية بأهميّة استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج وتصنيع المنتجات والتسويق والإدارة والرعاية الصحية للقطيع الحيواني، كما أنَّ مشاريعَ تربية الدواجن المحلية يهدفُ إلى تطوير السلالات المحلية المناسبة لرفع إنتاج البيض المحلي وزيادة دخل الأسرة، الأمر الذي يُحتم على الجهات المعنية العمل على تنمية وتطوير الثروة الحيوانية بوضع الخطط والدراسات والبحوث، ووضع حَــدّ للظلم الكبير الذي تتعرّض له الثروة الحيوانية في بلادنا، سواء من ناحية ذبح الحوامل وصغار الحيوانات أَو من ناحية استيراد الحيوانات من الخارج.

ولفت الدكتور مقبولي إلى أن الثروة الحيوانية تشكل ما نسبته ٢٠ ٪ من القطاع الزراعي، فهي تعتبر في بلادنا ركيزة اقتصادية مهمشة، ولا يلمس المواطن أَو المربي أيَّ اهتمام أَو خطوات جادة تعمل على الاهتمام بها أَو دعم الإنتاج أَو تنمية صادراتها على طريق تحقيق وتوفير الأمن الغذائي.

وأضاف: ولكي تتحقّق التنمية والحفاظ عليها كثروة وطنية، لا بد للجهات المعنية من وضع خطط هادفة للحفاظ على هذه الثروة الحاضرة الغائبة وحمايتها من الأمراض الفتاكة، حيث وإن قطاع الثروة الحيوانية يعتبر رافداً أَسَاسيًّا من روافد التنمية الاقتصادية وأحد مجالات مكافحة الفقر؛ كون الثروة الحيوانية تُشكّل مصدر دخل لحوالي ٧٠ % من الأسر الريفية وتوفر فرص عمل لحوالي ٣٠ % من سكان الريف.

وأوضحت الدراسةُ أنَّ قطاعَ الثروة الحيوانية في اليمن لم يحظ باهتمام من الحكومات السابقة؛ كونه يعد أحد أبرز مصادر توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي بما يوفره من اللحوم والألبان والبيض ومشتقاتها، مبينًا أن هذا القطاع يواجه العديدَ من التحديات، مثل ندرة المياه والتصحّر وضعف المراعي، وضعف إنتاجية الحيوانات، وارتفاع أسعار خامات الأعلاف عالمياً والتغيرات المناخية وضعف الاستثمارات والأمراض الحيوانية وزيادة السكان واتساع الفجوة الغذائية، مؤكّـداً أن كُـلَّ هذه التحديات والمستجدات تفرض علينا التفكيرَ في إيجاد حلول مستدامة تساعد على التكيّف مع هذه الظواهر، واغتنام الفرص وحماية أنفسنا من المخاطر، واتِّخاذ العديد من السياسات والإجراءات لتجاوز تلك التحديات.

 

تطوير القطاع الحيواني

وقالت الدراسة إنه وبعد أن أنعم اللهُ علينا بالأمطار ونمت المراعي في كُـلّ الوديان وسفوح الجبال، أصبحت العودةُ إلى تربية الماشية والاهتمام بالثروة الحيوانية ضرورة وطنية هامة، حيث يعد هذا القطاع من أهم القطاعات الإنتاجية والحيوية في اليمن ورافداً أَسَاسيًّا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ يشكل القطاع ما نسبته ٢٠٪ من الناتج المحلي الزراعي، وتعتمد نسبة كبيرة من الأسر الزراعية والريفية المحلية ذات الغالبية السكانية بشكل كبير على ما تملكه من حيوانات في توفير احتياجاتها الغذائية، ويتوقف عليه تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان من المنتجات الحيوانية لحوم، بيض، حليب، وألبان.

وتشير الإحصاءات إلى أن الثروة الحيوانية وتطوير القطاع الحيواني في اليمن لم يكن محوراً أَسَاسيًّا في خطط وبرامج وسياسات الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والري على الأقل منذ تحقيق الوحدة المباركة في الـ22 مايو 1990م، حيث شهدت أعداد الثروة الحيوانية خلال الـ ٢٠ عاماً الماضية نموًّا متواضعاً أَو بالأصح هامشيًّا، حيثُ بلغت نسبة الزيادة السنوية لا تتجاوز ٢ ٪ لكلِّ عام، كما تبين الإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة والري أن أعداد الثروة الحيوانية ارتفعت من ١٩ مليوناً ونصفَ مليون رأس من الأغنام والماعز والأبقار والإبل عام ٢٠٠٨م إلى حدود ٢١ مليون رأس عام ٢٠١٢م، بنسبة ٤٥ ٪ من الأغنام، و٤٤ ٪ من الماعز، و٨ ٪ من الأبقار، و٢ ٪ من الإبل.

