بن حبتور: الحكومة في حالة استنفار دائم للتخفيف عن المواطنين والعدوان زائل لا محالة

في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة”:

 

المسيرة | حوار: صبري الدرواني

أكّـد رئيسُ حكومة الإنقاذ الوطني، الدكتورُ عبدُ العزيز بن حبتور، على استمرارِ عملِ الحكومة وفقَ أهدافِها الرئيسةِ المتمثلةِ في دعم الجبهات وحشد الطاقات المالية؛ لتوفيرِ ما أمكَنَ من الرواتب، والحِفاظِ على الجبهة الداخلية، وتصحيحِ وتطويرِ عمل المؤسّسات، بالتزامُنِ مع تفعيل أجهزة مكافحة الفساد.

وأشَارَ بن حبتور في حوارٍ أجرته معه صحيفةُ “المسيرة”، إلى أن العملَ على برنامجِ “التعافي الاقتصادي” يدخُلُ مرحلتَه الثانيةَ، وأن هناك نقاطاً رئيسيةً يتمُّ العملُ على تنفيذِها بشكل مباشر؛ للتخفيفِ عن المواطنين.
وسياسيًّا، أكّـدَ على حتمية الانتصار على العدوان باستمرار العمل على مختلف المجالات، وفقَ الرؤية الواضحة والحكيمة لقائد الثورة وقيادة المجلس السياسي الأعلى، مُشيراً إلى أن دولَ العدوان باتت تدركُ سقوطَ مشروعها وفشلها، وما حفلةُ “التطبيع” الخليجية مع العدوّ الصهيوني إلا دلالةٌ على هذا الفشل الذي يسعى الأمريكيون لتعويضِه بحِلفٍ جديدٍ ضد محور المقاومة يكونُ تحتَ المِظلة الإسرائيلية.

وعلى المستوى العسكري، أكّـد رئيسُ الحكومة أن قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة استطاعت أن تحقّقَ “توازُنَ الردع” بتطوير قُدراتها وصناعاتها وتكتيكاتها العسكرية، والتي تجسَّدت بشكلٍ واضحٍ في العديد من الانتصارات الكبيرة، التي كان من بينها دحرُ التنظيمات التكفيرية في البيضاء.

فيما يلي النص الكامل للحوار:

 

– منذ إعلانِ تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني نهايةَ العام 2019م، وعلى مدار ثلاثة أعوام ونصف عام، ما الذي أنجزته هذه الحكومةُ معالي رئيس الوزراء؟

أهلاً وسهلاً بكم، وشُكراً جزيلاً على إجرائكم هذا الحوارَ، في مثل هذه المناسبات العظيمة التي سطَّر شعبُنا فيها انتصاراتِه المتواليةَ.

وحولَ سؤالكم أعلاه فَـإنَّ حكومةَ الإنقاذ الوطني ومُنذ الأسبوع الأول لإعلان برنامجها الذي حُظِيَ بالموافقة والتصديق من قِبل مجلس النواب في نهاية العام 2016م، سارت وفقاً لتلك السياساتِ التي حدّدها المجلسُ السياسي الأعلى آنذاك، وقائدُ الثورة الحبيب/ عبد الملك بدر الدين الحوثي، وقد تركَّزت تلك المؤشراتُ على الأهداف المُعلنة للحكومة وهي:

أولاً: دعمُ الجبهات بكل مستلزمات وعوامل الصمود والثبات لتحقيق الانتصار على العدوّ.

ثانياً: حصرُ الأوعية الإيرادية، وحشدُ كافة الطاقات المالية في تلك المواجهة المفتوحة مع العدوّ، وتأمينُ دفع الراتب ولو جُزئياً للمواطنين، أي نصف راتب.

ثالثاً: تأمينُ الجبهة الداخلية والحِفاظُ على المؤسّسات الحكومية؛ كي لا تنهارَ وتسقُطَ مؤسّساتُ الدولة من الداخل، وهذا ما سعت إليه دولتا العُدوان السعودي–الإماراتي مُنذ أن شنَّت عُدوانها مُنذ اليوم الأول على اليمن.

