2000 يوم صمود.. صوابيةُ الخيار وحتميةُ الانتصار

 

كتب/ المحرّر السياسي:

على مدى 2000 يومٍ من عمره، لم يحقّقِ العدوانُ الأمريكيُّ السعودي أيًّا من أهدافِه المعلَنة، لكنه ترك بصمتَه على دماء 43 ألفَ شهيد وجريح مَدَني، جُلُّــهم من النساء والأطفال، ومثلها من المنشآت والمنازل والمساجد المدمّـرة، وأظهر بعدَ كُـلِّ هذه المدة وجهَه الصهيونيَّ الظاهرَ دونَ أية أقنعة حاول أن يتسترَ خلفَها خلالَ السنوات الماضية.

على الجانب الآخر، حقّق الشعبُ اليمني أكثرَ مما كان متوقَّعاً منه، بحساب الإمْكَانات والماديات، فهذا الصمودُ هو الذي جعل الآخرين يحتارون، مع حلولِ كُـلِّ ذكرى من مراحل هذه السنوات، في تسميتها إما كذكرى مرحلةٍ من العدوان أم ذكرى مرحلة من الصمود.

يمكنُ القولُ: إِنَّ الفارقَ الذي حقّقه الشعبُ اليمني خلال 2000 يوم من العدوان أنَّه وفيما كان الكثيرُ ممن يؤمنون بمظلوميةِ هذا الشعب يراهنون على انتصارِه كحصيلةٍ وثمرةٍ للصمود وعدم الاستسلام، باتوا اليوم يتطلعون ويراهنون على قدرةِ هذا الشعب على حسم المعركة العسكرية لصالحه، رغم أنَّ العالمَ يعيشُ مرحلةً لم تعد تشهد فيها الحروبُ انتصاراً كاملاً لصالح القوى الكبرى، وهذا ما حدث في العراق وأفغانستان وغيرهما، لكن في اليمن بات الطرفُ المظلومُ والأضعفُ من ناحية الإمْكَانيات قادراً أَوَّلاً على تحقيق الانتصار على الطرف القوي بكل إمْكَاناته الهائلة وتحقيق انتصارٍ كاملٍ، وما تشهدُه محافظةُ مأرب هذه الأيّام بعدَ 2000 يوم من العدوان خيرُ دليلٍ على ذلك، في حربٍ ظن أصحابُها أنَّهم قادرون على حسمِها في أسبوعَين.

صحيحٌ أنَّه قد مر على اليمن خلال تاريخه الطويل العديدُ من المحن حاولت فيها عدةُ امبراطوريات غزوَه واستعبادَ شعبه، وفي كُـلِّ مرة كانت تلك الامبراطورياتُ تُمنَى بالهزيمة، ومع تراكم تلك المحاولاتِ وتشابُهِ نتائجها أُطلِقَ على اليمن لقبُ “مقبرة الغزاة”، لكن الفارقَ الذي صنعه يمنُ اليوم أنَّه تعرض لأكبر محاولة غزوٍ في تاريخه من حيث عددِ الدول وإمْكَاناتها العسكرية والمادية، وفي نفس الوقت مُنِيَت هذه المحاولة بهزيمة على يدِ اليمنيين بشكلٍ لم يحقّقوه في تاريخهم؛ ولذلك يمكنُ وبكل ثقة أن نقولَ اليوم: إِنَّ اليمنَ صنع التاريخَ واستحق لقبَ “مقبرة الامبراطوريات العسكرية والمالية”، في تجربةٍ ستحمي اليمنَ خلال القرون القادمة وستفكِّــرُ فيها كُبَرى الدول ألفَ مرة قبل أن تحاولَ غزوَه مجدّدًا.

