الرئيس المشاط يوجه خطاباً للشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 58 لثورة الـ26 سبتمبر

 

وجّه فخامةُ المشير الركن مهدي المشَّـاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى-، مساءَ أمس الجمعة، خطاباً إلى أبناء الشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 58 لثورة الـ 26 من سبتمبر.

 

فيما يلي نص الخطاب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله الطيبين، وبعد:

تزامُناً مع أعيادنا اليمنية وبمناسبة حلول الذكرى الثامنة والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، أتوجَّـهُ باسمي ونيابةً عن زملائي في المجلس السياسي الأعلى بتحيةِ الثورة والجمهورية إلى شعبنا الصابر الصامد، وإلى أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، وإلى كُـلِّ رفاق السلاح من عمومِ قبائلِ اليمنِ الأبيةِ، وجميعِ أبناءِ الوطنِ الشرفاء في الداخل والخارج.

 

أَيُّـهَا الإخوةُ والأخوات:

في هذه الذكرى نقتربُ اليومَ من شواطئ الستين عاماً على قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وهذا الرقمُ من السنين الطوال يكفي لأن ندركَ بأن هذه الثورةَ قد تعرضت لاختراقاتٍ ومؤامراتٍ مبكِّرةٍ عصفت -مع الأسف الشديد- بكُلِّ ما ارتبط بها من آمالٍ وتطلعاتٍ.

لقد كان هذا الرقم كافياً وزيادة لأن يضعَ اليمن في مصاف الدول الغنية والقوية والمتقدمة لو أنه وُجد مَن يصونُ هذه الثورةَ، ويعملُ مِن أجلِ أهدافها ووفق مبادئها بصدق وإخلاص، لكنها نبْوَةُ السيف وكَبْوةُ الجواد من أسلمت الزمام إلى أبناء غير برّرة، تمحوروا على مدى أكثرَ من نصف قرن حول ذواتهم، وحول أسرهم، وغرقوا في الفساد حتى آذانهم، وتنكّروا مع الأسف لكُلِّ تضحيات الثوار، ولكل آمال الشعب، وتطلعات الأجيال، وباعوا أنفسَهم وقرارَهم للخارج، ووأدوا كُـلَّ مشروع ينشد وَصْلَ هذه الثورة، أَو يحاولُ ضبطَ المسار، ولنا في ما تعرّض له المصلحون من التصفية والاغتيال السياسي عبر مختلف المراحل -من الشهيدِ الحمدي مُرورًا بالشهيد القائد، وحتى الشهيد الصمّاد- خيرُ مثال ودليل.

 

أَيُّـهَا الشعبُ اليمني العظيم:

إنَّ كُـلَّ معاناتنا التي نعيشُها اليومَ لم تكن وليدةَ اللحظة وإنما كانت نتيجةً لتراكمات طويلة ومزمنة ومكثّـفة من الاختراقات والمؤامرات الخارجية المبكرة التي استهدفت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، فقد عَمِدَ أدعياءُ الثورة المرتهنون للخارج إلى خنقِ مبادئها وتحنيط أهدافها، وفتحوا البابَ واسعاً أمام الخارج للتدخل في شؤونها منذ اليوم الأول عسكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديا، تارة بمناهضتها والوقوف الصريح ضدها، وأُخرى باسم مساعدتها والوقوف إلى جانبها حتى سام الخارج -بشقَّيه المساعد والمناهض على حَــدٍّ سواء- الثورة والثوار كُـلَّ صنوف العناء والعذاب، والسجن والظلم والمعاناة ولم تتوقف الحرب السياسية والعسكرية على ثورة وشعب السادس والعشرين من سبتمبر، إلا بعد أن ضمنَ الخارجُ إقصاءَ الثوار الحقيقيين، وإقصاءَ مَن جاء بعدهم من المخلصين، وبعد أن ضمن انتقالَ الزمام إلى أيدي أدواته من الخوَنة والفاسدين كما أسلفنا.

