التنافس الشريف انعكاسٌ لبيئةٍ صالحة!

 

عبد القوي السباعي

الفرقُ بين التنافس الشريف والتنافس غير الشريف أن التنافُسَ الشريف يؤكّـدُ أن نجاحَك هو نجاحي وحافزٌ لي لإخراج أفضل ما عندي، ولكي نستفيدَ من تجارب بعضِنا بعضاً، ونفجِّــرَ طاقاتنا لنصلَ إلى الهدف المنشود، أمّا التنافُسُ غير الشريف هو اعتقادُك بأن نجاحي هو فشلٌ ودمارٌ لما تبنيه، فأنت ناجحٌ بفشلي، قد تكون صديقي لكن الحسد والغيرة يملأن قلبك، ولعلك تستفرغ من الجهد في تدميري أكثر مما استفرغتهُ في سبيل الوصول إلى الهدف السامي والمنشود لكلينا.

جميعُنا ندركُ أن التنافُسَ الشريفَ من السمات البارزة في العلاقة بين الناس، وحافزٌ هامٌّ لبذل المزيد من الجهد والارتقاء بمستوى الأداء وبمستوى العمل والخدمات المقدمة، بل والحرص على جودتها، وهكذا يبذل العاملون جهدهم لبلوغ هذه المستويات لنجاح هذه المؤسّسة أَو المنشأة تلك، وتميُّزها ينبع من عطاء أفرادها، فكلما لامست جهودهم المستوى المطلوب المواكب لخطط النهوض والتطوير كلما كان النجاح حليفهم، فمعايير التفوق تختلف من شخصٍ إلى آخر في حين أن التفوقَ بلا أخلاق كالشجر بلا أوراق فكيف لها أن تثمر؟، في مقابل ذلك فإن عناصر التفوق تكون متميزة متى ما كان التحلي بالأخلاق الكريمة عنواناً لها، إلى هنا فإن الأمر يكون طبيعياً في ظل تنافسٍ شريفٍ يحدوهُ الاحترام المتبادل والالتزام الأدبي الذي يحفظ حقوق الآخرين ماديةٍ كانت أَو معنوية.

وليس عيباً أن يتفوقَ شخصٌ ما على آخر في العلم أَو الخبرة أَو في أي مجالٍ من مجالات الحياة، كما أنه ليس من المستهجَنِ أن يسعى الأدنى للحاق بالأعلى، وأن يبذُلَ جهدَه للتفوق عليه، في حدود ابتغاء مرضاة الله، والسلامة من آفات الكبر والعجب والرياء، وبقيد طهارة المشاعر القلبية، ونقاء العلاقات الأخوية، وبضابط الإنصاف، والعدل في التقويم، للنفس وللآخرين بحيث يؤدي ذلك كله بالنتيجة إلى تحقيق مصلحة وطنية عليا، بعيدًا عن هوى النفس وتقديس الذات.

فحين تتفشى المنافسة الشريفة تكونُ وقوداً للهمم، ومحرِّضاً على البذل المتواصل، وسبيلاً لتوجيه الأبصار إلى الاتقان وإلى أعمال الإحسان بكل مظاهرها داخل بيئة العمل وخارجها، والتي يفجر التنافس فيها مزيداً من البذل والعطاء في ميدان تحمل المسؤولية، وبما يعود بالنفع على المؤسّسة والفرد والمجتمع ككل، حتى يصبح الفرد من هذه الأُمَّــة المنظمة يتطلع دائماً إلى الأسمى، بإخلاصٍ ونكران ذات في إطار موقع المسؤولية التي يتحملها.