رابعاً: تصحيحُ وتطويرُ اللوائح والنُّظُم على مستوى المؤسّسات الحكومية؛ كي تساعدَ على إنجاز المهامّ ومحاربة الفساد، وشد المؤسّسات من ظاهرة الترهُّل الإداري وغيرها، وفِي العام الحالي ووفقاً لتوجيهات فخامة الرئيس/ مهدي المشَّاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، شرعنا بالعمل على التنفيذ التدريجي للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي تحوَّلت إلى فِعلٍ دائمٍ ومستمرٍّ من قِبَل جميع مؤسّسات الدولة المركزية والمحلية على مستوى المحافظات.

 

– برنامجُ الحكومة تحدث عن معالجة الاختلالات وإنجازِ إصلاحاتٍ ضرورية بما سيساعدُ على تنمية موارد الدولة وكفاءة تحصيلها، إلى أين وصلتم في هذا؟.

من بين الإجراءات العديدة، عملت الحكومةُ على التصحيح المالي وتوحيد الأوعية الضريبية وإغلاق العديد من الصناديق التي كانت تتجاوزُ في عددها قرابة 4000 صندوق وحساب، وتبعثرت الإمْكَاناتُ بين كُـلّ هذه الجهات، لكننا الآن اختصرناها إلى المستوى الذي نستطيعُ السيطرةَ والرقابة عليها، وآخرُ تلك الإنجازات ما تم تنفيذُه في ورشةِ المشروع الوطني الشامل للمَسح الميداني للعقارات الذي سيؤمِّن إيراداً قانونياً للدولة.

 

– مقابل مساعي تنمية الموارد، هناك حاجةٌ لمحاربة الفساد المؤسّسي والذي أكّـدت عليه قبل أَيَّـام كلمةُ رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير/ مهدي المشَّاط، ألا ترى بأن الوضعَ اليومَ لمحاربة الفساد أفضلُ بكثيرٍ مما كانت عليه قبل ثورة 21 سبتمبر؟.

نعم، لقد تمَّ تفعيلُ جميع الأجهزة والمؤسّسات الرقابية؛ كي تساهمَ في مكافحة الفساد في جميع مؤسّسات الدولة، وهذا مرتبطٌ بجدية التعامل مع هذا الداء الذي أُصيبت به العديدُ من الدول والمجتمعات، ووفقاً للتوجيهات العليا من قبل المجلس السياسي الأعلى وقائد الثورة تمَّ تفعيلُ جميعِ مكوِّنات الأجهزة الرقابية في البلاد.

 

– تراكُماتُ الفساد وتجذُّرُه لعقودٍ مضت، جعل منه للأسف ثقافةَ (فساد وَإفساد)، وبالتالي فَـإنَّ هذا الجانب يحتاج لأكثرَ من مسار لمواجهته، رقابة، مواجهة، تربية،.. كيف تُعلّق على هذا دولة الرئيس؟.

ظاهرةُ الفساد المالي والإداري هي ظاهرةٌ عالميةٌ مصاحِبةٌ لنشاط أَيَّةِ دولة من الدول، ولكنها وفقاً لنظام الحوكمة للمؤسّسات وهي نُظُمٌ إدارية ومالية تعملُ إنْ فُعِّلت على كَبْحِ جِماح هذا الداء الخبيث والذي يحتاجُ من جميع المؤسّسات في الدولة للقيام بمهامها في الرقابة والتربية الأخلاقية الشاملة للتحصين الجَماعي والفردي من هذه الظاهرة المُعيقة للتنمية بشكل عام.

 

– القول بأنَّ قُوةَ ونزاهةَ قيادة الدولة العليا هي عونٌ ومُحفِّزٌ لكم لمواجهة الفساد، وهي أَيْـضاً فُرصةٌ لإنجاز ما لم يُنجز من قَبل،… هل تُدرك الحكومةُ قيمةَ هذا لمواجهةٍ فعليةٍ للفساد المالي والإداري؟.