 

أَيُّـهَا الإخوةُ والأخوات:

لقد نشأت خلالَ عُمُرِ الثورة دُوَلٌ ونهضت بلدانٌ في الوقت الذي ظلت بلدنا تصنَّفُ ضمنَ الدول الأكثر فقراً والأكثر هشاشةً حتى في تلك المراحل التي حظيت فيها البلدُ بحالة طويلة من السلم والاستقرار والموارد والمنَح والقروض والديون والمساعدات الطائلة ومن دون أن يكون لها أي أثر أَو جدوى سوى مراكَمة الأرصدة وبناء الشركات والمدن في الخارج لحساب أُولئك الخونة والفاسدين، في دلالة واضحة على أنه لا شيء يقتُلُ روحَ الثورات مثل الوقوع في شِباك التبعية والارتهان، وهذا ما يجبُ أن نتذكَّرَه في كُـلّ ذكرى خالدة وفي كُـلّ منعطف من تاريخ ونضالات شعبنا اليمني العظيم.

وها نحن اليوم ندفعُ الثمنَ باهضاً لكُلِّ فشل وفساد أُولئك الخونة، ولكننا بإذن الله وبفضل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر مصمِّمون اليوم وغداً وبعد غد، بإرادَة لا تنثني وبعزمٍ لا يلينُ على إعادة الاعتبار لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر ولكل نضالاتكم وكفاحكم، وما هذه التضحياتُ العزيزة التي نقدمها وهذا الصمودُ الذي يسطِّرُه شعبُنا منذ ستة أعوام إلا خير دليل على ذلك، وخير دليل أَيْـضاً على أننا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، أَلَا وهو طريقُ الحرية والاستقلال، واستعادة قرار اليمن من يد الخارج المعتدي، وأدواته الرخيصة.

 

أَيُّـهَا الشعبُ اليمني العظيم:

إننا اليوم معنيون بمواصلة الصمود ومضاعفة الجهود ففي ذلك خلاص بلدنا من كُـلّ معاناته، ونبشّرُ الجميعَ بأن اللهَ قد قيَّض له رجالاً من أبنائه صدقوا ما عاهدوا الله عليه وصنعوا من رحمِ المستحيل كُـلَّ هذه الانتصارات، وروَوا بدمائهم وعرقهم ترابَ اليمن العزيز، ونعاهدُ اللهَ والشعبَ عهدَ الأحرار الصادقين وعهدَ المؤمنين الصامدين أن لا نتهاوَنَ في مسؤولية، وأن لا نفرطَ في قرار اليمن ولا في آمال وتطلعات الشعب وأن لا نكلَّ ولا نمِلَّ وفينا عرقٌ ينبُضُ، حتى تشرُقَ شمسُ الحرية والاستقلال على كُـلّ شبر من أرضنا، وحتى نرى اليمنَ دولةً تُسِرُّ الصديقَ، وتغيظُ العِدى، وتصنعُ البسمةَ من جديد على شفاه اليتامى والثكالى، وتعيدُ الاعتبارَ لكبرياء اليمن، وهذا العهدُ عهدُكم، وهذا النهجُ نهجُكم، وفي ذلك وحدَه ما يجعلكم اليومَ الأكثرَ استحقاقاً بالاحتفاء والاحتفال بكل ثورات وأمجاد اليمن قديماً وحديثاً.

 

 وأختم بالآتي:

1- بمناسبة هذه الذكرى الوطنية أحُثُّ الجميعَ على مواصلة إعادة الاعتبار لنضالات الآباء والأجداد من خلال الاستمرار في رفض كُـلّ أشكال التبعية والوصاية الخارجية، والعمل الدؤوب والمستمر على ترسيخ قيم الحرية والاستقلال وتحويلها إلى ثقافة وسلوك ومواقفَ ثابتة وراسخة حتى يتسنى لنا جميعاً تجاوُزُ كُـلّ عوائق النهوض، وتحقيق العبور نحو الغد المشرق والمستقبل الواعد.

