وثائقُ تفضحُ حجمَ الوصاية الأمريكية المباشرة على القرارات السيادية لسلطات ما قبل الثورة:

سياسيون ومسؤولون: الثورة أنقذت البلدَ من الارتهان للخارج

اليمن قبل 21 سبتمبر: “دولة” السفير الأمريكي!

 

المسيرة | خاص

تزامُناً مع الذكرى السادسة لثورة 21 سبتمبر والتي كان من أبرز منطلقاتها وأهمِّ مفاعيلها التخلُّصُ من الوصاية الأمريكية على اليمن، نشرت “المسيرةُ” مجموعةً من الوثائق “السرية” التي كشفت تفاصيل جديدة حول حجم النفوذ الأمريكي الذي كان متوغلا داخل الدولة اليمنية ومتحكماً بقرارها السيادي قبل الثورة، إذ تظهر الوثائقُ أن السفيرَ الأمريكي في البلاد آنذاك كان يتدخَّــلُ بشكل مباشر في صنع القرارات الرئاسية، وخُصُوصاً تلك المتعلقة بالدفاع والأمن (تشكيل وهيكلة القوات، سحب وتدمير الصواريخ، تعيين قادة) وِفْــقاً للمصالح الأمريكية التي تتمحور بشكل واضح حول إضعاف قدرات الدولة، كما تظهر الوثائقُ تدخلاتٍ مباشرةً للاستخبارات الأمريكية في جهاز “الأمن القومي” آنذاك، لاستخدامه في إطار تنفيذ التوجيهات والإملاءات الأمريكية، في مشهد يعكس صورة واضحة عن حالة الارتهان الكامل والتبعية المطلقة التي كانت سلطات ما قبل الثورة تعيشها.

في إحدى الوثائق، يُقدِّمُ السفيرُ الأمريكي لدى اليمن آنذاك، جيرالد فايرستاين، جُملةَ توجيهاتٍ وأوامرَ مباشرةٍ للفارّ هادي، لكي يصدرَ بشأنها قراراً رئاسياً، ومن ضمن تلك التوجيهات: نقل وحدة “مكافحة الإرهاب” من نطاق سُلطة وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع آنذاك (عام 2013 بالتحديد)، وأن تكون الوحدة تحت قيادة “قوات العمليات الخَاصَّة” التي توجّـه الوثيقة نفسها بتعيين قائد جديد لها، ونائب له، وتعيين نائب لرئيس الأركان أَيْـضاً.

توضح هذه الوثيقةُ أن “الرئاسةَ” نفسَها كانت آنذاك مُجَـرَّدَ واجهة شكلية لإصدار القرارات التي تهندسها السفارة الأمريكية، وبطريقة تكشف أن الأخيرة لم تكن تكتفي فقط برسمِ الخطوط العريضة، بل تتحكم في كُـلّ التفاصيل، كما لو أن الدولة اليمنية كانت رقعةَ شطرنج يحرك السفير أحجارها بكل أريحية، وبدون وجود أي خصم أَو منافس.

ومن ضمن التوجيهات التي تضمنتها الوثيقة تشكيل “قوات أمن حدود” على أن تكون “عبارة عن وحدات رمزية” وهو بمثابة أمر مباشر للرئاسة آنذاك بفتح حدود البلاد والتنازل عن حمايتها!

ويبدو من طبيعةِ التوجيهات المذكورة أنها جاءت ضمن مؤامرة “إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن” التي تكشفُ وثيقةٌ أُخرى، أن السفير الأمريكي كان يديرُها بشكلٍ مباشرٍ ونشاطٍ واسع، حيث تتحدث هذه الوثيقة أن “فايرستاين” كان مشرفاً على وصول “الفريق الخاص بموضوع إعادة تنظيم وهيكلة القوات المسلحة”، وتتحدث عن اجتماع عقده في “مصلحة خفر السواحل” بحضور عدة قيادات عسكرية؛ مِن أجلِ “إعادة تنظيم القوات البحرية”.

في السياق نفسه، تكشف وثيقة “سرية” صادرة عن “الأمن القومي” آنذاك، أن الجيش الأمريكي كان يقومُ بتنفيذ تدريبات عسكرية داخل قاعدة “العند” بمشاركة قوات “مكافحة الإرهاب” التي اتضح سابقًا أن الولايات المتحدة كانت تديرها بشكل مباشر، حيث تشير هذه الوثيقة إلى أن “السفير الأمريكي أُبلِغَ بأن فريق الاستشاريين الأمريكيين الموجودين في قاعدة العند سيقوم بتمرينٍ عسكرية بمشاركة وحدات مكافحة الإرهاب ومجموعة صغيرة من المدربين الأمريكيين وطائرتي هيلوكبتر” وأن القوات ستبقى “في انتظار القيام بالعمليات الفعلية عند وصول المعلومات الاستخباراتية”، وهذه الأخيرة تصلُ بالتأكيد من الجانب الأمريكي، فمن الوثيقة يبدو بوضوح أن “الأمنَ القومي” نفسَه أخذ المعلوماتِ عن التدريب العسكري من السفير.