اليومَ يلاحظُ الجميعُ أنَّ دولَ العدوان -بآلتِها الإعلامية الضخمة بكل المستويات- باتت تخجلُ من تغطية مراحل هذا العدوان، ولم تعد تربط اسمَ هذه التحالف المعادي بما يُسمَّى “الشرعية”، فنحن نتذكَّرُ في الذكرى الأولى للعدوان -أي مرور عامٍ عليه- كيف خصّصت وسائلُ إعلام العدوان مساحةً كبيرةً لتغطية هذه الذكرى، ومع مرور الأيّام والسنين بات الوقتُ يُمَثِّلُ عِبئاً عليها، فتهرُبُ من تغطية المناسبات المرتبطة بهذا العدوان، وُصُـولاً إلى ذكرى 2000 يوم التي تشهدُ فيها القنواتُ السعودية والإماراتية نداءاتِ النظامَين السعودي والإماراتي ومناشداتهما لمجلس الأمن؛ لحمايتِهما من هجمات المسيَّراتِ والصواريخ اليمنية، في مفارقةٍ تستحقُّ من الجميع الوقوفَ عندَها والتفكُّرَ فيها واستخلاصَ الدروس.

أَيْـضاً، بذلت قوى العدوان جُهداً كَبيراً لإقناعِ العالم في بداية العدوان أنَّ الشعبَ اليمنيَّ يُؤيِّدُ حربَها، ورغم أنَّ تاريخَ تلك الدول يتنافى مع تلك المزاعم، إلا أنَّ الأيّامَ كانت أفضلَ شاهد يؤكّـدُ على عمق نظرة قائد الثورة الذي أكّـد منذ اليوم الأول أنَّ هذا العدوان جاء لتحقيقِ أهداف أمريكية إسرائيلية لاحتلال اليمن واستعباد شعبه، فما تشهدُه المحافظاتُ المحتلّة وما يتعرض لها أبناءُ الشعب اليمني هناك وقبل ذلك ما يصدر عن الأدوات التي استخدمها العدوان لغزو اليمن من اعترافات صريحة وواضحة بأنَّ قوى العدوان تمارس بحقهم كُـلّ أنواع الامتهان والاحتقار والحرمان، كلها تؤكّـد صحة ما تحدث به قائد الثورة حتى فيما يتعلق بحديثه بدايةَ العدوان بمصير المرتزِقة على يدِ مشغلِّيهم.

وعلى الجانب الأخير، جاء مسلسلُ التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل النظامين الإماراتي والبحريني واحتفالُ الإعلام السعودي به وسماحُ النظام السعودي بعبور الطائرات الإسرائيلية من أجواء المملكة واللقاء الذي أُعلن عنه بين رئيس المجلس السيادي في السودان مع رئيس الوزراء الصهيوني، مما أظهر حجم ارتباط كُـلّ دول العدوان بالكيان الصهيوني، وما إنشاءُ القواعد الأمريكية والتمهيدُ لأُخرى إسرائيلية في سقطرى المحتلّة إلَّا تأكيـدٌ أَيْـضاً للجزء الآخر مما تحدث به قائدُ الثورة بدايةَ العدوان من أنَّه انطلق لتحقيقِ أهداف أمريكية إسرائيلية عبر أدواته الدولية، ممثلةً بالنظامَين السعودي والإماراتي وأدواتِه المحلية من المرتزِقة الذين انقسموا بين مؤيِّدٍ علني للتطبيع على غرار ما يسمى بالمجلس الانتقالي، وبين صامتٍ سياسيًّا وإعلاميًّا على غرار حزب الإصلاح.

اليومَ تُثبِتُ المرحلةُ أنَّ قائدَ الثورة لم يغامِــــــــرْ بأبناء شعبه حين دعاهم إلى المواجَهة كخيارٍ وحيدٍ، ونبَّههم من أنَّ كُلفةَ الاستسلام أكبرُ من كلفة الصمود، فالجميعُ بات على يقين بقضيةِ اليمن المحِقَّــة والعادلة، واستحقاقه لنصر الله، وبات الشعبُ اليمني أَيْـضاً يشعُرُ بصوابية هذا الخيار ويتلمَسُ ثمرتَه مع اقتراب النصر، بنفس القدر الذي بات فيه المرتزِقةُ يدركون سُوءَ حالهم وحِلكةَ مصيرهم كمنبوذين من أبناءِ شعبهم ومهانين من قِبَلِ مشغِّليهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com