2- أتوجّـه بجزيل الشكر وعميق التقدير والعرفان لكل منتسبي مؤسّسات الدولة على كُـلّ ما يبذلونه من جهود مخلصة ومشكورة في خدمة الشعب والوطن رغم كُـلّ المصاعب والتحديات، وأخُصُّ بالذكرِ جيشَنا واللجان الشعبيّة وكذا المؤسّسة الأمنية ممثلة بوزارة الداخلية التي تقدم نموذجاً مشرفاً وملهماً في تحقيق الأمن وصون وحماية السكينة العامة لمجتمعنا العزيز.

وأشد على أيديهم في مواصلة العمل والبناء والتحديث بنفس المستوى المشرف من الهمَّة والاهتمام والضرب بيد من حديد كُـلّ من تسول له نفسه المساس بأمن المواطن أَو العبث بسكينة المجتمع ونعدهم بالمزيد من الدعم والإسناد المستمر.

والشكرُ موصولٌ أَيْـضاً لكل الخيِّرين في الجانب الاجتماعي والثقافي من رجالات اليمن، علماء ومشايخ ووجهاء وأعيان ومسؤولين ومحافظين على ما يبذلونه من جهود رائعة، وتجاه ما حقّقوه من نجاحات مشرفة وإنجازات متقدمة في إصلاح ذات البين وحل مشكلة الثارات القبلية بين أبناء مجتمعنا الواحد والموحد، ولا يفوتني أن أشيدَ في هذا الجانب بجهود الأخ محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى وما يقدمه في هذا الصدد من أدوارٍ نبيلة.

3- أتوجّـهُ مجدّدًا إلى المجتمع الدولي، لا سِـيَّـما في ظل انعقاد الدورة الحالية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأعلن للجميع بأن مقعدَ الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة ما يزال شاغراً وأن من يجلسُ عليه لا يمثِّلُ إلا نفسَه وحفنةً منبوذةً ومطرودةً من قبل الشعب اليمني، وندعو الأممَ المتحدة إلى التوقف عن الاستخفاف بكرامة الشعب اليمني، ووقف اعترافها بمن لا يمثلون مصالحَ الشعب اليمني، ونذكر المجتمعَ الدولي والأمم المتحدة بأن التاريخ لن يغفرَ لهم خطيئةَ الاستمرار في الاعتراف بشرعية هم أنفسهم يعرفون أنها شرعيةٌ زائفة ومنعدمة واقعاً وقانوناً وأخلاقاً ومنطقاً، وهم أنفسهم يعرفون أَيْـضاً أن القاعدة وداعش جزءٌ لا يتجزأ منها، ويعرفون أنه لا شرعيةَ للصوص والفاسدين، ولا شرعية لمن يقيمون في عواصمَ تقصِفُ عاصمتَهم، وتحتلُّ أرضَهم، وتحاصرُ وتجوّع، وتقتل وتروِّعُ مَن يُفترَضُ أنه شعبُهم، ونشيرُ إلى أنه لم يعد لهذا الموقفِ الأممي والدولي أيُّ غطاء أخلاقي، وأن الشرعية الزائفة قد انتهت وتلاشت تماماً، وأن شعبنا اليوم أصبح فقط يقتَلُ ويعاني تحت ما يسمى بالشرعية الدولية، وأن كُـلّ القوانين الدولية والإنسانية التي تنبثقُ منها ما يمكن تسميته بالشرعية الدولية تتناقضُ ولا تنسجمُ مع الموقف الأممي والدولي المتواطئ صراحةً في قتل وحصار الشعب اليمني المظلوم؛ ولذلك ندعو الأممَ المتحدة والمجتمعَ الدولي إلى إعادة النظر في مواقفهم التي لن يغفرَها لهم التاريخُ ما لم يقرّروا تصحيحَها والعودةَ إلى تقديم المواقف العقلانية والمنطقية، وبما يضمنُ احترامَ كرامة وسيادة ومصالح الشعب اليمني ويعززُ السلمَ والأمنَ الدوليَّين.

المجدُ والخلودُ للشهداء.. الشفاءُ للجرحى.. الحريةُ للأسرى..

تحيا الجمهورية اليمنية..

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com