الجميعُ مَعنيٌّ بمواجهة ومُحاربة هذه الظاهرة الخَطِرة على المجتمعات الإنسانية بِرُمَّتها، لكن علينا أن لا ننسى أنَّ هذه المواجهةَ هي سلاحٌ ذو حدين، وقد تُستخدَمُ لمحاربة الظاهرة بجدٍّ وصِدق، لكنها أَيْـضاً قد تُستخدم لتشويه سُمعة بعض القيادات الإدارية والسياسية في الدولة، وهُنا لا يَحسم الأمرَ فيه سِوى عبر تطبيق القانون وبنوده، ولا يحقُّ لأحد أن يَتَّهم دون دليل، وحتى ذلك الدَّليلُ يحتاجُ لحُكمٍ باتٍّ من المحكمة بأن (س أَو ص) أصبح فاسداً، هكذا ينبغي أن تُدارَ الأمورُ في أروقة الأجهزة والمؤسّسات.

 

– هل سنسمع عن مفسدين كبار.. أسماء لشخصيات كبيرة ارتبطت بمنظومة فساد الحكم السابق، أم أنَّ هُناك اعتباراتٍ ومحاذيرَ كما كان في الماضي؟.

لنترُكْ للقانون أن يصلَ إلى مداه، لكن أوَدُّ أن أذكِّرَ الجميعَ بأننا لا زلنا في قلب المعركة، وأنَّ حربَ العُدوان على اليمن مُشتعلةٌ في أكثرَ من جبهة، وأنَّ الحِصارَ يخنقُ الجميعَ من مواطنين ورجال أعمال ومسؤولين؛ ولهذا ينبغي أن نحرِصَ على الجبهةِ الداخلية، أكثرَ من انشغالنا بأمور قد تُضعف جبهتنا الداخلية الهامَّـة.

 

– أشرتم في أكثرَ من حديثٍ دولةَ الرئيس إلى مساعيكم لضمانِ دفع رواتب الموظفين على نحوٍ دائمٍ في إطارِ برنامج الإنعاش والتعافي الاقتصادي.. ما مدى جدية هذا التوجّـه؟.

نحن نعملُ بكُلِّ طاقتنا في هذا المضمار، وجميعُ أعضاء الحكومة في استنفارٍ دائم في المحاولة بدفع الراتب أَو حتى نصفه للمواطنين، ونعملُ معاً في نسقٍ واحدٍ تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية والمجلس السياسي الأعلى.

 

– يتساءل المواطن البسيط، في أية خانة (اهتمام) تضعُه حكومة الإنقاذ.. فهناك أزمةٌ مستمرَّةٌ في الغاز المنزلي، ارتفاعٌ في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، في أسعار الوقود… الخ،.. ما هو نصيب المواطن من اهتمام الدولة، خَاصَّةً في ظل الحرب والحصار على اليمن؟.

بَلِّغْـهم يا صديقي أننا في حكومة الإنقاذ الوطني في جاهزيةٍ تامةٍ لخدمتهم ومتابعة قضاياهم عبر الأجهزة المركَزية والمحلية، وأنَّ هُناك مشكلاتِ التقطع أَو يسمُّونه (القطاعَ القبلي) الذي أَثَّر على وصول الغاز بانسيابية معتادة، وفيما يخُصُّ ارتفاع الأسعار، فَـإنَّ الفِرَقَ المُكلَّفةَ من وزارة التجارة والصناعة والمحافظين، تعملُ بشكلٍ مستمرٍّ، وقد تمَّ ضبطُ العديد من المخالفين وتمَّ تحويلهم إلى القضاء؛ كي يُطبق القانون بحقهم.

 

– يتساءلُ الناسُ حول أداء الحكومة للجوانب المالية، خَاصَّةً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ما هو الوضعُ الحالي للريال اليمني؟، ولماذا كُـلُّ هذا الهبوط في قيمته؟

الناسُ يثقون بالحكومة في صنعاء ولا يثقون بحكومة المنفى القابعةِ بفنادق الرياض وأبوظبي، ولك أن تقارِنَ أسعارَ السلع الاستهلاكية، وأسعارَ صرف العُملة اليمنية بالمقارنة بالعملات الصعبة، وكذلك الأمن والطمأنينة والاستقرار الداخلي.

 

– الحديثُ يطولُ حول خطة الإنعاش والتعافي الاقتصادي.. ما أبرزُ ما تسعَون لإنجازه على المدى القصير والمتوسط؟، هل سيكون هناك ما يمكن أن يلمَسَ آثارَه المواطنُ البسيطُ في الآجل القريب؟.