غير أن ما يعكِّرُ صفوَ مسار التنافُس الشريف، عندما تغيبُ الأُسُسُ الأخلاقية وتهيمن لُغةُ الغيرة والحسد، حينما يتم النَّيلُ من فردٍ ناجحٍ وذي خبرةٍ متميزة، وعلى حساب المؤسّسة أَو المنشأة برمتها، دون أي اعتبار للعدالة والأمانة والشرف وأخلاقيات المهنة، فمثل هكذا تصرفات قد عفى عليها الزمن في كثيرٍ من مؤسّساتنا وهيئاتنا ومنشآتنا اليمنية الرسمية والخَاصَّة، بعد انعتاقها من بعض الأشكال والمظاهر السلبية التي كانت سائدةً ومستشريةً لدى كافة الأطر القيادية والتنفيذية للجهاز الإداري للدولة وحتى وقتٍ قريب، والتي كان من أولويات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة القضاء على مثل تلك المظاهر التي جعلت من أدوات الفساد والإفساد هي المسيطرة على قمة الهرم الوظيفي ومصدر القرار فيه، فجاءت لإصلاحها واستبدالها لتحل محلها أُطُرٌ أكثرُ إخلاصاً وحرصاً على تحمل المسؤولية تكليفاً لا تشريفا، ومن دافعٍ ديني ووطني وأخلاقي، وفي تمازجٍ نوعي بين الاستعداد لتحمل المسؤولية والرغبة في البذل والعطاء في المسار العملي، وبين الالتزام الواعي للقيم الأخلاقية التي لا تقل بهاءً عن تجسيد الإحسان في أعلى مراتبه، حينها نهضت كُـلّ قيادات الجهاز الإداري للدولة بمختلف مهامها وواجباتها، لتضخ قيماً خلاقةً مبدعة، وهي تنضوي تحت لواء الاستشعار بالمسؤولية والأخلاق الفاضلة، وتمثلت المسؤوليةُ الأخلاقية والالتزام الأدبي عنصرين هامين صارا شعاراً للتنافس الشريف سواءٌ أكان ذلك بين الأفراد أَو المؤسّسات.

رغم ذلك، لا تزال بعضُ مؤسّساتنا تعاني وفي إطار التنافس غير الشريف، من وجود بعض المتسلقين الذين يسوغون لأنفسهم رمي الآخرين بالحجارة، والتسلق على حجم المآثر التي اجترحوها بذلاً وجهداً وعطاءً، خلال أعوام من مسيرتهم العملية في هذه المؤسّسة أَو تلك، الأمر الذي يستوجب على صانع القرار هُنا أَو هُناك إلى التنبه من حرق أوراق المنافسة الشريفة جهلاً أَو انحيازاً لجهةٍ دون أُخرى، فللمتسلقين أساليبهم وفنونهم الخَاصَّة في الإقناع والتأثير والطرق الملتوية في الإيقاع، التي تعمل على قتل روح التنافس وتدمير عزائم العطاء وكبح همم الإبداع في نفوس الشرفاء والمخلصين من العاملين في هذا الموقع أَو ذاك؛ كون المتسلقين لا يمكن لهم البقاء إلاّ في إطار بيئةٍ مضطربةٍ وفاسدةٍ ومفسده.

فاهمس في آذان بعض المستويات القيادية أن يكونوا أكثر وعياً وعدلاً واستشعاراً للأمانة، إذ لا يكتمل الإيمانُ في قلبٍ انجرف به التنافس غير الشريف إلى الحسد والغيرة، إذَا أظهر ما في نفسه من غِلٍّ وعمل بمقتضاه، وحملهُ ذلك على إيقاع الشر بالآخرين أَو تعجيزهم وشن عدوانٍ غاشم ضدهم في حدود إلحاق الضرر بهم وتهميشهم وتشويه سمعتهم، فلا يمكن أن يتماسَكَ مجتمعُ الساعين للانتصار على العدوان بكل أشكاله وفعالياته، ما لم يتطهر مجتمعُهم الصغيرُ والناشئُ من الكيد والتحاسد، وما لم يستنزف جهودهم التنافس في الخيرات وفيما ينفع الأُمَّــة، قال تعالى: ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ))، والله من وراء القصد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com