ودعت الدراسة التي أعدها نائب رئيس الوزراء لشئون التنمية والخدمات، قيادة الدولة والمؤسّسات المعنية ممثّلةً بوزارة الزراعة والهيئة العامة للاستثمار، الاهتمام بالترويج لمشاريع تساعد على الاكتفاء الذاتي ودعم المشاريع المجتمعية والصغيرة ومنها ما يلي:

– مشاريع التربية المنزلية للماعز والأغنام والأبقار.

– مشاريع إنتاج الألبان والأجبان ومشتقاتها.

– مشاريع التربية المنزلية لإنتاج البيض والدجاج البلدي ثنائي الغرض، ومشاريع الفقاسات والحضانات المتوسطة والصغيرة.

– مشاريع تربية النحل وإنتاج العسل، ومشاريع إنتاج الخلايا وشمع الأَسَاس.

– مشاريع العيادات البيطرية.

– مشاريع دباغة الجلود.

– مشاريع إنتاج الأعلاف.

– مشاريع التعبئة والتغليف.

 

خطط مستقبلية

كما يتوجب على وزارة الزراعة والجهات المعنية التنسيق المشترك والبدء في تبني مشاريع وخطط استراتيجية تستهدف مشاريع الإنتاجين النباتي والحيواني، بما يضمن تجاوز النظم التقليدية في الإنتاج، ويعالج معوقات الإنتاج الحيواني من انخفاض مردود وحدة المساحة وعدم الاستفادة من المخلفات الزراعية في تغذيةِ الحيوان، ويضاف إلى ذلك أن ندرةَ المياه من جهة والنظام السعري السائد من جهة أُخرى اللذين لا يسمحان في التوسع بإنتاج الأعلاف التي لا تستطيع منافسة المحاصيل النقدية إذَا لم يتم إدخَال تربية الحيوان في المناطق الزراعية.

وأفادت الدراسة بأن تطوّرَ النُظُم الإحصائية سيساهم في التخطيط الأمثل، ويفيد في تتبع تنفيذ الخطط الوطنية وتقييمها، مشيرةً إلى من ضمن الخطط الاستراتيجية للدولة يجب أن تتبنى الدولةُ خطةً شاملة ومتكاملة لتنمية الثروة الحيوانية، بحيث تتوفر كافة المعلومات عن الجوانب الفينة والاقتصادية المتصلة بها وبالتنسيق مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص بشكل رئيسي وبما يضمن التنسيق المشترك لضمان كفاية الموارد المالية المتاحة، وكون مشاريع التنمية المتكاملة تحتاجُ إلى برامجَ بعيدةِ المدى وإلى استثمارات مالية مرتفعة نسبيًّا؛ لذلك نرى أن يتم الاهتمامُ بالمشاريع المتوسطة والأسرية ودعم الأسر المنتجة وتشجيعها؛ لأَنَّها سوف تساهم في مكافحة الفقر وتوفير فرص عمل مناسبة، وَإذَا كانت هنالك رعاية حكومية فسوف تزدهر الثروة الحيوانية بشكل كبير.

وبينت الدراسة أن من الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة تبني المشاريع التالية:

– إنشاء أسواق مركزية غير احتكارية للحيوانات والحدّ من استغلال الوسطاء الحصريين.

– يجب منحُ المستفيدين الأعداد الكافية من المواشي والتي تحقّق الجدوى الاقتصادية وتنفيذ مشاريع إنتاج السلالات الحيوانية والتسمين.

– إنشاء مشاريع إنتاج الأعلاف المركزة والمالئة من المصادر المحلية القريبة.

– تفعيل قانون الثروة الحيوانية وتجريم ذبح وتهريب إناث وصغار الحيوانات.

– إنشاء مختبر مركزي لتحليل منتجات الثروة الحيوانية والزراعية ضمن خطة شاملة لتطوير وضبط الجودة وفق المعايير الدولية.

– تبني سياسات التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

– رفع الوعي والتثقيف المجتمعي حول أهميّة الثروة الحيوانية والزراعية.

– الاهتمام بسلسلة القيمة المضافة للثروة الحيوانية، والتي تتكون من عدة سلاسل يجب التركيزُ عليها لتطوير وتحسين القيمة المضافة للإنتاج الحيواني، ابتداء من سلسلة القيمة الأَسَاسية (الإنتاج، التربية، التجهيز والتسويق)، يليها سلسلة القيمة الموسعة التي تضم كُـلَّ الأعمال والمدخلات التي تساعد المنتجين من المزارعين وأصحاب المشاريع الأسرية على تطوير وتحسين جودة منتجاتهم (من خدمات بيطرية، وخدمات البيع والتسويق، وَمنتجي الأعلاف).

– العمل جميعاً ضمن بيئة تمكينية تحكمها سياسات حكومية مضبوطة ومحوكمة، تراقب وتطور الأداء وتدعم التغيرات الإيجابية وتذلل الصعوبات، بما يؤثر إيجاباً وبشكل كبير على أداء الفاعلين في هذا القطاع.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com