نسعى من خلال البدء بالمرحلة الثانية لخطة الإنعاش والتعافي الاقتصادي إلى تجاوز التحديات التي اعترضت المرحلة الأولى، وأود هُنا أن أُسجِّل َالشكر والتقدير للأُستاذ/ محمود الجنيد نائب رئيس الوزراء رئيس المكتب التنفيذي لتنفيذِ الرؤيةِ الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وَالأُستاذ/ عبدالعزيز الكميم وزير التخطيط، وجميع مساعديهم على التنفيذ الجاد لبنودِ المرحلة الأولى من مشروع الرؤية برغم المثالِبِ والتحدياتِ التي اعترضتهم في العمل، وكذلك جميع الوزارات والمحافظات التي تفاعلت بجدٍّ مع تنفيذ الرؤية الوطنية، وكانت إجمالاً الإنجازاتُ مُرضيةً وصادقةً، وهناك عشرُ أوليات رئيسية تخُصُّ حياةَ المواطن بشكلٍ مُباشر نعملُ على تنفيذها بشكل تدريجي ووِفقاً لتوجيهات المجلس السياسي الأعلى.

 

– ما حجمُ الصعوبات التي واجهت الحكومة لإنجاز برنامجها؟، وما الذي تغيّر لتُعلِنَ السُّلطة والحكومة برنامجَها المتفائلَ للإنعاش والتعافي الاقتصادي؟.

التحدياتُ عديدةٌ ولا حصرَ لها في ظل هذا العدوان والحصار والتضليل الإعلامي، لكن هناك إرادَةً وتصميماً من قِبَل الدولة والحكومة بجميع أجهزتها بالسير إلى الأمام، ولن تتوقف؛ بهَدفِ إنجاز برنامجها بما هو مُتاح وممكن وبطاقة شبابية هائلة؛ ولذلك كما حقّق الجيش اليمني واللجان الشعبيّة وجميع المجاهدين الانتصارات في جميع الجبهات، سنواصلُ العملَ الجادَّ لإنجاز المهامِّ المناطة بِنَا وبحسب توجيهات قائد الثورة.

 

– هناك معالي رئيس الوزراء كما تعلمون طفرة في أسعار إيجار العقار السكني والتجاري، وتوجيهاتكم للبرلمان أنَّ هُناك حاجةً لتعديل قانون المؤجر والمستأجر،.. على أي نحو تبغي الحكومةُ هذا التعديلَ؟، كيف سيكون لصالح المستأجر هذه المرة؟، وَمن سينفذه؟.

التعديلُ الذي طلبناه للقانون من البرلمان يتناسبُ والوضعَ الحالي، وتحت مبدأ “لا ضَرَرَ ولا ضِرار”، بين المُؤجِّر والمُستأجِر، لم نقفْ إلَّا مع المواطن الذي لا نريدُه أن يتضررَ من القانون مع مراعاة الظروف الحالية التي يمُرُّ بها الوطن.

 

– مع موسم الأمطار الذي يبدو استثنائيًّا، هُناك قصورٌ بدا واضحًا في تعاطي جانب الحكومة مع الآثار السلبية التي خلَّفتها الأمطارُ والسيول التي أتت على كثير من ممتلكات المواطنين، لم يكن هناك أَيْـضاً اهتمامٌ بمصارف ومجاري المياه في المدن الرئيسة، وصنعاء كانت مِثالاً واضحًا على هذا، والأمر ينطبقُ على أعمال الإغاثة للمتضررين التي ظلت في حدودها الدنيا.. لماذا؟.

أولاً وكما أشرت بأن الغيث في هذا الموسم كان استثنائيًّا، والمحافظون عملوا بجُهدِهم على مستوى المحافظات وأمانة العاصمة، وقد تفقدنا العديد من الأمكنة المتضررة في أمانة العاصمة بمعيَّةِ عددٍ من نواب رئيس الوزراء والوزراء وأمين العاصمة، ووجّهنا الجهاتِ المختصةَ بعمل اللازم في إصلاح وإعادة الأمور إلى ما قبل هُطُولِ الغيث الذي كان سخياً هذه المرة والحمدُ لله، وصحيحٌ ما أشرتم إليه بأنَّ هُناك أضراراً أصابت أمانةَ العاصمة بحُكمِ ضعفِ الصيانة للعديد من مصارف المياه، لكن تمَّ تجاوُزُها والحمدُ لله، من خلالِ تكثيفِ الجهدِ والعملِ لإصلاح من تعطَّل، أمَّا الإغاثةُ الإنسانية للمتضررين فهناك قُصُورٌ واضحٌ لكن لسنا نحن مسؤولين عنها.