وتؤكّـدُ وثائقُ أُخرى أن “جهاز الأمن القومي” آنذاك كان تابعاً بالكامل لنفوذ الاستخبارات الأمريكية، حيث تؤكّـد إحدى الوثائق أن “مدير محطة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) “في صنعاء كان مشرفاً على عمل الجهاز، وأن هناك تعاوناً كَبيراً بين ضباط الجهاز ومحطة الاستخبارات، فيما تنُصُّ وثيقةٌ أُخرى على أن الجهاز كان يعملُ “في مسارات تخدُمُ مصالحَ الأمن القومي الأمريكي”!

وتترجم وثيقتان إضافيتان مفعولَ تبعية “الأمن القومي” آنذاك للاستخبارات الأمريكية من خلال عمليات سحب وتدمير صواريخ الدفاع الجوي (ستريلا وسام)، حيث تكشفُ وثيقة أن الجهاز أشرف بنفسه على إتلاف صواريخ “ستريلا”، بالتنسيق والتعاون مع الأمريكيين (هذا ما تؤكّـده المقاطع المصورة التي بثتها المسيرةُ سابقًا لعمليات تدمير الصواريخ بحضور المرتزِق عمار صالح).

كما تتضمن الوثيقةُ الأُخرى توجيهاً من الجهاز، لوزير الدفاع “محمد ناصر أحمد” يقضي بـ”سحب جميع صواريخ سام من مخازن الوحدات العسكرية” الأمر الذي تلاه تدمير وإتلاف تلك الصواريخ.

تعطي هذه الوثائقُ صورةً دقيقةً عن شكل وطبيعة سلطات وحكومات ما قبل ثورة 21 سبتمبر، حيث تنعدمُ تماماً كُـلُّ مظاهِرِ السيادة من المشهد، وتتحوَّلُ “الدولةُ” إلى مُجَـرَّدِ قُفَّازٍ يرتديه الأمريكيون وهم يديرون كُـلَّ شؤون البلاد ويدمّـرون مؤسّساتها وسلاحها؛ تمهيداً للسيطرة عليها عسكريًّا، حيث تؤكّـد تفاصيل التحكم الأمريكي بقرار الدولة آنذاك أن المسألة لم تكن مُجَـرّد نفوذ أَو تبعية سياسية محدودة، بل كانت خضوعاً تاماً يشبه ما نراه اليوم من خضوع سلطات المرتزِقة لدول العدوان، والحقيقة أن مشهد اليوم ليس إلا امتدادا لمشهد الأمس.

وقد أكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، حزام الأسد، لصحيفة المسيرة أن تدخلاتِ السفير الأمريكي قبل ثورة 21 سبتمبر كانت تصل إلى حدود “تعيين رؤساء أقسام الشرطة”، وأن السفارة الأمريكية كانت بمثابة “احتلال” تجسد بشكل أوضح من خلال إرسال جنود المارينز إلى العاصمة صنعاء.

وبالرغم من أن ما كشفته هذه الوثائق يكفي لكشف حقيقة الوضع الكارثي الذي خرج ثوار 21 سبتمبر عليه، وتمكّنوا من إزالته، إلا أنه ما زال هناك الكثيرُ من تفاصيل الوصاية الخارجية على اليمن قبل الثورة، ومن ذلك ما تحدث قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عنه في كلمته الأخيرة، حول العلاقات السرية التي كانت قائمة بين النظام السابق والكيان الصهيوني للتطبيع، والتي وصلت إلى حَــدِّ زيارات صهيونية إلى صنعاء، الأمر الذي يمثل فضيحةً أكبرَ، تكشف أن سلطات وأنظمة ما قبل الثورة كانت تبيع سيادة واستقلال اليمن وهويته وقضاياه وأمنه بالجملة، وبدون أي خطوط حمراء.

وكل ذلك يؤكّـدُ صوابيةَ موقف ثورة 21 سبتمبر، الذي كان من أبرز مميزاته، الرفضُ التام للوصاية الخارجية على اليمن، وعلى عكس الكثير من الثورات الأُخرى التي سرعان ما تم الالتفافُ على منطلقاتها ومواقفها المبدأية، وتميُّزُ موقف ثورة 21 سبتمبر الرافض للوصاية بثبات حقيقي واستثنائي تجسد بشكل واضح في صمود إعجازي أمام دول الوصاية وحلفائها لست سنوات لم تتمكّن خلالها تلك الدولُ من التدخل في قرار واحد لصنعاء، لا بالقوة ولا بالنفوذ.

هذا ما أكّـده أَيْـضاً أمينُ سر المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، الدكتور ياسر الحوري، في حديث لصحيفة المسيرة، أوضح فيه أن الوثائق المنشورة تؤكّـد صحة مسار ثورة 21 سبتمبر، ونجاحها في القضاء على الوصاية الأمريكية.

وهو أَيْـضاً ما أكّـده وزير الخدمة المدنية بحكومة الإنقاذ، الدكتور إدريس الشرجبي، الذي أوضح أن ثورةَ 21 سبتمبر حوَّلت اليمن من حالةِ الارتهان الكامل للخارج إلى حالة أصبحت فيه “أيقونةً” في مواجهة النفوذ الأمريكي والصهيوني في المنطقة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com