 

– الآثارُ الكارثية للأمطار الغزيرة التي طالت مدينةَ صنعاء القديمة، ومدينةَ زبيد وغيرهما؛ باعتبَارها مدنَ تراث عالمي، من يتحمل مسؤوليتها؟، ولماذا ظل الإهمال مستمراً لأعمال الترميم والصيانة لمبانيها التأريخية؟.

هناك جهاتٌ رسميةٌ مسؤولةٌ عن حماية الآثار والمدن التاريخية، وأظن أنَّها حاولت أن تقومَ بعملها بما هو متاحٌ لها، نحن وجَّهنا الجهاتِ المانحةَ برسائلَ رسميةٍ للقيام بما هو مُناطٌ بهم، والإجراءات والتواصل معهم ما زالت مُستمرة حتى هذه اللحظة.

 

– برامجُ الإنقاذ لمدن التُّراث اليمنية التي تتبناها اليونيسكو كَثيراً ما تأتي متواضعةً ومتأخرةً، ما السببُ برأيك دولةَ رئيس الوزراء؟.

منظمةُ اليونسكو العالميةُ ليست جهةً مانحةً، ودورُها يتمثلُ في الجانب الإداري والثقافي فحسب، ولكن المانحين إنْ كانوا دولاً أَو مؤسّساتٍ ماليةً مانحة، لا يعتمدون إلَّا على توصية وقرار اليونسكو في جميع ما يتصلُ بالآثار والمدن التاريخية، ونحن بالمناسبة خاطبناهم بذلك.

 

– هناك من متخصصي التُّراث والمحافظة على المدن التأريخية يُؤكّـدون تجاهُلَ الحكومات المتعاقبة لقُدُرات المنظماتِ المحلية المعنية بالتُراث والمدن التأريخية، والتي تستطيع -حسب قولهم- عملَ الكثير من أعمال الترميم والصيانة للمدن والمعالم التأريخية،.. كيف تعلِّقون على هذا؟.

أظنُّ أنه في الوقت الحالي تتمثلُ مهامُّنا في الحفاظ على ما تبقى من آثارٍ ومَبانٍ ومتابعةِ المنظمات العالمية؛ كي تلتفتَ بجدية إلى الحفاظ على هذا التراث العُمراني العام في بلدنا.

 

– كيف تقرأون دولةَ الرئيس الوضعَ في المحافظات الجنوبية، في ضوء معطيات جديدة أهمُّها انحسارُ دور هادي وجماعة الإخوان، وسيطرةُ الإمارات والسعودية على محافظات الجنوب عبر المجلس الانتقالي؟.

الرئيسُ المنتهيةُ ولايتُه قد انتهى دورُه الفعلي ولم يتبقَّ له سوى القيام بالتوقيع على ما تريد دولتا العُدوان السعودي-الإماراتي، والإخوانُ المسلمون فرع اليمن (التجمعُ اليمني لحزب الإصلاح)، هو الآخر قد فقد شرعيتَه الوطنية حينما كان سبباً رئيسياً في جلب العُدوان إلى اليمن، ودولتا العُدوان ومُنذ اللحظة الأولى لعُدوانهم على الأراضي اليمنية لديهم مشروعهم التفتيتي الانفصالي لليمن، وبحثوا لهم عن عُملاءَ مأجورين برُخْصِ الثمن، ووجدوا للأسف الانفصاليين جاهزين لبيعِ الوطن حتى للشيطان، لاحظنا ذلك من تصريحاتِ قادةٍ نافذين فيما يُسمَّى بالمجلس الانتقالي الانفصالي الذي روّجوا وبشّروا للتطبيع مع العدوّ الصهيوني أكثرَ بكثيرٍ من أسيادهم الإماراتيين، وزايَدوا على أسيادهم بالقول إنهم سيفتتحون سفارةً للعدو الإسرائيلي في مدينة عدن، وها هم اليوم يحمُون بالسلاح الخبراءَ العسكريين الصهاينةَ في جزيرتَي سُقطرى وميُّون، هؤلاءِ العملاءُ والمرتزِقةُ ساقطون ورخيصون وسيخدُمون أسيادَهم السعوديين والإماراتيين والآن الصهاينةَ الإسرائيليين.

 

– على ضوء ما سبق كيف تقيّمون حجمَ المأزق الذي يعيشه هادي وجماعةُ الإخوان في وقت تسيطر فيه السعودية والإمارات على أراضي ومقدرات وثروات الجنوب؟.

دولُ العُدوان ومرتزِقتُهم بقيادة هادي والإخوان المسلمين، جميعُهم يعيشون في مأزقٍ أخلاقي وإنساني كبير؛ ولهذا أصبح المواطن العادي في المحافظات الجنوبية والشرقية يُدرِكُ تمامَ الإدراك بأن المحتلّين الجددَ السعودية والإمارات، هم سببُ معاناتهم القاتلة في انعدام الأمن والسكينة، وغِلاءِ وارتفاع الأسعار، وانعدامِ الخدمات من الكهرباء والماء، والخدمات الأُخرى من نظافة وتعليم وصحة ومعاملات يومية، جميعُها انتهت في عدنَ وبقيةِ المُدُنِ المجاورة لها.

 

– ما هو مستقبلُ الجنوب في ظل هذا الاحتلال وكشف الإمارات مخطّطاتِها لتمكين العدوّ الإسرائيلي من الأراضي اليمنية، بعد زيارة موفدين من أبوظبي وتل أبيب لجزيرة سقطرى مؤخراً؟، هل سيصمُتُ الجنوبُ على نهب ثرواته وتقاسُمِ أراضيه بين المحتلّين تحت عباءة المجلس الانتقالي؟.

كنتُ أُطالِعُ عدداً من المراجع التاريخية حول اليمن ووجدتُّ أنَّ جميعَ القوى الإمبراطورية في التاريخ قد حاولت السيطرةَ على اليمنِ واحتلالَها عبر بوابة الجُزُرِ اليمنية والمدن الساحلية، كمدينة عدن أَو الحديدة أَو الشحر أَو المخاء، ولكنها جميعها انهزمت؛ بفعلِ المقاوَمة الشرسة التي أبداها اليمنيون -شماليين وجنوبيين على حَــدٍّ سواء-، ومن بين الإمبراطوريات التي طمعت وسال لُعابُها للسيطرة على مدينة عدنَ وبقية المدن اليمنية هم جيرانُنا الأحباش وهُزموا برغم دعم وإسناد الرومان لهم، وتُذكِّرُنا أضابيرُ التاريخ أنه في العام 27 ق. م غزت عدنَ حملةٌ رومانيةٌ كبيرةٌ بقيادة القائد الروماني/ ايجالوس، وسيطرت بقوة هائلة على السواحل اليمنية، لكنها حينما توغلت إلى العمق الجغرافي اليمني هُزمت وذابت في صحراء مأرب والجوف، والحملات العسكرية البرتغالية حاولت وفشلت، وبعدها غزت القوات العسكرية العثمانية التركية وانهزمت، حتى أن اليمن سُميت بمقبرة الأناضول، مُرورًا بالحملة العسكرية الاستعمارية البريطانية بقيادة الكابتن/ هنس، وجميعُها حملاتٌ متكرّرةٌ، ولكنها في الأخير جميعها انهزمت أمام صمود وثبات اليمنيين، أما العدوانُ السعودي-الإماراتي-الإسرائيلي وبدعم أمريكي فتقديرُنا لهم، هو الأضعفُ من بين الحملات العسكرية التي طمعت بالجغرافيا والثروات اليمنية، وحتماً سينتهي عاجلاً أم آجلاً، والمهم في وضوح الرؤية لدى القيادة في قيادة وتسيير المقاومة بأشكالها العديدة، أنا على ثقةٍ تامة بأنَّ مشروعَ العدوان زائلٌ لا مَحالةَ؛ لافتقاره لأبسط مقومات النجاح الأخلاقي والأدبي والإنساني والديني، فمن يفتقد لكل ذلك مصيرُه الهزيمةُ الساحقة بإذن الله تعالى، وبعزم الإنسان اليمني المقاوِمِ للظلم والتبعية والعبودية، أما العملاءُ والمرتزِقةُ من اليمنيين فتطاردُهم اللعناتُ السماويةُ والأرضية مُنذ اللحظة التي رهنوا فيها ذواتهم مع العدوّ فهم لا مَحالةَ مندحرون ومهزومون وتافهون.

 

– فيما يتعلق بإعلان الإمارات التطبيعَ مع العدوّ الإسرائيلي،.. كيف تقرأون هذا الموقفَ لأبوظبي في خضمِّ الأحداث والثورات التي شهدتها المنطقةُ العربية؟.

الإماراتُ والبحرين هما مشيخات ضمن التحالف الغربي الصهيوني بقيادة أمريكا؛ ولهذا فهم مأمورون بالقيام بهذه المهمة والدور، هؤلاء أدواتٌ رخيصةٌ في المنطقة للعدو الصهيوني، وللتذكير فحسب كانت هذه المشيخات تُسمّى الدولَ المعتدِلة، وأنَّها لم تحاربْ يوماً إلى جانبِ القضية الفلسطينية والشعبِ الفلسطيني، وأنَّها كانت تُخفِي علاقتَها بالمحتلِّ الإسرائيلي لعقودٍ من الزمان!، والآن جاءَ دورُها المشبوهُ في تشكيل حِلفٍ إعْرَابي موجَّهٍ ضد محور المقاومة التي تقودُها الجمهوريةُ الإسلامية الإيرانية، وكُلٍّ من المقاومة العراقية، والنظام العربي السوري، والمقاومة اللبنانية، والفلسطينية، والجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء، دولُ الخليج هي من سارعت للتطبيع؛ لأَنَّها تعيشُ ضمنَ حدودِ حمايةِ الولايات المتحدة الأمريكية والغربِ الرأسمالي الاحتكاري الاستعماري.

 

– ماذا عن السعودية.. هل سيكونُ التطبيعُ ثمنَ اعتلاء بن سلمان كُرسيَّ الحُكمِ في المملكة، خَاصَّةً بعد حديثِ الأمريكان عن ما أسموه بالفوائد الكبيرة التي ستجنيها الرياضُ وتلُ أبيب من هذه العلاقة؟.

دولُ الخليج بصفةٍ عامَّةٍ تعيشُ تحتَ الحماية الأمريكية، وكما أسلفت تقعُ ضمن مشروع حِلف غربي إمبريالي استعماري، ولا تستطيعُ السعوديةُ أن تُقاوِمَ رغبةَ الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيع العلاقات لمشيخات وإمارات الخليج مع دولة العدوّ، وهو حِلفٌ يتشكَّلُ ضد الجمهورية الإيرانية الإسلامية ومحورِ المقاومة، والأميرُ محمد بن سلمان -المتطلِّعُ بشَهوةٍ وشَغَفٍ لاعتلاء عرشِ المملكة السعودية- سيقومُ بهذه الخُطوة قريباً، لكن السعودية ستخسر لا محالة قيادتَها للعالم الإسلامي، وستفقِدُ أهليتَها لخدمة أرض الحرمين الشريفين، وستنتقلُ إدارتُها لا محالةَ إلى الدول الإسلامية الإقليمية مثل تركيا وإيران وباكستان، ومن خلفهما إندونيسيا وماليزيا، وبالتالي سيخسرُ عربُ النفط موقعَهم المادي والأخلاقي والديني.

 

– ما دلالاتُ تلك المواقف (مواقف الخيانة) في ضوء تعاظم تيار المقاومة، وتراجع القوة والهيمنة الأمريكية، وضعف وانقسام الشارع الإسرائيلي؟.

يلوحُ في الأفق ومن خلال المعطيات والمؤشرات أن أمريكا ستغادِرُ المنطقةَ والإقليمَ تماماً بعد تجرُّعِها للهزائم المُرَّة في العراق وأفغانستان وسوريا، والانتصارات التي يحقّقها محورُ المقاومة على مختلف الجبهات والصُّعُد، وبذلك فَـإنَّ عُملاءَهم في المنطقة بمن فيهم العُملاءُ اليمنيون وأسيادُهم من دول العدوان الخليجي يبحثون عن حمايةٍ ومِظلةٍ جديدة وهي مِظلة العدوّ الصهيوني، لكنهم حتماً سيفشلون، فإذا ما نظرنا إلى الخارطة الإقليمية فَـإنَّ الدولة الصهيونية قد أصبحت مُحاصَرةً بالمقاومين اللبنانيين من شمال فلسطين المحتلّة، ومن الجنوب بالمقاومة الفلسطينية الصُّلبة في غزه، إذَن لم تعد تلك الدويلةُ الصهيونية في موقع يَسمحُ لها بالدفاع عن ذاتها، فكيف بها أن تحميَ دولَ العمالة والخِيانة المُطبِّعة الأُخرى؟!.

 

– الجيش واللجان الشعبيّة وفقَ تقاريرَ دولية أثار انتباهَ الخبراء إلى قُدرته العالية على تطوير إمْكَانياته القتالية ما مكَّنه من الانتقالِ السريع إلى الحالة الهجومية ووصوله إلى الردع الاستراتيجي الذي شلَّ تفكيرَ الرياض وأبوظبي ومرتزِقتهم،.. كيف تقرأ هذه التطوراتِ مع ما رافق ذلك من انتصارات بجبهة نهم، الجوف وُصُـولاً إلى مأرب؟، وما حصل بجبهة البيضاء، قانية وَولد ربيع، وقبلها الوصول إلى العُمق السعودي الإماراتي؟.

صحيحٌ ما ذهبتُم إليه، بعد سِتِّ سنوات من الصمود، استطاع الجيشُ اليمني واللجانُ الشعبيّة من تطويرِ مجال التصنيع العسكري الذي حقّق توازُناً نسبياً للردع مع دولتَي العُدوان، وما الانتصاراتُ التي حقّقها في الجبهات إلَّا دليلٌ على ذلك التطور النوعي.

وللتذكير هُنا فَـإنَّ الانتصارَ الحاسمَ الذي تحقّق ضد تنظيمات القاعدة ومقاتليها دليلٌ إضافي على التقدم التكتيكي والاستراتيجي والعسكري لقواتنا المسلحة واللجان الشعبيّة، ولولا حِكمةُ قائد الثورة الحبيب/ عبدالملك الحوثي، ورفيقه فخامة الرئيس/ مهدي المشَّاط، لَمَا تم إنجازُ كُـلّ تلك الإنجازات المُشرِّفة في أرض المعركة وحتى العُمق السعودي، وقريباً العُمق الإماراتي بعون الله.

 

– ختاماً مع كُـلِّ هذا.. هل بات اليمنُ على مشارفِ انتصارٍ تأريخي، سيمثلُ نقطةَ تحول لاستقلالية القرار السيادي وبناء دولةٍ حديثة؟.

إنها إرادَةُ اللهِ الواحدِ الأحدِ، الذي مكَّن جميعَ قوى المقاومة الحيَّة، وفِي طليعتها أنصار الله وحلفاؤهم بقيادة قائد الثورة الحبيب/ عبدالملك بدرالدين الحوثي، والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤهم بقيادة المناضل الشيخ/ صادق بن أمين أبو رأس رئيس المؤتمر الشعبي العام، هذه القوى هي الضامنُ لتماسُكِ وقوة الجبهة الداخلية، واليمنُ بإذن الله على مشارفِ انتصارٍ محقَّقٍ؛ لأَنَّه ثابتٌ على الحق، يناضِلُ مع الشعبِ اليمني الصابر المظلوم، وسيكونُ اليمنُ هو الرقمَ الأهمَّ في معادلة تأمين السلام، وضامناً قوياً لمعادلة الاستقرار والأمانِ في المنطقةِ برمتها.

 

– وَماذا عن مستقبلِ الأُمَّــةِ وتيارِ المقاومة العربي الإسلامي الأصيل وفقَ التجاذُبات العالمية الحاصلة؟.

إنَّه محورٌ تتعزَّزُ قدرتُه ويجني انتصاراتِه بثقةٍ عاليةٍ، والمحورُ المقابِلُ ينهزِمُ في جميع الجبهات، واللهُ حليفُ المظلومين وأصحابِ الحق، طالما وبُوصلةُ محورِ المقاومة تحريرُ فلسطين فَـإنَّه المنتصِرُ بإذن الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com